نملك قوة المعلومة ولكن إمكاناتنا معدومة

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٥ - أبريل - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا :

1 ـ الكاتب الصحفى المصرى سليم عزوز له أسلوب رائع لاذع . عاش فى مصر كاتبا ليبراليا معارضا للاخوان وللاستبداد العسكرى . لم يجد مجالا إلا فى جريدة الأحرار وحزبها . وتعرفتُ به حين كنت أكتب فى الأحرار مع رفيقى الراحل د فرج فودة وكان رئيس تحريرها وحيد غازى . دارت الأيام وتركت الأحرار بعد أن تولاها مصطفى بكرى ثم من جاء بعده . ولكن ظلت الصلة وثيقة بالاستاذ سليم عزوز يعززها أننا معا ضد الوهابية والاستبداد العسكرى . وظلت كتاباتى ضد الوهابية فى الأحرار يحملها الاخوان والسلفيون ثأرا شخصيا .

2 ـ وفى مركز ابن خلدون أشرفت على مشروع إصلاح التعليم المصرى ليكون أكثر تسامحا مع الأقباط ، وتم الاعلان عن المشروع ونشرت مقترحاتى لمادة التربية الدينية بديلا عن التخلف والتعصب الموجود فى هذه المادة فى التعليم الرسمى ، إنهالت علينا الاتهامات والهجوم من مجلس الشعب ومجلس الوزراء والصحف . وبعدها كان إعتقال د سعد الدين ابراهيم وغلق مركز ابن خلدون وعشت أتوقع إعتقالى مع أى دقة على باب بيتى. إذ أنه بعد غلق مركز ابن خلدون اعتقلوا بعض رفاقى من اهل القرآن .  

3 ـ  الطريف أن الصحف القومية كانت الأقل هجوما علينا. الهجوم الأحقر والأكثر جاء من الصحف الحزبية والمستقلة والتى تعتمد على التمويل السعودى . صحيفة الأحرار وجد فيها الاخوان والسلفيون فرصة لإغتيالى معنويا وحث النظام على سجنى . فتوالت فيها التحقيقات والحوارات مع خصومى فى الأزهر تتهمنى بالكفر بما يحوى صراحة دعوة مفتوحة لإغتيالى جسديا مع مقالات أخرى لصحفيين آخرين يتكلمون فى الاسلام بكل ما يملكون من جهل لمجرد الهجوم علىّ . قام الاستاذ سليم عزوز بنشر عدة مقالات تحت عنوان ( الثعالب الصغيرة ) يتندر فيها على أولئك الصحفيين الجهلة .

4 ـ ثم نشرت الأحرار اكثر من عشرين مقالا ضخما ـ كل مقال يحتل صفحة كاملة ـ بقلم أبو اسلام ( أحمد عبد الله ) يهاجمنى فيها والقرآنيين معى ، ويفترى علينا أكاذيب أسمع عنها لأول مرة . رددت بمقال وحيد ، فرد هو بمقالات . أحسّ الاستاذ سليم عزوز بخطورة محنتى فعرض على أن يعمل معى حوارا أرد به على كل الاتهامات الكاذبة . ونشر هذا الحوار فى صفحة كاملة فى الأحرار تحت عنوان ( محاكمة أحمد صبحى منصور ) . أعتقد أنه كان لهذا الحوار أثر طيب فى تخفيف الجو وفى تأجيل إعتقالى. قبيل إعتقالى هربت الى أمريكا فى اكتوبر 2001 ، وانتهت العلاقة بالاستاذ سليم عزوز ، وعرفت انه ترك مصر الى الخليج ليكتب بحرية.

ثانيا :

جاءنى هذا المقال الذى نشره الاستاذ سليم عزوز فى موقع ( عربى 21 فى 27 يناير 2017 ) وبعنوان ( "المأذون الشرعي" عبد الفتاح السيسي! ) يقول فى مقدمته : ( عندما تستمع إلى عبد الفتاح السيسي يتحدث عن تقنين الطلاق؛ فلا يقع إلا أمام المأذون، فأعلم أن ما جادت به قريحته هو نتاج للثقافة السمعية أو الشفاهية، فمنذ أن حرص على أن يقوم بدور المفكر، وأنا مدرك تماما للحالة الثقافية التي يمثلها!. كلام كثير يقوله عبد الفتاح السيسي على أنه يمثل اجتهادا منه، مثل الدعوة لتطوير الخطاب الديني، أعلم مصدره، ويقولون إن البحث الذي تقدم به إبان دراسته في الولايات المتحدة الأمريكية، كان اعتمادا على هذا المصدر، لكن تكمن الأزمة في أنه لا يقرأ ليكوّن وجهة نظر مكتملة، تحتمل النقاش حولها، لكنه يسمع بذهن مشوه، فيكون إنتاجه المرتبك يثير السخرية، ويتحول بما قال إلى منتج للمادة الخام من الفكاهة!.
المصدر، هو الدكتور أحمد صبحي منصور، الذي تعرفت عليه في مصر قبل ربع قرن، وبعد الزج به إلى السجن بتهمة إنكار السنة، وقبل أن يؤسس جماعة القرآنيين ويهاجر للولايات المتحدة الأمريكية، وهو أستاذ سابق في جامعة الأزهر، ومفكر من الوزن الثقيل، ويعتمد كثير من الطحالب في مصر على إنتاجه الفكري، ولأنهم يفتقدون القدرات الخاصة المطلوبة في المفكر، فإنهم يتحولون إلى بغبغاء عقله في أذنيه، ويعجزهم الفهم فيكون اللجوء إلى البلطجة.. انظر إلى كتابات فاطمة ناعوت، ومداخلات إسلام البحيري، لتقف بنفسك على ما ينتجه العقل العاجز عن الفهم!  . فالكلام عن الإمام البخاري مثلا متخذ منه، لكن شتان بين عالم ومتطفل؛ فهم أخذوا العناوين، واندفعوا بها ليقدموا خطابا استفزازيا ومتهافتا، فلا توجد لهم بضاعة سوى محاولة الإثارة وجذب الانتباه!).

ثالثا :

وبعد الشكر للاستاذ الصديق القديم سليم عزوز على صدق توصيفه للحالة السيسية ( عبد الفتاح السيسى ) والحالة المصرية ، أقول إن توصيف حالنا هو أننا نملك قوة المعلومة ولكن إمكاناتنا معدومة . ونعطى بعض التفصيل :

1 ـ بنظرة على عدد المنشور لى فى موقع أهل القرآن من مقالات وكتب وفتاوى وتعليقات يتضح قوة المعلومات . بقراءة بعضها تتضح قوة الاجتهاد والتى بسببها نحظى بكراهية أئمة وعوام الأديان الأرضية . حصيلة هذا وذاك ان من يتفرغ لهذا الانتاج الفكرى والاجتهاد لا يمكن أن يكون لديه وقت لتسويق إنتاجه أو لتكوين علاقات .  وحتى لو كانت له علاقات بذوى النفوذ فإن عليه أن يقدم بعض التنازلات وهو مستحيل أن يُرضى الناس ويُغضب رب الناس . بالتالى هو محكوم عليه أن يظل فقيرا معدوم الامكانات . إذن نحن (نملك قوة المعلومة ولكن إمكاناتنا معدومة  ) .  

2 ـ بعض من يهاجم الوهابية والتراث السنى ومناهج الأزهر يقدم تنازلا ونحن نرفض التنازل فيما نعتقده حقا . كنا نرفضه ونحن فى مصر إلتزاما بأن نقول الحق كاملا وصريحا وفق ما نعتقد دون مساومة أو مهادنة . الآخرون يقولون بالتدريج . وهذا رفضناه فى جامعة الأزهر . حين حوكمت فى جامعة الأزهر فى عامى 1985 : 1987 ، كان مطلوبا من كتابة سطرين فقط أعترف فيهما بالخطأ على قاعدة من إجتهد فاخطأ فله أجر . رفضت وقلت لهم إثبتوا خطئى أولا . قالوا لى : كنا نضطهدك وقت الدكتوراة وأنت تهاجم التصوف ، الآن نقول انك على الحق فى هجومك على التصوف، ولكن الهجوم على السُّنّة لا غفران فيه ) وقلت لهم : إستغرق الأمر منكم حوالى عشر سنوات لتكتشفوا أنى على حق فى الهجوم على التصوف . سيأتى الوقت لتكتشفوا انى على الحق فى الهجوم على البخارى وسُنّته .

3 ـ أفظع تنازل يقدمونه يرونه هينا ونراه فظيعا ، وهو مسايرتهم للخطيئة الشائعة التى تنسب عمل الوهابيين والسنيين الى الاسلام ، مثل قولهم :  ( التشدد الاسلامى ) و ( الحركات الاسلامية ) و ( الاخوان المسلمون ) و ( الجماعات الاسلامية ) . هذا يساعد الوهابيين  فى كذبتهم الكبرى وهى أنهم يمثلون الاسلام . هم يمثلون الوهابية التى تناقض الاسلام ، وهم أعدى أعداء الاسلام . وطبقا للقرآن الكريم فلا يوجد بشر ــ حتى النبى محمد نفسه ـ يمثل الاسلام . ولنا مقال منشور هنا عن أن النبى محمدا لا يجسّد الاسلام ، فالاسلام أوامر ونواهى يمثلها القرآن الكريم . والنبى محمد كان بشرا ، وكان يخطىء ويتوب ، وسيتعرض للحساب يوم القيامة . الذى يمثل الاسلام لا يمكن أن يتعرض للحساب يوم القيامة . خطورة نسبة الوهابيين وغيرهم الى الاسلام تتمثل فى تحميل الاسلام أوزار جرائمهم ، وتقوية زعمهم بأن من يهاجمهم يهاجم دين الاسلام ، وهذا يعضّد مكانتهم بين عوام المسلمين . لا بد من الكف عن وصفهم بالاسلاميين ، ووصفهم بدينهم الحقيقى ( وهابيون ). ولكن المُفجع أن كلمة ( الاسلام ) إبتذلوها فى نسبة جرائم الوهابيين للإسلام فى الوقت الذى أصبحت فيه الوهابية كلمة مقدسة يخشى الناس من الهجوم عليها .

4 ـ الشىء الغريب أن هناك من ينتقد التراث ومناهج الأزهر ويجعل نفسه مصلحا وهو يكرر ( عبارات التراث الاسلامى ). إذا كان هذا التراث إسلاميا فعلا فلا بد أن يكون دينا إلاهيا لأنه كلام الله جل وعلا، وليس له مؤلف أو كاتب من البشر . ويكون الهجوم عليه كفرا وهجوما على الاسلام لأنه ( إسلامى ) . لا ينطبق هذا على تراث ( المسلمين ) الذى كتبه أئمتهم فى عصور محتلفة عباسية ومملوكية وعثمانية . الذى يهاجم كتاب البخارى مثلا عليه أن يؤكد هجومه على ( المؤلف : البخارى) الذى عاش فى العصر العباسى الثانى بعد موت النبى بقرنين من الزمان . والذى يهاجم كتاب ( الإقناع فى حلّ ألفاظ أبى شجاع ) فى الفقه الشافعى المقرر فى الأزهر عليه أن يوضع بيئة هذا المؤلف فى العصر العثمانى .. هذا هو المنهج العلمى أن تنسب العمل لصاحبه ثم تناقشه ، تمدحه أو تهاجمه ، ولكن بعيدا عن الاسلام العظيم الذى إكتمل بإنتهاء القرآن الكريم نزولا وبموت خاتم النبيين عليه وعليهم السلام . إذا كنت تحب ــ فعلا ـ  النبى محمدا عليه السلام فلتبرئه من أكاذيب البخارى ، وإذا كنت تحب ـ فعلا ـ رب العزة جل وعلا فلتبرىء دينه العظيم من خرافات البشر، وعليك أن تبرىء شريعة الرحمن فى القرآن من خرافات الفقه التى يزعمون أنها شرع الله .!!

5 ـ هم يرون أن تنازلهم هذا يفتح لهم أبواب الاعلام ، ولا يعتبرونه خطيئة وصف الوهابيين بالاسلامين ووصف تراثهم بالاسلامى ، ويخافون من إنكار كل الأحاديث خوف الاتهام بإنكار السُنّة ، ومع هذا لم يرحمهم الأزهر ، وما أغنى عنهم نفاقهم هذا شيئا .

6 ـ هنا يتضح لماذا يأخذ البعض قشورا مما نقول ، يقول بعض الحق ، وبعض الحق هو باطل ، ولكنه ببعض الحق وبعض الباطل تتفتّح له أبواب الاعلام ـ وأحيانا أبواب السجون ـ وفى كل الأحوال يحوز الشهرة ويكتسب العطف ، والأهم من هذا وذاك أنه يكتسب على مستوى العوام لقب المفكر ، مع أن بينه وبين مرحلة المفكر بُعد المشرقين .

أخيرا :

1 ــ كتبت فى الأحرار وقت الهجوم الصارخ على شخصى الضعيف مقالا بعنوان ( راض بقسمتى ..ونصيبى ) .وبعدها بربع قرن لا زلت راضيا بقسمتى ونصيبى.

2 ـ  يكفينا قوة المعلومة ومن أجلها لا بأس أن تكون إمكاناتنا معدومة . 

اجمالي القراءات 7693