الجزء الثاني ( السماوات و الأرض )
السماء التي نعرفها
أخبرنا العليم بأن السماوات التي خلقها هي سبع سماوات و مثلهن من الأرض , أي أن هناك سبع سماوات و هناك سبع أراضين ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ) 12 الطلاق .
نحن نعيش في واقع الأمر على أرض ٍ واحدة معلومة و محسوسة , و هي لا تتداخل مع أي أرض أخرى , فهذه الأرض هي وحده كاملة بكل مكوناتها من النواة إلى السطح و ما تحتويه من أحياء على سطحها و في داخلها , و الله جل وعلا لم يذكر لنا بأننا نعيش على سبع أراضين , بل كل كلامه جل وعلا في كلامه المرسل إلينا يقول بأنها ( أرض ) , فنحن البشر نعيش على أرض ٍ واحده , و رسالة الله جل وعلا تخص أهل هذه الأرض دون الست أراضين الأخرى ,
أما السماء بحد ذاتها فهي غير ملموسة و غير محسوسة بالنسبة لنا كبشر بخصائصنا التي أوجدنا الله جل وعلا عليها , أي أنها برزخية بالنسبة لحواسنا البشرية في هذه الحياة الدنيوية , فنحن لا نراها و لا نلمسها , تماما كما الملائكة فهي برزخية لا نراها بعيوننا الدنيوية و لا نلمسها .
و بما أن السماء غير مرئية و غير ملموسة ( برزخية ) فإن السماوات الست الأخرى هي كذلك ( برزخية بسبب أن تلك السماوات السبع متطابقة أي متشابهه ( أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ) 15 نوح , و بما أن الأرض مرئية و ملموسة فإن الأراضين الست الأخرى هي كذلك يتوجب بأن تكون ملموسة ( وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ) أي ما ينطبق على السماوات السبع يتحتم بأن ينطبق على الأراضين السبع من ناحية التشابه فيما بينهم , و بناءاً على ذلك نقول بأن الله جل وعلا خلق سبع سماوات غير ملموسة و خلق سبع أراضين ملموسة .
لا يوجد لفظ لمصطلح ( الكون ) في كلام الله جل وعلا , و لكن يوجد مصطلح و لفظ ( الدنيا ) و هو اللفظ المساوي للكون , فحين يأتي الحديث عن الدنيا فالمقصود هو الكون بكل مكوناته التي نعلمها و نراها و كذلك الأمور التي لا نراها و لا نعلمها ,
هذه السماء هي عظيمة و واسعة , و لقد أشار إليها الخالق جل وعلا و بين لنا أبعادها :
فقال عن خط البداية المعلوم لنا و عن بداية السماء ( سماء كوننا ) أي سماء الدنيا التي نعيشها الآن , فهي تبدأ من النقطة الأولى التي تعلو الأرض التي نعيش عليها ( أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) 79 النحل ,
فكل تلك الأجواء التي تحيط بنا و هذا الفراغ الذي نعتبره فراغا فارغا هو جزءٌ من السماء الدنيا , ثم نصل إلى ارتفاعٍ أعلى لنصل إلى السحب و الغيوم , و قد قال عنها جل وعلا ,
( وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ) 18 المؤمنون , و الآيات التي تتحدث عن نزول المطر كثيرة , و كلها تتحدث عن نزوله من السماء , فعليه نقول بأن هذه السحب و الغيوم موجودةٌ في السماء الدنيا و تقع ضمن حدودها ,
ثم نرتفع أكثر من ذلك لنصل إلى هذا الفضاء الشاسع الذي يحيط بنا و بأرضنا لنصل لكل تلك الكواكب و النجوم و هو ما نطلق عليه بالفضاء الكوني , فقال ( إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ ) 6 الصافات ,
و قال أيضا ( وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ ) 5 الملك ,
و عليه تكون كل تلك الكواكب و النجوم تقع في حدود السماء , سماء كوننا ( السماء الدنيا ) نسبةً للدنيا التي فيها معاشنا و حياتنا , و عن تلك المسافات الشاسعة و البعيدة جدا و حتى نقطع هذه السماء لنرى ما بعدها يقول سبحانه ( يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) 5 السجدة ,
هذه هي السماء التي نعرفها و هي السماء الدنيا سماء هذا الكون الذي نحن فيه .
و كل هذا يعبر عنه علميا ( بالمجرة ) فالمجرة التي نحن بها و تضم الأرض التي نحن عليها و السماء الدنيا و ما تحتويه بدايةً من السحاب إلى الكواكب و النجوم و الشمس و القمر ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) 33 الأنبياء , فهذا الفَلَكُ الذي يسبح فيه كل ما ذكرنا هو ما نطلق عليه بالمجرة فكل ما فيها يجري و يَسبَح ,
حين نخرج من هذه المجرة و هذا الفَلَكِ العظيم نلاحظ و جوداً لمجراتٍ أخرى تتطابق تماما مع مجرتنا و عالمنا , بها شمس و قمر و كواكب و نجوم و سماء و أرض , و ما اعتقد به بشكلٍ شخصي هو وجود ست مجرات من تلك المجرات تحوي في داخلها كوكباً أرضياً مشابها لكوكبنا الأرضي و لا نعلم من يعيش على ظهره ,
هذه المجرات جميعاً تتداخل سماواتها و تتطابق فيما بينها و تتشابك في تلك المساحات المفتوحة التي نعبر عنها بالفراغ ( أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا ) 15 نوح ,
و قال سبحانه ( الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ ) 3 الملك .
يبقى السؤال هنا هل يستطيع البشر التمكن من اختراق تلك البوابات و النفاذ عبر أقطار تلك السماوات السبع للتواصل ما بين الأراضين الست الأخرى ؟
( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ) 33 الرحمن .
و هل هذه الأكوان السبع أو الأفلاك السبع هي الأكوان أو العوالم الموازية ؟
( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ) 81 يس .
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا
سبحانك إني كنت من الظالمين