الدولة العثمانية و( المسلمون ) فى لمحة عامة

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٢ - مارس - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الدولة العثمانية و( المسلمون ) فى لمحة عامة

كتاب : نشأة  وتطور أديان المسلمين الأرضية

الباب الأول : الأرضية التاريخية عن نشأة وتطور أديان المحمديين الأرضية

الفصل السادس :صراع أديان المسلمين الأرضية فى الدولة العثمانية وتسيد دين التصوف السنى

الدولة العثمانية و( المسلمون ) فى لمحة عامة

  ـصراع الدولة العثمانية والدولة الشيعية الايرانية الصفوية

وكان يحكم الأخير الشاه إسماعيل الصفوى ( 1501 ـ 1524 )

وهو المؤسس الحقيقى للدولة الصفوية واتخذ المذهب الشيعى مذهبا رسميا للدولة وعمل على نشره فى العراق ونجح فى ذلك إلى حد بعيد . ثم حاول نشر هذا المذهب فى الأناضول وهى الموطن الأصلى للدولة العثمانية .

ولقى المذهب الشيعى استجابة واسعة من رعايا الدولة وبخاصة فى شرقى الأناضول واشتهر هؤلاء الشيعة بإسم قزلباش أى أصحاب الرؤوس الحمراء . فهب السلطان العثمانى سليم الأول – ( 2151 – 1520) لإستئصال الخطر الشيعى الزاحف عليه وانتصر على الشاه إسماعيل فى موقعة جالديران فى أغسطس 1514 ودخل فى العام التالى تبريز العاصمة  وهرب الشاه إلى جوف بلاده . واستولى سليم على كثير من بلاد أرمينيا الغربية وما بين

النهرين وتبليس وديار بكر وجميع الأراضى الجنوبية حتى الرقة والموصل وهبط بالدولة الصفوية إلى دولة من الدرجة الثانية ، ثم عاد سليم إلى أستطنبول ليعد العدة لصراع حربى ضد أقاليم الشرق العربى الأسلامى .

فتح الشام ومصر

وفى هذا الصراع ضد الأقاليم العربية الأسلامية فى الشرق ظهرت الدولة العثمانية لأول مرة فى تاريخها كدولة من دول البحر الأحمر . ولى سليم مجهه شطر بلاد الشام، وكان جزءا من دولة المماليك الشراكسة وانتصر فى معركة مرج دابق أغسطس / آب 1516  على السلطان الغورى وتساقطت فى يديه تباعا المدن الرئيسية : حلب ، وحماه ، وحمص ، ودمشق وانساب جنوبا ودخل فلسطين ودخل مصر حيت انتصر على السلطان طومان باى أخر سلاطين دولة المماليك الشراكسة فى معركة الريدانية فى يناير كانون الثانى 1517 ودخل سليم القاهرة فى اليوم السادس والعشرين من ذات الشهر.وهزم طومان باى آخر سلطان مملوكى وشنقه، وانهى الدولة المملوكية سنة921 هجرية / 1517 م.     

دخول الحجاز وبعض مناطق اليمن تحت السيادة العثمانية.

وفى أثناء إقامة السلطان سليم فى مصر استقبل وفدا من أعيان الحجاز بعث به الشريف بركات أمير مكة المكرمة . وكان على رأس هذا الوفد أبنه ( أبو نمي ) وحمل معه رساله من والده أعلن فيها  الشريف بركات قبوله دخول الحجاز تحت السيادة العثمانية وأرسل مع أبنه مفاتيح الكعبة الشريف وبعض مخلفات رسول الله صلوات الله عليه، فدخل الحجاز دخولا تلقائيا وسلميا تحت السيادة العثمانية .

ونهج هذا النهج الأمراء الذين كانوا يحتلون وقت ذاك بعض مناطق فى اليمن . على هذا النحو دخلت فى خلال سنة واحدة 1516 – 1517 أربع أقاليم إسلامية عربية هامة هى : الشام ثم مصر ثم الحجاز ثم أجزاء من اليمن تحت الحكم العثمانى ، وزاد عدد رعاياها المسلمين العرب زيادة كبيرة للغاية .

وأصبح البحر الأحمر بحيرة عثمانية تقريبا فمصر والحجاز  واليمن تطل على أجزاء طويل من ساحلية الشرقى والغربى، وتدعم الطابع الأسلامى العثمانى للبحر الأحمر حين فتح السلطان سليمان المشرع ( 1520 -1566 ) الذى خلف والده سليم الأول كلا من مصر وسواكن عام 1557 منتهزا فرصة اندلاع حربا أهلية فى الحبشة.  وقد نجحت الدولة فى تخفيف الضغط البرتغالى على التجار العرب والأمارات العربية الساحلية ، كما أوقفت الأعتداء البرتغالى إلى حد جعله يعجز عن أن يمد مواقعه إلى داخل البحر الأحمر وإلى الولايات العربية الداخلية ، وحطمت المحاولات التى بذلها البرتغاليون لتكوين جبهة مسيحية منهم ومن الأحباش ضد القوى العربية والأسلامية فى البحر الأحمر وشرقى أفريقيه .

وقد فتح السلطان سليمان المشرع إقليم العراق عام 1534 وامتد النفوذ العثمانى إلى الأحساء المطل على الخليج العربى ثم إلى بعض الأمارات ومشيخات الخليج ، كما استولى على عدن ومن ناحية أخرى أنشئت ثلاث ولايات عثمانية فى شمال أفريقيه : هى الجزائر ثم طرابلس ثم تونس ، وبذلك امتد الوجود العثمانى إلى الحوض الغربى للبحر المتوسط .

وعلى هذا النحو اتسع الوجود العثمانى من الجزائر غربا إلى الخليج العربى شرقا ومن حلب شمالا إلى خليج عدن وبحر العرب جنوبا ، وزاد عدد الرعايا العرب فى الدولة زيادة كبيرة فأصبحت ذات صبغة عربية قوية بعد أن كانت ذات طابع أناضولى أوربى ، كما أنها غدت تضمن ــ فضلا عن قلب الأسلام مكة المكرمة والمدينة المنورة ــ العواصم والأمصار الأسلامية الكبرى مثل دمشق عاصمة الدولة الأموية وبغداد عاصمة الدولة العباسية التى كانت مركز إشعاع حضارى للعام والقاهرة التى كانت عاصمة الدولة الأيوبية والفاطمية ودولتى المماليك حيث قام بها الأزهر والقيروان فى تونس والكوفة والبصرة ، وكان يطلق عليها المصران.

 الطبيعة السياسية للحكم العثمانى:

لم تهتم الدولة العثمانية بالشئون الداخلية للولايات التابعة لها فى مجالات الزراعة والتجارة والمواصلات والطرق والقنوات والموانىء،ولم تهتم بالتعليم العام أو بالصحة العامة أو بالمرافق العامة، ولم تواكب التطور  الذى أخذت به الدول الأوربية.

 مارست سلطانها فى نطاق ضيق للغاية لم يتجاوز المحافظة على الأمن الداخلى وجمع الضرائب بطريقة غير مباشرة عن طريق الألتزام فى الريف ، وتنظيم الطوائف فى المدن وتنظيم القضاء على أساس المذهب الحنفى، وكان القضاء يشمل القضايا الجنائية والمدنية والأحوال الشخصية .

هذا النطاق الضيق جعل سلطان الدولة العثمانية محدودا على رعاياها فكان سطحيا بعيدا عن التغلغل فى حياة الجماهير، ولم تفرض الدولة على الأقاليم التى فتحتها تعديلات جوهرية إلا ما كان يتعارض منها مع سياسدة الدولة، فيما عدا ذلك تركت رعاياها يمارسون حياتهم وفق الأسلوب الذى يألفونه محافظين على لغاتهم وثقافاتهم وعاداتهم وأديانهم ، بل تركت لبعض العناصر الأصلية نصيبا فى حكم البلاد مع وضع ضمانات تكفل لها الحفاظ على السيادة والسيطرة  والحصول على الجزية المقررة .

ولذا ظل الوالى العثمانى فى مصر ينحصر اهتمامه فى جمع الضرائب وتحصيل الجزية تاركا مقاليد الأمور فى أيدى المماليك الذين استمروا فى الحكم تحت مظلة الدولة العثمانية وباسمها. وتحيّن الأمير المملوكى (على بك الكبير )الفرصة فاستقل عن الدولة العثمانية ردحا من الزمن، ثم عادت مصر الى التبيعية العثمانية عن طريق أمير مملوكى آخر هو محمد بك أبو الدهب الذى كان مملوكا سابقا لعلى بك الكبير. وإذ أبقى العثمانيون على المماليك ـ حكاما تحت سيطرتهم الاسمية ـ فالمنتظر أن تظل بقية النواحى الاجتماعية والاقتصادية والحياة الدينية على حالها، فالدولة العثمانية فى نهاية الأمر تنتمى الى قبائل الترك التى لا تحمل خلفية حضارية تمكنها من إحداث تغيير حضارى أو فكرى، بل إنها إكتسبت حضارتها من رعاياها ومن المنطقة التى أقامت فيها دولتها.

ولذلك اعتنقت ـــ  تحت اسم الاسلام ـــ الدين الأرضى السائد فى الأناضول ، وهو دين التصوف السنى. ولم يكن لها علم بالاسلام الحقيقى الذى كان عليه خاتم النبيين عليهم السلام . بل إنها توسعت وأصبحت إمبراطورية بالجهاد السُّنى الذى يعنى الغزو والاحتلال والسلب والنهب ودفع المقهورين الجزية ـ لا فارق بين ( المحمديين السنيين أو الشيعة أو المسيحيين الأوربيين ). وكل هذا بدأه خلفاء قريش من أبى بكر وعمر ، وهو مناقض لشريعة الاسلام .

 ملامح دين التصوف السنى فى الدولة العثمانية

1 ـ الملامح السنية:

كان للمفتى أو" شيخ الأسلام " مركز مرموق فى الدولة العثمانية، فهو المشرف على الهيئات القضائية والدينية وهو الذى يصدر الفتاوى للسلطان فيما يخص شن الحرب أو عقد المعاهدات. وكان أستخدام شعار الجهاد مما يعزز دور الهيئة الدينية فى إعداد الجند للمعارك

وحرصت الدولة على تطبيق الشريعة السلفية طبقا للمذهب الحنفى مع المحافظة على التقاليد. ولم تكن تسمح بأحد بإنتهاك حرمة شهر رمضان بالأكل والشرب علنا طوال شهر الصيام، وكانت تشرف أشرافا فعليا على تنظيم الحج إلى الحجاز، وهذا مع أن سياستها ألا تهتم بالشئون الداخلية للولايات إلا أن الحج جعلته من أولويات أهتماماتها فعملت على تيسيره بحفر الآبار وحراستها وتشييد الفنادق وأقامة المخافر، وكانت تتحرك كل سنة أربع قوافل حج رئيسية من كافة أنحاء الدولة فى مواعيد محددة وبنظام رتيب وفى حماية عسكرية  يقودها قادم يسمى سردار الحج ويرأس كل قافلة كل قافلة " أمير الحج" .

2 ـ الملامح الصوفية

من مظاهره أن الدولة العثمانية تركت مشايخ الطرق الصوفية يمارسون سلطات واسعة على الموردين والأتباع .وانتشرت هذه الطرق الصوفية انتشارا واسعا حتى أن حياة الجماهية كانت أكثر خضوعا لتأثير مشارخ الطرق الصوفية أكثر من رجال الدولة الرسميين . ومدت يد العون إلى بعض الطرق الصوفية وكان من أهم الطرق الصوفية النقشبندية والمولوية و البكتاشية و الرفاعية والأحمدية والخلوتية والكزرونية .

إستخدم محمد الفاتح إسطورة تاريخية عن مشاركة الصحابى أبى أيوب فى حصار الأمويين للقسطنطينية عام 670 لشحن جيشه لفتح القسطنطينية . كان شائعا أن أبا أيوب الأنصارى قد استشهد فى هذه الحملة الخاسرة ، وأنه أوصى بدفن جثته فى أقرب موقع من القسطنطية . أشاع محمد الفاتح العثور على قبر الصحابى أبى أيوب الأنصارى على مقربة من أسوار القسطنطية . وأقام محمد الفاتح مسجدا على هذا القبر المزعوم ، وإستخدم تقديس هذا القبر فى شحن وحشد جيشه عقب فتح القسطنطينية ، ونجح فى هذا فأحدث تغييرا حاسما فى تاريخ العالم وقتها . وبعد فتح القسطنطينية ــ بإسم الاسلام ــ أطلق محمد الفاتح أسم اسطنبول عليها ، وقام بتحويل كنيستها المشهورة آيا صوفيا الى مسجد . فتحول السلطان محمد ( الى محمد  الفاتح ) وواجه أوربا فى عُقر دارها بالجهاد السُّنّى ردا على الحملات الصليبية والدول الصليبية التى قضى عليها المماليك من قبل . وكان ظهور الجهاد العثمانى السُّنّى مواجهة للجهاد الصليبى الى تزعمته اسبانيا والبرتغال بعد إجتثاث المسلمين من ( الأندلس ).

 نعود الى محمد الفاتح ومسجده الذى أقامه على القبر المزعوم للصحابى أبى أيوب الأنصارى ، ونقول إن السلاطين العثمانيين حافظوا على تقليد جديد إبتدعوه لتدعيم سلطتهم الدينية ( السنية الصوفية ) فاعتادوا أقامة حفل دينى رسمى فى ضريح أبى أيوب عقب إعتلاء كل سلطان جديد للعرش ، فكان السلطان يذهب فى موكب رسمى حافل إلى هذا المسجد ، ثم يدخل إلى ضريح أبى أيوب الأنصارى ويتسلم من يد شيخ الطريقة المولية " بيوق جلبى " سيف السلطان العثمانى الأول الجد الكبير للسلاطين العثمانيين .

سياسة الدولة العثمانية فى التعامل مع الشيعة داخلها

فى حربها ضد الدولة الصفوية إستأصلت الشيعة من الأناضول ومنعت زحف المذهب الشيعى على الشرق العربى الأسيوى وعلى مصر.

 أما الوضع فى العراق فقد كانت له أوضاع خاصة . كان موطن العتبات أو المزارات المقدسة ويضم آثارا للشيعة . وكان الشاه إسماعيل الصوفى قد نجح كما ذكرنا فى نشر المذهب الشيعى فى ربوع العراق وأصبح الشيعة يشكلون قطاعا رئيسيا من قطاعات السكان ولهم تقاليدهم وعاداتهم ولا يرضون عنها بديلا إذ أصبحت جزءا من عقيدتهم الدينية . ولما فتح السلطان سليمان المشرع العراق ودخل بغداد فى ديسمبر – كانون الأول – عام 1534 ـــ حيث أقام أربعة أشهر  ـــ عمل خلالها على إرضاء مشاعر أهل السنة وأهل الشيعة معا ، ورصد أوقافا ينفق إيرادها على أهل المذهبين معا ، وخرج من بغداد فى رحلة تعرف فيها على قبر الأمام أبو حنيفة وأعاد بناء ضريحه إرضاءا لأهل السُّنّة ، وكان الشيعة من أهل فارس قد دنسوا رفاته وهدموا القبة والضريح . وفى نفس الوقت حرص السلطان سليمان على زيارة  العتبات المقدسة للشيعة خصوصا فى كربلاء . وكانت المنطقة التى تحيط  بكربلاء تغمرها المياه وتصل للعتبات المقدسة ، فأمر ببناء سور يسمى السليمانية حول المدينة لوقايتها من مياه الفيضان ، ثم وسع من ترعة الحسينية كى تنساب فيها المياه على مدار السنة فزرعت المنطقة حول العتبات المقدسة بالبساتين وحقول القمح . وزار السلطان القبر المقدس للأمام (على ) فى النجف.  وهكذا انتهج السلطان سليمان المشرع تجاه أهل السنة والشيعة فى العراق سياسة تنم عن الحكمة والحصافة وسعة الأفق.

 ملاحظة:

 ( المعلومات التاريخية مستقاة من كتاب : الدولة العثمانية دولة اسلامية مفترى عليها للأستاذ الدكتور عبد العزيز الشناوى :1 / 33 ، 34 ،35 ، 39 ، 40 ، 345 ،  28،29 ،

33 ، 34 ،35 ، 39 ، 40 ، 54 – 59 ، 64 ، 186 – 190، 345 ) أما التحليل فهو لنا .

اجمالي القراءات 8806