مقدمة عن الارهاب الوهابى وقلب المعادلة فى أواخر العصر العثمانى
كتاب : نشأة وتطور أديان المسلمين الأرضية
الباب الأول : الأرضية التاريخية عن نشأة وتطور أديان المحمديين الأرضية
الفصل السابع : الارهاب الوهابى وقلب المعادلة فى أواخر العصر العثمانى
مقدمة :
1 ـ هذا هو نهاية المطاف فى عصرنا ـ عصر الحضيض . أسوأ دين للمحمديين ( يجمع بين الكفر العقيدى والكفر السلوكى ) يفرز أحطّ ما فيه ( الوهابية ) ، ويكون هذا فى عصر الديمقراطية وحقوق الانسان .
2 ـ دين السُّنّة هو الأسوأ بين أديان المحمديين الأرضية .
دين التصوف هو الأكثر تُخمة بالخرافات ، أى الأفظع فى الكفر العقيدى . ولكنه مُسالم ويعترف بحرية البشر وليس فيه إكراه فى الدين . وعليه فالصوفى مُسالم أى هو مسلم حسب سلوكه مع الناس . أما عقيدته فالحكم عليها مؤجل الى يوم الدين شأن البشر جميعا .
دين التشيع ملىء بالخرافات أيضا ، وهو يجنح للسلم الظاهرى حين يكون تحت إضطهاد السنيين . ويختلف الحال حين يقيم له دولة ، عندها ينافس دين السُّنة فى استبداده وتوحشه وتسلطه . ولكن التشيع لم ينجح إلا قليلا فى إقامة دول له ، لذا فهو أقل ضررا .
دين السُّنّة يجمع بين الكفر العقيدة ممثلا فى إيمانه بأحاديث طاغوتية ينسبها زورا وبهتانا للوحى الالهى وشريعة شيطانية كتبها فقهاؤه المختلفون بينهم ، ومع ذلك ينسبونها الى الله جل وعلا على أنها ( شرع الله ) و ( الشرع الشريف ) ، وهم يعتبرون أحاديثهم وسنتهم فوق القرآن الكريم وتنسخ أى تُلغى وتُبطل آيات القرآن الكريم ، ولديهم ما يسمى بعلوم القرآن التى تطعن فى القرآن كما أوضحنا فى سلسلة مقالات بهذا العنوان . ثم هم يقدسون عشرات الألوف من البشر ، بدءا من النبى محمد والصحابة جميعا وإنتهاءا بأئمتهم فى الحديث والفقه . ولو ناقشت البخارى مثلا حكموا عليك بالكفر ، وما يتبعه إتهامك بالكفر من إستحلال دمك والتفريق بينك وبين زوجك . إى هنا كفر عقيدى فاضح يعززه كفر سلوكى بالقتل والإكراه فى الدين ، ثم يمتد القتل من قتل الزنديق ( اى السنى الذى يخالف مجتهدا فى إطار دين السنة ) الى قتل ( الرافضى ) أى الشيعى المخالف فى ( المذهب ) و( الصوفى ) و ( الساحر) ، ثم الى قتال عالمى حيث يقسمون العالم الى معسكرين : دار السلام والاسلام ( دارهم هم )ودار الحرب والكفر ، أى بقية العالم خصوصا اليهود والنصارى . وهو قتال عالمى يعتبرونه ممتدا الى قيام الساعة .!
3 ــ بسبب ظروف سياسية وإجتماعية انتشر دين التصوف بين العوام ولم يصبح خطرا على الحكام ، فجرى المزج بينه وبين صورة معتدلة من دين السنة ، فظهر وتسيد دين جديد هو التصوف السنى .
رفع التصوف السنى شعار ( الشريعة والحقيقة ). ( الشريعة ) : يعنى التمسك بفقه السنيين فى العبادات الحركية . أما ( الحقيقة ) فتعنى عقيدة التصوف من الحلول والاتحاد ووحدة الوجود ، وهى ما يعرف بالتصوف النظرى ، وهو فكر فلسفى للخاصة ، ثم تم نسيانه تقريبا عندما دخل العوام فى دين التصوف أفواجا ، فإستعاضوا عنه بتقديس القبور المنسوبة للصحابة والتابعين وآل البيت والأئمة والأولياء الصوفية الأموات بالاضافة الى الأولياء الأحياء ، وإقامة موالد للأحياء والأموات . وفيها تجتمع ( الشريعة ) أى تأدية الصلوات مع ( الحقيقة ) أى التوسل بالقبور.
4 ـ بهذا تسيد التصوف السنى متمتعا برضى الحكام ورضى المحكومين معا ، حيث إنطفأ ( تغيير المنكر ) الذى قام الحنابلة بتشريعه ووضعوا حديث ( من رأى منكم منكرا ) من أجله وبه سيطروا على الشارع ، وبه إفتأتوا على الحاكم وزايدوا عليه.
أسّس دين التصوف بديلا له وهو ( عدم الاعتراض ) فكل إنسان يفعل ما يحلو له ويقول ما يشاء ويرتكب المعاصى كيف شاء و ( من إعترض فقد إنطرد ) . تمتع بهذا العوام ، ومارسوه دينا فى الموالد الصوفية . وإقترن به الخنوع للحاكم والرضى بظلمه ، والتسليم له بإحتكاره قتل الآخرين ، بحيث تصبح ممارسته للظلم دينا ، يعترف له به المحكومون .
5 ــ ساد هذا فى العصرالمملوكى واستمر الى أواخر العصر العثمانى حين ظهر محمد بن عبد الوهاب الذى تشبّع بفكر ابن تيمية ، وقام مثله ينشر دين السنية الحنبلية ، فتعرض مثل ابن تيمية للإضطهاد ، فتحالف مع أمير سعودى مجهول فى بلد فى ( نجد ) يقال له ( الدرعية )، وعقد إتفاقا معه عام 1745 ، يقوم بتكفير الآخرين وبناء على تكفيرهم يستبيح ابن سعود قتلهم واحتلال بلادهم . وبهذا تطورت إمارة الدرعية لتصبح الدولة السعودية الأولى ، وينتشر دين سنى متسلط دموى ، إسمه الوهابية .
6 ــ خطورة هذا الدين الوهابى أنه اكثر تطرفا من أصله الحنبلى .
سيطر الحنابلة على الشارع العراقى فى قرون من العصر العباسى الثانى . ولكن لم يصل ضحاياهم وقتلاهم عُشر معشار قتلى الوهابية .
كان ما يفعله الحنابلة مألوفا يقع ضمن المناخ السائد فى العصور الوسطى ، عصوم الظلام والاستبداد والفساد والمحاكمات الدينية الكهنوتية والحروب الدينية والمذهبية . الوهابيون إرتكبوا أضعاف أضعاف ذلك ، ووصل ضحاياهم الآن فى العالم كله بضعة ملايين ــ وهذا فى عصرنا الحديث ، عصر الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان .
الحنابلة فى العصر العباسى مع تحكمهم الذى استمر قرونا فلم يزعموا إحتكار الاسلام ، بل حتى لم يحتكروا لأنفسهم دين السنة . فظلت المذاهب الأخرى السنية ( الشافعية والمالكية والحنفية ) قائمة بذاتها تتنافس مع المذهب الحنبلى ، بل كان المذهب الشافعى أكثر إنتشارا فى بعض الأوقات وكان المذهب المالكى الأكثر إنتشارا فى بعض المناطق . أما الوهابية فى عصرنا فهى لا تزعم فقط الحديث باسم (أُمّة الاسلام ) بل تزعم إمتلاك الاسلام .
وبهذا أصبح الاسلام ضحية للوهابية ، وإعتاد الناس فى عصرنا نسبة شنائع الوهابية الى الاسلام ، وتسمية الوهابيين ــ أعدى أعداء الاسلام ــ بالاسلاميين ، وصار عسيرا تفهيم الناس بأن هؤلاء ليسوا ( إسلاميين ) وحركاتهم ليست ( إسلامية ) . وصار سهلا على من يكره الاسلام أن يستشهد بشنائع الوهابية . فإذا حاولنا نفى ذلك قيل لنا : ومن أنتم ؟
7 ـ ساعد على هذا عاملان أنه اصبح للوهابية دولة ،ولم تكن للحنبلية دولة ، وأن دولة الوهابية الايدلوجية سقطت مرتين وقامت ثلاث مرات ، دون أن يحاول احد ــ قبلنا ــ مناقشة ايدلوجيتها الوهابية وإثبات تناقضها مع الاسلام ، فظلت تزعم إحتكار الاسلام ، تقتل بإسمه وتنتشر بشرعه . وحين وقفنا ضد الوهابية كانت قد بلغت أقصى توسع لها بدولتها السعودية ودول أخرى تابعة للوهابية . وبالبترودولار وبالنفوذ السعودى فى الغرب وفى بلاد العرب وبماكينة الاعلام الضخمة تم تحصين الوهابية من النقد . وحين تصدينا لنقدها عرفنا طعم السجن والتشريد ، وتعرض جهدنا للتعتيم .
8 ـ قلبت الوهابية المعادلة التى أرساها التصوف قرونا من العصر العباسى الثانى الى أواخر العصر العثمانى . كانت المعادلة حرية الشعب فى الانحلال وحرية الحاكم فى الظلم والقتل والاستحلال . جاءت الوهابية بمعادلة جديدة صاغتها من تغيير المنكر والتكفير فى الشريعة السنية الحنبلية .
بتغيير المنكر يكون من حق الوهابى التدخل فى حرية الآخرين وتغيير ما يعتبره منكرا وفق تصوره . وبالتكفير يكون من حق الوهابى إستحلال دم من يتهمه بالكفر واستحلال ماله ونسائه . مدار الأمر على ما لدى الوهابى من قوة . إذا كان حاكما فالوهابية بتكفيرها وبشريعتها فى تغيير المنكر ــ فى طوعه ومتناول يده . إذا كان خارجا على الحاكم الوهابى فله نفس الحق فى تكفير الحاكم وفى إعتباره منكرا يجب إزالته . والعبرة بالقوة وبالمقدرة على فرض الاستحلال وفرض تغيير المنكر . وبهذا تنتشر حمامات الدم بفعل الدين الوهابى ، خارج وداخل الدولة الوهابية ، وتظل الوهابية تبيح للحاكم الوهابى ولخصومه حق التكفير وحق تغيير المنكر . لم يعد الحاكم ــ كما كان من قبل ــ صاحب الحق فى الاستحلال وفى القتل وفى الظلم . نشرت الوهابية (إشتراكية ) تبيح للجميع إستحلال قتل الجميع وإستحلال ظلم الجميع ، وتبيح للجميع المزايدة على الجميع . أى نشرت وباءا من الفتن ينتشر ومعه حمامات الدم باسم الاسلام ، بحيث يرتكبون القتل وهم يهتفون ( الله أكبر ) يحسبون انهم يحسنون صُنعا . القاتل العادى ( العلمانى ) قد يتوب ، وقد يشعر بتأنيب الضمير ، أما القاتل الوهابى فهو يعتبر قتله للناس عبادة يستحق من أجلها جنات النعيم ، وإذا مات يعتقد أنه تنتظره الحور العين .
9 ــ وفى هذا الفصل الأخير من باب تاريخ نشأة وتطور الأديان الأرضية نناقش : أولا : احتكار الحاكم الظلم واستحلال القتل طبقا لدين التصوف . وثانيا : دين الوهابية ونشر استحلال الدماء بين الجميع ، وثالثا : الجبرتى شاهدا على العصر .
والله جل وعلا هو المستعان .