البضاعة المزجاة
الفعل زج قليل الاستخدام , و رد مرتان فقط في الذكر الحكيم بصيغة المضارع ( يزجي ) , كما ورد بصيغة الصفة ( مزجاة ) مرةً واحده ,
زج الشيء : هيئه لغاية أخرى و روجه لتلك الغاية .
مزجاة : مهيّأة و رائجة .
قال سبحانه ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ) 43 النور ,
يزجي سحاباً أي يهيئه و يروجه , و تهيئة هذا السحاب حتى يصبح سحاباً لا بد أن يسبقه عدة حالات سابقه , فالله جل وعلا يهيئ المياه بتحويلها للحالة الغازية بتحويلها لبخار فيتصاعد ليكون السحاب , ثم يخبرنا سبحانه عن تلك المراحل التي يمر بها السحاب و كيف يهيئه و يروجه من حاله لأخرى للغاية المستهدفة حتى يسقط مطرا و برداً من السماء مرةً أخرى .
و قال سبحانه (رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) 66 الإسراء ,
فالله جل وعلا قد هيئ للإنسان و سخر هذا الأمر و جعل تلك الخصائص المادية متناسبة فجعل السفن تطفو على سطح الماء و روج هذا الأمر للإنسان و سخره له و من أجله , و هذا فضلاً منه سبحانه و تعالى .
و قال سبحانه ( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ) 88 يوسف ,
هنا و بعد أن عاد أبناء يعقوب إلى يوسف عليهما السلام مرةً أخرى , و لأنهم قد قدِموا في المرة الثانية لا من أجل البحث عن يوسف عليه السلام و لا من أجل أخيه , بل من أجل الكيل مرةً أخرى و من أجل الحصول على الحبوب , علماً بأنهم قد اكتالوا سابقاً و نالوا حصتهم التي تنبغي لهم , فكان لابد لهم من استعطاف يوسف عليه السلام و من إغراءه و إغواءه كي ينجذب لطلبهم فيلبيه لهم , و هذا الإغواء و الخداع كان يتحتم عليهم بأن يحضروا بضاعة مزجاة , أي بضاعة رائجة و مهيأة بشكل جيد ,
كي يغتر يوسف عليه السلام بتلك البضاعة و يصرف لهم الكيل مقابلها مرةً أخرى , و يتجاوز عن قانون التوزيع المتبع , و تلك هي خدعتهم و هذا هو مكرهم علماً بأن بضاعتهم في المرة الأولى التي جاؤوا بها لم تكون مزجاه , أي لم تكن مهيّأة و لا رائجة ,
فلم يذكر لنا الله جل وعلا هذا الوصف للبضاعة في المرة الأولى بل في المرة الثانية فقط .
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا
سبحانك إني كنت من الظالمين