تمهيد:
أحسب أني غدوت ـ بعد عجمة ـ عربي اللسان، وقد نظرت في القرآن الكريم مستفهما، ولا أخفيك أني أحببته حبا جَمّـا، وسأعرض عليك خلاصة فهمي ومبلغ علمي، لعلك تستفيد علما مهما كان قليلا، أو ترشد أخاك ـ مشكورا ـ لما تراه خيرا وأحسن تأويلا.
هذا، وقد وجدت أكثر الناس ـ والعرب بشكل خاص ـ يفتتحون كتبهم وأبحاثهم بعرض خطط مفصلة أحسن تفصيل، ثم لا يلتزمون بالخط المرسوم إلا قليلا، ولذلك أرجو من القارئ أن يصبر علي بُهْمَة الطريق إلى أن يتبين قصدي وما أريد.
يقول ربنا جل وعلا: ((اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ...)) فهمت أن فعل الإخراج مستمر، ولكن كيف؟ وكيف تكون بداية المؤمن مظلمة بينما بداية الكافر مشرقة: ((وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.157))سورة البقرة.
قال بعض المفسراتية: أولئك يخرجون من الكفر إلى الإيمان، وهؤلاء يخرجون من الإيمان إلى الكفر.. قلت: هذا تأويل باطل لا يقول به إلا غبي أو مخبول، وحاش لله أن ينزل كتابا ليُخبرنا أنه يُخرج المؤمنين من الكفر إلى الإيمان، وأن الطاغوت يُخرج الكفار من الإيمان إلى الكفر !؟
وعندي أن مثل الفريقين كمثل أم كريمة استوقدت نارا عظيمة فلما أضاءت ما حولها بصُر بها فِتيانٌ من أهلها فخرج بعضهم صوب النار يريد الدفء والنور، وذهب بعضهم في الاتجاه المعاكس موغلا في شعاب البرد والظلمات، فمنطلق الفريقين ـ كما ترى ـ واحد، وهو معتم مظلم عند مقارنته بأنوار القرب، ومنير مشرق حين يقارن بظلمات البعد.
وهذا يعني أن المؤمن العاقل كلما خطا خطوة على الصراط المستقيم يحس أنه خرج من ظُلمة وتخلص من بُهْمَة، فإن فقد هذا الإحساس، أو مال إلى الحكم على الناس، فقد ضل قبل أن يصل. أريد القول أن الخروج من الظلمات كليا مستحيل لأنه يفضي إلى اليقين ولا يقين قبل الرحيل: ((وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97)فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ(98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ99)) سورة الحجر.
هذا الذي فهمته من القرآن الكريم، وهذا مبلغ علمي، وفوق كل ذي علم عليم.!
وفهمت ـ أيضا ـ أن الناس ثلاثة أصناف لا رابع لها: فقير سائل مستهدي، وكافر مستغي لا يعلم ما الكتاب ولا الإيمان، والثالث ضال مرتاب حيران: ))مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا .143((النساء.
وفهمت ـ أيضا ـ أن الضلال أشكال وأنواع، وأن الشرك ليس كفرا، وإنما هو ضلالة دون الكفر، وكذلك النفاق، وقد أخبرنا ربنا جل وعلا أن بعض المشركين كفروا شانهم شأن بعض أهل الكتاب: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6))[98].
اقرأ : ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا (48))[4]. المشرك يفتري على الله جل وعلا، أما الكافر فلا يؤمن بالله أصلا، ولذلك قلت أن الكفر شيء أكبر من الشرك والنفاق، وسوف ترى كيف أن الخلط بين هذه المصطلحات يفسد الفهم كله.
· يجدر بنا قبل مناقشة بعض ما تقدم، أن نقرأ آيات من سورة البقرة سائلين عن تفصيل كتاب الصلاة، وخبر الصراط المستقيم:
1. الم
2. ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ
3. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
4. وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
5. أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
قال بوعقال : هذا أول تفصيل لكتاب الصلاة وخبر الصراط المستقيم، ويليه خبر المغضوب عليهم والذي فُصل في آيتين اثنتين:
6. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ
7. خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
- ثم يأتي خبر الضالين أولي الريب المترددين، وخاتمته: ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ .16)).
والآن، لنقارن بين هذه الخاتمة، وخاتمة الفقرة الأولى:
(أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ.5) والضد: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى.16)
(وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.5) والضد: ( فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ .16).
هل نقول: عبارات متناظرة كما الكفين، أم نقول: ضِدانِ لما اسـتُجْمِعا عُرفا * والضِّدُّ يُظهِرُ مكنُونه الضِّدّ ؟ لعل أمثل السبل أن نقرأ الآية السابعة من سورة آل عمران : ((هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ...)) يعلمون تأويله، بيد أنهم لا يقدرون على الإحاطة به، ولذلك تجدهم: (( يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ)) يقولون هذا عن علم وفهم وإدراك لعظمة البحر وعمقه : (( وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ))، أما الذين في قلوبهم مرض أي: المختلين عقليا فيتبعون ما تشابه منه معتقدين أنهم أحاطوا بالقرآن علما، الأمر الذي يدفعهم إلى الفتنة ، أي: إلى إكراه الناس على اتباع آرائهم وتأويلاتهم، وما قصة شيوخ الأزهر مع المتهمين بازدراء الأديان عنك ببعيدة .!
· مثل المؤمن والكافر، ومثل الضال المرتاب:
أولا : مثل المؤمن والكافر:
17. مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ
18.صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ.
قارن بين هذه الخاتمة، وخاتمة خبر الكافرين المتقدم، لعلك تجد ما يمكن أن نسميه الجزاء الحتم، وهو جزاء عادل طبعا ((جزاءا وفاقا)):
· (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ.7) والجزاء: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ.18)
· (...فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ.7) والجزاء: ( ... وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ .18).
صموا آذانهم، وأغلقوا أعينهم فكان جزاؤهم ختمٌ على ختم، والثالثة عذاب عظيم جزاء الفرار من تلك النار التي طرأت على المكان طروا: ((نَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ...40))[ 4].
ثانيا : مثل الضالين أولي الريب المترددين:
19. أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ
20. يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
((...وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ )) كفروا آذانهم فحاق بهم وصف الكافرين دون زيادة (جزاءا وفاقا)، أريد القول أنهم من الضالين، وليسوا كفارا جاحدين كما الصنف السابق، والكفر بفتح أوله هو التغطية والحجب والستر.
دعنا نكرر القول مع شيء من التفصيل: الناس ثلاثة أصناف لا رابع لها: مؤمن فقير، وكافر مستغني، ومريض مرتاب، ولكل وجهة هو موليها: فأما الفقير فمقيم على الحمد والسؤال وهو على صراط مستقيم، وهذا الصراط يختلف ـ كليا ـ عن صراط الكافرين، وكلاهما يختلف ـ نسبيا ـ عن صراط الضالين. وقد ضرب الله مثلا للمؤمن والكافر فقال جل وعلا: ((مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ...)) ذهب به أي: استحوذ عليه، واسترد الهبة الموهوبة: (( وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ)) أعرضوا عن النور وتركوه فتُركوا (جَزَاءً وِفَاقًا)، وفي مُختتم الآية نقرأ: ((صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ.)) تولوا فأوغلوا، وختموا فصموا، وعموا فأغمضوا، فختم الله على قلوبهم (جَزَاءً وِفَاقًا).
ذاك مثل المؤمن والكافر، وفي النص الرديف مشهد عاصفٌ مخيفٌ يكشفُ عن بعض مسالك الضالين. يقول ربنا جل وعلا: ((أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ)) إحاطة كاملة، وفي خلفية العبارة إشارة تهديد مبطنة، تهديد لكل من جعل رأس الإصبع تحيط بثقب الأذن وتكفره، والكفر بفتح أوله التغطية، والمقصود أنهم غطوا آذانهم وكفروها فأصابهم النعت الصادق، ويمكن أن تفهم أنه نعت فقط، نعت لمن كفر الأذن لا أكثر ولا أقل:(جَزَاءً وِفَاقًا)، ثم نقرأ:(( يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ )) أوشك وقارب ولم يخطف البصر كليا، ولو شاء الله لذهب بكل ما وهب .. ثم نقرأ: ((كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ)) كلما أضاء البرق تُشحن بطارية الإيمان فيمشون بضعة أشواط على صراط مقبول :(( وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا)) كمشلول عشا لا يستطيع حراكا، وبين الضوء وبؤبؤ العين قصة مد وجزر تشبه تماما قصة ما بالقلوب من إيمان: إما زيادة وإما نقصان : ((وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.20)).
النتيجة:
إقرأ : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ(22) وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ۖ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(24))[2].
قل لمن يريد الفهم : لا ريب أن الإتيان يمثل سورة الفاتحة ـ مثلا ـ يقتضي أول ما يقتضي الإحاطة بدلالة نجومها السبعة إحاطة لا تشوبها شائبة وهم، وهذا غير ممكن بدليل أننا لم نفهم عبارة '' المغضوب عليهم '' إلا بعد قراءة عشرين نحما من سورة البقرة، وأنى لمن عجز عن فهم كلمتين أن يفهم عشرين نجما !! وما يدريك لعل سورة الفاتحة هي أم الكتاب، وأن سائر سور القرآن الكريم جاءت لتفصيل آياتها !؟ وما يدريك لعل الفاتحة هي البداية يليها انفجار يماثل انفجار الكون العظيم : ((وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)) سورة الذاريات، وفي سورة لقمان: ((وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27))، وفي سورة الواقعة: ((فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)ٍإِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (78))، وفي سورة الحاقة: (( فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (42) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (43)). القسم المنفي لا تعرفه العرب، وفي ملتي وفهمي أن المراد به تأكيد الخبر للراسخين في العلم من الفلكيين وغيرهم، وأما سائر الخلق فهم ليسوا بحاجة لهذا القسم لأنهم لا يدركون مدى عظمة المقسم به،أي: أجزاء الكون القريبة المشهودة وأطرافه البعيدة المكنونة، و توأمهما المتمثل في ظاهر القرآن ومكنوناته : (... بِمَا تُبْصِرُونَ ــ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ).
وختاما أقول لكل ضال مرتاب: اعلم أني وجميع المسلمين جيلا بعد جيل لم نفهم من القرآن الكريم إلا القليل القليل، وهو حال الفلكيين إزاء الكون ومجال تخصصهم، فإن كنت في ريب من هذا أيضا، فلن تفهم أي سورة قرآنية، بله أن تأتي بمثلها .!
تذكير:
1. الفاتحة سبع آيات محكمات فصلت في سورة البقرة :
· خبر الصراط المستقيم فُصل في خمس آيات، خاتمتها: ((أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.5))[2]
· صفات المغضوب عليهم : في الآية 6 ، والأية 7 ، وضُرب لهم مثل في آيتين: 17 و18.
· صفات الضالين: في تسع آيات، خاتمتها : ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ.16))[2] ، وضُرب لهم مثل في آيتين: 19 و20 .
· يبدأ هذا التفصيل بعبارة: (( ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ)) وخاتمته: ( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ () فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ.24))[2] أي: أُعدت للكافرين فاحذروا يا أولي الريب أن تلحقوا بهم.
2. بداية المؤمن معتمة نسبيا.
3. بداية الكافر مشرقة نسبيا.
4. جريمة الكفر أكبر من الشرك والنفاق.
5. الشرك نوع من الضلال وكذلك النفاق.
6. بعض المشركين والمنافقين كفار.
((...نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)))[12]
ودائما صدق الله العظيم.