ألف باء سياسة ..الدنيا أفعال لا أقوال..العبرة بالنتائج لا بالمقدمات..هكذا عاش المسلمون والعرب خديعة عقود يرددها الإسلاميون أن.."أكبر خطر على أمريكا والإمبريالية هو صعود الإخوان واليمين الديني"..أن الأمة ستتوحد ويعم السلام والعدل بنجاح .."الصحوة الإسلامية"..بينما الصواب وكل ما يحدث يشير إلى العكس..
فأمريكا لم تقوى إلا بقوة الإخوان والجماعات، والأمة تفككت والشعوب تدهورت والأوطان تقزّمت إلا بقوة الإخوان والجماعات، وشاعت الكراهية وعمّ القتل والظلم والفُحش إلا بقوة الإخوان والجماعات..بينما لم يسأل أحد منهم عن حقيقة ما يحدث..وهل ضرب المتعبدين في الكنائس ينصر الإسلام أم يضره، وهل حضارة المسلمين ستعود بقتل الأبرياء في الشوارع؟!
منذ أيام ضرب الإرهابيون كنيستين في مصر، أسفر الهجوم عن استشهاد وإصابة المئات كل ذنبهم أنهم أرادوا الاحتفال بأحد الشعانين أو ما يسمى بأحد السعف..تلك المناسبة الدينية المساوية في عظمتها مع مناسبة (الهجرة) عند المسلمين، ربما لتشابه أحداثها أو لاشتراكها في بعض التفاصيل، فالنبي هاجر من مكة للمدينة، كذلك المسيح هاجر من بيت لحم إلى القدس، النبي دخل إلى مكة بالأناشيد والأهازيج وسعف النخيل، كذلك المسيح دخل القدس بالأهازيج والأناشيد وسعف النخيل، لذلك سماه المسيحيون (أحد السعف) وتلك المقاربة لتبيان أهمة هذا الاحتفال وكونه أصل أدى لانتشار الإيمان المسيحي..
ما حدث في مصر حدث قبل ذلك في العراق، حيث أنه ومنذ عام 2003 قتلت داعش أكثر من 2000 مسيحي آشوري وهدمت 60 كنيسة وهجّرت أكثر ما يقرب من مليون مسيحي من العراق، كل هذا حدث تحت وطأة وسمع الحكومة العراقية التي كانت متفرغة وقتها لمعاونة الاحتلال الأمريكي ضد المسلحين، والآن يتكرر المشهد بالحرف في مصر، حيث قتلت داعش المئات من الأقباط في غضون سنوات، وهجّرت أكثر من 200 أسرة قبطية من العريش، وما زالت تهدد حياة المسيحيين في سيناء، ناهيك عن الثقافة الشعبية الرافضة والكارهة للوجود المسيحي وحوادث قرى محافظة المنيا شاهد حيث تم تهجير عشرات الأسر القبطية من بعض القرى حفاظا على حياتهم بعد عدة حوادث طائفية متفرقة..
ألاحظ أن موقف الإرهاب من المسيحيين مساوي لموقفهم من الشيعة والصوفية، وتفجيرات باكستان والخليج ضدهم شاهد، وفي تقديري أن الموقف من المسيحية أخذوه من الأحاديث الآتي ذكرها، وموقفهم من المعتزلة أخذوه من ابن حنبل والبخاري، وموقفهم من الشيعة والصوفية أخذوه من ابن تيمية وابن عبدالوهاب، أي اجتمع كل هؤلاء الرموز لتكوين العقل الإرهابي وتشكيله بما يؤدي لإشاعة الفتنة والحرب في المجتمع وما يتبعه من تفكيك الأوطان والقضاء على الإنسان..
في السطور القادمة سأستعرض الأحاديث المحرضة على كراهية وقتل المخالفين في كتب التراث..والتي تتنكر لها الدولة المصرية وتصر على أن مشكلة الإرهاب أمنية..لا فكرية بوجود معتقدات خاطئة بحاجة للتصويب..وشيوخ مرتزقة بحاجة للتأديب..ومثقفين ضعفاء بحاجة للتأهيل..مع العلم أننا لن نتعرض للفتاوى وأحكام المذاهب التي تفوق هذه النصوص جُرما وفظاعة..ومن النصوص يرى العاقل بأنها ما دامت مقدسة فستظل أموال ودماء الأقليات الدينية في خطر..
أولا: ضد المسيحيين
1-" كتب عمر بن عبد العزيز أن: «يمنع النصارى بالشام أن يضربوا ناقوسا» قال: «وينهوا أن يفرقوا رءوسهم، ويجزوا نواصيهم، ويشدوا مناطقهم، ولا يركبوا على سرج، ولا يلبسوا عصبا، ولا يرفعوا صلبهم فوق كنائسهم"..(مصنف عبدالرزاق 6/61)
2- عن عطاء قال: " نصارى العرب..لا ينكح المسلمون نساءهم، ولا تؤكل ذبائحهم"..(نفس المصدر 6/72)
3- " عن أبي عمرو الشيباني , أن المستورد العجلي تنصر بعد إسلامه , فبعث به عتبة بن فرقد إلى علي «فاستتابه , فلم يتب , فقتله »..(نفس المصدر 10/170)
4- " عن الحسن , أنه كان «يكره أن يصافح المسلم اليهودي والنصراني"..وقال أيضا.." «إنما المشركون نجس , فلا تصافحوهم , فمن صافحهم فليتوضأ" ...(مصنف ابن أبي شيبة 5/ 247)
5-" لا تبدأوا اليهود ولا النصاري بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه"..(صحيح مسلم 4/ 1707)
6- " عن أبي موسى، أن رسول الله قال: «ما من مسلم يموت إلا جعل الله مكانه رجلا من اليهود أو النصارى في النار»..(مسند أبي يعلي 13/268)
7- عن عمر بن الخطاب، أنه سمع رسول الله يقول: «لأخرجن اليهود، والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما»..(صحيح مسلم 3/1388)
هذه عينة مما وجد في كتب الأحاديث لكراهية المسيحي والتحريض عليه، علما بأن هذا الكلام ما زال يردد على المنابر ثم نسأل لماذا هذا الشحن المتوارث والكراهية العمياء ضد كل ما هو مسيحي في مصر، حتى طال ذلك مستوى القيادة بأن تم حرمانهم من الوظائف الهامة وعلى رأسها قيادة الدولة..
ثانيا: الشيعة
1- عن ابن عباس قال: قال الرسول: «يكون في آخر الزمان قوم ينبزون الرافضة، يرفضون الإسلام ويلفظونه، فاقتلوهم فإنهم مشركون» ...(فضائل الصحابة لابن حنبل 1/ 440)
2- عن القاسم بن سلام،: " عاشرت الناس وكلمت أهل الكلام، وكذا، فما رأيت أوسخ وسخا، ولا أقذر قذرا , ولا أضعف حجة، ولا أحمق من الرافضة"..(السنة لأبي بكر الخلال 3/499)
3-عن الحسن قال.. قال رسول الله «يجيء قوم قبل قيام الساعة يسمون الرافضة براء من الإسلام»..(جواهر العلم لأبي بكر الدينوري 6/217)
4- عن حسن بن حسن أنه قال لرجل من الرافضة: "والله لإن أمكن الله منكم لنقطعن أيديكم وأرجلكم ولا نقبل منكم توبة "..(الشريعة للآجري 5/2522)
5-عن محمد بن الحسين قال.."الرافضة أسوأ الناس حالة , وأنهم كذبة فجرة .....وقد برأ الله الكريم عليا وذريته الطيبة من مذاهب الرافضة الأنجاس الأرجاس"..(نفس المصدر 5/2534)
لاحظ أن الحدة في وصف الشيعة وكراهيتهم والتحريض على قتلهم كانت أكثر منها للمسيحيين، والسبب يعود لمنطق المنافسة، فكل صاحب معتقد يعيش في إطار هوية مشتركة تجمعه مع معتقدات أخرى، ولحرصه على الفوز يكره المنافس الأقرب دائما، فالسلفي مثلا يكره الشيعي أكثر من المسيحي لمنافسته في (الإسلام) ويكره المسيحي أكثر من الهندوسي لمنافسته في (الوحي السماوي) ويكره هؤلاء جميعا أكثر من الملحد لمنافستهم له في (الإيمان)..وربما لو اضطرته الظروف أن يكره الملحد أكثر من الثعلب لمنافسته في (الإنسانية)..!
وأزعم أن هذه الخلفية سبب أصيل في انتشار الإرهاب وشيوع التناقض والازدواجية، فالإرهابي قد يرفع شعار تحرير فلسطين..لكن في نفس الوقت يرى أن الجهاد في سوريا أولى، والسبب.. هذه الخلفية التي حملته على كراهية الأسد ومؤيديه أكثر من الصهاينة، كذلك الحال بالنسبة للإخوان..فهم ينافسون السيسي في (الوطنية والسلطة) لذا فكراهيتهم له فاقت كراهيتهم للصهاينة، ورفضهم لجيش مصر فاق رفضهم لجيش إسرائيل، حتى أن بعض الشباب قد انخدع بهذه الازدواجية وآمن بأن الطريق لفتح القدس يبدأ من قصر عابدين في القاهرة..
رغم أنهم امتلكوا السلطة عام كامل لم يظهر من سياستهم إرادة أو خطوات لتحرير القدس، إنما تفرغوا لتحرير دمشق في استدعاء مثير لمقولة.."ودنك منين ياجحا"..وهي مقولة ساخرة تفضح أصحاب الأفق الضيق الذين يلجأون لطرق صعبة وطويلة لتحقيق أهدافهم في ظل وجود طرق أسهل وأيسر..
إن الجرائم ضد المسيحيين والشيعة العرب لن تتوقف قبل زوال العصمة والقداسة عن كتب التراث هذه التي حرضت على القتل والكراهية أكثر من تحريضها على البناء والعمران، وما ذكر في هذا المقال من نصوص هو غيض من فيض لمن يبحث عن الحقائق، افتحوا كتب التراث وستصدمون من النتيجة..وهي أن داعش وسائر جماعات الإرهاب لم تخترع دين جديد..إنما طبقت ما جاء في كتب التراث الإسلامي بالحرف..