يحيط أتباع الديانات الثلاث (اليهودية والنصرانية والإسلامية) دياناتهم بهالة من النرجسية الدينية العنصرية الطاغية، حيث أن أتباع ما يسمى بالديانات السماوية الثلاث قد احتكروا السماء لأنفسهم فقط، والسماء التي احتكروها ليست السماء ذات القبة الزرقاء التي نرها من فوقنا، وإنما احتكروا الله الذي يتوجه الناس جميعا في كل بقاع الأرض إليه في صلواتهم ودعائهم ورجائهم حين يمدون أبصارهم نحو السماء، فعلى حد زعمهم لا دين سماوي على وجه الأرض سوى أديانهم الثلاث، فالله ليس ربا ولا إلها سوى لأتباع الديانات الثلاث اليهودية, النصرانية الإسلام، فكل يهودي ونصراني ومسلم يرى شريعته ودينه ورسالته هي فقط شريعة الله ودين الله ورسالة الله، وغيرها من شرائع ورسالات هي محض كذب واختلاق، ويرى كل منهم أن كل ما في العالم من أديان هي عبارة عن أديان وثنية أرضية وضعية، وكأن الله هو فقط إله لمنطقة الشرق الأوسط، وعباده هم فقط سكان منطقة الشرق الأوسط.
إن أتباع ما يسمى بالديانات السماوية الثلاث هم أناس عنصريون يعبدون إلها عنصريا ينتمي لجنس بعينه وأرض بعينها وقوم بعينهم، فاليهود إلههم هو فقط إله ورب لبني إسرائيل ومن تبع دينهم، والنصارى إلههم هو فقط إله ورب المسيحيين ومن تبع دينهم، والمسلمون إلههم فقط هو إله ورب الجزيرة العربية ومن تبع دينهم، هؤلاء العنصريون ينظرون إلى أهل الأديان الشرقية (البرهمية، البوذية، الكونفوشيوسة، الزرادشتية) على أنهم أناس وثنيون ودياناتهم ديانات وضعية أرضية مختلقة وليست سماوية، وينظرون إلى شعائر ونسك ومقدسات تلك الأديان على أنها أصنام وأوثان يعبدونها من دون الله، ونسي هؤلاء العنصريون أصحاب الأديان السماوية الثلاث، ووفق منطقهم السفيه والأعرج أن لديهم هم أيضا أوثان وأصنام يعبدونها من دون الله ككعبة المسلمين، وصليب النصارى، وهيكل اليهود، وغيرها من الشعائر والمقدسات المخلوقة والمصنوعة من مواد الأرض التي نعرفها، إذ ما الفرق بين الكعبة المكونة من الحجارة، والصليب المصنوع من الخشب أو الحديد أو النحاس، وبين الهيكل المصنوع من الخشب والحجارة؟؟.
ومن هذه النظرة العنصرية الدينية من قبل أتباع الأديان التي تسمى بالسماوية، تم تشويه الرمزية والدلالة الحقيقية للمقدسات والشعائر والحرمات الدينية لكل الديانات، فافترق الناس وتعددت وجهات نظرهم تجاه المقدسات والشعائر الدينية، فالبعض من الجهلاء والذين لا يعلمون ينظرون إلى المقدسات والشعائر الدينية على أنها أشياء احتوت على هالة إلهية قدسية، أو أن فيها جذوة من ذات الله أحاطتها بتلك الهالة من القداسة التي جعلت الكثير من أتباع الأديان ينتقلون بمرور الزمن من تعظيمها إلى عبادتها واتخاذها أوثانا من دون الله. وكذلك البعض -من غير المؤمنين بالأديان- ينظرون إلى المقدسات والشعائر الدينية لجميع الديانات على أنها مظاهر وثنية ترمز إلى التخلف والبدائية، والكثير من المتدينين العنصريين ينظرون إلى مقدساتهم وشعائرهم على أنها مقدسات وشعائر تحظى بالشرعية الدينية الصحيحة، فيما أن مقدسات غيرهم من أتباع الديانات الأخرى هي مقدسات وثنية ليست لها أية شرعية دينية.
وبإلقاء بنظرة سريعة على شعائر ومقدسات أتباع الديانات السماوية الثلاث، نجد أن الديانة الإسلامية تتلخص مقدساتها وشعائرها في أرض مكة وما فوقها، كالبيت الحرام والصفا والمروة ومقام إبراهيم وجبل عرفات وغيرها من الشعائر التي تحظى بالقداسة والتعظيم لدى جموع المسلمين، أما الديانة المسيحية فتتلخص مقدساتها وشعائرها في الكنائس والأديرة، ككنيسة المهد في فلسطين وغيرها من الكنائس والأديرة المسيحية، وكذلك الصليب وغيره من المقدسات التي يتم تعظيمها من أتباع الديانة المسيحية، وكذلك الديانة اليهودية تتركز مقدساتها في حائط المبكى وهيكل سليمان المفقود، وغيرها من المقدسات لدى أتباع الديانة اليهودية، وكذلك لكل ديانة من الديانات الثلاث مكانا مقدسا اتخذوا منه قبلة يولون إليها وجوههم أثناء الصلاة، فاليهود والنصارى قبلتهم كانت وما زالت هي مدينة القدس بفلسطين، أما المسلمون فقبلتهم كانت وما زالت هي الكعبة البيت الحرام بمكة، وكلها كما يعرف الجميع مجرد أماكن وبقاع مخلوقة من الأرض، وليس كذلك فقط بل جعل الله لكل أمة قبلة تولي وجهها إليها أثناء الصلاة، (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). (148- البقرة).
# أنواع المقدسات والحرمات والشعائر في القرآن الكريم :
لو قمنا بجولة سريعة في قصص الأنبياء والرسل الواردة في القرآن الكريم، لوجدنا أن هناك العديد من المقدسات والشعائر والحرمات التي احتوتها رسالات الأنبياء والرسل، ووجدنا أن تلك الشعائر والمقدسات إما بقع أو أماكن محددة من الأرض، وإما حيوانات، أو غيرها، فمثلا إبراهيم عليه السلام جعل الله له البيت الحرام بمكة من الحرمات المقدسة والواجب تعظيمها، (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ). (125- البقرة)، وكذلك موسى عليه السلام قد جعل الله له الواد الذي كلمه فيه مقدسا، (هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى* إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى). (15،16- النازعات)، وكذلك الأرض التي أمر موسى بني إسرائيل بدخولها مقدسة أيضا، (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ). (21- المائدة). وكذلك جعل الله ناقة صالح عليه السلام آية من آيات الله وأمر أهل ثمود أن يعظموها ولا يمسوها بسوء، (وَيَا قَوْم هَـذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ* فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ). (64، 65- هود).
أما في شريعة النبي محمد عليه الصلاة والسلام فهناك العديد من الحرمات والشعائر، منها مثلا الكعبة، (جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ) (97- المائدة)، وكذلك الصفا والمروة من شعائر الله، (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ). (158- البقرة)، وكذلك الأنعام والبهائم التي يقوم الناس بتربيتها حتى تصبح بدينة لذبحها كقربان لله في البيت الحرام، فهذه البدن أي -البهائم والأنعام- المنوي ذبحها لله هي من شعائر الله، (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). (36- الحج)، وكذلك أمر الله المسلمين أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، (وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى). (125- البقرة)، بل إن الله لم يجعل من المكان والحيوان حرمة وشعيرة فقط إنما جعل من الزمن حرمة أيضا، فقد حرم الله أربعة أشهر في العام، حرم فيهم القتال والظلم، (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ). (36- التوبة)، بل قد جعل الله للهدي أي البهائم والأنعام المهداة إلى البيت الحرام لذبحها نسكا وقربانا لله، والقلائد، والآمين أي القاصدين لبيت الله الحرام من الناس، جعل لكل هؤلاء حرمة وفرض على المسلمين تعظيمهم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا) (2- المائدة)، وجعل الله قبلة المسلمين أثناء الصلاة الكعبة البيت الحرام، (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ). (144- البقرة).
كل هذه الشعائر التي ذكرنا، قد فرض الله على المؤمنين تعظيمها، وفرض عليهم أيضا عدم استحلال حرمتها، بل جعل الله لتعظيم هذه الشعائر وصون حرمتها دلالة ورمزية على تقوى القلوب، (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ). (32- الحج)، (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ). (37- الحج)، (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ) (30- الحج)، إذن حرمة الأماكن والأشياء والحيوانات وتعظيمها وتقديسها وجعلها من شعائر الله، هي شرائع دينية شرعها الله في كل الأديان وفي كل الرسالات الإلهية لكل أمم الأرض، وكذلك ذبح الذبائح في تلك الأماكن وعند تلك الشعائر المعظمة قربانا لله سبحانه ونسكا وعبادة له، هو أيضا شريعة شرعها الله في كل الأديان بلا استثناء، (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ). (34- الحج). (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ). (67- الحج).
مما سبق نستطيع أن نتساءل هنا ونقول: إذا كان كل ذلك كذلك فما الداعي العقلي والمنطقي والديني لتلك النرجسية الدينية وذلك التعالي الديني لأتباع الديانات الثلاث المسماة بالسماوية؟؟، لماذا يتعالون على أتباع الديانات الشرقية: (البرهمية، والبوذية، والكونفوشيوسة، والزرادشتية)،؟؟، ولماذا هذه النظرة الدونية لمقدساتهم وشعائرهم وحرماتهم؟، ولماذا يعتقدون أن أصول الديانات الشرقية هي أصول وضعية أرضية وثنية مختلقة؟؟، وهل يرون أن تقديس الهندوس للبقرة وتعظيمها وثنية؟، وهل يرون أن تقديس الزرادشتيين للنار وثنية؟، وهل يرون أن تعظيم الكونفوشيين لأرواح أسلافهم الصالحين وثنية؟، إذا كانوا ينظرون لكل ذلك على أنه وثنية ووضعية واختلاق، إذن فتقديس اليهود للهيكل وثنية، وتقديس النصارى للصليب والكنائس وثنية، وتقديس المسلمون للكعبة وثنية كذلك.
إن ما لا يريد أن يعترف به أتباع الديانات السماوية الثلاث أن الله هو رب العالمين وإله العالمين، وليس إلها وربا فقط لمنطقة الشرق الأوسط وسكان منطقة الشرق الأوسط، وأيضا لا يريدون الاعتراف بأن لكل أمة من أمم الأرض جعل الله لها مقدسات وحرمات وشعائر ومناسك خاصة بهم، لا فرق بين رسالة ورسالة ولا بين أمة وأمة، ولا بين دين ودين، فكما سبق من مقالات رأينا أن الله قد بعث في كل أمة رسولا، وجعل لكل أمة شرعة ومنهاجا، ولكل أمة منسكا، ولكل أمة وجهة هو موليها، وإذا كان ذلك كذلك فما هي إذن الأسباب العقلية والدينية والمنطقية لازدراء الأديان الشرقية واعتبار أصولها أصول وضعية أرضية وثنية؟؟. فما الفرق بين كعبة المسلمين وبين ناقة صالح وهيكل اليهود وصليب النصارى وكنائسهم وبقرة الهندوس ونار زرادشت وأرواح أسلاف كونفوشيوس الصالحين؟؟ أليست كلها مقدسات وحرمات وشعائر قد أمر الله بتقديسها وتعظيمها وتعظيم حرمتها؟؟.
# مقدسات وشعائر وحرمات وقبلة الديانات الشرقية :
إن الهندوس من أتباع الديانة البرهمية المنبثقة من (الفيدا)، تنحصر مقدساتهم في تعظيم البقرة وبعض قوى الطبيعة، وقبلتهم أثناء الصلاة هي الشمس، كما جاء في أسفار الفيدا، أما الكونفوشيين فتنحصر مقدساتهم في تعظيم أرواح الموتى الأوائل وتقديم القرابين لها، مع تقديس وتعظيم بعض قوى الطبيعة كالرياح والأنهار والأمطار وغيرها من قوى الطبيعية، أما الزرادشتيين فشعائرهم تنحصر في تعظيم النار وتقديسها وتقديم القرابين لها، ويأتي في المرتبة الثانية من التقديس والتعظيم لدى الزرادشتيين بعض عناصر الطبيعة كالهواء والماء والتراب.
إذن، تتلخص بعض المقدسات والشعائر والحرمات لكل الديانات اليهودية والنصرانية والإسلامية، والأديان الشرقية، على النحو التالي:
الديانة الإسلامية: الكعبة، الصفا والمروة، الحجر الأسود، البيت الحرام، البدن، جبل عرفات، مقام إبراهيم. الأشهر الحرم.
الديانة المسيحية: الكنائس، المدينة المقدسة، الصليب.
الديانة اليهودية: حائط المبكى، هيكل سليمان المفقود.
الديانة الهندوسية البرهمية: البقر، قوى الطبيعة، الشمس.
الديانة الكونفوشيوسية: أرواح الأباء الأوائل، قوى الطبيعة.
الديانة الزرادشتية: النار، الهواء، الماء، التراب.
كل تلك المقدسات كما نعلم ما هي إلا أشياء مخلوقة من عناصر الأرض، ليس فيها مقدس واحد أو شعيرة واحدة أو حرمة واحدة قد هبطت من السماء، أو جاءت من مصدر خارجي عن عالم الأرض التي نحي عليها، فالكعبة مجرد أحجار من أحجار الأرض، وكذلك الكنائس، وكذلك الصليب فما هو إلا قطعة من الحديد أو النحاس أو الخشب أو الذهب أو غيره، وكذلك حائط المبكى وهيكل سليمان المفقود، وكذلك بقرة الهندوس ما هي إلا حيوان معروف كلنا يعلم طبيعته، وكذلك قوى الطبيعة من رياح وأمطار وغيرها، وكذلك أرواح الموتى من الأباء الأوائل للصينيين، وكذلك النار والهواء والتراب والماء عند الزرادشتيين. فكل تلك المقدسات ما هي إلا مخلوقات من مخلوقات الله لا ميزة تكوينية لإحداها عن الأخرى من المخلوقات المماثلة لها.
وهنا يكمن تساؤل هام وهو: هل من فارق بين كعبة المسلمين، وبين صليب النصارى وهيكل اليهود، وبقرة الهندوس، وأرواح أباء الكونفوشيين، ونار الزرادشتيين؟؟. الجواب: بالتأكيد لا، لا فرق على الإطلاق بين أي مقدس لأي ديانة من الناحية التكوينية والطبيعة لهذا المقدس أو ذاك، فلا فرق بين كعبة المسلمين وبين بقرة الهندوس ولا بين نار الزرادشتيين ولا بين صليب النصارى ولا بين أرواح أباء الكونفوشيين ولا بين ظواهر وقوى الطبيعة، فكلها شعائر لها تعظيمها وحرمتها وقدسيتها لدى أتباع الديانات الشرقية، إلا أن الفارق الوحيد بين كل تلك المقدسات يكمن في أن تلك المقدسات هل هي مقدسات قد قدسها الله وعظمها وحرمها بالفعل، أم أنها مقدسات قد قدسها الناس وعظموها وحرموها من تلقاء أنفسهم؟؟. الجواب الذي يقره القرآن الكريم، هو أن ما من أمة من أمم الأرض التي أوحى الله إليها برسالة عامة كبرى إلا وجعل لها مكانا مقدسا مطهرا، وله حرمة عن غيره من الأماكن، وجعل لكل أمة منسكا هم ناسكوه، ولكل أمة شعائر لها تعظيم في قلوب أفراد هذه الأمة أو تلك.
لكن ما حدث أن الغالبية العظمى من أتباع جميع الديانات، قد انحرفوا في أمر المقدسات والشعائر انحرافان كبيران، يتمثل الانحراف الأول: في زيادة عدد المقدسات والشعائر التي اختلقها الأتباع من دون أي ذكر لها في الرسالة الإلهية الأصلية. أما الانحراف الثاني: فيتمثل في تحويل تلك الشعائر والمقدسات إلى أوثان يتوجه إليها الأتباع بالعبادة من دون الله. وما يثير الدهشة والضحك في الوقت نفسه، أن أتباع جميع الأديان ينظرون إلى مقدساتهم وشعائرهم نظرة نرجسية فوقية، بينما ينظرون إلى مقدسات وشعائر الأديان الأخرى نظرة دونية، حيث يتهمون أتباع الديانات الأخرى بأنهم وثنيون يتوجهون بالعبادة إلى أوثان مخلوقة.
والآن نذكر بعض المقدسات والحرمات والشعائر الدينية التي يقدسها ويعظمها أتباع الديانات الشرقية، وذلك من خلال استعراض ما جاء في الأبحاث والدراسات التاريخية، ومن خلال دراسات وأبحاث علماء مقارنة الأديان حول هذه المقدسات والشعائر والحرمات وذلك على النحو التالي:
# شعائر ومقدسات وحرمات الديانة البرهمية (الهندوسية):
من بين الحيوانات حظيت البقرة في الهند بأسمى مكانة وهي من المعبودات الهندية التي لم تضعف قداستها مع كر السنين وتوالي القرون, ففي الويدا حديث عن قدسيتها والصلاة لها. ولا تزال البقرة حتى الآن تحتفظ بهذه القدسية, ففي الأدب المنسوب للمهاتما غاندي تفسير لما حظيت به البقرة قديما وحديثا من نفوذ ديني. وبين يدي الآن عدد نوفمبر (سنة 1963) من مجلة (Bhavan’s Journal) التي تصدر في بومباي بالهند, وبه عدة مقالات عن البقرة, وسنقتبس هنا خلاصة هذه المقالات, وأول ما نقتبسه نشيد من (ساما ويدا) -وهو قسم من أقسام الويدا كتاب الهندوس المقدس- نشرته المجلة في صفحة مستقلة داخل رسم تخطيطي للبقرة ننقل صورته على الصفحة التالية, والترجمة العربية للنشيد هي: (أيتها البقرة المقدسة, لك التمجيد والدعاء, في كل مظهر تظهرين به, أنثى تدرين اللبن في الفجر وعند الغسق, أو عجلا صغيرا أو ثورا كبيرا, فلنعد لك مكانا واسعا نظيفا يليق بك, وماء نقيا تشربينه, لعلك تنعمين بيننا بالسعادة). (د أحمد شلبي، ص29، 30).
وهذا لا يدل على أن الهنود كانوا يؤلهون البقرة من دون الله، أو يعتبرونها هي الله كما يظن كثير من الناس بل كانوا يعتبرونها شعيرة معظمة ومقدسة من شعائر الله، وربما كانت هي قبلتهم التي يلون إليها وجههم في الصلاة، بدليل أن الهندوس لهم عبادات لا تختلف كثيرا عن العبادات الموجودة في الشريعة موسى وشريعة محمد من صلاة وصيام وحج وغيرها، وكانوا يتوجهون بهذه العبادات إلى الكائن الأسمى الذي خلق كل شيء، يقول الدكتور علي عبد الواحد: (تتجه العبادة في الدين البرهمي إلى غاية واحدة وهي الفناء في الله والاندماج في الكائن الأسمى. ويساعد على الوصول إلى هذه الغاية الإنابة إلى الله والرجوع إليه والندم على ما فرط من المعاصي والآثام والورع والتقشف في الحياة وإهمال مطالب الجسد لتصفو الروح التي هي قبس من الخالق. ومن ثم تحث البرهمية على الإكثار من الصوم لما يؤدي إليه من إهمال المطالب الحيوانية للجسم وإضعاف القوى الجسمية وإضعاف تحكمها في العبد، بل إنها لتفرضه فرضاً على جميع الطبقات أو على بعضها في مناسبات كثيرة. ( د. علي عبد الواحد وافي ص170).
ويشتمل الدين البرهمي –بجانب الصوم– على عبادات أخرى تقسمها أسفارهم ثلاثة أقسام: منها ما يشبه الصوم في تعلقه بالجسم، ومنها ما يتعلق بالصوت، ومنها ما يتعلق بالقلب. أما العبادات المتعلقة بالجسم فمن أهمها "الصلاة، وخدمة الملائكة وعلماء البراهمة، وتنظيف البدن، واحترام الحياة الإنسانية، واحترام الأعراض". وأما العبادات المتعلقة بالصوت فمن أهمها " قراءة الأوراد والدعوات الدينية والتسبيح، ولزوم الصدق، وملاينة الناس في الحديث، وإرشادهم، وأمرهم بالمعروف". وأما العبادات المتعلقة بالقلب فمن أهمها "تقويم النية، وترك التعظيم، ولزوم التأني، وجمع الحواس مع انشراح الصدر". (د. علي عبد الواحد وافي، ص172، 173).
وكانت الصلاة والصوم والحج في كتب البرهميين المقدسة على النحو التالي: (إنها تفرض الصوم على طبقة رجال الدين الذين يطلق عليهم اسم البرهمانيين في أوائل فصول الخريف والربيع والشتاء والصيف وفي اليومين الأول والرابع عشر من كل شهر قمري, وروي في أسفارهم المقدسة كذلك أنه في أثناء كسوف الشمس يجب الكف عن الأكل والشرب والاتصال الجنسي, وهذا فيما يتعلق بالطبقات الدنيا وأما الطبقات العليا فلا يقتصر واجبهم على ما تقدم بل يحرم عليهم الانتفاع بشيء من الأطعمة التي تكون بمنازلهم وقت الكسوف ويجب عليهم التصدق بها على غير أفراد طبقتهم بعد تحطيم الآنية التي كانت بها, وتوجب قوانين (مانو) على طبقة السيناتا (وهم كبار رجال الدين من البرهانيين) أن يكفوا عن الأكل والشرب والنوم والسفر من غروب الشمس إلى غروب الشفق الأحمر كل يوم. وهذا فيما يختص بالصيام المفروض على بعض الطبقات والصيام الذي يؤدي بمناسبة كسوف الشمس. (د. عمارة نجيب, ص 200).
(والصلاة تسبيح وتمجيد وسجدة برسمهم على الإبهامين من الراحتين الملصقتين نحو الشمس فإنها القبلة أينما كانت عدا الجنوب فليس يعمل شيء من أعمال الخير نحو هذه الجهة ولا يتقدم إليها في كل شيء رديء). (د. عمارة نجيب, ص201).
(أما الحج وزيارة المواضع المعظمة عندهم واجبة على البرهانيين أما العوام فتطوع وفضيلة. وهو أن يقصد الحاج أحد البلاد الطاهرة أو أحد الأصنام المعظمة أو أحد الأنهار المطهرة فيغتسل بها ويخدم الصنم ويهدى إليه ويكثر التسبيح والدعاء ويصوم ويتصدق على البراهمة والسدنة وغيرهم ويحلق رأسه ولحيته وينصرف). (د. عمارة نجيب, ص201).
# شعائر ومقدسات وحرمات الديانة الكونفوشيوسية :
لم يخرج كونفوشيوس على تعاليم الرسالة العامة الكبرى التي سبقته بل ظل ملتزما بنفس الشعائر والعبادات التي وردت فيها، ذكر الدكتور فؤاد محمد شبل أن كونفوشيوس كان: (يستخدم كلمة (لي) التي تعني في الأصل (شعائر) للتعبير عن جميع الصيغ المأثورة التي تكوّن أساليب السلوك المثالية. ومن ثم تعبر الكلمة لديه عن الشعائر والطقوس والسنن أو قواعد السلوك عامة. وأيا ما تكن الحال, نجده يوصي بأن تخلو مراعاة الشعائر من التكلف والتزمت والجمود, ويجب أن تتفق مع الظروف والملابسات وأن تسودها روح التوقير والاحترام لمن تجري لهم. وكان يتمسك بالتقاليد ويستدل على ذلك بأن أحد مريديه اقترح عليه إبطال عادة التضحية بخروف في بداية كل شهر قمري, فرد عليه بقوله: (إنك تحب الخروف لكنني أوثر الحفاظ على التقاليد), على أنه هو القائل: (ولا قيمة للشعائر عند إنسان يخلو قلبه من أحاسيس الشفقة والرحمة). (د. فؤاد محمد شبل, ص90، 91).
وكان يقدم القرابين ويقوم بواجب العبادة التي يقوم بها كل صيني, بل كان في الناحية الدينية يتشاءم من هزيم الرعد ويرتجف وترتعد فرائصه عندما كان يسمعه, ويقرأ التعاويذ لطرد الأرواح الشريرة من بيته. (محمد أبو زهرة, ص91). بل إن كونفوشيوس كان يستنكر على قومه غفلتهم عن تأدية الشعائر، بل واستنكر عليهم خطأهم في تقديم الشعائر ومغالاتهم فيها، واختلاقهم سنن وشعائر ليست مفروضة عليهم، يقول الدكتور فؤاد محمد شبل: (عزا كونفوشيوس شرور عصره وعلله إلى تنكب زعماء المجتمع السبل والشعائر القويمة وتغافلهم عنها, وإلى أنهم يمارسونها خطأ أو يغتصبون لأنفسهم السنن والشعائر التي لا يستحقونها. فمن رأيه أن حسن التزام الشعائر, قرينة على ملائمة النظام الاجتماعي وإذا كان اتباع الشعائر منبع الاستنارة الروحية قاطبة, يعتبر إهمالها وانتهاك حرمتها انعكاسا لفوضى خلقية عميقة وبداية الظلمة الروحية. إذ تعني إساءة استعمال الشعائر, انتهاك حرمة الحقيقة وثلم النظام الخلقي الذي تمثله. ونجد كونفوشيوس ينعى في كتاباته اضطراب مجتمع عصره وتداعي قيمه, وهذا ما جعله ينادي بضرورة (تقويم الأسماء) بمعنى: ألا يفترق ظاهر الإنسان عن باطنه, وأن يحترم السنن والشعائر نصا وروحا). (د. فؤاد محمد شبل, ص73، 74).
كان الصينيون قبل كونفوشيوس يعبدون السماء ويقدسونها، وكانوا يقدسون الأسلاف ويعبدونهم، وعندما جاء كونفوشيوس وأرسى أسس هذه العبادة استقبل الصينيون عموماً دعوته، وكان لها انتشار سريع في أرجاء البلاد كافة؛ لأنها وافقت معتقداتهم، والتزمت منتجات تراثهم الديني. وقد عرف واقع الصين انتصار وسيادة "الكونفوشية، وعبادة الأسلاف على كثير من الديانات المنافسة لهما، وقاومتا هجمات كثيرة من أعدائهما، وخرجتا ظافرتين من صراع دام عشرين قرناً، لأن الصينيين يشعرون بأنه لا غنى عنهما للاحتفاظ بالتقاليد القومية السامية التي أقامت الصين عليها حياتها. وكما كانت هاتان الديانتان هما الضمانتين الدينيتين لهذه الحياة، فكذلك كانت الأسرة هي الوسيلة الكبرى لدوام هذا التراث الأخلاقي. فقد ظلّ الأبناء يتوارثون عن الآباء قانون البلاد الأخلاقي جيلاً بعد جيل حتى أصبح هذا القانون هو الحكومة الخفية للمجتمع الصيني". (نقلا من دراسة للسيد محمد حسنين فضل الله).
وكان الكونفوشيون يتقربون إلى (شانج تي) إله السماء بالذبائح ويبلغونه صلواتهم بإشعال النار على قمم الجبال فيعلم الإله فحوى الرسالة التي يرفعها إليه عباده مما يودعه الكاهن في دواخينها ولا يحسنون الترجمة عنها كما يحسنها الكاهن. وهو – أي هذا الإله الأكبر– الذي يصرف الأكوان ويدبر الأمور ويرسم لكل إنسان مجرى حياته الذي لا محيد عنه. (د. عمارة نجيب, ص232).
أما تقديس الكونفوشيون لأرواح الأسلاف، فليس كما يظن البعض بأنهم كانوا يعبدونها بمعنى أنها آلهة مع الله، كلا، بل هم كانوا يقدسونها وفقا لتعاليم ديانتهم، ولأجل ذلك كانوا يقدمون لها القرابين ويعظمونها كشعيرة من الشعائر الأخرى التي كانوا يعظمونها، ويبدوا أن عملية تقديس الكونفوشيين لأرواح أسلافهم وآباءهم، لم تكن لكل أرواح الآباء والأسلاف، وإنما كانت للأسلاف من الصالحين والأنبياء الذين سبقوا كونفوشيوس، وبمرور الزمن حدث مثل ما حدث في كل الديانات تم التوسع من قبل الأتباع في تقديس أرواح جميع الأباء والأسلاف لكل عائلة من العائلات، وبمرور الزمن كما يحدث في الديانات تم تحول الأتباع من تقديسها إلى عبادتها من دون الله.
وحول هذا الموضوع جاء في دراسة السيد محمد حسنين فضل الله ما يلي: (يقدس الصينيون أرواح أجدادهم الأقدمين، ويعتقدون ببقاء الأرواح، والقرابين عبارة عن موائد يدخلون بها السرور على تلك الأرواح بأنواع الموسيقى، ويوجد في كل بيت معبد لأرواح الأموات ولآلهة المنزل. وعبادة الأسلاف هذه جعلت ثمة خصوصية عائلية في طقوس العبادات، وإقامة المعابد، حيث أقامت كل عائلة هياكلها ومعابدها الخاصة، وكثيراً ما كانوا يجعلون هذا المعبد أو الهيكل، وهو عندهم "البجودة"، لتخليد ذكرى مؤسس العائلة أو من كان في تاريخها الأكثر بروزاً. "إن عبادة الأسلاف هذه أضحت القسم المكوِّن الرئيسي للمعتقدات والطقوس الصينية، رغم أنها ليست ديناً رسمياً في الصين، فكان لكل عائلة معبدها العائلي الخاص أو مصلاّها، حيث تقام فيه طقوس العبادة العائلية في وقت محدد، ولكل سلالة ـشي ـ معبدها العشائري للأسلاف (مياوـ أوتزون ـمياو) وكثيراً ما يدعى الآن نصيتان، مكرس الأوائل من أنشأ السلالة المعنية. إن لكل مجموعة عشائرية أكثر كبراً ـسين (عائلة)ـ كان لها معبد بدورها مكرس لأول رئيس عام للعائلة. أما القرابين والصلوات في هذه المعابد فكان يقيمها إما رأس العائلة أو الأكبر سناً في العشيرة".
إن عبادة الأسلاف لها مواسمها ومناسباتها وطقوسها، وحسب ما هو سائد في الكونفوشية، فإنه "يحدث التوجه بصلوات مشابهة إلى الأسلاف عند حدوث وقائع عائلية أخرى، وخلال الأعياد وفي أيام محددة من السنة، ففي أواسط كل شهر من أربعة شهور من السنة مثلاً (أرباع السنة) ينبغي تقديم قربان عائلي. وقبل فترة وجيزة على حلول الموعد يتقدم رب العائلة من معبد الأسلاف، ويجثو على ركبتيه أمام اللوحات المخرجة من الخزائن وهو يتلو: أنا العابد الحفيد فلان الفلاني، اليوم وبمناسبة حلول أواسط الفصل كذا، أود تقديم قربان لكم، أيها المرحومون إلى القريب والجدِّ، وجدِّ الجدِّ، وجدِّ جدِّ الجدِّ، وإلى القريبة، الجدَّة، وجدَّة الجدَّة، وجدَّة جدَّة الجدَّة، وأملك الجرأة لنقل لوحكم الخشبي إلى قاعة المنـزل لأدعو أرواحكم لتنعم هناك بقبول القرابين التي ستقدم مع فائق التبجيل". هكذا ترتبط طقوس الكونفوشيين إذن بالأسلاف.(نقلا من دراسة السيد محمد حسنين فضل الله).
# شعائر ومقدسات وحرمات الديانة البوذية :
لم تكن للديانة البوذية أية مقدسات أو حرمات أو شعائر مادية كما هو حال في رسالة المسيح عيسى بن مريم، وإنما الأتباع فيما بعد حين لم يجدوا في شريعتهم مقدسات مادية، أنقسموا إلى مذهبين كبيرين، مذهب يسمى (تيرافاد) ومذهب يسمى (ماهايانا)، فأتباع مذهب (تيرافادا) لم يألهوا بوذا لكنهم قدسوا آثاره ومخلفاته ووضعوها في قباب وأبنية ثم يطوفون بها حاملين معهم الزهور والبخور، أما أتباع مذهب (ماهايانا) فرفعوا بوذا إلى مرتبة الإله واعتقدوا أن روح الله قد حلت فيه فأصبح هو نور العالم، وأخذوا يقدموا في معابدهم القرابين والذبائح في أيام أعيادهم. إلا أن كل تلك الطقوس من الشعائر والعبادات من جانب المذهبين لم يدل عليها دليل واحد في النصوص الأولى للديانة البوذية سواء خطبه ومواعظه أو حواراته وتعاليمه، ولم يدل عليها أثر واحد بأن بوذا هو من أمر بذلك أو شرعه، وإنما هي اختلاقات اختلقها الأتباع فيما بعد بوذا بقرون.
# شعائر ومقدسات وحرمات الديانة الزرادشتية :
ولما كانت ذات الله "أهورا مزدا" ذاتاً روحانية خالصة مجردة من شوائب المادة لا تدركها الأبصار ولا تحيط بكنهها العقول ، ولما كان كثير من الناس لا يستطيعون الإيمان بذات هذا شأنها إلا إذا رمز إليها برموز مادية يستطيعون تصورها، فقد رمزت الديانة الزرادشتية إلى الذات العلية برمزين ماديين مشاهدين تقوى عقول الجماهير على إدراكهما ، ويشتمل كلاهما على بعض مظاهر من صفات الخالق، فيستطيع الناس بالتأمل في صفاتهما تصور شيء من صفات أهورا مزدا على وجه التقريب والتمثيل، وهذان الرمزان أحدهما سماوي وهو الشمس والآخر أرضي وهو النار. فكلاهما عنصر متلألئ مضيء طاهر مطهر لا يتطرق إليه الخبث ولا الفساد، وتتوقف عليه الكائنات. وهذا الصفات تشبه طائفة من صفات الخالق نفسه وترمز إليها. ومن ثم حرصت الديانة الزرادشتية على أن يوقد في كل هيكل من هياكلها شعلة من النار، وأن تظل هذه الشعلة متوهجة مضيئة ، يتعهدها الموابذة ( كبار رجال الدين ) والهوابذة ( صغار رجال الدين ) ورجال الكهنوت، فيقدمون لها، خمس مرات في اليوم وقوداً من خشب الصندل وما إليه من الأعشاب والمواد العطرية يمتلئ الهيكل بعرفها الطيب وريحها الزكي، وترتل حولها الأدعية وتقام الصلوات. (د. علي عبد الواحد وافي، ص145، 146).
وقد بالغ الزرادشتيون في تقديس نار الهيكل فأوجبوا على رجل الدين أن يتلثم عند اقترابه من النار خشية أن يصل زفيره إليها فيلوثها. وكان عليه أن يتذكر حينما يدنو من هذه القوة الأرضية أن هذا النور الفياض إنما يرمز إلى أهورا مزدا. غير أنه يظهر أنه قد دخل الديانة الزرادشتية، فيما بعد، التحريف والتبديل فيما يتعلق بتقديس النار، فانتهى بها الأمر في عصورها الأخيرة إلى أن أصبحت ديانة مجوسية يعبد أهلها النار لذاتها، بعد أن كانت مجرد رمز للإله، تشتمل على شيء من صفاته، وتقرب تصوره للأذهان. وكان يشارك النار في صفة التقديس ثلاثة عناصر أخرى من العناصر الأرضية وهي التراب والهواء والماء، وإن كانت في مستوى أقل من مستوى النار. (د. علي عبد الواحد وافي، ص146).
ولما كانت التقوى أعظم الفضائل على الاطلاق فإن أول ما يجب على الإنسان أن يفعله هو أن يعبد الله بالطهر والتضحية والصلاة, ولم يسمح بإقامة الهياكل أو التماثيل بل كانوا ينشئون المذابح المقدسة على قمم الجبال وفي القصور أو في قلب المدن وكانوا يوقدون النار فوقها تكريما لأهورا مزدا أو لغيره من صغار الآلهة وكانت كل أسرة تجتمع حول موقدها تعمل على أن تظل نار بيتها متقدة لا تنطفئ أبدا. (د. أحمد أمين سليم, ص362). أما الصلاة في الزرادشتية فهي دعاء يوجه إلى أهورا مزدا، وترجمته ما يلي: "أرجو منك أيها الرب الخالق المطلق القدير أن تغفر لي ما ارتكبت من سيئات وما دار بخلدي من تفكير سيئ وما صدر عني من قول أو عمل غير صالح. إلهي أرجو منك أن تباعد بيني وبين الخطايا حتى أحشد يوم الدين مع الأطهار الأخيار". (د. علي عبد الواحد وافي ص151).
(وللحديث بقية).
قائمة المراجع :
1 - د. أحمد أمين سليم, دراسات في تاريخ إيران القديم وحضارتها: إيران من أقد العصور حتى أواسط الألف الثالث قبل الميلاد, دار النهضة العربية, بيروت, 1988.
2 - د. أحمد شلبي, مقارنة الأديان, أديان الهند الكبرى, الهندوسية – الجينية – البوذية, الطبعة الخامسة, مكتبة النهضة المصرية 1979.
3 - محمد أبو زهرة، مقارنات بين الأديان "الديانات القديمة"، دار الفكر العربي، القاهرة.
4 - د. فؤاد محمد شبل, حكمة الصين: دراسة تحليلية لمعالم الفكر الصيني منذ أقدم العصور, الجزء الأول, دار المعارف بمصر.
5 - د. عمارة نجيب, الإنسان في ظل الأديان: المعتقدات والأديان القديمة, المكتبة التوفيقية، القاهرة 1977.
6 - د. علي عبد الواحد وافي، الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، مكتبة نهضة مصر، الفجالة 1964.
# قائمة بمراجع دراسة مكتبة السيد محمد حسنين فضل الله :
1 - بارندر، جفري، المعتقدات الدينية لدى الشعوب، ترجمة د.إمام عبد الفتاح إمام، مراجعة د.عبد الغفار مكاوي، الكويت، عالم المعرفة، العدد:173، أيار/مايو 1993.
2 - حميد، فوزي محمد، عالم الأديان بين الأسطورة والحقيقة، ليبيا، جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، سنة 1991.
3 - ديورانت، ول، قصة الحضارة، ج5، م1، ترجمة د.زكي نجيب محمود، بيروت، دار الجيل.
4 - رايشاور، أدوين، اليابانيون، ترجمة ليلى الجبالي، مراجعة شوقي جلال، الكويت، عالم المعرفة، الرقم 136، نيسان/أبريل 1989.
5 - شبانة، عبد الفتاح محمد، اليابان: العادات والتقاليد وإدمان التفوق، القاهرة، مكتبة مدبولي، سنة 1996.
6 - كوجيكي (وقائع الأشياء القديمة)، ترجمة وتقديم محمد عضيمة، بيروت، دار الكنوز الأدبية، ط1، سنة1999.
7 - كولر، جون، الفكر الشرقي القديم، ترجمة كامل يوسف حسين، مراجعة، د.إمام عبد الفتاح إمام، الكويت، عالم المعرفة، تموز/يوليو 1995.
8 - هنتجتون، صامويل، صدام الحضارات، ترجمة طلعت الشايب، تقديم د.صلاح قنصوه، القاهرة، سنة 1998.
9 - الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، الرياض، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ط2، سنة 1409هـ ـ 1989م.
10 - السحمراني، أسعد، من قاموس الأديان، الشنتوية، الكونفوشية، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى، 1420هـ، 1999م.