حضيض الكفر فى أُغنية الكحلاوى ( لأجل النبى .. تقبل صلاتى على النبى )

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٠٥ - يونيو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة : أغنية :( لأجل النبى لأجل النبى تقبل صلاتى على النبى ) نراها ( صادقة ) فى التعبير عن عقائد الأغلبية الساحقة ممّن يقدسون النبى محمدا ، وهى ( صادقة ) أيضا فى التعبير عن حضيض الكفر .

 ونعطى بعض التفصيل :

أولا : الدعاء فى الاسلام :

1 ـ لا بد أن يكون بتضرّع وخشية وبصوت خفى ، ثم تدعو ربك جل وعلا تتوسل به بين الخوف والرجاء . هذا ما فعله نبى الله زكريا حين دعا ربه بنداء خفى يتضرع اليه بعجزه وشيخوخته يطلب أن يهبه الله جل وعلا إبنا يرثه ـ فإستجاب له ربه جل وعلا : ( ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً (7)  مريم ) .

وبالتضرع نفسه دعا يونس ربه جل وعلا وهو فى بطن الحوت ، لم يتكلم كثيرا ، قال جملة قصيرة وكانت كافية لأن يستجيب له ربه جل وعلا : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ (87)الأنبياء ) وإستجاب له ربه ، وكذلك يستجيب رب العزة جل وعلا للمؤمنين المتضرعين:( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) الانبياء )

2 ـ الدعاء بصوت عال جهورى وبلا تضرع يكون إعتداءا على قدسية الخالق جل وعلا ، قال رب العزة جل وعلا : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) الاعراف )  ويقول جل وعلا فى الآية التالية ( وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (56) الاعراف ) ، أى أن يكون التضرع فى الدعاء خوفا من الرحمن جل وعلا وطمعا فى فضله ورحمته ، ورحمته جل وعلا تكون قريبة من المحسنين . فالمحسنون فى هذه الآية الكريمة هم عكس ( المعتدين ) فى الآيةالسابقة .

3 ـ  ولكى نعرف معنى التضرع عليك أن تتخيل نفسك فى مركب يشرف على الغرق ، وأنت تتضرع لربك كى ينجيك . عندها سيكون تضرعك صادقا بالدموع وبكل ما فى القلب من إخلاص . هذا التضرع أشار اليه رب العزة جل وعلا فى قوله : ( قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ (63) الانعام) . هو نفس التضرع الذى يجب أن يلتزمه المؤمن حين يذكر إسم ربه جل وعلا . قال جل وعلا للنبى محمد ولكل مؤمن عن كيفية عبادة الذكر :(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنْ الْغَافِلِينَ (205) الاعراف ).

4 ـ فى النهاية فالدعاء فى الاسلام عبادة . وكل عبادة فى الاسلام يؤديها المؤمن بمنتهى الخضوع والخشوع ..ومنتهى الجدية ايضا . بدون ذلك تتحول العبادة الى إستهزاء وسخرية ولهو ولعب . وهذا هو جوهر ومظهر العبادات فى الأديان الأرضية .

ثانيا : الدعاء عند المحمديين عموما :

1 ـ لو دخلت على مدير العمل  تطلب منه علاوة أو ترقية أو أجازة . ستطلبها بكل إحترام وأدب وصوت خافت وبتوسل أيضا . تخيل نفسك مديرا وقد دخل مكتبك موظف يطلب ترقية فطلبها بصوت عال وبلا أدب . لا شك أنك ستطرده فورا ، وقد تعاقبه . تخيل أن موظفا عندك أحضر فرقة موسيقية ودخل بها مكتبك وقد حوّل طلبه الى اغنية يشدو بها على ألحان الموسيقى . لا بد أنك ستعتبره مستهزئا بك ، وستفصله من عملك لأنه قد ( إعتدى ) على مقامك ومنزلتك. هذا هو ما ترفضه فى تعامل موظف يعمل عندك ، ولكنك ترضاه فى تعاملك مع ربك العزيز الجبار ، حين ترضى بأن الدعاء للواحد القهار ليس بتضرع وخفوت صوت بل بأُغنية . هنا يكون الاعتداء على قدسية الخالق جل وعلا قد وصل مداه . بدلا من التضرع يكون التمتع بالأغنية والاستهزاء برب العزة جل وعلا .

2 ـ  ولهذا يصف رب العزة جل وعلا أصحاب الدين الأرضى أنهم إتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا ، يقول رب العزة جل وعلا يأمر النبى بالاعراض عنهم : (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا  )  (70)  الانعام ) وقال رب العزة عن وصف أهل النار : (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)  الاعراف  )

3 ـ الغريب أن المتزمتين من أصحاب الأديان الأرضية يبالغون فى تحريم الغناء العادى الذى هو حلال مباح .( وحتى لو كان فيه تحريض على الفجور فهذا التحريض يدخل فى دائرة السيئات الصغيرة و ( اللمم )). أما الغناء الدينى فهو عندهم الاساس ، مع أنه ـ كفر واعتداء على قدسية الرحمن جل وعلا .  .

ثالثا : حضيض الكفر فى أُغنية الكحلاوى ( لأجل النبى .. )

1 ـ فيها الاعتداء الفظيع على قدسية الرحمن جل وعلا شأن كل الأغانى الدينية ، ولكن حضيض الكفر هو فى مطلعها :( لأجل النبى لأجل النبى تقبل صلاتى على النبى ).

2 ـ المعنى الواضح أنه يطلب من رب العزة أنه ب ( جاه النبى ) و ( ولأجل النبى ) أن يقبل منه صلاته على النبى . هنا البطولة المطلقة هى للنبى . ووظيفة رب العزة ــ  جل و تعالى عن ذلك علوا كبيرا ـ أن يقبل منه صلاته على النبى يأخذها منه ويوصلها الى النبى . أى  يجعل رب العزة جل وعلا وسيلة للنبى ، فالنبى فوق ورب العزة هو الذى يوصّل الصلاة عليه اليه .! أو يجعله ساعى بريد يوصل للنبى الصلاة عليه . . والصلاة على النبى عند المحمديين عبادة للنبى وتقديس له ، أى إن الداعى ( الكحلاوى ) يقسم على رب العزة بجاه النبى ولأجل خاطر النبى أن يقبل رب العزة تقديس الكحلاوى للنبى أى صلاته على النبى !.

3 ـ هو هنا يضع رب العزة جل وعلا فى المرتبة الدنيا ويرفع النبى فوق مقام الواحد القهار جل وعلا ، ثم يكون هذا الكفر جوهر هذا الدعاء لرب العزة . أى يدعو رب العزة بإهانة يوجهها لرب العزة بدلا من التضرع والخضوع لرب العزة .!!

4 ـ هذا يذكرنى بتسبيح كان يقوله الصوفية فى بلدنا ( أبو حريز محافظة الشرقية ) فى صيغة عندهم للصلاة على النبى ، تقول ( اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد عدد كمال الله  وكما يليق بكماله ) .. هذه مبالغة مقيتة فى الكفر ..

رابعا : لمحة عن الصلاة على النبى إسلاميا

1 ـ قلنا فى مقال سابق منشور هنا عن ( الصلاة على النبى ) إن الصلاة على النبى فى الاسلام هى صلة المؤمن بالنبى بعد موت النبى ، وتتمثل هذه الصلة فى القرآن الكريم ، الذى كان يتمسّك به النبى والذى كان يتلوه النبى . فالمؤمن حين يتمسك بالقرآن الذى كان يستمسك به النبى يكون هذا القرآن الصلة بينه وبين النبى . وحين يتلو القرآن الذى كان يتلوه النبى فهو ينطق بنفس الألفاظ التى كان ينطق بها النبى ، وهذه صلته بالنبى وتلك هى صلاته على النبى .ثم يكون القرآن هو الرحمة التى نزلت على النبى للعالمين ، ويكون القرآن هو الهدى والرحمة للمؤمنين . وكفى بهذا صلة بين النبى الذى مات والمؤمنين الذين يأتون بعد موته .

2 ـ الى جانب ذلك ، فهناك التساوى بين النبى والمومنين فى موضوع ( الصلاة على ).

و( الصلاة على ) غير ( الصلاة ل ) . (الصلاة ل )تعنى العبادة ، ولا تكون الصلاة الا لله رب العالمين ، أى عبادته وحده . أما ( الصلاة على ) فهى الرحمة والدعاء بالرحمة . هنا يكون التساوى بين النبى والمؤمنين .

 3 ـ فالله جل وعلا وملائكته يصلون على النبى ويأمر المؤمنين بالصلاة عليه ، قال جل وعلا : (  إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56)  الاحزاب ).

والله جل وعلا وملائكته يصلون على الذين آمنوا (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (44)  الاحزاب ). والرحمة هى معنى الصلاة على النبى وصلاة الله جل وعلا على النبى وعلى المؤمنين ، وقد أرسله الله جل وعلا بالقرآن الكريم رحمة للعالمين ( الأنبياء 107 ) ، وستتجلى الرحمة بالمؤمنين يوم القيامة حين يلقون الله جل وعلا ويحييهم بالسلام . ونعيد قراءة الآيتين الكريمتين : (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (44)  الاحزاب ). وبهذا القرآن الذى هو هدى ورحمة للمؤمنين:( الاعراف 52) تتعزز صلة المؤمنين بالنبى بعد وفاة النبى ، فهم يتلون نفس الكتاب الذى كان يتلوه فى حياته ، ويوم القيامة سيكونون معه تحيط بهم معا أنوار الرحمة تسعى بين ايديهم وبايمانهم ، يقول جل وعلا : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)التحريم ).

 4 ـ وإذا كان المؤمنون مأمورين بالصلاة على النبى فقد كان النبى فى حياته مأمورا بالصلاة على المؤمنين ، قال له ربه جل وعلا :  ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) التوبة ) ووصفه رب العزة فى حياته أنه كان رحمة للذين آمنوا (يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ  (61)  التوبة ) وأنه كان بهم رءوفا رحيما (  لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) التوبة )

خامسا : الصلاة على النبى اصبحت عبادة عند المحمديين لإلاههم محمد

1 ـ تحوّلت الصلاة على النبى عند  المحمديين الى عبادة لإله أخترعوه أسموه ( محمدا ) حكموا عليه بأن يعيش فى قبر مسجونا فيه كى يراجع أعمالهم ويستغفر لهم وهو فى حفرة تحت أقدامهم وإذا صلوا عليه أسرع ـ بزعمهم ـ يرد عليهم السلام ، وبالتالى يضمنون شفاعته المزعومة ، ومن حج ولم يزره فنهاره طين .!!

2 ـ هذه العبادة لإلهمم المزعوم ــ الذى أسموه محمدا والذى لا صلة له مطلقا بمحمد رسول الله  ـــ هى الخلفية الدينية لأغنية الكحلاوى ( لأجل النبى تقبل صلاتى على النبى ) .

3 ـ هناك أغانى تتوسل بالنبى مباشرة مثل أغنية محمد عبد الوهاب ( أغثنا أدركنا يا رسول الله ) وأغنية أسمهان ( عليك صلاة الله وسلامه شفاعة يا جد الحسنين ) وهناك أغانى تتوسل برب العزة جل وعلا مثل أغنية شادية ( إلاهى ليس لى إلّاك عونا فكن عونى على هذا الزمان ) وأغنية محمد فوزى ( إلاهنا ما أعدلك ) وهى من تأليف أبى نواس . وكلها تقع فى دائرة الاعتداء على قدسية الرحمن جل وعلا ، ولكن أغنية الكحلاوى ( لأجل النبى ) هى الأحطُّ فى الكفر . 

اجمالي القراءات 10791