أكذوبة أول مسجد في الإسلام
يدعي و ينادي أصحاب كل الأديان الأرضية دون استثناء بأماكن مقدسة و بمقدسات دينيه تخصهم من الأرض , و يعتبرونها مقدسة و خط أحمر لا يجوز تجاوزه , و يستميتون فيها و من أجلها و دفاعاً عنها , فجعلوا لها حُرمه و قداسه من عند أنفسهم و لأهدافهم الشخصية و لدوافع و منافع من أجل الحفاظ على وجودهم و استمراراً لسطوتهم و نفوذهم كي يسيطروا على العباد و البلاد , و جعلوا لها طقوساً و شعائر ما أنزل الله بها من سلطان ,
و لهذا الهدف تراهم يتخذون أماكن مقدسه لهم فترى أماكن إسلامية مقدسه و أماكن يهودية مقدسه و أخرى مسيحيه مقدسه و هكذا علماً بأن الله جل وعلا لم يأمر بتقديس أي مكان بل نهانا عن ذلك لأن التقديس شركٌ بالله القدوس جل و علا .
لا أود التطرق و ضرب الأمثلة على ذلك فالكل يعلم ما يقدسه أصحاب الأديان جميعاً من الشرق إلى الغرب , و الكل يعلم تلك الأماكن المقدسة لكلٍ منهم ,
أود هنا من تبيان ما يقدسه المسلمون فيما يخص ( المسجد النبويّ ) مع التحفظ على تلك التسمية , و الحديث عن ذلك بشكلٍ خاص دون التشعب في ضرب أمثلةٍ مشابهه لكل دين من الديانات ,
يعتبر المسلمون اليوم مسجد المدينة ( النبويً ) ثاني أقدس موقع في الإسلام بعد المسجد الحرام , علماً بأن المسجد الحرام بذاته لم يرد تقديسه أصلاً , ناهيك عن اعتباره بالحرم الثاني ,
و لم يرد ذكر هذا المسجد سوى مرةً واحدة في القرآن الكريم تشير إليه فقال سبحانه ( لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) 108 التوبة , هذا المسجد الذي أسس على التقوى ينبغي أن نتقي الله جل وعلا فيه , ولا نقدسه فشأنه شأن سائر مساجد الله ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ) 18 الجن ,
يعتبره البعض من المسلمين بأنه أول مسجد في الإسلام , كما يعتبره الغالبية منهم بأنه ثاني مسجد في الإسلام و أن أول مسجد هو مسجد قباء , و هذا غير صحيح !
لأن الإسلام هو دين الله جل وعلا الذي جاء به الرسل جميعاً من أولهم لآخرهم , و جميعهم كانوا مسلمين و منهجهم هو الإسلام , و أول مسجد هو المسجد الحرام (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ) 96 آل عمران , فصحيح القول بأن يقولوا أول مسجد بعد بعثة محمد عليه السلام و ليس أول مسجد في الإسلام ,
و قد سميَّ بالبيت العتيق لقدمه و كونه المسجد الأول للبشرية ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) 29 الحج .
أطلقوا عليه الحرم النبوي الشريف كما أطلقوا مسمى الكعبة المشرفة و القدس الشريف , و المراد من هذا الوصف هو جمع هذه الأماكن سوياً بنفس الوصف لإعطائها نفس المكانة و التقديس ,
تلك الأماكن الثلاث هي أصلاً غير مقدسه من قبل الله جل وعلا , بل من عند أنفسنا , و قلنا سابقاً بأن التقديس محوره الاعتقاد بالنفع و الضرر , لذا قالوا أن الصلاة في تلك المساجد الثلاث أفضل من الصلاة في غيرها , فقالوا ظلماً و بهتانا :
( صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه ) ,
( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام , و المسجد الأقصى , ومسجدي هذا ) ,
( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة , ومنبري على حوضي ) ,
( خير ما رُكبَت إليه الرواحل مسجدي هذا والبيت العتيق ) ,
(من صلى في مسجدي أربعين صلاة لا تفوته صلاة كتبت له براءةٌ من النار وبراءةٌ من العذاب وبرئ من النفاق ) ,
( من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهدين في سبيل الله , ومن جاء بغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره ) ,
و غير ذلك الكثير من الأقوال التي تدفع باتجاه تقديسه من حيث الاعتقاد بالنفع و الضرر , كما نلاحظ بأنهم قد قالوا أكثر مما قاله الله جل وعلا في حق هذا المسجد , حيث أننا قد علمنا بأن الله جل وعلا لم يذكره سوى مرة واحده و ليس بالشكل المباشر بل بالإشارة له ,
متجاهلين قول الحق جل وعلا ( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَىٰ أَنفُسِهِم بِالْكُفْرِ أُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ ) 17 التوبة .
و من هنا وجب التحذير من الشرك بالله المتمثل بتقديس شيء سواه .
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا
سبحانك إني كنت من الظالمين