مدخل لعلم قرآنى جديد : أساليب السخرية فى القرآن الكريم ( 2 ) السخرية بالاسلوب المجازى

آحمد صبحي منصور في السبت ٢٠ - مايو - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :

1 ـ الاسلوب العلمى التقريرى هو أساس التعبير فى التشريعات وسنّ القوانين ، إذ لا بد أن تكون العبارة واضحة محددة لا تحمل إلا معنى واحدا . هذا هو اسلوب الصياغة القرآنية فى التشريعات القرآنية . وهو أيضا ضياغة القوانين والدساتير فى العالم الغربى . أما فى دول المحمديين والاستبداد الشرقى فتجد عبارات مطاطة تحتمل مختلف التفسيرات خصوصا فى قوانين العقوبات ليُتاح للمستبد عقاب الشعب كله إذا أرد .

2 ـ اسلوب المجاز من التشبيه والاستعارة والكناية و المشاكلة أساس فى الدعوة الاسلامية القرآنية ، وهى الاسلوب المناسب فى التعبير القرآنى عن الغيبيات أو ( السمعيات ) أى ما نسمع عنه ولا نراه ، مثل ذات الله جل وعلا والملائكة والشياطين والجن وغيوب البرزخ واليوم الاخر ونعيم الجنة وعذاب الجحيم .

3 ـ فى مجال الدعوة يأتى اسلوب السخرية متنوعا . نعطى له أمثلة نختار تصنيفها من عندنا بعيدا عن ما قاله علماء البلاغة :

 أولا :

التعريض للتحقير   

1 ـ الحطيئة شاعر مخضرم عاش الجاهلية وأدرك الاسلام ، واشتهر بالهجاء وتعيش به . هاجم (الزبرقان بن بدر ) أحد وجهاء بني تميم وفرسانها وساداتها . قال فيه بيتا مشهورا :
دع المكارم ولا ترحل لبغيتها *** واقعد فإنك أنت الطاعم الكاســـــي

هنا اسلوب التعريض والتحقير . وقد سبق القرآن الكريم بإستعمال هذا الاسلوب الساخر .

2 ـ هل رأيت شيوخ القنوات الفضائية وهم يجلسون فى عظمة يتكلمون فى دينهم الملاكى ، يقولون منكرا من القول وزورا ، ومهما تفوّهوا من خرافات يجدون من يصدقهم ومن يهتف لهم . هذا الصنف الأثيم ( مبالغة فى ارتكاب الإثم ) من محترفى الكهنوت موصوف سيكون عذابه يوم القيامة مُضاعفا ، عذابا من التنكيل ومن التبكيت . التنكيل يتمثل فى قول رب العزة جل وعلا : ( إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ) بعدها يأتى التبكيت حيث يقال له على سبيل السخرية بالتعريض والتحقير: ( ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) الدخان ). كان فى الدنيا مغترا بالباطل يقال له له على سبيل التمجيد ( فضيلة الشيخ )   ( آية الله ) ( روح الله ) ( ولى الله ) ، اى يقال له ما يفيد أنه العزيز الكريم . وهو فى النار يتجرع طعامها الذى يغلى فى البطون كغلى الحميم ، وهو يُلقى من أعلى الى أسفل ويستحم بماء اللهب يقال له على سبيل التحقير والسخرية (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ). هذه سخرية بالتعريض وبالتحقير

ثانيا :

السخرية بأسلوب الاستفهام الانكارى:

1 ـ عرضنا لأسلوب السخرية التقريرى فى قول رب العزة جل وعلا : ( خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) النحل ). وجاءت نفس السخرية فى نفس الموضوع ولكن بالاستفهام الانكارى فى قوله جل وعلا : ( أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) يس ). الاستفهام الساخر هنا يتوجّه للإنسان نفسه يساله مستنكرا ساخرا ( أو لم ير الانسان .. )

2 ـ نفس السخرية عن أصل الانسان ، وهو يعرف أصله من ماء مهين . وقد وجّه رب العزة نفس السؤال الساخر للمكذبين بآياته فقال لهم : ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ ) المرسلات 19 : 20 ). الاعجاز هنا أن الانسان لا يستطيع الجدال فى هذا ، ولا يستطيع إنكار هذا ..!

3 ـ يقول جل وعلا لخاتم النبيين عليهم السلام : (مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ ) فصلت  43  ). أى ما يقال لك من وحى قيل من قبلك للرسل ومايقال لك من أتهامات قيلت للرسل من قبلك . من ذلك إتهام خاتم النبيين بأنه ساحر أو مجنون . قيل هذا الاتهام من قبله للرسل السابقين . قال جل وعلا : ( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) ويأتى الاستفهام الانكارى : هل تواصوا بذلك أم هم طُغاة ؟ قال جل وعلا : ( أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ) الذاريات 52 : 53 )

ثالثا :

السخرية باسلوب التشبيه الحركى المركب

1 / 1 ـ هناك تشبيه بسيط ، كان تقول ( فلان مثل الحمار ) . وهناك تشبيه مركب متحرك يعطى صورة حية ، مثل قول رب العزة جل وعلا : ( مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً)5 ) الجمعة). هنا حمار يحمل حمولة من الكتب لا يدرى عنها شيئا ، يسير بها معروفا بها وهو جاهل بها . ينطبق هذا على علماء الأديان الأرضية الذين تتكاثر كتبهم المقدسة ، ولا يعرفون سوى أسمائها ، يدافعون عنها دون قراءة لها .  

1 / 2 ـ حين كنت سنيا معتدلا فى الثمانينيات تعرفت على أمثال هؤلاء . أحدهم كان مشهورا بمعرفة ( الحديث ) ولا تخلو خطبة له من قوله ( جاء فى مسند أحمد ) ( جاء فى سنن النسائى ) ( هذا حديث صححه ( الألبانى ). ( هذا حديث متفق عليه ) (روى ابن ماجه ) ( جاء فى البيهقى ) ( روى الحاكم فى المستدرك ) . فى جلسة خاصة فى بيته ونحن جلوس فى مكتبته العامرة بكتب التراث صارحته بأنه غير دقيق فيما ينقل ، وإستشهدت له ببعض أكاذيبه . ضحك وقال : ( هل تظن ان المستمعين مثلك ..دول حمير . كفاية إعجابهم بما يسمعون ). تطلعت الى رفوف مكتبته فوجدت كل كتب الحديث معروضة ، تصفحت بعضها فإكتشفت أننى أول من فتحها . هو يعرضها للزينة فقط ، مجرد ديكور . وقد غضب منى جدا وأهاننى وأنا فى بيته عندما فتحت هذه الكتب كما لو أننى كشفت عورته . عندها تذكرت قول الله جل وعلا فى السخرية من هذا الصنف : ( مَثَلُ ٱلَّذِينَ حُمِّلُواْ ٱلتَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ ٱلْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً)5 ) الجمعة). هنا تشبيه حركى مركب .

1 / 3 ـ وحين كنت فى السجن أواخر عام 1987 استمر التحقيق معى شهرين ومسجل فى اكثر من مائة صفحة ، حول كل الأفكار القرآنية التى سجلوها لى من خطبى فى المساجد ومن كتبى وقتها وكانت 11 كتابا آخرها ( المسلم العاصى ). حرصت فى التحقيق على هدم السّنة رسميا بفضح الموجود فى البخارى . قبل القبض على كنت أكتب مسودة كتاب ( شريعة الله وشريعة البشر ) أقارن فيه بين تشريعات الرحمن فى القرآن وما إفتراه البخارى . حين إقتحموا بيتى صادورا أوراقى ومنها مسودة هذا الكتاب . وفى السجن كنت بلا مصحف وبلا أى كتاب ، ولكن كتابى فى ( شريعة الله وشرعة البشر ) كان حاضرا فى ذهنى، فكنت أورد الآيات وأحاديث البخارى الفاضحة ردا على أسئلة رئيس النيابة الذى كان يحاول بقدر المستطاع كتم غضبه مما يسمع من أحاديث البخارى . وأرسل إجاباتى الى شيوخ الأزهر فأكدوا أن هذه الأحاديث لا توجد فى البخارى . ورددت بذكر أبوابها . وتحديته أن يحضر بنفسه البخارى لأريه مواضع هذه الأحاديث . ولم يفعل ،وكان واضحا بعدها تعاطفه معى . سجنونى بسبب البخارى الذى لا يعرفون عنه شيئا . أى يحملون اسفارا لا يعرفونها مثل الحمير . بعده رايت الشيخ الأحمدى أبو النور الذى كان وزيرا للاوقاف فى برنامج تليفزيونى يمسك بالجزء الأول من البخارى ويعرض لبعض أحاديثه . وإستبشرت خيرا .. فأخيرا بدءوا يقرأون البخارى .. يقرأون بنصف عين ، لا ترى مساوئه .. أى لا يزالون حميرا ..بشرية .!!

2 ـ الكلب حيوان أليف مخلص لصاحبه ، يتبعه وهو يلهث ، إذا صاح فيه صاحبه تراه يلهث ، وإذا تركه صاحبه تراه أيضا يلهث . هو محتاج لأن يلهث لأنه لا توجد لديه منافذ للعرق تُلطّف حرارة الجسد . لا ذنب للكلب فى هذا ، لا بد أن يلهث إحتياجا . ولكن ما ذنب الذى آتاه الله جل وعلا علما ليهتدى به فما كان منه إلا أن أضلّ الناس بهواه . قال جل وعلا فى هذا الصنف الذى يُضلُّ الناس بهواه وهو يعلم الحق ويكتمه ويصدُّ الناس عنه : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) الاعراف 175 : 176 ). السخرية هنا عندما ترى شيوخ الفضائيات وتتذكر وصفهم هذا بالكلب الذى يلهث . الشيخ ( يلهث ) مستجمعا كل جهده فى الاضلال ، سواء إستمع له المشاهدون أم حولوا مؤشر التليفزيون الى فيلم أو أغنية . ليس مهما إن شاهده الناس أم أعرضوا عنه ، المهم أنه مثل الكلب يلهث ويلهث . وصدق الله العظيم : (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (178) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (179) الاعراف  ) هنا تشبيه مركب متحرك .

الشيخ الشعرانى حرّض على تنفيذ حدّ الحرابة فينا بقتلنا وصلبنا وتقطيع أيدينا وأرجلنا ، وهذا فى مقال مشهور نشرته جريدة اللواء الاسلامى الحكومية قبل أسابيع من إعتقالنا . وفى الثمانينيات وقت شهرة الشيخ الشعراى التليفزيونية قال لى صديقى اليسارى رئيس إحدى الجرائد القومية ( إننى أستمتع بأن أرى الشيخ الشعراوى بحركاته وهو يتكلم ـ بعد أن أغلق الصوت . ) جربت هذه الطريقة فإستمتعت فعلا . وتذكرت ذلك الكلب الذى يلهث ، وقلت ( صدق الله العظيم ).!

3 ـ قبيل القبض علينا ـ أول موجة فى إعتقال ( أهل القرآن ) فى أواخر عام 1987 ، كنت أتجول فى مساجد القاهرة والجيزة والاسكندرية أخطب الجمعة  متحديا السنيين ، وكان منهم من كان يطاردنى ليفتعل مشاجرات . وعلى هامش هذا حدثت مناظرات بينى وبين شيوخهم . وكانت حجتهم التمسك بما كان عليه ( السلف الصالح )، أى التمسك بما وجدوا عليه آباءهم . وعند هذه النقطة بالذات تعلو أصوات أتباعهم تؤيدهم وتندد بنا . فيما بعد قابلت احدهم صدفة فى جلسة صديق مشترك ، رأيته يبتسم لى معتذرا . قال إنه كان أعمى يسير وراء شيوخه بلا عقل ، مجرد ان يقولوا قولا يسير متمسكا به دون أن يفكّر . وقال إن وضعنا فى السجن والمنشور عنا فى الصحف جعله يتوقف ويتفكر . ثم تراجع ، واصبح من أهل القرآن ، ولهذا حضر هذه الجلسة الخاصة معى . تذكرت قول الله جل وعلا : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171) البقرة  ) . الله جل وعلا يضرب مثلا للمشركين السلفيين الذين يتبعون ما وجدوا عليه آباءهم بقطيع الحيوانات البرية التى تتبع قائدها ، إذا سار يمينا سارت خلفه يمينا ، إذا إنعطف يسارا إنعطفت خلفه يسارا . إذا نهق نهقت ، إذا جأر جأرت بعده ، هكذا بلا عقل وبلا تفكير . تصوير حركى ساخر ساحر .

4 ـ ثم هذه السخرية المريرة بالمنافقين فى قول رب العزة جل وعلا:( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ)(المنافقون 4 ) . تخيل شخصا حسن المظهر طويلا جسيما تنبهر بمرآه ، وتتخيل أن كلامه سيكون على مستوى مظهره الفخم ، ولكنه عندما يتكلم تكتشف إنه كما يقول المثل (أجسام البغال وأحلام العصافير ) . تتعجب من تفاهة عقله ، وتتعجب أكثر حين تقارن بين مظهره الفخم وعقليته المتخلفة .  ثم تُفاجأ بأنه جبان رعديد برغم جسده الضخم كلما سمع صرخة ظن أنه المقصود فيهتز خوفا . هنا تصوير حركى فى للفزع .

 صدر أول كتاب لى ( السيد البدوى بين الحقيقة والخرافة ) عام 1982 والذى كشفت فيه حقيقة السيد البدوى بأنه متآمر شيعى تستر بالتصوف لقلب نظام الحكم فى مصر فى اواخر حكم الأيوبيين وبداية حكم المماليك .  بعدها دُعيت الى ندوة أتحدث فيها عن مؤامرة السيد البدوى فى ضيافة العمدة ، وكان ابن العمدة من تلامذتى . وعرضت محتوى الكتاب ببساطة ، وكان العمدة ينظر الى فى غاية الاعجاب ، ونظرات إعجابة أعطتنى ثقة فى أن كلامى مفهوم . بعد تمام الندوة صممت على الانصراف ، ولكن العمدة كان قد أعدّ مأدبة فخمة . أمام إصرارى على الرحيل فورا رأيته يقسم لى بأغلظ الأيمان عنده ، أقسم بالسيد البدوى أننى لن أرحل إلا بعد واجب الضيافة . نظرت اليه بإشفاق . وقلت فى سرى : ( لله يا زمرى ) .. وهو مثل أزهرى لمن ضاع جهده عبثا .  

 رابعا :

السخرية باسلوب التصوير الحركى الكوميدى ( الكاريكاتورى )

  يقول جل وعلا عن أحد مشركى مكة : " ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (17) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) المدثر  ) .

وفى الآيات أسلوب رائع فى السخرية بالتصوير الواقعي الحركي الكوميدى الكاريكاتورى، فذلك الرجل ظل يقدح زناد فكره لكي يصل إلى اتهام القرآن ، وهو بالطبع جاهل وأقل شأنا من أن يكون مفكرا وعالما ولكنه يتشبه بالعلماء ويدعى الأهمية والخطورة ، وهنا منبع السخرية به فى الآيات الكريمة ، يقول سبحانه وتعالى عنه : ( إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ)  ونتخيله وهو يضع رأسه بين يديه مستغرقا فى التفكير كأنه مفكر عظيم الخطر والشأن ، ولكن الله تعالى الذي يعلم جهله وادعاءه يقول عنه ساخرا : ( فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) )  لم يقل كيف فكر لأنه بوسع أى إنسان أن يستغرق فى التفكير ، ولكن المفكرين الحقيقيين وحدهم هم الذين يصلون بتفكيرهم إلى التقدير السليم للموضوع الذي يفكرون فيه ،  ولذلك كان التكرار الساخر فى قوله تعالى : ( فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ) . وبعد التظاهر بالتفكير فإن صاحبنا بدأت ملامح وجهه تكتسي بالجدية والصرامة إذ أصبح واضحا أنه على وشك الوصول إلى القرار الحاسم، يقول سبحانه وتعالى يصور ذلك : ( ثُمَّ نَظَرَ )  أى نظر حواليه إلى القوم المشدوهين الذين تتعلق عيونهم به وبما سيقول ، بعدها : (ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22))  أى قطب جبينه ليدخل الرعب على الجمهور الذي ينتظر تصريحه على أحر من الجمر ، ولكي يزيد من تشوق الجمهور فإنه لم يكتفي بالنظر والتكشير وإنما وقف وتأخر مدبرا ، ثم أتخذ لنفسه هيئة الاستكبار، أو كما يقول سبحانه و تعالى  : (ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) ) وبعدها أخيرا جاء التصريح الكاذب التافه : ( إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (25))  ويرد عليه رب العزة : (  سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ) .وقد تكون هذه الآيات الكريمة مرتبطة بقصة كافر من قريش فى عصر النبوة وقد لا تكون ، ولكن عظمة التصوير القرآني فى الآيات تجعلها تنطبق على كل متكبر أحمق جاهل يدعى على كتاب الله تعالى بالباطل . 

أخيرا

هى محاولة لفهم هذا الاسلوب القرآنى فى الدعوة .. أرجو البناء عليها من شباب الباحثين القرآنيين .  

اجمالي القراءات 9628