القاموس القرآنى : الصراط والمشيئة

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٤ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة:

1 ـ  قال إبليس عن مكيدته لبنى آدم : (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)الاعراف 16) . وقد عرفنا أن الصراط المستقيم هو ( لا إله إلا الله ) و ( الكتاب الالهى ) ، وبالتالى فإن جهد الشيطان يعنى الوحى الشيطانى الذى يتحول الى كتب مقدسة للأديان الأرضية ، والتى تؤسس دينا يتم به تقديس البشر والحجر وتقديس تلك الكتب ومؤلفيها .  لذا يسمى رب العزة هذه الوحى الشيطانى ودينه الأرضى بالطاغوت ، ويأمر باجتنابه والكفر به : (البقرة 256 : 257 ، النساء 51 ، 60، 76 ، المائدة 60 ، النحل 36 ، الزمر 17   ). هذا الطاغوت ينطبق على الكتب المقدسة للمحمديين السنيين والشيعة والصوفية من كتب الحديث والفقه والعقائد ؛ مثل كتب البخارى والكلينى والغزالى ابن عبد الوهاب . وبالتالى فإن أولئك الأئمة هم أعداء الأنبياء وأولياء الشيطان كما تردد فى القرآن الكريم:( الأنعام 112 : 114 ،  121، الفرقان 30 : 31 )

2 ـ ولأن الشيطان لا ييأس ولا يتواتى عن خداع بنى آدم بل يأتيهم من بين ايديهم ومن خلفهم وعن اليمين والشمال فإن المؤمن بالله وحده يظل يدعو ربه فى صلاته أن يهديه ربه الصراط المستقيم ليموت مسلما مع الأبرار . وكان السؤال : لماذا يقرآ بلايين المسلمين الفاتحة يدعون أن يهديهم ر العزة الصراط المستقيم ، ومع ذلك هم يسقطون فى صراط الضالين المغضوب عليهم ؟ . نجيب على هذا السؤال هنا فى موضوع الصراط والمشيئة .

أولا : حرية الانسان المطلقة هى أساس الحساب يوم الدين

1 ـ ليس هناك أروع من قول رب العزة جل وعلا فى الحرية الدينية المطلقة للبشر : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)  الزمر ). الله جل وعلا ترك لنا الحرية المطلقة فى الدين لأن لهذا الدين يوما سنرجع فيه الى الله جل وعلا ليحاسبنا ، وسنكون فريقين (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) الشورى ) .

2 ـ الشيطان يجعل الانسان يتمتع بحريته فى الكفر والعصيان ويجعله ينكر مسئوليته على هذه الحرية ، وهذا خلاف ما يسنّه الانسان نفسه من تشريعات تربط الحرية بالمسئولية . الله جل وعلا قرن الحرية بالمسئولية ، قال عن الحرية المطلقة ومشيئة الانسان الحرة : (  وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) ،وقال بعدها عن المسئولية بين العذاب والنعيم: ( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31)  الكهف ).

3 ـ ولكن الشيطان يبذل وسعه فى إلهاء الانسان عن مسئوليته الى أن يأتى اليوم الآخر، ويقال لأصحاب النار : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)  المؤمنون ).

ثانيا : التأكيد على مشيئة البشر الحرة فى وعظ الانسان.

1 ـ تكرر هذا فى قوله جل وعلا : (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (19)  المزمل ) (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39) النبأ  ) (كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) عبس )

2 ـ بل إن الله جل وعلا يجعل مشيئة الانسان سابقة لمشيئة الرحمن فى موضوع الهداية والضلال . فالهداية مُتاحة لمن يشاء ان يهتدى ، إذا شاء الهداية هداه الله جل وعلا ، والضلال متاح أيضا ، إذا شاء الضلال أضله الله جل وعلا . فالبداية هى بمشيئة البشر للصراط المستقيم أو صراط الضالين المغضوب عليهم .

ثالثا : من يشاء الايمان يهده الله جل وعلا الى الصراط المستقيم

 من هنا ياتى التعبير بقوله جل وعلا : (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) يونس 25 )، يعنى أنه جل وعلا يدعو لدخول الجنة ويهدى من يشاء الهداية الى الصراط المستقيم . وقوله جل وعلا عن آياته المبينات: (لَّقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ ۚ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) النور 46 )، أى من يشاء الهداية الى الصراط المستقيم يهده الله جل وعلا الى الصراط المستقيم . ونحو ذلك فى قوله جل وعلا : ( يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) البقرة 142 ) ( وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) البقرة 213 ). أى لأنها مشيئة البشر فمن شاء الايمان بالله جل وعلا فإن الله جل وعلا يهدى قلبه. قال فى ذلك رب العزة جل وعلا :  : (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) التغابن 11 )، لأنه جل وعلا يهدى اليه من يبدأ بالإنابة والتوبة : (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) الشورى 13 ).ونعطى أمثلة

1 ـ الأنبياء شاءوا الهداية الى الصراط المستقيم فهداهم الله جل وعلا الى الصراط المستقيم. قال جل وعلا عن ابراهيم عليه السلام :(شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) النحل 121 )، وقال جل وعلا لخاتم النبييين:( لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا  مُّسْتَقِيمًا ) الفتح 2)

2 ـ وعن الانبياء والمؤمنين الذين شاءوا الهداية يقول جل وعلا :(وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ ۖ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )الانعام 87 )،وعن الذين شاءوا أن يكونوا مؤمنين يقول جل وعلا: (وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )الحج 54 )، ويقول جل وعلا عمّن يتبع رضوان الله:( يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) المائدة 16 ) وعن المؤمنين به جل وعلا:( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا)النساء 175 )( وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا)الفتح 20 ). وعن المنافقين يقول جل وعلا : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وَإِذاً لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) النساء 68 )، أى لا بد أن يبدأوا بالايمان والطاعة ليهديهم الله جل وعلا الى الصراط المستقيم .

 رابعا : من يشاء الكفر لا يهديه الله جل وعلا :

وهو نفس الوضع للكافرين ، من يشأ منهم الضلال يضله الله جل وعلا ، ومن يشأ منهم الهداية يهده الى الصراط المستقيم :(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ۗ مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الانعام 39 ).

1 ـ ولأنها مشيئة البشر فالذى شاء الكفر متمسكا به فلا يمكن أن يهديه الله جل وعلا ، وتكرر كثيرا فى القرآن الكريم إن الله جل وعلا " لا يهدى القوم الكافرين / الظالمين / الفاسقين .

2 ـ والكاذب الكافر المسرف  لا يهديه ربه جل وعلا : (إنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ) الزمر 3 )(إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ )غافر28 ).

3 ـ وكان النبى يحرص على هداية الملأ القرشى دُعاة الباطل فقال له ربه جل وعلا : (إِن تَحْرِصْ عَلَىٰ هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَن يُضِلُّ ۖ  ) النحل 37  ).

4 ـ  وإستغفر لبعض المنافقين فقال له ربه جل وعلا : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَايَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ  ) التوبة 80 ).

خامسا : من يشاء الكفر يزده الله جل وعلا كفرا ، ومن يشاء الهداية يزده الله جل وعلا هداية :

1 ـ أكثر من هذا فإن الذى يشاء الكفر يزيده الله جل وعلا كفرا ، ومن فى قلبه مرض يزيده الله مرضا : ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) البقرة ). ومن يشاء الهداية مخلصا يزده الله جل وعلا هدى:( وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ (17) محمد ) . (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَرَدّاً (76) مريم )

2 ـ والقرآن الكريم ( الصراط المستقيم ) هو الفيصل هنا . المؤمن يزداد به إيمانا والمنافق يزداد به كفرا:( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) التوبة )،والكافر يزداد به طغيانا :( وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً )(64) المائدة ) (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) المائدة).

سادسا : بمجرد أن يشاء الانسان تأتى مشيئة الله جل وعلا تؤكد مشيئة الانسان :

مشيئة الله تأتى مباشرة بعد مشيئة البشر. يقول جل وعلا : ( إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً (29) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (30) الانسان ) ( لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29) التكوير ) (كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56) المدثر ).

سابعا : كيف تتحقق ــ سريعا ــ مشيئة الله فى إضلال من يشاء الكفر :

1 ـ الفيصل هنا هو الكتاب الالهى أيضا ( الصراط المستقيم ) ، فالذى تعمى عيناه عن نور الهداية يتلقفه شيطان يقترن به ، وهذا بسماح رب العزة جل وعلا ، وهذا هو التطبيق لإضلال من شاء الضلال . يقول جل وعلا : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)الزخرف ) . ومن روعة التعبير قوله جل وعلا (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ ) فالعشى داء يصيب العين يجعلها لا تبصر النور .

2 ـ وظيفة هذا القرين أنه يزين الباطل حقا والحق باطلا ، يقول جل وعلا : ( وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ )فصلت 25 ) . ومصيرهم النار : ( وَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) فصلت ). والفيصل هنا هو القرآن الكريم الصراط المستقيم : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) فصلت )

3 ـ فى الدنيا لا يرى المشرك الكافر هذا القرين الشيطانى الذى يركبه ويخدعه . يراه فى الآخرة بعد أن ينكشف الغطاء ، قال جل وعلا عن الحوار بين الكافر وقرينه الشيطانى يوم العرض على الله جل وعلا : ( وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (29) ق ).وفى تفصيل آخر يقول جل وعلا : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37) حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39) الزخرف )

ثامنا : خداع القرين الشيطانى لصاحبه الكافر :

1 ـ قال جل وعلا :(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)الزخرف ) ، أى إنه يصده عن الطريق المستقيم ويجعله يحسب أنه على الهدى . ولا يكتشف هذا إلا قبيل دخوله النار، يقول جل وعلا بعدها : ( حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38) وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39) الزخرف ) لذا لا فائدة مطلقا فى هداية من إحتنكه القرين الشيطانى وأحكم عليه السيطرة ، يقول جل وعلا فى الآية التالية : (أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40) الزخرف ).

ويقول جل وعلا لخاتم النبيين عليهم السلام الذى كان حريصا على هدايتهم : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) فاطر  )

2 ـ وتكرر فى القرآن ذلك الحساب الخاطىء لآتباع الشيطان ، كلهم فى كل زمان ومكان ( يحسبون ) أنهم ( مهتدون ) قال جل وعلا : (إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) الاعراف ) ، وقال جل وعلا عمّن يتخذ أولياء غير الله جل وعلا الولى الحميد : ( أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104)  الكهف  )

3 ـ المحمديون المتمسكون بدينهم الأرضى من سُنّة أو تشيع أو تصوف ، لا يمكن أن يقتنعوا أنهم على ضلال . لو مكثت ألف عام تقنع أحدهم أن شهادة لاسلام هى واحدة فقط ( لا إله إلا الله ) ما إستطعت إقناعه لأنه مقتنع أنك أنت على ضلال ، ومقتنع أن محمدا ـ الإله الذى صنعوه من أحاديثهم الشيطانية  ــ هو الذى سيشفع لهم يوم القيامة . سيظلون حتى  قبيل إلقائهم فى النار اسرى لخداع الشيطان يحسبون أنهم مهتدون .  

4 ــ يقول جل وعلا عن اسرى الخداع الشيطانى زهم يكذبون على الرحمن يوم الحشر : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) الانعام  ) يتغير هذا عند مثولهم أمام النار ، عندها يتمنون لو يرجعوا الى الدنيا ليكونوا مؤمنين ، قال جل وعلا عنهم : ( وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ (27) الانعام ) ولكنهم حتى فى هذا التمنى كاذبون ، لأنهم لو رجعوا للدنيا لصاروا كافرين ، يقول جل وعلا وهو الأعلم بهم : ( بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) الانعام ) ثم يعترفون بالحق قبيل إلقائهم فى النار ،    قال جل وعلا :( وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (30) الانعام ) .

5 ـ وهم فى العذاب يرون من الله جل وعلا ما لم يكونا يحتسبون ، قال جل وعلا :  (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) الزمر ). الأحاديث الشيطانية  أقنعتهم أن يوم القيامة مثل مولد لا صاحب له إلا إلاههم محمد وأن الله جل ولا يملك يوم الدين . وهم فى النار سيبدو لهم من الله المنتقم الجبار ما لم يكونوا يحتسبون .!

تاسعا : أفظع الكفر : نسبة مشيئة الكفر والعصيان لرب العزة جل وعلا :

1 ـ الانسان الكافر يشاء الضلال فيتركه رب العزة للقرين الشيطانى يزيده ضلالا . هناك خداع شيطانى بسيط نراه فيما سبق ، يقع فيه العوام أتباع أولياء الشيطان وأئمة الضلال من أولياء الشيطان . مثل هتلر الذى قتل وتسبب فى قتل الملايين وهو يحسب أنه يحسن صنعا .

2 ـ هناك غُزاة محتلون أشد ضلالا من هتلر. هناك أبو بكر وعمر وعثمان و ( على ) الذى وافقهم ، فى الغزو والاحتلال والسلب والسلب والنهب لأمم وشعوب لم تعتد على العرب وربما لم تسمع بهم . هؤلاء الخلفاء الفاسقون القرشيون خلال قرون فعلوا ما فعله هتلر ، ولكن هتلر لم يزعم أن ما يفعله هو فريضة فرضها عليه الرحمن جل وعلا . أبو بكر وعمر وعثمان ..الخ أرتكبوا هذه المذابح وزعموا أنه جهاد فى سبيل الله جل وعلا بينما هو جهاد فى سبيل الشيطان أى المال والنساء .

3 ـ هم هنا قد شاءوا الضلال ، ثم نسبوه الى رب العزة . وهذا كان متأصلا فى العرب وقريش قبل الاسلام ، وعندما تحكمت قريش بعد موت النبى أعادت نفس العقيدة الفاسدة . إرتكبت افظع عصيان وجعلته دينا وشريعة نسبتها الى الرحمن . فى مكة زعموا أن الله جل وعلا هو الذى شاء لهم الوقوع فى الشرك ، فقال جل وعلا يرد عليهم : ( وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35) النحل ) ( وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (20) الزخرف ) . وإستحلوا الفواحش وزعموها دينا أمر الله جل وعلا به ، وردّ عليهم رب العزة :( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (28) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمْ الضَّلالَةُ إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) الاعراف ).

4 ـ المحمديون جعلوا أولئك الخلفاء الفاسقين آلهة فى أديانهم الأرضية . لهذا يقرآ بلايين المسلمين الفاتحة يدعون أن يهديهم ر العزة الصراط المستقيم ، ومع ذلك هم يسقطون فى صراط الضالين المغضوب عليهم .

أخيرا :   يوم القيامة سيقول جل وعلا لأولياء الشيطان : (  أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ  ) يس 60 : 62 ) .

ودائما : صدق الله العظيم . 

اجمالي القراءات 8666