أقصانا و هيكلهم
من كان يريد أن يعبد الله جل وعلا يمكنه ذلك في كل مكان و في أي مكان , لا يوجد مكان خاص للتعبد حدده الله جل و علا لعبادته فيه , و لم يخصص ذلك و لم يرد أي تقديس لأي مكان له قدسية تتعلق بالبشر أو تلزمهم بشيء , فلم يرد تقديس لمكان سوى الوادي المقدس طوى و هذا التقديس لا يترتب عليه أي تكليف للبشر فيه , بل هو راجع لأمر الله جل وعلا .
أي يمكننا من عبادة الله جل وعلا في أي كنيسة أو أي كنيس أو حتى في معبد بوذيّ و لا حرج في هذا , شرط طهارة المكان إن كانت تلك العبادة صلاة ,
تقديس المكان هو شأن الديانات الأرضية بلا استثناء , و هو شركٌ بالله جل وعلا فلا فرق بين تقديس صنم ظناً من كونه يضر أو ينفع , و بين تقديسك لمكان بعينه ظناً بأن هذا المكان يضر أو ينفع , أو بأن هذا الصنم يقربك إلى الله جل وعلا و ذاك المكان يقربك لله جل وعلا أكثر , هذا هو محور التقديس و هو الظن بالنفع و الضرر و ظناً بالتقرب إلى الله جل وعلا ,
إن إيمانك و اعتقادك بأن الصلاة في مكة أو المدينة أو المسجد الأقصى فيه ثوابا أكبر من الصلاة في أي مسجد أو في المنزل أو في أي مكان , فهذا يعني بأنك تقدس تلك الأماكن و هذا شرك بالله جل وعلا ,
كما أن إيمانك و اعتقادك بأن الحج لتلك القبور يعادل الحج لبيت الله الحرام أو يزيد , فهذا يعني تقديسك لتلك القبور و هذا شرك بالله جل وعلا ,
كذلك الأمر إن كنت تؤمن و تعتقد بأن عبادتك لله في شهر رمضان يختلف أجرها عما سواه , فهذا يعني تقديسك لرمضان , و هذا شرك بالله جل وعلا ,
و كذلك إن كنت تؤمن بأن هناك رسولٌ تفرقه عن غيره من الرسل بالتفضيل البشري الدنيوي , فهذا يعني تقديسك له و هو شرك بالله جل وعلا ,
و الكثير الكثير من تلك الأمثلة التي يقدسها الناس بعلم أو بغير علم ما هي إلا شرك بالله جل وعلا , و خلاصة القول بأن كل من يقدس شيء فهو مشرك بالله , لأن التقديس له وحده ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ) .
أما بالنسبة لأقصانا و تقديسه :
فقد قالوا فيه الكثير , فهم يعتبرونه حرماً , أما القرآن فلم يخبرنا إلا بحرمٍ واحد و هو الحرم المكي ,
يعتبرونه أولى القبلتين ( مكان توجيه الوجه للصلاة ) , و لا أرى سوى قبلةً واحدة ,
ثاني مسجد وضع في الأرض , لا أعتقد هذا ,
مسرى رسول الله , بكل تأكيد فلا يترتب على المسلمين أي تكليف نتيجة الإسراء ,
معراج رسول الله , إدعاء باطل فلا عروج سوى للملائكة .
أما بالنسبة لهيكلهم و تقديسه :
فقالوا فيه الكثير أيضا , و يعتبرونه من أقدس الأماكن و أطهرها ,
و يعتبرونه بأنه أهم مكان في الأرض للعبادة ,
كما له منزلته الخاصة في قلوبهم و عقولهم ,
يقولون بأن سليمان قد بناه لهم و من أجلهم ,
يقولون بأن مُلكهم و سيطرتهم لن يتم إلا باستعادته .
علماً أن المسجد الأقصى الذي نعلمه اليوم لم يكون شيءً في عصر محمد عليه السلام ,
و علما بأن هيكلهم لم يكن موجودا في عصر موسى عليه السلام ,
و من المعلوم بأن عبد الملك بن مروان هو من قام بإنشاء و بناء المسجد الأقصى و هو ليس بنبي ولا رسول ,
و حسب إدعائهم بالنسبة لهيكلهم فهم يقولون بأن سليمان هو من بناه و أنشأه , علما بأنهم لا يعترفون بسليمان أنه نبي و لا يعترفون بنبوه أباه داوود أيضاً ,
فلما يقدس المسلمون أقصاهم !
و لما يقدس اليهود هيكلهم !
هو الشرك و لا شيء سواه , و هذا الشرك تم تدوينه كلاً بتلموده الخاص به (َ وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) .
و من المضحك أن يتصادف كلاً من أقصانا و هيكلهم على نفس القطعة من الأرض .
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا
سبحانك إني كنت من الظالمين