جذور التوحش الوهابى : ابن تيمية والحكم بقتل الناس جميعا

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢١ - مارس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

جذور التوحش الوهابى : ابن تيمية والحكم بقتل الناس جميعا  

كتاب : نشأة  وتطور أديان المسلمين الأرضية

الباب الأول : الأرضية التاريخية عن نشأة وتطور أديان المحمديين الأرضية

الفصل السابع : الارهاب الوهابى وقلب المعادلة فى أواخر العصر العثمانى

جذور التوحش الوهابى : ابن تيمية والحكم بقتل الناس جميعا  

مقدمة :

1 ـ قلنا أن التصوف فى العصر المملوكى نشر قيما إجتماعية جعلها دينا ،هى عدم الاعتراض وعدم الانكار، مع الخضوع والخنوع لظلم الحاكم وطغيانه وقسوته بل نفاقه وإعتبار قسوته عقابا إلاهيا على ذنوبهم ، وبالتالى صار الحاكم يمارس ظلمه على أنه ( دين ) .

2 ـ إستمر هذا ساريا حتى ظهور الوهابية فى أواخر العصر العثمانى ، فتغيرت المعادلة ، وحلّ التمرد بين الناس محلّ الخنوع ، وحلّ تغيير المنكر باليد وبالسلاح محل عدم الاعتراض وعدم الانكار ، ولم يصبح الحاكم وحده محتكرا للظلم واستحلال الدماء والأموال والاغتصاب بل صار هذا مُتاحا لم يملك القوة أو يسعى لامتلاك القوة . واصبحت هذه المعادلة الوهابية الجديدة دينا . وصارت الآن اشهر دين أرضى للمحمديين ينشرون به حمامات الدم فى أنحاء المعمورة.

3 ـ على أن هذه المعادلة الوهابية لم تأت من فراغ . كان لها جذور فى حركة ابن تيمية نعرض لها فى الآتى :.

 أولا :

إضطهاد ابن تيمية جعل فتاوية تستحل دماء الجميع

1 ـ إنفرد ابن تيمية فى عصره بكونه فقيها حنبليا يبادر بالانكار على ما يراه منكرا ويسعى الى تغييره ، وتكونت حوله مدرسة من أتباعه تواجه متطرفى الصوفية واصنامهم ، وقد حاز بأتباعه شُهرة فى الشام التابع للدولة المملوكية . وبهذه الشهرة أصبح رقما فى المعادلة السياسية المملوكية . وعرضنا لحركته وموقفه من السلطان المملوكى بيبرس الجاشنكير مغتصب الحكم من السلطان ( الشرعى ) الناصر محمد بن قلاوون . وقد رفض ابن تيمية وهو فى سجن بيبرس الجاشنكير الاعتراف بسلطته ، وبعد سقوط الجاشنكير وعودة الناصر محمد ابن قلاوون للحكم تمتع ابن تيمية بالحظوة قليلا ، ومارس نفوذه متسلطا مفتئتا على سُلطة الممليك فأخاف الناصر محمد بن قلاوون . وقد اصبح ابن قلاوون بعد كل ما تعرض له من تسلط أعوانه عليه فى السابق أكثر حساسية ورغبة فى الاستبداد بالحكم . لذا كان سهلا أن يصدق وشاية الصوفية أعداء ابن تيمية عن طموحات ابن تيمية السياسية . .وبهذا فإن الصوفية ــ الذين تخلوا من قبل عن السلطان الناصر محمد بن قلاوون ورقصوا لأعدائه الذين سلبوه سلطته من قبل ــ ما لبث أن رقصوا للناصر محمد بن قلاوون فى دولته بعد عودته ، ورأى الناصر محمد أن سلطته فى إستقرار بوجود الصوفية ، وهى فى خطر مع وجود ابن تيمية ، لذا تخلى ابن قلاوون عن صديقه ابن تيمية ووضعه فى السجن فلبث فيه الى أن مات .  

2 ـ كانت هذه هى المحنة الأخيرة فى حياة ابن تيمية فمات فى السجن بعد حياة حافلة بالتمرد والاضطهاد . وانعكس هذا الاضطهاد علي فكر ابن تيمية فكان اكثر حدة في التكفير لخصومه واكثر جرأة في الافتاء بقتلهم .

3 ـ شريعة الاسلام تحصر تشريع القتل فى القصاص فقط مع كون الدية مانعا للقتل قصاصا ( البقرة (178) وهو نفس الحال فى القتال الدفاعى فى الاسلام ، (البقرة 194 ). والله جل وعلا جعلها قاعدة تشريعية تكررت ثلاث مرات تؤكد على حُرمة قتل النفس البريئة التى لم تقع فى جريمة القتل . ( الانعام : 151 )( الاسراء 33 )( الفرقان : 68 ). ولكن شريعة ابن تيميه تستحل دماء الجميع . ونعطى عنها لمحة سريعة :

 ثانيا :  

فتاوى ابن تيمية فى قتل الصوفية جميعا

1 ـ من الغريب أن ابن تيمية يُحسن الظّن برواد التصوف الأوائل ، بل ويعتقد فى الكرامة الصوفية وشفاعة الأولياء الصوفية . ويعتقد في ولايتهم وكراماتهم وشفاعاتهم يقول ابن تيمية (ان الصوفية مجتهدون في طاعة الله) ويقول عن الجنيد احد ائمة التصوف السابقين (فإن الجنيد قدس الله روحه كان من ائمة الهدى ..)غاية ما هناك ان ابن تيمية يري ان طوائف من اهل البدع قد انتسبوا للتصوف وليسوا منهم كالحلاج . ويعتقد ابن تيمية في كرامات الاولياء حتي فيمن يعتبرهم من أولياء الشيطان .وقد تعرضنا لهذا فى مواضع كثيرة فى موسوعة التصوف .ولكنه فى فتاوية الحانقة يفتى بقتل كل معاصريه من الصوفية ، وبالتالى ينطبق هذا الحكم على المستقبل لدى من يؤمن بأن فتاوى ابن تيميه هى ( الشرع الشريف ) . والوهابيون يؤمنون بأن فتاوى ابن تيمية هى الشرع الشريف .!

2 ـ وبالتالى : هل انت من الصوفية المتطرفين ؟، هل تناصرهم ؟ هل تعتذر عنهم ؟ هل تتعاون معهم ؟ هل تتكاسل عن مواجهتهم ؟ يوجب ابن تيمية عقوبتك بل وقتلك وعدم قبول توبتك . عن الصوفية القائلين بالاتحاد بالله جل وعلا ، يقول ابن تيمية : (وهكذا هؤلاء الاتحادية‏:‏ فرؤوسهم هم أئمة كفر يجب قتلهم، ولا تقبل توبة أحد منهم، إذا أخذ قبل التوبة، فإنه من أعظم الزنادقة، الذين يظهرون الإسلام،ويبطنون أعظم الكفر، ..، ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم، أو ذب عنهم، أو أثنى عليهم، أو عظم كتبهم، أو عرف بمساعدتهم ومعاونتهم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدرى ما هو،أو‏:‏ من قال‏:‏ إنه صنف هذا الكتاب، وأمثال هذه المعاذير، التي لا يقولها إلاجاهل، أو منافق، بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم، ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات؛ لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشايخ والعلماء، والملوك والأمراء، وهم يسعون في الأرض فسادًا، ويصدون عن سبيل الله‏.‏). أى قتلهم حتى لو تابوا .! ويقول : (وبالجملة، فلا خلاف بين الأمة أن من قال بحلول الله في البشر، واتحاده به،وأن البشر يكون إلها، وهذا من الآلهة، فهو كافر مباح الدم ‏.‏ ).

3 ـ وفى انحلالهم الخلقى جعله الصوفية المتطرفون دينا ، فهب ابن تمية يحكم بقتل المستحلين للمعاصى كالزنا والشذوذ ، يقول : (من يقول‏:‏ إن التلوط مباح بملك اليمين‏.‏ فهؤلاء كلهم كفار باتفاق المسلمين.) ويقول: ( والرجم شرعه الله لأهل التوراة والقرآن، وفى السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به‏)‏‏.‏ ولهذا اتفق الصحابة على قتلهما جميعًا، لكن تنوعوا فى صفة القتل‏:‏ فبعضهم قال‏:‏ يرجموا‏:‏ وبعضهم قال‏:‏ يرمى من أعلى جدار فى القرية ويتبع بالحجارة،وبعضهم قال‏:‏ يحرق بالنار، ولهذا كان مذهب جمهور السلف والفقهاء أنهما يرجمان بكرين كانا أو ثيبين، حرين كانا أو مملوكين، أو كان أحدهما مملوكا للآخر، وقد اتفق المسلمون على أن من استحلها بمملوك أو غير مملوك فهو كافر مرتد ). وابن تيمية يرى فى نفسه ومن هم على دينه أنهم جمهور السلف وانهم المسلمون .

4 ـ ويحكم بقتل الصوفية وغيرهم ممّن يسقطون التكاليف الشرعية ومن يدمن ( السّماع ) أى الغناء الصوفى. ويقول ابن تيمية:(وهذا الذي اتفق عليه الصحابة،هو متفق عليه بين أئمة الإسلام لايتنازعون في ذلك، ومن جحد وجوب بعض الواجبات الظاهرة المتواترة‏:‏ كالصلوات الخمس،وصيام شهر رمضان، وحج البيت العتيق أو جحد تحريم بعض المحرمات الظاهرة المتواترة‏:‏كالفواحش، والظلم والخمر والميسر والزنا وغير ذلك، أو جحد حل بعض المباحات الظاهرةالمتواترة‏:‏ كالخبز واللحم والنكاح ـ فهو كافر مرتد، يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وإن أضمر ذلك كان زنديقًا منافقًا ،لا يستتاب عند أكثر العلماء، بل يقتل بلا استتابة،إذا ظهر ذلك منه‏.‏).

الذى يهمنا هنا هو قوله (وإن أضمر ذلك كان زنديقًا منافقًا ،لا يستتاب عند أكثر العلماء، بل يقتل بلا استتابة،إذا ظهر ذلك منه‏.‏) ، إذ يتيح الفرصة ( الشرعية ) لاتهام خصومه على أساس أنهم ( يضمرون ) أشياء محرمة ، وبناء عليه يوجب قتلهم بلا استتابة إذا ظهر منهم بعض ما يمكن تفسيره على أنه ( يضمر ) فى قلبه تلك المحرمات . وبهذا يكون قتل الخصوم  سهلا بشريعته بمجرد التهمة ومجرد الظّن وبمجرد الاتهام بالنفاق فى قلوبهم ، وبالتالى يجب قتلهم فورا وبلا إستتابة .!!وما أسهل قتل جميع البشر بتهمة أنهم يضمرون كذا وكذا فى قلوبهم .

5 ـ وبعد أئمة الصوفية يتوجه ابن تيمية لأتباعهم من العوام يحكم بقتلهم بالجملة ، فمن يقدّم النذور للأولياء معتقدا نفع الأولياء يجب قتله : ( ومن اعتقد أن بالنذور لها نفعاً أو أجراً ما فهو ضال جاهل .. فهذا كافر مشرك يجب قتله . وكذلك من اعتقد ذلك في غيرها كائناً من كان‏ ). ومن يتّخذ أولياء الصوفية واسطة لله جل وعلا يجب قتله إن لم يتب :( فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه، فهو كافر مشرك، يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل‏.‏ ). وهنا ناقض ابن تيمية نفسه وقد كان معتقدا فى أئمة التصوف السابقين .

ويقول فى تحريم الركوع والانحناء للشيخ الصوفى وقتل من يفعل ذلك:( بل لا يجوز الانحناء كالركوع أيضا، .. وأما فعل ذلك تدينًا وتقربًا فهذا من أعظم المنكرات، ومن اعتقد مثل هذا قربة، وتدينًا فهو ضال مفتر، بل يبين له أن هذا ليس بدين ولا قربة، فإن أصر على ذلك استتيب، فإن تاب وإلا قتل‏.‏).

وكذلك قتل من يعتقد فى كرامة الأولياء الصوفية ( ومن قال‏:‏ إن لقول هؤلاء سرًا خفيًا وباطن حقٍ، وأنه من الحقائق التي لا يطلع عليها إلا خواص خواص الخلق، فهو أحد رجلين‏:‏ إما أن يكون من كبارالزنادقة أهل الإلحاد والمحال، وإما أن يكون من كبار أهل الجهل والضلال‏.‏ فالزنديق يجب قتله، والجاهل يعرَّف حقيقة الأمر، فإن أصرَّ على هذا الاعتقاد الباطل بعد قيام الحجة عليه وجب قتله‏.‏).

 وكذا من يؤمن بكرامة ( أهل الخطوة ) من الأولياء الصوفية الذين يستطيعون بزعمهم الحج فى طرفة عين كما ساد الاعتقاد فى العصر المملوكى ، وابن تيمية كان يؤمن بكرامات الأولياء فى عصره ولكن ينسبها الى فعل الشياطين وفى نفس الوقت يحكم بقتل صاحبها : ( ومن هؤلاء‏:‏ من يحمله الشيطان إلى عرفات فيقف مع الناس، ثم يحمله فيرده إلى مدينته تلك الليلة، ويظن هذا الجاهل أن هذا من أولياء الله، ولا يعرف أنه يجب عليه أن يتوب من هذا، وإن اعتقد أن هذا طاعة وقربة إليه، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل ).

ومن يعتقد بشفاعة الأولياء الصوفية مستحق عنده للقتل:( من ادعى أن شيخًا من المشايخ يخلص مريديه يوم القيامة من العذاب،فقد ادعي أن شيخه أفضل من محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ومن قال هذا فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل. ). هذا مع إن إبن تيمية يؤمن بشفاعة النبى والأولياء الصوفية السابقين ، ولكنه ينكر ذلك على شيوخ الصوفية فى عصره ، ويجعل فوارق بين الشفاعة السنية والشفاعة الصوفية ، وكالعادة يحكم بقتل من يخالفه فى الرأى : ( والثاني‏:‏ دعاؤه وشفاعته، وهذا أيضًا نافع يتوسل به من دعا له وشفع فيه باتفاق المسلمين‏.‏ ومن أنكر التوسل به بأحد هذين المعنيين فهو كافر مرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتدًا‏.‏..)( ..وأما دعاؤه وشفاعته وانتفاع المسلمين بذلك فمن أنكره فهو أيضًا كافر، لكن هذا أخفى من الأول، فمن أنكره عن جهل عُرِّف ذلك، فإن أصر على إنكاره فهومرتد‏.‏).

ثالثا :

فتاوى ابن تيمية فى قتل السنيين جميعا

 1 ـ هل أنت من السنيين المتعبدين المفكرين أصحاب الرأى ولكن تخالف ابن تيمية ؟

القتل ينتظرك بتهمتين : أنك مثل الخوارج،وأنك زنديق .

ويتكرر كثيرا فى فتاوى إبن تيمية تشبيهه لخصومه فى الرأى بالخوارج واستحقاقهم القتل مهما بلغ ورعهم ، مستشهدا بحديث كاذب ينسب للنبى عليه السلام علم الغيب فى المستقبل يتنبأ مقدما بظهور الخوارج وجعلهم كفارا مهما بلغ ورعهم ويحثّ على قتلهم . يقول ابن تيمية عن خصومه ( قد يكون لهم زهد وعبادة وهمّة كما يكون للمشركين وأهل الكتاب وكما كان للخوارج المارقين الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموها فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً عند الله لمن قتلهم يوم القيامة ).‏أى يجعل فى قتلهم أجرا يوم القيامة. ويتكرر هذا المعنى كثيرا فى فتاويه ،ومنها: (وقد تواترت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم بذمهم‏.‏‏.‏ قال صلى الله عليه وسلم فيهم‏:‏ ‏(‏يَحْقِر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم،يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمِيَّة، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ـوفي رواية ـ أينما لقيتموهم فاقتلوهم ـ فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم عند اللّه يوم القيامة، يقتلون أهل الإسلام‏‏‏.‏وهؤلاء اتفق الصحابة ـ رضي اللّه عنهم ـ على قتالهم ).

ويستدل ابن تيمية أيضا بقتل الخليفة المهدى العباسى للزنادقة ويجعله تشريعا :(..‏ فإن المهدي قتل من المنافقين الزنادقة من لا يحصي عدده إلا الله.. وكان المهدي من خيار خلفاء بني العباس وأحسنهم إيماناوعدلا وجودا فصار يتتبع المنافقين الزنادقة كذلك‏.‏) .

ونعيد التأكيد على الحقيقة الاسلامية القرآنية التى تؤكّد أن النبى عليه السلام فى حياته كان لا يعلم الغيب ولم يكن له أن يتحدث فيه ، ولم يكن يعلم ما سيجرى فى المستقبل وما سيحدث بعد موته ، ولكنّ أصحاب الديانات الأرضية من المسلمين خصوصا السنيين نسبوا له أحاديث عن غيوب اليوم الآخر كالشفاعة،وعما سيحدث بعد موته كالعشرة المبشرين بالجنة والتنبؤ بالخلفاء الراشدين والعباسيين ، وفى خضم الحروب الأهلية إخترع المتحاربون أحاديث يلعن بها بعضهم بعضا ، ومنها حديث لعن وقتل الخوارج الذى يكرّر ابن تيمية الاستشهاد به ، ويأخذ منه حجة على قتل خصومه فى الرأى   .

ويتهم خصومه الفقهاء السنيين بالنفاق ، يقول : ( وأما المنافقون من هذه الأمة، الذين لا يقرون بألفاظ القرآن والسنةالمشهورة فإنهم يحرفون الكلم عن مواضعه..). وقوله (لا يقرون بألفاظ القرآن والسنةالمشهورة ) يعنى أنهم مجتهدون لا يتبعون ما وجدوا عليه آباءهم وصار مشهورا بمرور الزمن . يحكم عليهم ابن تيمية بالكفر وبالقتل :( ...‏وهؤلاء كلهم كفار يجب قتلهم باتفاق أهل الإيمان .).

وضمن خصومه فى الرأى من يخالفه فى قضية الاستواء على العرش ،وهم أكثرية أهل السنة من خارج الحنابلة ، ويرى تحريم تزويجهم والزواج منهم وتوارثهم ، ويقول : ( أرى أن يُستتابوا، فإن تابوا وإلا قتلوا‏.‏)

الأخطر أنه يرجح قتل من يعتبرهم زنادقة ومنافقين بلا إستتابة ، أى قتلهم حال العثور عليهم ، وكرّر هذا كثيرا ، يقول مثلا : ( والزنديق‏:‏ هو المنافق، وإنما يقتله من يقتله إذا ظهر منه أنه يكتم النفاق. ) أى يجعل سلطة الاتهام وتنفيذ القتل لكل شخص. ويقول عمّن جعلهم منافقين ضالين حتى :( ‏وإن أظهروا الإسلام، وكان في بعضهم زهادةوعبادة،) لماذا ؟ لأنهم ( يظنون أن إلى اللّه طريقا غير الإيمان بالرسول ومتابعته.) أى لا يتبعون الأحاديث التى إفتراها أهل السّنة  وجعلوها طريق الايمان الوحيد بالرسول ومتابعته . وبالتالى يحكم بكفر من لا يتبع تلك الأحاديث ، ويقول عنهم ( وهؤلاء منافقون كفار يجب قتلهم بعد قيام الحجة عليهم‏.‏).

رابعا :

  قواعد عامة وضعها ابن تيمية فى تشريع القتل العام :  

1 ـ يقول فى صياغة عامة ومطّاطة يسهل تطبيقها بالتأويل على كل خصومه وفق التفسير والتأويل السّنى :( من سب نبيًا من الأنبياء قتل باتفاق الفقهاء.).الخطورة هنا أنّ من يخالف معتقد السنيين فى الأنبياء يعتبرونه سبّا فى الأنبياء ، ومنه أى تأكيد على بشرية الأنبياء يكون سبّا فيهم ، مهما كان الدليل من القرآن الكريم .

2 ـ ويقول :( ومن لم يندفع فساده في الأرض إلا بالقتل قتل ، مثل المفرق لجماعة المسلمين ، والداعي إلى البدع في الدين .)، أى قتل أي مسلم بدعوى انه منافق يبطن الكفر ويظهر الاسلام ،بل هو يعطى الحجة لأي فرد لكي يقتل من يشاء من المسلمين بتهمة انه منافق ودون استتابة ،يقول ابن تيمية (اما قتل من اظهر الاسلام وابطل الكفر فهو المنافق الذي يسميه الفقهاء بالزنديق فأكثر الفقهاء علي انه يقتل وان تاب ) . يعنى هو مقتول مقتول مهما تاب .!!

3 ـ وقد يكون القتل على أهون سبب ، فمن ينكر السفر الى المسجد الأقصى أو الى قبر النبى فهو كافر مستحقّ للقتل:( فمن سافر إلى المسجد الحرام أو المسجد الأقصى أو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فصلى في مسجده ؛ وصلى في مسجد قباء وزار القبور كما مضت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا هو الذي عمل العمل الصالح . ومن أنكر هذا السفر فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا قتل . )

4 ـ ومصطلحات الكتاب والرسول والسّنة والشريعة تعنى التفاسير والأحاديث التى إفتراها أئمة السنيين فى العصر العباسى ، وتوارثها عصر ابن تيمية المملوكى . ومن يخرج عنها فهو كافر مباح الدم فى قاعدة تشريعية عامة يكرّرها ويؤكدها ابن تيمية فى صياغات متنوعة ، كأن يقول : ( فأما الشرع المنزل‏:‏ فهو ما ثبت عن الرسول من الكتاب والسنة، وهذا الشرع يجب على الأولين والآخرين اتباعه،)، أى ما قاله أئمة ( الحديث ) والتفسير فى العصر العباسى هو الذى ثبت عن الرسول مهما كان إختلاف الأئمة مع بعضهم ومع أنفسهم وحتى فى الكتاب الواحد وللمؤلف الواحد . ومن ينكر هذا يجب قتله ، يقول :( ومن لم يلتزم هذا الشرع، أو طعن فيه أو جوز لأحد الخروج عنه، فإنه يستتاب فإن تاب وإلاقتل‏.‏).

ويقول ( ومحمد صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى جميع الثقلين؛ إنسهم وجنهم‏.‏فمن اعتقد أنه يسوغ لأحد الخروج عن شريعته وطاعته، فهو كافر يجب قتله‏.‏)  

5 ــ وطبعا توجد أحاديث أخرى للشيعة والصوفية نسبوها أيضا للنبى كما فعل السنيون ، وإبن تيمية كما يوجب الايمان بأحديث دينه المفتراة وحدها فإنه يوجب الكفر بالأحاديث التى إفتراها الآخرون ، وكالعادة يوجب قتل من لا يكفر بتلك الأحاديث ، ويقول بلهجة قاطعة وحازمة وجامعة مانعة:( جميع هذه الأحاديث أكاذيب مختلقة، ليتبوأ مفتريها مقعده من النار‏. ‏لا خلاف بين جميع علماء المسلمين ـ أهل المعرفة وغيرهم ـ أنها مكذوبة مخلوقة، ليس لشيء منها أصل؛ بل من اعتقد صحة مجموع هذه الأحاديث فإنه كافر؛ يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل، ) . فالأحاديث هى فقط أحاديث السنيين ، والعلماء فقط هم علماء السنيين . ولا يرى غير ذلك لأنهم أهل السنة .ومن يخرج عنهم فهو ضال وزنديق ومنافق وخارجى ومستحقّ للقتل .

جدير بالذكر أن لابن تيمية رسالة فى الأحاديث الموضوعة بعنوان ( أحاديث القصّاص ) ولم يقتنع بها تلميذه إبن القيّم فكتب فى الأحاديث الموضوعة كتابا آخر بعنوان ( المنار المنيف فى الصحيح والضعيف ). أى إنها أجتهادات مختلفة بين الشيخ وتلميذه مثل الاختلاف الذى كان بين البخارى وتلميذه مسلم فى ( الصحيحين ). وعليه فابن تيمية يحكم على تلميذه بالقتل لأنه إختلف معه فى تصحيح أحاديثهم السنية . هذا مع أنهم جعلوا ذلك الافتراء دينا وحكموا بأن من يخالفه فهو زنديق ، ولأن هذا الزنديق مسلم مفكر يستطيع إقامة الحجّة عليهم من داخل كتبهم فهم يحكمون بقتله حال العثور عليه ، وقتله دون محاكمة وقتله حتى لو تاب .

رابعا :

قتل من يصلى فى المسجد وقتل من يصلى فى بيته

1 ـ يفتي ابن تيمية بقتل المسلم الذي يجهر بالنية في الصلاة حتي لو كان يعتقد ان جهره بالنية يأمره به الله تعالي ،ويفتي بقتل المسلم الذي لا يلتزم بآداء الصلاة في وقتها او يؤخر صلاة الفجر الي بعد طلوع الشمس او يؤخر صلاة الظهر والعصر الي بعد غروب الشمس ، ويفتي بقتل المسلم الذي يحضر المسجد ولا يشارك في صلاة الجماعة . وفي كل ذلك يشترط ابن تيمية استتابة المتهم فان تاب والا قتل. ويقول ابن تيمية : ( والرجل البالغ إذا امتنع من صلاة واحدة من الصلوات الخمس، أو ترك بعض فرائضها المتفق عليها، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل‏.‏ ).  

2 ـ لو حاولت أن تنجو من كل هذه التهم التى تلاحقك بالقتل مع سبق الاصرار والترصد ، وإعتزلت وإعتكفت وأغلقت عليك باب بيتك فسيطاردك ابن تيمية يطرق بابك ليحكم أيضا بقتلك ، فقد سئل ابن تيمية عن ( رجل منقطع في بيته لا يخرج ولايدخل، ويصلي في بيته، ولا يشهد الجماعة، وإذا خرج إلى الجمعة يخرج مغطى الوجه، .. ، فهل يسلم له حاله ‏؟‏ أو يجب الإنكار عليه‏؟ ‏فأجاب :‏هذه الطريقة طريقة بدعية مخالفة للكتاب والسنة ولما أجمع عليه المسلمون‏.‏ والله تعالى إنما يعبد بما شرع، لا يعبد بالبدع، فإن التعبد بترك الجمعة والجماعة ـ بحيث يرى أن تركهما أفضل من شهودهما مطلقًا ـ كفر، يجب أن يستتاب صاحبه منه، فإن تاب وإلاقتل‏.‏ ).

أخيرا

 قتل الأطفال عموما

 1 ـ ولم ينج الأطفال من تشريع ابن تيمية بالقتل العام لهم . فهو يجيز قتل الطفل إذا صال ، أى إذا هاجم وإعتدى ، أى مجرد الاعتداء من ( طفل ) يوجب قتله حتى لو لم يسفر الاعتداء عن قتل ، يقول ابن تيمية : ( وقتل الصائل جائز وإن كان صغيرًا. .. وكذلك قتل الغلام كان من باب دفع الصائل على أبويه، لعلمه بأنه كان يفتنهما عن دينهما؛ وقتل الصبيان يجوز إذا قاتلوا المسلمين، )‏...

2 ــ وحتى بدون أن يكون الطفل صائلا معتديا ، يكفى أن نتوقع منه أن يكون صائلا عندما يكبر ، وبهذا التوقّع يجوز قتله تحسبا لإجرامه الغيبى المستقبلى الذى لم يحدث بعد ، ولكن إفترضوا أنه سيحدث ، يقول ابن تيمية :( بل يجوز قتلهم لدفع الصول على الأموال ، لهذا ثبت في صحيح البخاري أن نجدة الحروري لما سأل ابن عباس عن قتل الغلمان قال‏:‏ إن كنت تعلم منهم ما علمه الخضر من الغلام فاقتلهم، وإلا فلا تقتلهم‏.‏وكذلك في الصحيحين‏:‏ أن عمر لما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتل ابن صياد، وكان مراهقًا، لما ظنه الدجال، فقال‏:‏ ‏(‏إن يكنه فلن تسلط عليه،وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله‏)‏ فلم يقل‏:‏ إن يكنه فلا خير لك في قتله، بل قال‏:‏ ‏(‏ فلن تسلط عليه‏) ..وذلك يدل على أنه لو أمكن إعدامه قبل بلوغه لقطع فساده لم يكن ذلك محذورًا .)

اجمالي القراءات 20087