لو سـُئلت عن أكبر جريمة سكت عنها الرئيس السيسي، طبعا بعد تبرئة المجرم اللص مبارك، لقلت على الفور: الإعلاميون المدافعون عنه.
أتعجب من أن يكون الرئيس السيسي شخـصـًـا سويــّـــًـا ومع ذلك فيسمع إعلامييه كل يوم ولا يتقيأ، أو يصاب بالغثيان أو يطردهم من جنته.
كل مديح فيه المتنبي ولو عدة أسطر إلا مديح الإعلاميين المصريين في الفضائيات ففيه غائط وصرف صحي وكُفر بكل القيم والمباديء.
كيف استطاع الرئيس السيسي أن يجمع حوله حشرات نتنة تدخل الاستديو وتتحدث في السياسة والدين وعن مصر ثم تعبقر الرئيس أو تجعل منه نبيــًــا فرعونيـًـا؟
لقد تم اختيارهم فرزًا لغويا سقيما، سبابيــًـا حقيرًا، معلوماتيا ضئيلا، ومع ذلك فكلما انحطوا، وتدهوروا، وسقطوا، وتخنزروا؛ توسعت برامجهم، وتسابق رأسماليو التخلف على الاستعانة بهم، وتلقوا دعوات من القصر، واحتضنهم رئيس الدولة.
نصف الأمراض النفسية لدىَ المصريين سببها إعلاميو الرئيس السيسي.
كثيرمنهم نجس، وكلما زاد انحطاطهم؛ اقتربوا من القصر.
قد أبرر سكوت الرئيس عن سد النهضة، وعن تبرئة لصوص الدولة، ورفض استرداد الأموال المنهوبة في عهد المخلوع، وقوانين ازدراء الأديان، وفراغ رأسه من أي مشروع علمي أو ثقافي أو تعليمي أو صحي، وداعش البرهامية، لكنني لا أفهم كيف تمكن الرئيس من تجميع هذا العدد المفزع من ذباب الإعلام وجعلهم وجه مصر الرئاسي و.. الدفاع عن فكر الرئيس السيسي!
جاء حين من الوقت كانت مصر تُصدّر الإعلاميين، وتتسابق الدول العربية على وجوه إذا أطلت من الشاشة الصغيرة؛ تضاعف عدد المشاهدين.
وجاء الانحدار في عهد مبارك، وأتذكر أنني قابلت وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف في فندق الشام بدمشق 1996 ،عاصمة قلب العروبة النابض، وسألته: معالي الوزير، هل تعرف أن المصري الذي يمسك بيده الروموت كونترول باحثا عن قنوات عربية يُسرع في القفز فوق قناة أخرى إذا مرّ على الفضائية المصرية؟
ردّ قائلا: أعرف ذلك، لكنني قمت بعمل تغيير شامل منذ أسبوعين، ألم تلاحظ هذا؟
أما الآن في عهد الرئيس السيسي فأحسب أن إعلام مصر لم يشهد سقوطـًـأ مدويا منذ عهد بناة الأهرام.
في منتصف عام 1977، أي منذ أربعين عامــًــا، نشرت في مجلة( المستقبل ) الباريسية التي كان يرأس تحريرها نبيل خوري الإعلامي المحترف، وصاحب رواية ( حارة النصارىَ) مقالا حمل عنوان ( دمعة حزن على الصحافة المصرية) وكان ذلك في أوج حملات المثقفين المصريين على تطبيعات السادات، خاصة مجلة ( 23 يوليو) في لندن و ( اليسار العربي ) في باريس و( النشرة ) التي كانت تُطبع في أثينا وانتهت برصاصة غادرة في جسد ميشيل النمري ، المناضل ورئيس تحريرها الذي أغضب كل أجهزة الاستخبارات العربية.
في الثلاث سنوات المنصرمة هجم على الرئيس السيسي لاعقو الأحذية من بلاط صاحبة الجلالة السلطة الصفر، يبررون كل كلمة وحرف وإشارة وهمسة وغمزة وأمر وتوجيه بلغة مريضة، شوارعية، مقززة، طائفية، كأن أصحابها خريجو مدارس محو الأمية.
والغريب أنهم سقطوا على حـِجـْـر الرئيس، والتصقوا بهواه، وانسجموا مع فكره، وتبنوا لا رؤيته(!) فجعلوا منها كما قال بنفسه: أنا طبيب الفلاسفة!
إذا رأيتهم حسبتهم الجهل مجسدًا، والنفاقَ في أدنىَ صوره وأخبثها، ومع ذلك فكلما ازدادوا غيـًّـا؛ التصقوا بالقصر وسيده.
في نفسي حزن شديد، وأكاد لا أصدق أن الصحافة المصرية هي التي فتحت أبوابها للعقاد والمازني وطه حسين ومحمد حسين هيكل ومحمد حسنين هيكل والرافعي وأمير الشعراء شوقي وشاعر النيل حافظ ابراهيم ... فضلا عن مذيعيها ومقدمي برامج تلفزيون الريادة.
في عصور التطبيع والاستخبارات والرقابة ظل الحد الأدنى للثقافة واللغة والتعبير والمعلومة والقيادة والعروبة والمشروع الوطني يكفي لعدم خروج مصر من قضبان التطور، فقطار التنمية يسير متكاسلا أحيانا، ومسرعا أحايين أخرى.
نظرة واحدة على المشهد الإعلامي المصري، من جهل وطائفية وحوارات فجّة وفتاوىَ ساقطة ولسانيات غُرزية وتملق مفزع في نبوة الرئيس وإبليسية معارضيه تؤكد، وتثبت، وتختم على السقوط الأعظم للإعلام المصري.
جلهم خائفون، وأيديهم ترتعش، وأسنانهم تصطك، وركبهم تكاد تنفصل، فهنا لا يحتج سيد القصر إلى الكرباج، فالإعلامي لديه الرقابة الذاتية، أي كرباجه الداخلي، حتى لو لم تحمّر عينا الرئيس.
لا أريد أن أنشر قائمة بأسماء قردة الإعلام فلست وحدي الذي يعرفهم كما يعرف أصابع يديه، وما عليك إلا أن تشاهد عدة دقائق من برنامج حواري حتى يرتفع ضغط دمك وسكرك.
الصحفيون على دين زعمائهم، فإذا ابتسم الزعيم صفقوا، وإذا غضب على شخص أذاقوه الويلات، وإذا كره الثقافة مزقوا كتبهم.
الرئيس السيسي مثله كمثل شخص تصادف مروره قادما من مدرسة إعدادية فمر بجانب الإتحادية، وطُلب منه أن يتولىَ الحُكم دونما حاجة لمعرفة القراة والكتابة والعلوم الإنسانية وتاريخ الشعوب ونضالات الجماهير.
ثم عرض عليه قردةٌ أن يتولوا تلميعه، وتفسير فلسفته، وتبرير توجيهاته، فوافق؛ فإذا بمصر العظيمة تتقزم، وتصغر، ويفرج قضاؤها على عتاة الفساد، وينحسر دور الدين في الدروشة، ويغيب الضمير الاجتماعي ليحل الضمير الديني مكانه، وينشق المجتمع كما انشق البحر بعصا موسى، ويكتشف المسلمون أن شركاء الوطن غرباء الأرض، ويكذب الأقباط .. أصحاب أعدل قضايا الوطن فيمنحوه ثقتهم رغم سلفيته البرهامية الواضحة.
إعلام مصر فضيحة كل العصور، وهو خصم للوطن والمواطن والثقافة.
إعلام مصر هو يوم القيامة المصري، وهو يؤكد أنه، بدون أدنى مبالغة، لو قدّم حمارٌ طلب تعيينه مذيعا أو حواريـًـا في فضائية مصرية، فلا تتعجبوا إنْ تم اختياره قبل بدء الاختبار بوقت طويل.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 12 مايو 2017