نظرة في كتب الملل والنحل

سامح عسكر في السبت ٢٥ - فبراير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

للعلم: كتب الملل والنحل قديما لم تكن لها شعبية..بل في عُرف الشيوخ والفقهاء في زمانها كانت (مستقبحة)

فكرة عرض أقوال الفرق نفسها كانت مكروهة من باب نقل الكفر هو كفر..وليس من باب نقل الكفر ليس بكافر..هذه كلمة جاءت بعد ذلك لتبرير عرض أقوال الفرق بعد عصر الانفتاح

فبداية من القرن 19 ، 20 (عصر الاستعمار) انفتح المسلمون على الشعوب الأخرى، وطبيعي أن يسمعوا كلام غريب ومعتقدات غريبة ومعلومات لم يقرأوها في الكتب ، فظهر المثقفون أيامها بعرض تلك الأقوال من باب (الرد والإفحام) ولكي يبرروا ما فعلوا قالوا ناقل الكفر ليس بكافر..

أي ما فعله ابن حزم الظاهري بالفصل في الملل والنحل (ت 456هـ) والشهرستاني في الملل والنحل (ت 548هـ) كان غريب على أسماع المسلمين وقتها، ولم يحظى بشعبية على المنابر ولم يذكر سوى في المجالس الخاصة وفي أضيق الحدود..كان شعور الخوف يتملك المسلمين وورثنا هذا الشعور في الإحياء الرابع لعلم الحديث منذ السبعينات وإلى الآن..

كان ما كتبه الأشعري أيضا (ت 324 هـ) يمثل حالة في زمانه، كتابه إسمه.."مقالات الإسلاميين"..عرض فيه آراء الفرق جميعها إلى القرن الرابع الهجري ولكن بطريقة شبه علمية موضوعية..تأثراً في ذلك بالنهضة العلمية في العصر العباسي الثاني باعتبار أن المؤلف كان معتزلي قديم..فرغم أن الأشعري مقلد كبي لكن بقيت لمحة الاعتزال والعقلانية ملحوظة في كتابه..ومع ذلك لم يحظى هذا الكتاب بشعبية وتعامل معه المسلمون بخوف شديد..شأنه كشأن كتب ابن حزم والبغدادي والشهرستاتي كلها ظهرت في العصر العباسي الثاني تأثراً بالنهضة العلمية ومحاولة لاستكشاف الفرق..لكن على المستوى الشعبي كانت هذه الأعمال (مجهولة) ونتائجها على مستوى الانفتاح (صفر)

كان هناك نوع آخر ظهر وقتها من عرض أقوال الفرق تحريضا عليهم وتكفيرهم ككتاب فضائح الباطنية للغزالي وكشف أسرار الباطنية للمعافري اليماني والفرق بين الفرق لعبدالقاهر البغدادي..هذا الخط ورثه السلفيون تأثراً بالنزعة الإحيائية التقليدية في السبعينات –كما تقدم-وبناءً عليه ألّفوا- بنفس الأسلوب- أعمال كفضائح الشيعة والعلمانية والماسونية والنصارى والصليبية والباطنية والقبورية...وغيرها

معلومة: كتاب عبدالقاهر البغدادي-الفرق بين الفرق- كان تكفيري صرف، فالرجل متطرف جدا، وضحت هذه النزعة في كتبه الأخرى على نفس السياق كفضائح المعتزلة والقدرية والكرامية، يكفي أن كتابه الفرق بين الفرق هذا ذكرت فيه كلمة كافر (25 مرة) وكفر (30 مرة) وكفرة (18 مرة) والكافر (12 مرة) ومشركون (6 مرات) والزنادقة (6 مرات) وشرك (5 مرات) ومشرك (5 مرات) غير ألفاظ أخرى كالقتل والزندقة والردة والمرتد والمرتدين...إلخ..غير أنه أحل دماء المعتزلة وقال بوجوب قتلهم في نفس الكتاب..

هذا الخط هو أخطر ما في التراث لأنه تكفيري صرف دعا إلى قتل الآخرين بكل وحشية، بعد أن حكموا على الجميع بالزندقة، ولم يراعوا الآداب العلمية في نقل آراء المخالفين، وتعصبوا كثيرا ضد الآخر تعصبا أفقدهم الحيدة والموضوعية..

التلزم السلفيون بهذا الخط التكفيري كونه جاء (رد فعل) على قوة القرامطة والشيعة في عصر الغزالي، وهم الآن بأعينهم يرون قوة العلمانية والشيعة والمسيحية وغيرها أيضا،فالحاجة أصبحت ملحة للرد والشيطنة كي لا يفتتن بهم العوام حسب زعمهم..بينما خط ابن حزم والشهرستاني لم يكن رد فعل..بل كان (انفتاح وتطلع) تأثر به الفقهاء في الأندلس وبلاد فارس وقتها..

هذا الخط السلفي هو الشائع الآن عن الفرق، ويخطبونه على المنابر اختصاره: أن كل الفرق كافرة في النار مصداقا لحديث الفرقة الناجية المزعوم، وعلى نفس التيار سار خطباء الأزهر حتى باتت منابر المسلمين الآن عبارة عن قوى حشد تكفيرية تؤدي دور سلبي جدا في زعزعة واستقرار المجتمعات..ولو لم ينتبه الحكام والشعوب لخطورة المنابر الآن ستتكرر مآسي العراق وسوريا واليمن وليبيا من جديد..وتظهر داعش والإخوان بأشكال جديدة..
اجمالي القراءات 8033