أسامة كمال : كتيبة الجهل في مصر

في السبت ٠٢ - أبريل - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

صاغ الراحل محمود عوض ( 1939 -2009 ) ،  الصحفي المصري النابغ ، تعبيراً مدهشاً ، ما زال حياً وفعالاً بيننا :  كتيبة الجهل النشيط  ، وقصد به حين كتبه ، تبوأ كتيبة الجهل كل مناحي الحياة في مصر  ، وتغلغلها بنشاط وهمة في كل جزء من خريطة الوطن .. ربما صاغ تعبيره بسبب ما تعرض له من حجب عن الكتابة ، ومن حجر لموهبته الأصيلة واللافتة ، التي لم يستطع أحد أن ينكرها ، أو يقلل من قدرها ، سواء من قدروا حجمها  ، أو من حاولوا حجبها.. ويقيناً تابع محمود عوض توغل كتيبة الجهل ، ليس في مجاله النوعي في الصحافة والإعلام فقط ، بل في كل الهيئات والمؤسسات المصرية .. وكتيبة الجهل، هي التي أودت بمصر إلى ما هي عليه الآن، من شأن لا يليق بها، ولا يليق بتاريخها.. وتأسست هذه الكتيبة في زمننا المعاصر ، يوم أن اعتمدنا على أهل الثقة لا الكفاءة ، في الخمسينات والستينات من القرن الفائت ، إبان لمعان ثورة يوليو 1952 .. وحفظ للدولة المصرية مكانتها في ذلك الوقت ، دورها الطليعي في ثورات التحرير الوطني في كل بقاع العالم .. ومع هزيمة يونيو 1967، زال الغطاء عن أهل الثقة ، بعد أن تعرت مصر أمام العالم في هزيمة مخزية ومهينة ، ساهم في جسامتها تعاون كل قوى الاستعمار ، للقضاء على مشروع مصر الوطني والمستقل .. ومع تغير التوجهات والسياسات في عهد الرئيس السادات ( 1970- 1981 ) ، ولجوئه طائعاً إلى الغرب ، وتحديداً إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، وإقراره بالتوجهات الغربية سياسياً  : بالتفاوض المباشر مع العدو السابق  - إسرائيل-  في معاهدة كامب ديفيد عام 1978 ، واقتصادياً : بإعلانه الانفتاح الاقتصادي كمبدأ عام ، تنتهجه الدولة المصرية ، واعتبار النظام الرأسمالي بصيغته الأمريكية ، حلم الدولة المصرية ومرادها الأخير ، لم تألو ( كتيبة الجهل النشيط ) جهداً ، في تنفيذ ما استقر عليه نظام السادات من توجيهات ، وانتقلت بكامل أفرادها وأدواتها ، من الشرق إلى الغرب ، ومن التوجهات الاشتراكية إلى التوجهات الرأسمالية ، لأنها كتيبة لا تملك رؤية أو منهج ، ووظيفتها الوحيدة إرضاء من يجلس في قصر الرئاسة .. والمدهش أن أعضاء الكتيبة لم تتغير أسمائهم في العهدين المختلفين ، وإن أضيف إليهم بعض الأسماء التي عقدت صلات شخصية مع الرئيس الراحل .. ووجدت كتيبة الجهل مناخها وأجوائها الطبيعية في عهد الرئيس السابق ، محمد حسنى مبارك (  1981- 2011 ) ، لأن كل رموزها وعلاماتها ، استمروا لفترات طويلة في أماكنهم ، سواء في الوزارات والهيئات  والجامعات، أو في المجالس النيابية والمحلية ، أو في وسائل الإعلام والأحزاب ، سواء الحزب الحاكم منها ، أو أحزاب المعارضة الهامشية ، وبسبب طول فترة حكم الرئيس السابق ، وَرّثت كتائب الجهل أدوارها لنسخ شبيهة منها ، وتحمل نفس صفاتها  وجهلها ، أو لأبنائها وأقاربها مباشرة ، تيمناً بمشروع التوريث الرئاسي قبل فشله.. فالرئيس السابق نجح في توطين كتائب الجهل النشيط ، في كل شق في مصر ، وصار أعضاؤها  فيروسات حية ومتجددة ، تنشر وعيها الزائف والمضلل في كل مكان يشغلوه ، ولا تعرف إلا الدفاع عن تواجدها ومكاسبها ،  وما وصلت إليه يداها من نفوز ومزايا وفساد  ، وذلك لأنها لا تملك أي خطط للتغيير ، ولا أي رؤية للمستقبل ، وتتحرك فقط في نطاق وعيها الضيق والخامل .. ورغم نجاح ثورة يناير ، في استئصال رأس النظام السابق من عليائه في قصر الحكم ، إلا أنها لم تستطع أن تصل إلى جذور كتائب الجهل ، المتجذرة في كل بقعة بمصر ، ولم يجد معها أي مصْلٍ بعد  .. لأن القضاء عليها ليس بالثورة وحدها ، لكن بتوحد فرقاء العمل السياسي والوطني بكل تنويعاته وأطيافه ، على رؤية مكتملة وواضحة ، للانتقال بمصر من مرحلة ما بعد مبارك ، إلى عصر جديد .. رؤية تحافظ على سياج الدولة المدنية بركائزها الأساسية :  الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية .. و قبل التوحد على الرؤية ، لابد من الاتفاق على مشترك أنساني بين طائفتي الأمة مسلمين ومسيحيين ،  وأولويات وطنية ملزمة للجميع ، قبل أن تنشر كتائب الجهل من رموز النظام السابق ، وأسراب المتأسلمين بأدخنة فسادها وجهلها على سماء مصر من جديد

كاتب وأديب مصري

اجمالي القراءات 3881