هيئة مفوضى الدولة" توصى بحل الحزب الوطنى.. وتؤكد انفراده بالسلطة وتزوير الانتخابات البرلمانية وإفساد الحياة السياسية وتسخير أجهزة الأمن لصالحه وتسببه فى انتشار الفقر والوساطة والاحتكار
الجمعة، 25 مارس 2011 - 10:48
كتب محمد أسعد
أوصت هيئة مفوضى الدولة، المحكمة الإدارية العليا بإصدار حكم نهائى بحل الحزب الوطنى وتصفية أمواله وإعادتها إلى الدولة، وذلك فى الدعوى التى رفعها مصطفى بكرى عضو مجلس الشعب السابق ورئيس تحرير جريدة الأسبوع، والمقرر نظرها غداً، السبت، بمجلس الدولة.
وأشارت الهيئة فى تقريرها الذى أعده المستشار أشرف مصطفى كامل إلى أن الحزب الوطنى الديمقراطى كان قبل ثورة 25 يناير هو الحزب الحاكم، وكانت الحكومة هى "حكومة الحزب" والحزب هو "حزب الحكومة"، فقد كان رئيس الدولة والعديد من الوزراء والمحافظين وشاغلى المناصب العامة ورؤساء الهيئات والمصالح أعضاء فى الحزب الوطنى، وجاءت الثورة واكتسبت شرعيتها بتأييد الشعب وما تعرض له من ظلم وامتهان وقهر وطغيان وفساد سياسى وخلل اجتماعى وغيره، وكل ذلك تسأل عنه قيادة البلاد المتمثلة فى حكومة الحزب الوطنى.
واستكملت الهيئة تقريرها، أن الهرم الحزبى للوطنى أصبح "منهدماً"، وأصبح وجوده عبئاً يتعين التخلص منه التزاماً بصحيح أحكام القانون رقم 40 لسنة 1977، التى توجب على الحزب السياسى المساهمة فى تحقيق التقدم السياسى والاجتماعى والاقتصادى للوطن على أساس الوحدة الوطنية وتحالف قوى الشعب العاملة والسلام الاجتماعى والديمقراطى والحفاظ على مكاسب العمال والفلاحين، كما أنه يشترط لتأسيس حزب عديد من المبادئ أهمها عدم تعارض مبادئ الحزب أو أهدافه أو برامجه أو سياساته أو أساليبه فى ممارسة نشاطه مع الدستور أو مقتضيات الحفاظ على الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى والنظام الديمقراطى، وعدم قيام الحزب فى مبادئه وبرامجه فى مباشرة نشاطه أو اختيار أعضائه أو قياداته على أساس دينى أو طبقى أو فئوى أو جغرافى أو طائفى أو على استغلال المشاعر الدينية أو التفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو العقيدة، وهو ما لا يتوافر فى الحزب الوطنى.
وأورد التقرير عدد من صور الخروج عن المبادئ والقيم التى اتخذها الحزب الوطنى ركيزة لتأسيسه والتى ترتب عليها حدوث خلل اجتماعى وفساد سياسى وإهدار للحقوق والحريات التى يكفلها الدستور، حيث أشارت هيئة مفوضى الدولة إلى أن الحزب الوطنى حرص دائماً على الإمساك بالسلطة والهيمنة عليها والسعى لإضعاف القوى السياسية والأحزاب المناهضة له، بتقييد حرية التعبير واعتقال أصحاب الآراء السياسية المخالفة له، والتمييز بين أفراد الشعب فمن يقف خلفه ويسانده فى تحقيق هدفه يكون مقرباً ومدللاً من الحكومة التى يشكلها الحزب من ذوى الحظوة والسلطة، ومن يعارض الحزب ويقف ضد تحقيق أهدافه يصبح عدواً للسلطة، وكثيراً ما يصل به الأمر إلى الاعتقال من قبل السلطات الأمنية بحجة ظاهرة هى الحفاظ على داخل المجتمع، وقد حرص الحزب الوطنى على مواجهة معارضيه وكان حريصًا على الاستئثار بكل شىء وإبعاد الشعب عن أى شىء.
ويضيف، قيام الحزب فى اختيار قياداته على أساس فئوى وطبقى، ويتضح ذلك من أن الحزب الوطنى أسند الوظائف القيادية به وبالحكومة وما يتبعها من وزارات ومصالح وهيئات، إلى ذوى النفوذ أو المقربيين أو إلى أصحاب رؤس الأموال حتى يتسنى له السيطرة على مجريات الأمور فى مصر وكان الكثير من قيادى الحزب يجمع بين أكثر من منصب فى الحكومة والمجالس النيابية، بالإضافة إلى مخالفة الحزب لمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين أفراد الشعب الواحد، حيث جعل الوساطة والمحسوبية هى الوسيلة الأساسية للتعيين فى الوظائف الحكومية وشغل المناصب العامة، وأعطى الأولوية فى ذلك للمقربين من الحزب ومن يساندونه سراً وعلانية دون النظر إلى باقى أفراد الشعب، الذى كان مغلوباً على أمره قبل 25 يناير، وهو ما أدى إلى حالة من الاحتقان بين فئاته.
وكذلك الحال بالنسبة إلى اتخاذ الوساطة والمحسوبية معياراً لتوزيع أراضى الدولة للبناء عليها فى المواقع الساحلية المتميزة أو لتحقيق الاستصلاح أو إقامة المشروعات، حيث لم يتتبع فى ذلك أية قواعد تكفل الشفافية وتحقق العدالة والمساواة، وهو ما تأكد من حكم الإدارية العليا فى شأن عقد بيع أراضى مدينتى، وكذلك الحال بالنسبة لعملية العلاج على نفقة الدولة، وبصفة خاصة العلاج بالخارج، حيث كان مكفولاً على أشخاص بذاتهم رغم أنهم قادرون على العلاج بنفقتهم الخاصة فى حين حال بين المستحقين للعلاج وبين العلاج على نفقة الدولة.
ويشير التقرير إلى عدم مساهمة الحزب فى تحقيق التقدم السياسى والاجتماعى والاقتصادى للوطن، فقد أدت سياساته وأساليبه وبرامجه إلى تأخر الوطن سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ولم تؤدِ إلى تحقيق ديمقراطية حقيقية، وإنما أدت إلى تحقيق ديكتاتورية، وهو ما ساهم فى زيادة البطالة والفقر وارتفاع حجم الدين الداخلى والخارجى وزيادة المناطق العشوائية وانحسار مساحة الأراضى الزراعية وشيوع الاحتكار وارتفاع الأسعار وزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء وانتهاج سياسة خصخصت الشركات دون مراعاة البعد الاجتماعى ودون قواعد وضوابط محددة وواضحة، مما أثر سلباً على الحياة الاقتصادية فى مصر.
وتعارض سياسات الحزب وأسالبيه فى ممارسة نشاطه مع النظام الديمقراطى، ويبدو ذلك فيما ينتهجه الحزب من أساليب فى سبيل تحقيق أهدافه، فمن أجل أن يحصل الحزب الوطنى على الأغلبية فى البرلمان كان يتبع نظام القمع والتزوير فى الانتخابات وإهدار إرادة الشعب المصرى، وبذلك حرم هذا الشعب من أبسط مبادئ الديمقراطية، وهى حقه فى إجراء انتخابات نزيهة تعبر عن إرادته، وليس أدل على ذلك من أن الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب التى أجريت عام 2010 وشهدت العديد من الانتهاكات وأسفرت عن مجلس شعب غير شرعى ومزعزع انتهى به الحال إلى حله بعدما خرج الشعب فى 25 يناير وما تلاه من أيام معلناً عن إرادته الحقيقية التى زورها الحزب الوطنى.
ووضع الحزب قيوداً على الترشح لمنصب الرئيس بموجب التعديل الذى أجراه عام 2005 على بعض مواد الدستور وهدفه فى حقيقة أمره إلى دعم مبدأ التوريث وتقليص الإشراف القضائى على الانتخابات بما يجعله إشرافاً وصورياً، كما سعى إلى تعديل القوانين المكملة للدستور كقانون الأحزاب السياسية وقانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلس الشعب بما يمكنه من السيطرة على كل شىء والإطاحة بمعارضيه، وتحكم فى مجلس الشعب ووضع تشريعات لتحقيق مأرب الحزب الخاصة، وبذلك يكون الحزب الوطنى قد أفسد الحياة السياسية وهدم النظام الديمقراطى وأفرغه من مضمونه، كما خالف أحكام الدستور من خلال السكوت عما اقترفته حكومة الحزب الوطنى من الامتناع الصارخ عن تنفيذ الأحكام القضائية، خاصة ما تعلق منها بالانتخابات البرلمانية.
تسخير الأجهزة الأمنية ممثلة فى وزارة الداخلية وقطاعاتها المختلفه فى خدمة وحماية الحزب وأهدافه وليس لحماية الشعب فقد أضحت وزارة الداخلية هى القوامة على حماية الشعب فى الداخل تسعى جاهدة فى حماية الحزب الوطنى والحفاظ على بقائه ولو على حساب أفراد الشعب، ومما يؤكد ذلك كثرة الاعتقالات دون سند وحوادث الإرهاب والاتجار فى المخدرات التى شاعت فى مصر فى الفترات السابقة وصولاً إلى الانفلات الأمنى التى تم خلال أحداث يناير، مما أسفر عن مقتل وإصابة العديد من أبناء الشعب المصرى، وهروب العديد من السجون.
وأشارت الهيئة إلى أنه من خلال إجماع ما تقدم، يكون الحزب الوطنى قد اتبع فى أدائه أساليب تفقده الشروط المقرره قانوناً والمتطلبة لاستمرار قيامه، مما يجعل حله مستوجباً ولا ينال من ذلك ما قد يتذرع به البعض من أن المخالفات المشار إليها وقعت من قيادات الحزب ولا يتحمل باقى أعضائه المسئولية، حيث إن تلك المخالفات وقعت من الشخصيات التى تمثل الحزب وعلى مرأى ومسمع من باقى أعضائه الذين لم يحركوا ساكناً، ولم يحاولوا تقويم ما أعوج من تصرفات قيادات الحزب أو منعهم من الاستمرار فيها، بل شاركوا أحياناً فى الخروج على مبادئ الحزب واستمروا كذلك فى اختيار تلك الشخصيات لتمثيل الحزب، لأنهم يحققون مطالبهم وطموحاتهم بغض النظر عما يقع منهم من مخالفات باسم الحزب الوطنى.
وفضلاً عن ذلك، فإن حل الحزب الوطنى لا يحيل بين باقى أعضائه وبين تكوين حزب آخر جديد يتفادى المخالفات الجسيمة السابق وقوعها من الحزب القديم عملاً بمبدأ حرية تكوين الأحزاب السياسية التى يتوافر للحزب الجديد الشروط المنصوص عليها فى القانون.
وانتهت هيئة مفوضى الدولة فى تقريرها إلى حل الحزب الوطنى وتصفية أمواله وأيلولتها إلى الدولة.