(وإذ ابتلى إبراهيم ربُّه بكلمات فأتمهن…)
أميل إلى الاعتقاد أن الكلمات التي ابتُلي بها إبراهيم فأتمها هي: (بسم الله الرحمان الرحيم.).بمعنى أن الله سبحانه وتعالى قال لإبراهيم: ("بسم الله، الرحمان الرحيم"). ففهم إبراهيم أن الله سبحانه وتعالى قد أعطاه بذلك بداية عظيمة، وينتظر منه المواصلة والاحتذاء بمنوالها. فكان استجابة إبراهيم أن حمد الله قائلا: "الحمد لله رب العالمين"، ثم ثني عليه جل وعلا بما ثنى به نفسه، فقال مخاطبا إياه: "الرحمان الرحيم" ثم زاد في تبجيله ب "ملك يوم الدين". "إياك نعبد". فأكد بذلك عبوديته له، وعاهد ألا يكون عبد لأحد، إلا الذي فطره، ولا يعبد أحدا غيره. ثم قال: "وإياك نستعين" في عبادتك. ولا نستنجد أحدا سواك، ولا نعتمد على أحد غيرك. ثم طلب منه ، جل وعلا ، الاهتداء إلى أمثل طريق لعبادته جل وعلا قائلا له: "اهدنا الصراط المستقيم". وهو "هدى الله الذي يهدي به من يشاء من عباده". ثم شك إبراهيم في فهمه هو حقيقة الصراط المستقيم فاستدرك فورا وحدد قصده، وقال "صراط الذين أنعمت عليهم (أقصد)غير المغضوب عليهم ولا الضالين".
وهكذا أتم إبراهيم الكلمات التي ابتُلي بها. فتقبلها الرب بقبول حسن، "وجعلها كلمة باقيةفي عقبه" (في ذريته وملته)وهي الفاتحة؛ "لعلهم"(أي المسلمين) إليها "يرجعون".
وذلك ما أشير إليه في آيات [الزخرف: 28،27،26]:(وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون.إلا الذي فطرني (لقد عاهدت أن إياه أعبد، ولا أعبد إلا إياه. وإياه أستعين) فإنه سيهدين (إذ طلبت منه أن يهدني الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين).
وجعلها (الله) كلمة باقية في عقبه (أي في ذريته وملته) لعلهم يرجعون.) أي لعل المسلمين يرجعون إلى تلك الكلمات في صلواتهم.
وهكذا نسخت آيات الفاتحة من صحف إبراهيم إلى القرآن الكريم. (ما ننسخ (ما ننقل) من آية (من الصحف الأولى إلى القرآن) أو ننسها (أو نهملها) نأت بخير منها أو مثلها…). وهكذا باتت الفاتحة كلمة بقية للمسلمين إلى قيام الساعة. وهي الباقيات الصالحات. وبها يسلم المسلم لربه، رب العالمين. إذ لا يتم إسلام المرء إلا بتعاهده عليها. (إياك نعبد وإياك نستعين)لا نطيع ولا نخاف سواك. ولا نستعين ولا نتملق سواك. وهي ميثاق التوحيد والتوكل بين العبد وربه.
وبها أصبح إبراهيم إماما للمصلين؛ (وإذ ابتلى إبراهيم ربُّه بكلمات فأتمهنقال إني جاعلك للناس إماما…). ف"إمام المرسلين" الأواخر هو إبراهيم. و"خاتم النبيين" هو محمد. عليهما سلام.
فبالفاتحة تؤدَى الصلاة في ملة إبراهيم. ولا تصح الصلاة إلا بذكر معانيها بلغة المصلي. إذ باد أن إبراهيم عليه سلام لم يكن يقرأ الفاتحة باللغة العربية في صلواته. بل باللغة التي كان يتكلم بها.
وعليه فالذي يتعين على المصلي هو أن يقرأ ، بالخشوع ، معاني الفاتحة بأي لغة يجيدها أكثر. إن الله سميع عليم بجميع اللغات. (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ. وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ …) [الإسراء: 44]. لا تفقهون تسبيحهم لأن كل شيء يسبح له بلغته الخاصة.
فهل تفقه أيها القارئ التالي: (Ken du yalla kudul Allah)؟ لا ؟… فمعناها، بالسنغالية: (لا إله إلا الله).
فربنا ، سبحانه وتعالى ، الذي علمنا اللغة يفهمها. إذ هو "الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم". سبحانه وتعالى.
("بسم الله، الرحمان الرحيم". الحمد لله رب العالمين . الرحمان الرحيم . ملك يوم الدين. إياك نعبد، وإياك نستعين . اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.)
صدق الله العظيم
والله سبحانه وتعالى أعلم.