التسامح .. بين القرأن و أديان المسلمين الأرضية

مولود مدي في الإثنين ٠٥ - يونيو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

يمكن أن نعتبر موقف الفقهاء المسلمين من قضية التسامح مطابق لموقف رجال الدين الكاثوليك في العصور الوسطى, بحيث اعتبروا أن التسامح بدعة و سماّ دسه الملاحدة و أعداء الدين, لكن الفقهاء ذهبوا بعيدا بحيث ألغوا النصوص القرانية التي تدعوا الى التسامح, بأكذوبة الناسخ و المنسوخ, و المشهور عند الدين الأرضي الوهابي السلفي, ان أية السيف قد نسخت أيات القرأن التي تؤكد على احترام عقيدة الأخر و جعل الايمان و الكفر من شأن الانسان و حده, ضرورة التعاون معه (وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ), و دون أنيحدد القرأن مع من يجب أن نتعاون, و هذا تسليم من القرأن بأن التسامح الذي دعى اليه الاسلام جاء كحل لمعضلة العصبية القبلية و الوثنية المعروفة عند العرب, لذلك دعاوي السلفيين بنسب التسامح الى الغرب و أنه مؤامرة غربية هو محض كذب و افتراء, و تجاهل متعمد لأيات القرأن و اتهام لله بالميكيافلية, فكيف يأتي بتشريع ثم يلغيه و يتركه في القرأن ؟ انهم يؤمنون بقدم القرآن و كفّروا العالم الذي خالفهم, و مع ذلك يقولون بوجود الناسخ و المنسوخ ؟!.

ان الله عندما فرض التسامح على البشر, فانه كان على علم بحالهم و بحاجتهم اليه, ( سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ), لذا الجنّة ليست تحت ظلال السيوف كما يدّعي عبدة الحديث و مقدّسي البشر من أنصار دين السنّة الأرضي, و أن الله لا يتم نوره على جماجم البشر و بالجزية و السبي بأكذوبة الفتوحات, ( لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ).

لولا رضى الفقهاء المسلمين بالتجهيل الذي مارسه عليهم شيوخهم عبدة الشخصيات و البشر, لفهموا ان التسامح هو ضرورة انسانية أبدية غير مرتبطة بزمان و مكان, فحيث يوجد البشر يجب أن يتواجد التسامح, وسيظل العالم محتاجا اليه الى أن يرث الله الأرض و من عليها, فالأمر الذي جعل فكرة التسامح غريبة عن عقول فقهاء عصر الجهل و الانحطاط, هو اعتبارهم الحقيقة واحدة يمتلكها طرف واحد, ولهذا اخترعوا اسطورة " الفرقة الناجية " المخالفة للنص القرأني الذي يرد عليهم ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ), فليس هناك فرقة ناجية في القرآن ولا هم يحزنون .. اصلا كيف يعقل لنبي يرسله الله للناس أجمعين لكي يبني أمة مسلمة ثم يجعل النجاة مقتصرة على فرقة واحدة فقط ؟!, لقد كان عليهم أن يقرؤوا كتاب الله عزوجل و يتدبّروا فيه, ليعلموا أهمية احترام أفكار الغير و معتقداته, و أن يجتهدوا في البحث في كتب الذين سبقونا و أن يميز بعقولهم ما هو الصالح ليأخذوه, و الطالح لكي يتجنّبوه, لكنهم انشغلوا بتكفير منكري عذاب القبر و الأحناف و المعتزلة, و تدوين أحاديث السلف مع العفاريت.

ان الاحترام و القبول بتنوع و اختلاف ثقافات عالمنا ليس واجبا أخلاقيا فحسب, و لكنه ضرورة سياسية و قانونية, و هو فضيلة تجعل السلام ممكنا عالميا كما يساعد على استتباب الأمن.

يجب أن نفهم أن التسامح ليس استسلاما أو تنازلا, او تبنّي لرأي أو مجاملة للأخر, بل هو موقف يقوم على الاعتراف بحقوق الانسان, و الحريات الاساسية, اذن لمن الخطأ اعتبار التسامح مقتصرا فقط على حريّة التفكير فقط.

يجب أن نفهم أنه لا تعددية و لا ديمقراطية و لا أمن في ظل مجتمع ينعدم فيه التسامح, و في جو تسممه الطائفية و خطاب الابتذال و الكراهية.

لن يولد المجتمع الحديث المتنوّر, و المتشبع بالثقافة النقدية, الا بنشر ثقافة التسامح بين المجتمع, لأنه الجو الذي يسود فيه التسامح يشجّع على البوح بأي أفكار تجول في خاطر الانسان دون الخوف من العواقب, فلولا تكفير الفقهاء للفلسفة و تحقيرهم لها, لما عجزوا على فهم المعنى الفلسفي للتسامح, ولعرفوا أهميته, لكي يفهموا أنه منبع الحداثة و حقوق الانسان, و لكانت ذهنية المسلم أكثر تفتّحا و تنويرا. 

اجمالي القراءات 8290