تكريم الاستاذ محمد مستاوي باعتباره دفع ثمن دفاعه عن الامازيغية غاليا في سنوات الرصاص
مقدمة مطولة
قد عرف مغرب اواخر ستينات القرن الماضي ولادة اول جمعية ثقافية امازيغية في عاصمة المغرب الادارية الرباط و هي الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي التي أسهمت اسهاما بارزا في اعطى الانطلاق للعمل الثقافي الامازيغي المقيد بشروط عهد الراحل الحسن الثاني حيث ان هذا ليس اتهاما في حق هذه الجمعية المناضلة بل نقدا لطيفا للغاية تجاهها لان هذه الاخيرة بدات نضالها في ظلام دامس و في سياق شديد الحساسية بالنسبة للامازيغية بشموليتها و الامازيغيين كذلك باعتبارهم لم يحصلوا على ثمار الاستقلال السياسية و التنموية و الرمزية الخ بينما غيرهم حصلوا على هذه الثمار ..
ان من طبيعة الحال فان الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي قامت بمجهود لا ينسى لخدمة الامازيغية كلغة و كثقافة و كبعد ديني من خلال مشروع تمزيغ الفكر الاسلامي الذي تحدثت عن تاريخه باسهاب في كتابي حيث استحضرت كافة مراحله منذ اواسط السبعينات الى صدور ترجمة معاني القران العظيم الى اللغة الامازيغية في سنة 2004 بفضل رجل عظيم بالنسبة لي الا و هو الاستاذ الحسين جهادي اباعمران.
لكن كما قلت في مقالي الجوابي لمقال الاستاذ حيتوس تحت عنوان اين تسير الحركة الامازيغية فقلت فعلا منذ التوقيع على ميثاق اكادير حول اللغة و الثقافة الامازيغيتان في صيف 1991 يمكن القول ان الحركة الثقافية الامازيغية قد انطلقت رسميا في نضالها الثقافي المقيد وقتها بالعديد من القيود بحكم ان المخزن انذاك كان لا يسمح على الاطلاق بمجرد ظهور الامازيغية كلغة و كثقافة وطنية في التلفزيون المغربي و في المدرسة المغربية الخ من هذه الفضاءات العمومية حيث كانت الحركة الثقافية الامازيغية تعاني من الحصار الفظيع على كل المستويات و الاصعدة بالرغم من التزامها بقيود عهد الحسن الثاني الصارمة حيث هنا حدث خلل عظيم في خطاب الحركة الامازيغية الثقافي طيلة عقد التسعينات حيث ان هذا الخطاب لم يحاول الربط بين الامازيغية و الاسلام قط و لم يحاول الربط بين الامازيغية و المدنية وقتها حيث كان من المفروض على الجمعيات الثقافية الامازيغية التاصيل لهذه المفاهيم بشكل صريح عوض الانتظار الى هذه السنوات..
ان هذا الخلل العظيم قد انجب لنا الخطاب الثقافي الامازيغي المقيد حيث كان من بين ثماره بيان الاستاذ محمد شفيق حول امازيغية المغرب في مارس 2000 حيث كان من بين مطالبه القوية هو اعادة كتابة تاريخ المغرب الذي لم يتحقق الى حد الان.
ان هذا الخطاب الثقافي المقيد قد مهد الطريق جيدا امام تاسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية على ارضية السياسة الامازيغية الجديدة كما سماها الاستاذ محمد بودهان حيث علينا الاقرار ان هذا المعهد كان احدى ثمار الحركة الثقافية الامازيغية و احد مطالبها في ميثاق اكادير المتجاوز الان حسب رايي المتواضع .
انني احترم اغلب اطر الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي من قبيل الاستاذ ابراهيم اخياط و الاستاذ الصافي علي مؤمن و الاستاذ عمر امرير الخ من هؤلاء الاساتذة الكرام الذين خدموا الامازيغية في زمن كان مجرد الدفاع عن ثقافتنا الام يعد جريمة يعاقب عليها القانون او بطرق اخرى من قبيل الاختفاء القصري او الاغتيال في ظروف غير معلومة حيث ستعرفون ما اقصد اثناء هذا المقال المتواضع ..
الى صلب الموضوع
بعد المقالان التكريمان لكل من الاستاذ عصيد و الاستاذ اوساي في موقع اهل القران في الولايات المتحدة الامريكية يشرفني عظيم الشرف ان اكرم واحد من الجيل الاول من النضال الامازيغي ببعده الثقافي و الاعلامي و السياسي داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان حزب يعكس التوجه الحداثي بمفهومه الغربي داخل مجتمع الستينات و السبعينات و الثمانينات الخ مع دفاعه عن القومية العربية حسب رايي المتواضع.
و يكفي ذكر اسم الاستاذ محمد مستاوي لكي نعرف مدى عظمة هذا الرجل و اسهاماته الضخمة و المتعددة في خدمة القضية الامازيغية حيث كتب الاستاذ عبد الله كيكر كتابا حول السيرة الذاتية للاستاذ مستاوي تحت عنوان الشاعر و الباحث محمد مستاوي حياته و تعدد مجالات اهتماماته حيث كنت اعرف الاستاذ مستاوي عن طريق كتبه و عن طريق برنامجه الاسبوعي على الاذاعة الامازيغية و المهتم بالتراث الامازيغي من الامثال و قصص اجدادنا الخ.
يقول الكاتب ولد محمد مستاوي في قرية مكزارت بقبيلة اداوزدوت جماعة النحيت اقليم تارودانت سنة 1943 في اسرة حيث كان والده يعمل في التجارة بالدار البيضاء و امه بقيت في القرية تربي ابنها الوحيد محمد الذي اصبح هو الرجل الامر و الناهي في بيتهم ...
يقول الكاتب كان الاستاذ مستاوي رجلا قبل الاوان اذ غياب ابيه جعله نائبا عنه في كل امور القرية اي الممثل للاسرة عند لجماعت اي الجماعة و هو مكلف بالذهاب الى السوق لشراء ضروريات البيت الخ من هذه المسؤوليات في ذلك السياق في بادية سوس .
كان الاستاذ مستاوي كان يذهب الى كتاب القرية لحفظ القران الكريم و كانت له الجراة حيث عين مع بداية الاستقلال رئيسا لفرقة الكشفية التي تاسس من اطفال القرية و القرى المجاورة حيث من جراءته انه كان يصعد الى المنصة و يخاطب الناس الذين كانوا معجبين به و بخطبه بالرغم من انهم لا يعرفون ماذا يقول بل كان لا يعرف ماذا يقول اذ لا يزيد عن قراءة ما هو موجود في كراسة اعدها منظرو الحركة الوطنية .
و على العموم يمكن القول باختصار شديد ان طفولة الاستاذ مستاوي هي حافلة بالاحداث على المستوى العائلي و الشخصي حيث كان يعشق فن احواش لكن فقيه الكتاب كان يمنعه من الحضور في حفلات احواش الطبيعية في بادية سوس لكن هذا الفقيه حسب اعتقادي المتواضع له نزعة صريحة نحو التدين السلفي المخالف لتدين الامازيغيين مخالفة تامة بمعنى ان الطفل مستاوي قد دخل في صراع مع ذلك الفقيه حتى سمح له في نهاية المطاف بالحضور في حفلات احواش كمدرسة بالنسبة له لتعلم اسس الثقافة الامازيغية كالشعر و الاذاب العامة التي ساهمت في تاطير المجتمع الامازيغي المسلم من طبيعة الحال ...
يقول الكاتب من بين الذكريات التي لن ينساها الاستاذ مستاوي الاحتفال الذي اقيم له بمناسبة ختمه للقران الكريم حيث اركب بغلة لباسا للجلباب الابيض و امامه لوحة مكتوبة بايات قرانية في شكل خاص امام جمهور من قريته و القرى المجاورة كانه سلطان بحاشيته ثم انتقل الى مدرسة عتيقة بنواحي اقليم تارودانت ليسير نحو اتمام تعليمه الديني و بعد ذلك التحق بالمعهد الاسلامي بمدينة تارودانت فصار يتابع دراسته به طيلة 4 سنوات و في يوم 11 اكتوبر 1961 غادر تارودانت نحو مراكش لمتابعة دراسته في ثانوية ابن يوسف ...
و هذا باختصار شديد محطات مسار الاستاذ محمد مستاوي الدراسي الذي جمع بين التعليم الديني و التعليم العصري لكي يصبح معلما في احدى مدارس الابتدائية بالدار البيضاء حيث يقول الكاتب بمجرد حصوله على الشهادة الثانوية دفع طلب توظيفه في التعليم بالدار البيضاء و تمت الاستجابة لطلبه في يوم 10 نونبر 1962 .......
يقول الكاتب ان انشطة الاستاذ مستاوي الثقافية هي مختلفة و متعددة من قبيل الابداعات و المؤلفات و المداخلات في اللقاءات الثقافية الخ من هذه الميادين حيث لهذا كان الاستاذ مستاوي مهتما بالشعر الامازيغي السوسي كباقي اهل منطقته منذ صغره حيث كان يحرص على حضور الرقص و حواراته الشعرية و قد خاض معركة مع فقيه القرية الذي منعه من حضور الرقص فعندما اخذ منه القران سمح له فاصبح يحضر احواش متى شاء.
ان ما فهمته في حديث الكاتب هو في مقر الجمعية المغربية للبحث و التبادل بالرباط قد عرف لقاءات و مناقشات و اصدار قرارات بشان الادب و اللغة الامازيغيين حيث انخرط الاستاذ مستاوي في هذه الجمعية اوائل السبعينات حيث اقترح عليها ان تتولى طبع قصائده المخطوطة حيث اجتمع مكتب الجمعية فتمت الموافقة على طلبه حيث شكل صدور ديوانه المسمى بايسكراف اي قيود لحظة تاريخية بالنسبة للشعر الامازيغي المكتب لان ديوان ايسكراف قد مثل في اواسط السبعينات ثورة عميقة ضد ما اسميه بايديولوجية التخلف القروي كالخرافات و كالتقاليد البالية الخ و قد مثل ديوان ايسكراف كذلك ثورة ضد احتقار الامازيغية كاللغة و الثقافة في ذلك السياق حيث يكفي الاستماع الى قصيدة تابرات اي الرسالة التي أذاتها مجموعة اوسمان الشهيرة لندرك ان الثقافة الامازيغية بالتحديد كانت تعاني من حصار فظيع على كل الاصعدة و المستويات بحكم ان المخزن وقتها يريد اقبارها نهائيا ........
في الصحافة المكتوبة قد انطلق الاستاذ مستاوي فيها منذ بداية الستينات حيث كان يقوم بتحقيقات حول العالم القروي بجنوب المغرب و مقالات للتعريف بالثقافة الامازيغية و كان يوقع مقالاته باسم ابن البادية في بداية مساره الصحفي حيث نشر مقالا في جريدة العلم الناطقة باسم حزب الاستقلال بتاريخ 30 يناير 1970 تحت عنوان من شعر الروايس الى مجموعة اوسمان الواقع و الاسطورة كتعقيب حول ما كتبه الاستاذ عمر امرير عن الموسيقى الامازيغية اي ان المغرب في سنة 1970 كان لا يتوفر الا الجرائد الحزبية التي تسير على خط المخزن الايديولوجي و السياسي بشكل تام ..
طبعا كان الاستاذ مستاوي في موقف الدفاع عن الثقافة الامازيغية دائما داخل جريدة حزبه الاتحاد الاشتراكي خصوصا في عقد الثمانينات حيث في فبراير 1988 نشر في جريدة الاسبوع الصحفي مقالا تحت عنوان زيرني واحد شالح في العربية حيث كان الاستاذ مستاوي قد ارسل رد مباشر الى جريدة الاتحاد الاشتراكي التي كانت اول من اطلق وصف تلاميذ ليوطي تعقيبا على ظهور برنامج كنوز المهتم بالثقافة الامازيغية على التلفزيون المغربي وقتها.
غير ان كاتب ذلك المقال كان له صلات مع الحزب الخ بمعنى ان جريدة الاتحاد الاشتراكي لم تنشر رد الاستاذ مستاوي الا بعد شهريان من الانتظار حيث حمل هذا الرد عدة نقاط من قبيل كيف يستهزأ بالسوسيين من طرف بعض الممثلين كعبد الرؤوف و غيره ناسيين فضل السوسيين عليهم الذين يمولونهم بالاجل بدون ضمانة ثم رد على اصحاب وصف تلاميذ ليوطي داخل جريدة حزبه حيث بين لهم الدور الذي قام به من نعتهم بتلاميذ ليوطي في الحفاظ و الدفاع عن اللغة العربية و استحضر المدارس العتيقة في سوس كشاهد على ذلك اي ان هذه الحملة كانت ضد برنامج كنوز كخطوة اولى للتعريف بالثقافة الامازيغية بشروط عهد الراحل الحسن الثاني بمعنى ان الاستاذ مستاوي وقتها كان يحارب ايديولوجية الظهير البربري بشكل غير مباشر لان وقتها كان ممنوعا مجرد التشكيك في هذه الايديولوجية في العلن...
لا شك ان من ذكريات الاستاذ مستاوي المؤلمة هي اغتيال ابنه جبران في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء بتاريخ ماي 1992 اي في عز سنوات الرصاص حيث كان ابنه يتابع دراسته بروسيا حاليا و الى حد الان لم يكشف خيوط هذا الاغتيال السياسي حسب اعتقادي المتواضع لان الاستاذ مستاوي كان مناضلا امازيغيا داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المعارض للسلطة منذ تاسيسه الى سنة 1998 كما يعلم الجميع بمعنى ان الاستاذ مستاوي قد دفع الثمن غاليا لاجل دفاعه عن ثقافته الام انذاك ...........
قد حدثت لي مفاجئة سارة للغاية عندما اكتشفت موقف الاستاذ مستاوي السلبي من المعهد الملكي للثقافة الامازيغية حيث ان عمادة المعهد قد رفضت ترشيحه لعضوية مجلسه الاداري عدة مرات كأن الاستاذ مستاوي لم يقدم شيئا للثقافة الامازيغية منذ الستينات الى الان حيث نشر مقالا في الموضوع في جريدة بيان اليوم بتاريخ 28 نونبر 2008 و يقول فيه بالحرف كان النسيج الجمعوي و الثقافي الامازيغي اواخر الستينات و السبعينات حيث كان العمل تطوعيا فكيف اصبح بعد احداث المعهد الملكي للثقافة الامازيغية اذ تم توزيع المناصب على الزعماء و أقاربه و اصدقاءهم حسب تعبيره الشخصي و على من لا علاقة له بالعمل الجمعوي و بالثقافة الامازيغية و كما يبين فيه كيف تناسلت الجمعيات التي لم يكن لها هدف الا الاستفادة من دعم المعهد الخ.......
في 6 ماي 2010 نشر رسالة قد ارسلها الى عميد المعهد الملكي للثقافة الامازيغية تحت عنوان تساؤلات عن علاقة المعهد بالباحثين و المثقفين الامازيغيين على اثر مراسلة المعهد له لاقتناء خمس نسخ من اعماله الشعرية الكاملة التي نشرها حيث اعتبر الاستاذ مستاوي ذلك اهانة من المعهد له و هو قضى عمره في خدمة الاذب و اللغة الامازيغيتين مستدلا بانجازاتها فيهما .....
قد يقول البعض ان المهدي مالك قد استغل كلام الاستاذ مستاوي لتصفية حساباته الشخصية مع مؤسسة المعهد و هذا حقهم في التفكير لكنني احترم كل من ساهم من داخل هذه المؤسسة المحترمة في النهوض بالامازيغية و بالنقاش العمومي حول تجديد خطابنا الديني الخ من هذه القضايا الجوهرية لكن الواقع يقول ان هذا المعهد قد اصبح مؤسسة للتاريخ الرسمي بامتياز حيث أقرا الان كتاب العقيدة و التصوف في فكر محمد اوعلي اوزال لاستاذة ذات مرجعية سلفية صريحة للاعمى قبل البصير و من اصدار هذا المعهد طبعا حيث انني وجدت فيه العديد من المغالطات من قبيل استحضار ايديولوجية الظهير البربري الخ من هذه المغالطات الواضحة كاننا مازلنا نعيش في عهد الراحل الحسن الثاني حيث كان النضال الامازيغي يناضل من تحطيم خرافات الماضي و تصحيح تاريخنا الوطني و بل اعادة كتابته على اسس علمية خالصة اي ان هذا المعهد اصبح يشجع من لا علاقة له بالامازيغية كثقافة و كتاريخ اجتماعي الخ و يشجع اسلمة تاريخنا بصريح العبارة حسب رايي المتواضع...............
من الشهادات في حق الاستاذ مستاوي و منشورة في كتاب سيرته الذاتية شهادة الاستاذ حسن اوريد الناطق الرسمي باسم القصر الملكي سابقا حيث يقول ان الشاعر مستاوي لحظة اساسية في مسار البحث الامازيغي و كانت مغامرة حقا ان ينقل ثقافة شعرية ينظر اليها بازدراء الخ من شهادة الاستاذ اوريد ...
اما شهادة الاستاذ عصيد في حقه فتقول الاستاذ محمد مستاوي هو شخص مبدع امازيغي ذو شخصية متعددة الابعاد فهو اصدر اول ديوان شعري امازيغي سنة 1976 و هو يمثل حلقة تربط بين الشعر الشفوي و الشعر الحديث الخ من شهادة الاستاذ عصيد....
اما شهادة الاستاذ حسن ادبلقاسم في حقه فتقول ان الشاعر محمد مستاوي باصدار ديوانه ايسكراف قد حطم الاغلال التي كانت تغل الامازيغيين اينما وجدوا الخ من شهادة الاستاذ ادبلقاسم.................
ان خلاصة القول ان الاستاذ محمد مستاوي كان يختزل النضال الامازيغي بكل تفاصيله في المقال الصحفي او في اللقاء الثقافي او في القصائد الشعرية التي غناءها المرحوم عموري امبارك ..........
توقيع المهدي مالك