حول ما قاله البابا بندكت السادس عشر عن الاسلام

آحمد صبحي منصور في السبت ١٦ - سبتمبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً


شتان ما بين البابا الكاثوليكى الحالى بندكت السادس عشر و البابا السابق يوحنا بول الثانى المتوفى فى 4 ايريل 2005 .البابا السابق كان قمة فى التسامح. طعنه بالسكين الشاب التركى محمد أغا سنة 1981 فى ميدان القديس بطرس ، بعد إنقاذ حياته زار البابا المجنى عليه الشاب الجانى فى سجنه وأعلن عفوه عنه. بعد تنصيب البابا بندكت السادس عشر شاهدت فى احدى القنوات الأمريكية برنامجا موثقا عن حياته واتجاهاته المتشددة داخل كنيسته فلم استبشر به خيرا. وتحقق الظن بعد تورطه فى كلام مسىء للاسلام أعلنه دون داع سوى التنفيس عن تعصب لايليق بمن يتولى منصبه فى هذه الظروف المعاصرة بالذات.
قوبلت كلمات بندكت باحتجاجات ، منتظر لها أن تستمر ، ونخشى ان تتفاعل ويتلاعب بها ذوو الأهواء كما حدث فى موضوع الرسوم الكرتونية. لذلك وجب التنبيه والتعليق والتحذير.
الاحتجاج السائر حتى الآن لم ينحرف الى الشارع الخطرأو الاتجاه الخطأ. وهو يعبر عن غيرة اسلامية محمودة ، بيد أن هذا لايمنع من وضع بعض الملاحظات :

أولا:
بالنسبة لهذا البابا يجب أن يكون الخطاب الموجه له من داخل دينه هو ، أى وعظه بما جاء فى الانجيل مع وضعه فى مقارنة مع سلفه البابا المتسامح يوحنا بوب الثانى. كل مسيحى يحفظ ما جاء فى الانجيل من وصايا بالمغفرة للمسىء والاحسان له والعفو عنه ، وكل مسيحى يتذكر ما فعله البابا يوحنا الثانى مع المجرم الذى اعتدى عليه قاصدا قتله. فأين بندكت السادس عشر من هذا وذاك. حين يتصدر رجل الدين للوعظ والارشاد والدعوة للقيم العليا ثم يقع فيما يستوجب وعظه فأنه يفقد الصدقية والاعتبار بل والاحترام. ونحن هنا لا نتحدث عن واعظ عادى بل عن رئيس دين يتبعه مئات الملايين. وسقطته تكون بمقدار خطئه وبمقدار ما يتمتع به من هيبة وأنصار.
ثانيا :
بالنسبة لردود الفعل عندنا فالملاحظات كثيرة، منها:
1ـ إننا لم نرد على السيئة بما أمر به القرآن الكريم. إن الله تعالى أمر أن نرد على السيئة ليس بالحسنة بل بما هو أحسن : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ) ( المؤمنون 96 )، الأحسن فى الرد على السيئة هو أن نغفر ونتسامح مع من يسىء الى ديننا، ونرد عليهم بالسلام والصفح الجميل منتظرين حكم الله تعالى علينا وعليهم يوم القيامة(وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) الحجر 85 ) (وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) الزخرف 89 ،88 ) (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) الجاثية 14 ، 15 ).
بدلا من الأدب الاسلامى السامى والعالى فقد هبطنا الى الغوغائية والهمجية فى موضوع الرسوم المسيئة ، وأثبتنا أن كلام الغرب صحيح فى وصفه لنا ، وإن كان خاطئا فى وصفه للاسلام، أى أن المسىء الحقيقى للاسلام هو نحن بأفعالنا وتصرفاتنا وعقائدنا المناقضة لحقائق الاسلام. خطأ الغربيين ـ ومنهم بندكت السادس عشر ـ أنهم يخلطون بين الاسلام والمسلمين ، ويطلقون على الارهابيين من أبناء لادن اسم ( الاسلاميين ). وهذا خطأ سنعرض له فيما بعد ، ولكن المهم الآن أنه آن الأوان لكى نرتفع بردود أفعالنا الى مستوى الاسلام الذى نعلن إنتماءنا له ، فلم يعد لائقا أن يظل الاسلام يتحمل سيئاتنا و جرائمنا و تخلفنا.
2 ـ وحتى فى ردود أفعالنا الأخرى لم نرتفع الى عظمة الاسلام. فتلك المظاهرات الغوغائية لماذا لم تتحرك غضبا حين اعتدى ذلك المجرم محمد أغا على البابا المتسامح الطيب يوحنا بول الثانى ، وقد كان وقت الاعتداء الآثم عليه كهلا جاوز الستين عاما ؟. ولماذا لم تتحرك الأقلام اعتذارا للبابا عما فعله ذلك المجرم؟ وعندما تحامل البابا الجريح على نفسه وزار المجرم فى السجن معلنا عفوه عنه وغفرانه له ، لماذا لم نرد عليه بما يساوى نبل أخلاقه ؟ لماذا لم نرسل له الوفود للشكر والعرفان طبقا للقاعدة القرآنية (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ) النساء 86 ). من أسف أن البابا الراحل قد تصرف طبقا للقيم العليا فى الدين السماوى ، بينما نتصرف نحن المسلمين طبقا للدين الأرضى السّنى الذى أضلنا وأوقعنا فى التناقض مع الاسلام..تلك المظاهرات الغوغائية لم تتحرك للاحتجاج على قتل آلاف الأبرياء فى الحادى عشر من سبتمبر ـ أو فى تفجير قطار مدريد الذى خلّف 191 قتيلا سنة 3004 ، أوقطار لندن .. بل على العكس سارت مظاهرات وحركات شامتة فى قتل المساكين الأبرياء فى برجى نيويورك، مما يدل فجوة هائلة بين سمو الاسلام والقاع الذى اات الغوغائية لماذا لم تتحرك غضبا حين اعتدى ذلك المجرم محمد أغا على البابا المتسامح الطيب يوحنا بول الثانى ، وقد كان وقت الاعتداء الآثم عليه كهلا جاوز الستين عاما ؟. ولماذا لم تتحرك الأقلام اعتذارا للبابا عما فعله ذلك المجرم؟ وعندما تحامل البابا الجريح على نفسه وزار المجرم فى السجن معلنا عفوه عنه وغفرانه له ، لماذا لم نرد عليه بما يساوى نبل أخلاقه ؟ لماذا لم نرسل له الوفود للشكر والعرفان طبقا للقاعدة القرآنية (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ) النساء 86 ). من أسف أن البابا الراحل قد تصرف طبقا للقيم العليا فى الدين السماوى ، بينما نتصرف نحن المسلمين طبقا للدين الأرضى السّنى الذى أضلنا وأوقعنا فى التناقض مع الاسلام..تلك المظاهرات الغوغائية لم تتحرك للاحتجاج على قتل آلاف الأبرياء فى الحادى عشر من سبتمبر ـ أو فى تفجير قطار مدريد الذى خلّف 191 قتيلا سنة 3004 ، أوقطار لندن .. بل على العكس سارت مظاهرات وحركات شامتة فى قتل المساكين الأبرياء فى برجى نيويورك، مما يدل فجوة هائلة بين سمو الاسلام والقاع الذى انحدر اليه بعض المسلمين. مهما يكن هناك من تحفظات على السياسة الأمريكية الخارجية فلا شأن للضحايا بها تمسكا بالقاعدة الاسلامية الذهبية ( ألاّ تزر وازرة وزر أخرى ).

3 ـ وفى ردود أفعالنا فإننا نغفل دائما عن العدو الأصلى الذى هو سبب البلاء ومنبع الفساد ، بل نقدس ذلك العدو ونؤلهه. البابا بندكت السادس عشر إنصب نقده على العنف الذى يرتكبه أبناء لادن فى وقتنا هذا، وأشار الى الحديث القائل ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله ..الخ ). هذا الحديث افتراه البخارى ، والبخارى إسمه الحقيقى (إبن برزويه ) وهو من خراسان التى كانت مشهورة بشعوبيتها وحقدها على العرب والاسلام ، والتى نبعت منها معظم الثورات المسلحة وحركات الزندقة فى العصر العباسى الأول ، وقد قمعت الدولة العباسية كل حركاتهم العسكرية التى كان يصاحبها ادعاءات بالنبوة وبعث للأديان الفارسية القديمة . بعد فشل كل حركاتهم الحربية الصريحة عمد أحبار خراسان وفارس الى حرب الاسلام من الداخل ، فتكاثر منهم فى العصر العباسى الثانى محترفو الكذب على النبى محمد عليه السلام ، بزعم رواية أحاديثه. لذلك فإن معظم رواة الأحاديث فرس، وجاءوا فى وقت واحد ومرحلة واحدة ، أشهرهم إبن برزويه المعروف باسم البخارى،وقد نثر بمهارة فائقة بين سطور كتابه ( صحيح البخارى ) أحاديث الطعن فى الاسلام والقرآن والنبى محمد عليه السلام ، وقد أثبتنا هذا فى كتابنا المنشور على الانترنت ( القرآن وكفى مصدرا للتشريع ). حديث البخارىالذى افتراه ونسبه كذبا للنبى محمد عليه السلام والقائل ( أمرت ان أقاتل الناس ) ـ هذا الحديث هو دستور الارهاب حتى الآن. ولذلك يحلو لابن لادن أن يستشهد به ، إذ يعطيه المسوغ السّنى لقتل الأبرياء واكراه الناس فى الدين. هذا الحديث الكاذب يتناقض مع مئات الايات القرآنية فى تشريع الجهاد الدفاعى وفى تقرير الحرية المطلقة فى العقيدة والايمان أو الكفر، وفى تقرير التسامح والإخاء الدينى بين البشر على أساس السلام والمحبة مهما أختلفت العقائد. هذا البخارى الكاذب هو العدو الحقيقى للاسلام ، وطالما نتمسك به وندافع عنه ، وطالما نقدس الكذب الذى افتراه وألصقه ظلما بالنبى محمد عليه السلام فلا ينبغى لنا أن نلوم البابا بندكت السادس عشر أو لويس السادس عشر أو حتى حسب الله السادس عشر !!
4 ـ يذكرنى هذا بكما كتبت من قبل عن مشكلة سلمان رشدى وكتابه الهابط ( آيات شيطانية )، قلت قبل أن نلوم سلمان رشدى لا بد أن نتوقف مع ذلك الحديث الكاذب الذى بنى عليه كتابه الآثم. أقصد اسطورة الغرانيق الموجودة فى كتب التفاسير ، ومنها تفسير النسفى الذى كان مقررا علينا فى التعليم الأزهرى الثانوى . لقد رفضتها وأنا شاب مراهق وقتها وقلت إنها تطعن فى الاسلام والنبى محمد عليه السلام، وقد خاف مدرس التفسير وقتها وارتعب . ولا تزال تلك الرواية فى كتب التفاسير دون نقد علمى ، وعليه فإن أولو الشأن من شيوخ الأزهر الشريف ـ جدا ـ يوافقون عليها وعلى ما تعنيه من طعن صريح فى الاسلام والقرآن وخاتم النبيين عليه السلام. وإذن فلماذ يلومون سلمان رشدى إذا إعتمد عليها فى كتابه البذىء؟

5 ـ بدلا من الهجوم على البابا الكاثوليكى فإن الأفضل أن نستفيد من هجومه علينا بالبحث عن عيوبنا، هذا إذا أردنا الاصلاح الفعلى. لا يختلف إثنان ـ أو على رأى التراثيين لا تنتطح عنزتان ـ على أن المسلمين يعيشون اليوم أسوا حالهم، ويحتاجون الى الاصلاح ، فالأغلبية العظمى من الأخبار السيئة اليومية فى العالم ـ من مذابح وحروب وتعذيب وفساد ـ تأتى من بلاد المسلمين فقط. هم الجناة والمجنى عليهم. ثم يضيفون غير المسلمين الى قوائم ضحاياهم ، فإذا احتج عليهم شخص آخر ثاروا وهاجوا وماجوا دون أن يتفكروا فى موضع الخطأ فيهم ، ودون ان يلتفتوا الى ضرورة إصلاح أنفسهم. يتحدثون عن عظمة الاسلام وهم أول المسيئين اليه ، وباسمه يفتى أئمتهم بقتل الأبرياء ثم يتوضأون بدماء الضحايا وهم يتحدثون عن سماحة الاسلام.
هذه الحالة المتردية لا بد لها من إصلاح.وحيث أن الاصلاح أصبح ضرورة ملحّة فإن المصلح عليه أن يفكر بهدوء فيما يقوله الآخر عنه ، فوسط الاتهامات الباطلة قد يجد عيوبا حقيقية فى جسده دون أن يعلم. ومن اتهامات البابا بندكت السادس عشر نتأكد الآن أن أهم أسباب مصائبنا تكمن فى التراث الذى بعثناه من مرقده ، ومن أجله اتخذنا القرآن الكريم مهجورا. وإذن يجب إتخاذ موقف من هذا التراث ، ليس بالغائه ـ فلكل أمة تراثها ـ ولكن بقطع الصلة بينه وبين الاسلام الذى يعبّر عنه القرآن الحكيم وحده. أما هذه الأحاديث فهى مجرد أقاويل لم يقلها خاتم النبيين ـ عليهم جميعا السلام ـ ولكن تمت صياغتها و تدوينها بعد موت النبى محمد عليه السلام بقرنين وأكثر لأغراض وأهواء دنيوية محضة، وكان هذا التدوين عصيانا لأوامره عليه السلام بعدم كتابة أى شىء عنه سوى القرآن ، ولهذا لم يقع فى هذا العصيان الخلفاء الراشدون ، ولا حتى عصر الخلفاء الأمويين ، واستمر الى أن جاء العصر العباسى ، عصر تدوين الفتن والانفتاح الثقافى فأتيح لكل من هب ودب أن يفترى ما يشاء وينسبه للنبى محمد ويجد من يصدقه ومن يخالفه ، وعلى هذا الأساس نشأ ما يسمى بعلم الحديث والمصطلح مؤسسا على الاختلاف فى الجرح والتعديل وفى تقييم الرواة وفى اختلاف الروايات، وكل ذلك يؤكد أن تلك الأحاديث مجرد تراث بشرى غير معصوم كتبه مسلمون بشر يخطئون ويصيبون ، وأعظم خطئهم أنهم نسبوا أقوالهم وفكرهم للنبى محمد عليه السلام زورا وبهتانا . يجب أن نقرأ هذا التراث قراءة نقدية لنعرف حقيقة تاريخنا وعقلية اسلافنا ومدى كذب بعضهم وافترائه على النبى محمد عليه السلام حين نسبوا اليه ثقافة عصرهم وحملوا الاسلام أوزارهم. نقرؤه بعيون مفتوحة لنتعرف كيف تم تسويغ الظلم والقهر وتشريعه باسم الاسلام ، والاسلام دين الحرية والعدل والقسط وحقوق الانسان. نقرؤه كتراث ولّى عصره وانتهى وفقد صلاحيته لعصرنا الحديث الذى يحتاج اجتهادا طازجا مبتكرا يساير العصر وانطلاقاته غير المحدودة. وإذا إستشهد بهذا التراث حسب الله السادس عشر ليطعن فى دين الله تعالى فلنقل له إن هذا ما قاله فلان فى كتابه الفلانى فى القرن الفلانى منذ أكثر من الف عام ، وهو يعبر عن نفسه وعصره وثقافته وليس متحدثا عن الله تعالى أو الاسلام الذى اكتمل بالقرآن ، فقد تمت كلمة الله تعالى صدقا وعدلا ولا مبدل لكلماته فى القرآن العزيز ( الأنعام 115 ) ولنقل له أيضا إقرأ ما كتبه سلفك من البابوات من نفس العصر فستجد ما هو أضل سبيلا، وهم فيما كتبوا إنما يعبرون عن أنفسهم وليس عن دين الله تعالى ، تماما مثل البخارى وأمثاله.
ثالثا :
1 ـ تبقى الخطيئة العلمية الكبرى التى تجعل دين الله تعالى متهما بما يفعله البشر المنتمون اليه. والاسلام حاليا يدفع ثمن جرائم أبناء لادن وغيرهم. نحتاج لمناقشة ذلك بهدوء ووضوح .
2 ـ هناك فارق بين المبدأ وتطبيقه ، فمن السهل أن تصدر الأوامر وتوضع الخطط والأفكار ، ولكن تطبيقها يخضع لظروف الزمان والمكان وأهواء الانسان.يسرى هذا على النظريات والأفكار البشرية ، فالشيوعية مثلا اختلفت رؤاها الفكرية بين لينين وتروتسكى ، واختلفت تطبيقاتها مع الأصول الفكرية لما قاله ماركس ، ثم إختلفت تطبيقاتها فيما بين الصين والاتحاد السوفيتى ويوغوسلافيا ورومانيا . الديمقراطية فكرتها واحدة ولكن تختلف تطبيقاتها فى دول أوربا وأمريكا. وحتى مصطلح العلمانية ومدى الفصل بين الدين والدولة لا يخلو من اختلاف نظرى وتطبيقى. هذا على المستوى البشرى الفكرى والعملى التطبيقى.
3 ـ تراه أيضا فى الدين الالهى السماوى وفى الأديان البشرية الأرضية.
تراه فى المسيحية التى تتسم بالحب والتسامح والعفو والمغفرة ، ولكن تحت رايتها اشتعلت الحروب الصليبية، وقبلها قام الرومان المسيحيون بقمع الأقباط فى مصر، ثم تحت راية الصليب نشطت الكشوف الجغرافية واسترقاق شعوب وابادة بعضها على يد الاسبان أكثر المسيحيين تمسكا بالمسيحية ، ثم سارت بقية شعوب أوربا المسيحية على نفس الطريق فى استعمار واستعباد وقهروسلب واستغلال شعوب العالم .ودفع الثمن فى العصور الحديثة معظم أمم العالم من الهنود الحمر فى أمريكا وشعوب آسيا فى اندونيسيا والهند والصين والهند الصينية والشعوب المسلمة فى أواسط آسيا الى العرب والأفارقة. كل العالم تقريبا قامت أوربا المسيحية باستغلاله وقهره خلال ثلاثة قرون انتهت بحربين عالميتين أزهقت حياة الملايين من البشر الأبرياء .
فى كل ذلك التاريخ الدموى لأوربا المسيحية لا يجوز أن يتهم أحد المسيحية بأنها دين الارهاب والابادة الجماعية ، أوأن يجعلها مسئولة عما فعله المسيحيون الأوربيون. المسيحية لا تتحمل وزر الاستعمار الأوربى والمذابح الغربية بدءا من استعمال السيف والرمح فى العصر الرومانى الى استعمال القنبلة الذرية فى الحرب العالمية الثانية ،والأسلحة المحرمة دوليا فى فيتنام وما بعد فيتنام. وحتى البابوية الكاثولوكية ليس كل آبائها سواء، هذا البابا الحالى ينتمى الى نوعية متعصبة مشاغبة ، يسير على سنة البابا اسكندر السادس والبابا أوربان الثانى. وشتان ما بينهم وبين البابا السابق يوحنا بول الثانى فى سماحته وانسانيته.
المهم إن التطبيق الأوربي للمسيحية كان فى أغلبه عدوانا على الآخر وقهره بدءا من الرومان الى الأسبان ثم الأمريكان ثم الصرب والكروات فى عصرنا الحالى . وهذا التطبيق الأوربى للمسيحية يناقض التطبيق المصرى لها ، فالمسيحية القبطية المصرية تقوم على الصبر على الظلم والاستكانة له دون اللجوء للثورة عليه إلا عندما يبلغ الظلم مداه.
إن التطبيق البشرى لمبادىء المسيحية والاسلام يتشكل تبعا لثقافة كل دولة أو مجتمع ، ولهذا ترى فى المسيحية الأوربية ملامح أوربا ، وترى فى المسيحية المصرية القبطية ملامح الثقافة المصرية الزراعية المتسامحة الصابرة الوادعة، كما يختلف التدين المصرى بالاسلام عن التدين الصحراوى العنيف الذى تجده فى الجزيرة العربية وأفغانستان والجزائر ، كما تجد التدين الايرانى بالاسلام ترديدا للعقائد الفارسية القديمة تحت اسم التشيع.
أى إن ما حدث فى المسيحية من تطبيقات مختلفة حدث مثله مع الاسلام.
الفارق الوحيد هنا أنهم برءوا المسيحية من جرائم إرتكبتها الأكثرية من معتنقى المسيحية ، وظلت ترتكبها من عصر الرومان الى وقت الصرب والأمريكان ، وفى نفس الوقت جعلوا الاسلام هو المسئول عن ارهاب ارتكبته تنظيمات لا يمكن أن يصل عدد أفرادها بضع مئات الألوف ضمن تعداد للمسلمين يصل الى بليون ونصف البليون من البشر.
4 ـ إتجهت كل الأسهم السامة الى الاسلام تتهمه بالارهاب غافلة عن الوهابية التى بعثت الارهاب فى عصرنا. الوهابية تنتمى للمذهب الحنبلى السنى ولكن لا تمثل كل المذهب الحنبلى السنى ، والمذهب الحنبلى السنى لا يمثل كل الدين السنى. والدين السنى لا يمثل كل أديان المسلمين الأرضية . وأديان المسلمين الأرضية الكبرى من تشيع وتصوف وسنة تتناقض فى حالات كثيرة مع الاسلام فى عقيدته وشريعته وثقافته وقيمه العليا. فكيف نجعل فصيلا صغيرا كالوهابية ممثلا للاسلام؟.
5 ـ ومع أن الفكر الوهابى هو المسئول عن معظم الجرائم الارهابية ،إلا أنه جاء ردا متأخرا على تاريخ لارهاب مستمر مارسه الاستعمار الأوربى المسيحى إمتد قرونا ، كما جاء أيضا نتيجة لاستغلال أمريكى له فى حربها ضد الشيوعية فى أفغانستان. أمريكا المسيحية هى التى تحالفت مع نشطاء الوهابية واستغلتهم فى أفغانستان ضد نظامها الشيوعى ، ثم إختلف الأمريكيون والوهابيون ،وتحاربوا ـ ولا يزالون .أى هو استغلال سياسى لفكر وهابى يناقض الاسلام جملة وتفصيلا ولا شأن للاسلام العظيم بأى حال من الأحوال بهذا الاستغلال السياسى. ومع ذلك فقد جعلوا الاسلام هو الذى يتحمل وزر ما فعله وما يفعله الارهابيون ومن يحركهم، حيث يطلق عليهم الغربيون والعلمانيون العرب اسم الاسلاميين.
والارهابيون والمتطرفون سعداء بهذه التسمية ، فقد اعترف بهم العالم ممثلين للاسلام.
أخيرا
ليس مثل الاسلام دين ظلمه المنتسبون له قبل أن يظلمه المعادون له.
ولا حول ولا قوة إلا بالله ـ تعالى ـ العلى العظيم ..!!

اجمالي القراءات 23296