هل تيارات الاسلام السياسي يمكنها الاسهام في بناء الدولة المدنية الحقة ؟
مقدمة مطولة الى النهاية
ان عالمنا الاسلامي يعيش اليوم ازمة حقيقية مع الهوية الاسلامية بحكم مجموعة من الاسباب و الخلفيات التاريخية حيث لو اراد اي مسلم مؤمن باسلامه الشخصي او المجتمعي لكنه بالمقابل يريد ان يساهم في انتقال بلده الى نادي الدول الديمقراطية بمؤسساتها و بانظمتها و بخطابها الديني المعاصر....
ان هذا المسلم سيجد في طريقه العديد من العراقيل و المشاكل و من بينها التاويل السلفي للاسلام عبر الخطاب الديني الرسمي او عبر مقررات التربية الاسلامية في التعليم .
لكن الطامة الكبرى هي ان هذا المسلم سيجد في طريقه نحو الانتقال الديمقراطي ما يسمى بتيارات الاسلام السياسي المنتشرة بشكل رهيب عبر جغرافية العالم الاسلامي باستثناء المملكة العربية السعودية باعتبارها مازالت تمنع انشاء الاحزاب مهما كانت تحت ذرائع من قبيل حفظ النظام العام و الدين الاسلامي حسب منهج محمد عبد الوهاب التخريبي لحقائق الاسلام العظيمة بصريح العبارة..
و هناك حقيقة مؤلمة لا ينبغي تجاهلها باي حال من الاحوال الا و هي ان السعودية تمثل الاسلام في العالم باسره علما انها ليس لها اي دستور و لو شكليا لان التاويل الاصيل للسلفية اي الوهابية لا يسمح لفرقة سياسية او دينية مخالفة لهذا النظام الرجعي و لو في جزية صغيرة للغاية ان تعبر عن رايها في داخل بلاد الحرمين الشرفيين اي ان السعودية لا تسمح بتاسيس تيارات الاسلام السياسي داخل أراضيها...
لكن بالمقابل قامت هذه الدولة منذ وجودها في سنة 1932 بالدعم الايديولوجي و المالي لهذه التيارات في دول الشرق الاوسط و في دول شمال افريقيا بغية القضاء على اية محاولة للتنوير الاسلامي و خصوصا في مصر التي عرفت حركة تنويرية قادها المرحوم محمد عبدو الخ ..
عندما نتحدث بالتدقيق عن مرجعية اغلب تيارات الاسلام السياسي فاننا سنجد ان مرجعيتها ليست اسلامية على الاطلاق بل هي وهابية سلفية بمعنى ان الوهابية هي الطبعة النهائية لما يسمى زورا و بهتانا بالسلف الصالح بمعنى الخلافة القرشية كما اسميها بعد وفاة الرسول الاكرم و بعد الفتنة الكبرى بين الصحابة حول حطام الدنيا كما سماه مرشد تيارنا المبارك احمد صبحي منصور عبر مقالاته الحالية حول نشاة الاديان الارضية حسب رايه الموقر اي ان الوهابية هي تراكم عظيم لقرون تخلف مسلمي المشرق العربي تحت وطأة الاستبداد باسم الاسلام و الخلافة المسماة بالاسلامية...
ان فكرة الوهابية قامت في الاصل على اساس تكفير اغلبية مسلمي العالم و استحلال اموالهم و اعراض نساءهم كما هو الشان بالنسبة للعرب قبل الاسلام و بعد الاسلام على حد السواء اي ان ممارسات الاعراب قبل اسلامهم اصبحت من صميم الدين الاسلامي في العصر الاموي و العباسي و العثماني و الوهابي بمعنى ان الوهابية هي امتداد طبيعي لهذا التاريخ الاسود من سفك الدماء و وطئ النساء بدون اي زواج ....
اذن ان الوهابية او السلفية هما شيء واحد يمكن ان نسميه بوحشية الاعراب بعد الاسلام او جاهليتهم بينما ان الدين الاسلامي هو دين علماني اصلا حسب راي الاستاذ احمد صبحي منصور الموقر حيث ان الرسول الاكرم قد اسس دولته الاسلامية على اساس الديمقراطية المباشرة و على اساس الشورى الخ من القيم الاسلامية الحقيقية..
ان الوهابية الحالية تكفر اغلب انظمة العالم الديمقراطية و العلمانية و الاشتراكية الخ باعتبارها لا تطبق الشريعة الاسلامية على الاطلاق و تكفر الدستور بصفته قانون وضعي قد وضعه انسان او مجموعة من البشر علما ان الرسول الاكرم قد وضع اول دستور في تاريخنا الاسلامي تحت اسم صحيفة المدينة لتنظيم شؤون المسلمين و اليهود باعتبارهم ديانة لها الحق ان تمارس بكل الحرية داخل عاصمة دولة الاسلام.
و كما ان الوهابية تكفر عادات و تقاليد مسلمي العالم و هوياتهم الثقافية و الحضارية و المذهبية بحكم الوهابية او السلفية تقدس اللغة العربية و العروبة كاتجاه ساد منذ العصر الاموي الى اليوم بينما ان الاسلام هو دين السلام و التسامح و المدنية الحقة..
ان سؤال هذا المقال هل تيارات الاسلام السياسي يمكنها الاسهام في بناء الدولة المدنية الحقة هو سؤال جوهري في هذه المرحلة بالذات حيث ان اغلب تيارات الاسلام السياسي استغلت لحظة انطلاقة ثورات الربيع الديمقراطي لفرض نفسها كرقم صعب و كعمق ديني موجد اصلا في مجتمعاتنا الاسلامية و استغلت الامية الابدجية و التاريخية لدى العامة قصد الاستقطاب الى ايديولوجيتهم تحت شعار عريض الا و هو الاسلام هو الحل لكن هذا الشعار المخادع يخفي وراءه تفاصيل دولة الخلافة القرشية الموجودة اصلا في كتب السلف الرجعيين و في عقول نخبتنا الدينية الرسمية في دولنا الاسلامية بمعنى ان هذه التيارات المسماة بالاسلامية قد قبلت الدخول الى النسق الديمقراطي عبر الانتخابات بغية الوصول الى السلطة لكن بخطاب سلفي واضح المعالم يكفر الديمقراطية شكلا و مضمونا و يكفر حقوق الانسان المتعددة كأن الاسلام هو دين يعارض حقوق الانسان و حرياته الجوهرية و كأن الاسلام هو دين يتعارض مع الدولة المدنية الحقة ..
انني اتذكر بألم شديد النقاش العمومي حول الاصلاحات الدستورية ببلادنا في سنة 2011 حيث كان نقاشا فريدا من نوعه لكن حزب العدالة و التنمية قد استخدم قاموسه السلفي لإجهاض اي انتقال نحو الدولة المدنية بقيمها الفعلية من قبيل حرية الاعتقاد و رد الاعتبار الكامل للامازيغية كصلب هويتنا الوطنية كما ورد في الخطاب الملكي التاريخي في يوم 9 مارس 2011 غير ان تيارات الاسلام السياسي رفعت شعار اسلامية الدولة في وجه الحركة الامازيغية و في وجه الحركة النسائية بهدف اجهاض هذا الحلم الجميل كأن الاسلام هو دين يتعارض مع الدولة المدنية الحقة اي العلمانية حيث صدق الاستاذ احمد ارحموش عندما دعا في صيف سنة 2011 الى حل حزب العدالة و التنمية باعتباره لا يمثل اسلامنا الامازيغي على الاطلاق لان هذا الاسلام هو بعيد كل البعد عن اسلام محمد عبد الوهاب التخريبي....
و يظل سؤال عريض الا و هو متى سنتحرر من قيود التاويل السلفي للاسلام ببلادنا و بلدان المسلمين ؟؟ حيث اذا اردنا الصحوة الاسلامية الحقيقية فامامنا معركة فكرية طويلة قد تستغرق العمر كله من اجل هدم اسس الوهابية العفينة كام العراقيل امام الاسلام ليصبح دينا صالحا لكل زمان او مكان حيث ان تيارات الاسلام السياسي الحالية لم تقدم اية حلول واقعة لمشاكل الدين الاسلامي الراهنة لان مرجعيتها في نهاية المطاف هي الوهابية اي امتداد لتاريخ الاسلام الاسود في المشرق العربي...
اختم هذا المقال المتواضع بالاسف الشديد على حكم النظام الانقلابي بمصر على الشيخ الشاب محمد عبد الله نصر بخمس سنوات سجنا بتهمة ازدراء الاديان كاننا مازلنا نعيش في قرن اخر غير قرننا الحالي...
توقيع المهدي مالك