عشرون سببا وراء فشل الثورة السورية

سامح عسكر في الثلاثاء ٠٧ - فبراير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا: أنهم طالبوا بما لا طاقة لهم به وهو مطلب.."إسقاط النظام"..انخدعوا كثيرا بموجة المد الثوري في دول الجوار وظنوا أنها تنطبق على الحالة السورية..فالواقع كان يشهد مظاهرات ضخمة مؤيدة للأسد تغاضوا عنها وأصروا أنهم أغلبية..

ثانيا: رفعوا أيدلوجياتهم ومذاهبهم كشعارات ثورية بعيداً عن المطالب الحقوقية المجمع عليها ، فبدلاً من أن يرفعوا شعارات العدل والمساواة رفعوا شعارات الموت للشيعة والنصيرية..هم لديهم تبرير لذلك وهو أن رفع هذه الشعارات الطائفية جاء بعد تدخل تلك الطوائف ضدهم..وهو عذر أقبح من ذنب..إذا كنت حضرتك فشلت في إقناع طوائف كاملة بثورتك هذا يعني خوفهم منك وطريقتك في إبداء المطالب..

ثالثا: طائفية الثوار دفعت الأقليات الدينية جميعها للخوف والتمترس خلف النظام والاحتماء بالجيش السوري، وهو ما حدث بسرعة حتى أصبحت مناطق ونفوذ الأقليات الدينية قواعد انطلاق ضد المتظاهرين، وخطأ الثوار هنا أنهم اعتبروا هذا التمترس حرب دينية فانساقوا وراء هذا الاعتبار وأعلنوا عن مواجهة مذهبية صريحة..

رابعا: المتطرف منهم لم يفرق بين شيعي وسني، فاستهدف بقنابله ونيرانه كل شعوب السنة المؤيدة للأسد، وظنوا أن دعم مؤسسة الأوقاف الصوفية ودار الإفتاء الأشعرية للنظام وراءها بُعد مذهبي..فاشتدت معارضة الثوار من الداخل وانشقوا لعشرات الفرق كلها تختلف حول كيفية التعامل مع السنة بالخصوص..

خامسا: رحّبوا بكل أجنبي غير سوري بين صفوفهم، بعد أن أقنعهم الشيوخ أن الثورة هي (قضية إسلامية)

سادسا: كان من نتيجة دخول الأجانب سوريا إنشاء جماعات وكتائب أجنبية صرفة ككتائب الشيشان والصينيين والأوزبك والتركمان، وأصبحت هذه الكتائب بمرور الوقت هي النواة الأولى للقاعدة ثم داعش..وهو خطأ مضاعف لأنهم شاهدوا صعود قوة الأجانب أمام أعينهم وسكتوا..

سابعا: قادة الثورة أخطأوا في حساب قوة الأجانب وأشاعوا أنهم قلة قليلة يسهل التغلب عليها، لكن بعد أول معركة بين الجيش الحر وجبهة النصرة وداعش ظهر الفارق وأن قوة الأجانب كبيرة، فالثوار حتى لم يُحسنوا طريقة التعامل مع أنفسهم ومع الأجانب وفضّلوا منطق الصراع بدلاً من الحوار..

ثامنا: استغل النظام السوري دخول الأجانب في الترويج لتطرف المتظاهرين ، ونجح في إقناع روسيا والصين أنه يحارب (إرهابيين) بعد أن شكّت روسيا في البداية..لكن تأكدت بعد عدة زيارات ميدانية لقادة عسكريين ومفكرين روس..بينما على الجانب الآخر كان الثوار منغمسين في صراعاتهم الحزبية والأيدلوجية، والواجب عليهم فور علمهم بقدوم روسيا أن يكونوا في طليعة المستقبلين لشرح الأوضاع..لا تأكيد نفس الصورة التي أشاعها الأسد عنهم..

تاسعا: أخطأ الثوار خطأ العُمر بطلبهم تدخل حلف الناتو لضرب الأسد والجيش السوري، فلم يدركوا حسابات وتعقيدات القضية وقتها..فتم استغلال ذلك من الآلة الإعلامية المؤيدة للنظام واتهموا المتظاهرين بالخيانة..وانشق المتظاهرون حول جدوى وطبيعة هذا المطلب..وكان ثاني انشقاق بين الثوار بعد دخول الأجانب..والسبب أن فئة كبيرة من الثوار تتبنى الخط الجهادي للشيخ أسامة بن لادن، وهو تيار معادي للغرب بشكل عام..

عاشرا: أخطأوا مرة ثانية حين سمحوا لجرحاهم بالعلاج في إسرائيل، وتأييد الضربات الصهيونية للجيش السوري بين حينة وأخرى..كل ذلك خلق قناعة سورية بعبثية الثورة وأنها ليست إصلاحية..بل بعيدة كل البعد عن مصلحة الوطن..

حادي عشر: بعد ظهور جبهة النصرة وداعش لم يفطن الثوار لحجم وخطورة هذا الظهور ، بل أشاعوا أن ظهورهم كان مؤامرة من النظام لتشويه الثورة، وتناسوا أن أغلبية عناصر داعش والقاعدة كانوا إخوانهم في الميدان، فأخطأوا تشخيص المرض حتى استفحل وسيطر الإرهابيون على كل قواعد الثورة في المحافظات واختفت تدريجيا مطالب الإصلاح ليتم استبدالها بمطالب حربية مذهبية بتمكين أهل السنة والسلفيين من الشأن العام..

ثاني عشر: كان سبب رئيسي لتمكن الإرهابيين من الثورة وطرد وتهميش كل الأجنحة المعتدلة هو تدخل دول الخليج وعلى رأسها السعودية بإعلامها الديني..فأصبحت قنوات صفا ووصال الطائفيتين إضافة لقنوات السلفية والإخوان هي الموجه الأول للثوار، وهو توجيه اعتمد بشكل رئيسي على تشكيل (دولة الإسلام) خصوصا في المناطق المحررة..وخطيئة الثوار الكبرى في هذا الشأن أنهم لم يراعوا تكتيكات الخصم في تصوير ثورتهم بنفس بشاعة وقُبح الإرهابيين المؤدلجين من السعودية..

ثالث عشر: بعد تمدد داعش والنصرة وسيطرتهم على مدن ومحافظات كبرى بدأوا فورا في تطبيق الشريعة الإسلامية، وهو تطبيق يعتمد في أسلوبه على القتل والذبح ولغة الدم..وبعمليات داعش في أوروبا تم الربط بين مشاهد القتل الثورية وبين الإرهاب في أوروبا ..هنا فقط بدأ الوعي العالمي يتزايد بخطر ما يحدث في سوريا..

رابع عشر: أخطأ الثوار في تقدير حسابات روسيا من المعركة، فهم كانوا على يقين بأن الروس لن يتدخلوا عسكريا خشية الغرب، واعتقدوا أن روسيا ستكتفي بإمداد الأسد بالسلاح، وهو تقدير اعتمد على حسابات خليجية وليست أوروبية، فالغرب كان مقتنع أن بوتين سيتدخل لذلك لم يتورط في معارك ضد الأسد، وفضّل أن تكون معركته منسجمة مع الشعور الدولي بمكافحة الإرهاب..أما دول الخليج ففشلت في قراءة الموقف الروسي وظنوه مشابه للموقف الإيراني بالتدخل السري عبر مستشارين وقادة عسكريين فقط..

خامس عشر: أخطأ الثوار مرة أخرى بتصوير التدخل الروسي على أنه (تدخل ديني) فأشاعوا مفاهيم وألفاظ طائفية ضد الأرثوذكس والمسيحيين بالعموم، وهي إشاعة أفقدتهم ما تبقى من التعاطف الأوربي.

سادس عشر: أخطأوا في تقدير الموقف الإيراني وكانوا على يقين بأن إيران ستكتفي فقط بقادة ومستشارين وليس بمقاتلين من الحرس الثوري، إضافة لتجنيد إيران كتائب عراقية وأفغانية وباكستانية شيعية للحرب مع الأسد..وهو ما حدث فعلا وبسببه تحولت المعركة لصالح الجيش السوري في أكثر من جبهة، وفي تقديري أن هذا التحول بدأ منذ معركة القصير ثم يبرود، فهم كثوار لم يكونوا على دراية بنفوذ إيران في أفغانستان وباكستان ، فإيران هي التي ساعدت كرزاي في تدريب الشرطة الأفغانية، وأقامت علاقات تجارية معه وإنشاء العديد من البنى التحتية، أما باكستان فالقادة هناك يرون إيران (أخ أكبر) وشقيق لا غنى عنه لعوامل مشتركة كالعرق الآري، وإيران كما وصفها نواز شريف هي الوطن الثاني له..

سابع عشر: فشل الثوار في توحيد أنفسهم على بنية فكرية ومطالب سياسية واحدة..وهو فشل يعود بالأساس لسيطرة المتطرفين على حساب المعتدلين، يوجد جناح علماني في الثورة تم استئصاله وتهميشه منذ تدخل السعودية، وترافق هذا الاستئصال مع صعود داعش والنصرة كممثلين طبيعيين لروح الثورة..

ثامن عشر: فشل الثوار في التوحد حتى تحت جناح (العقيدة الوهابية) فانشقوا إلى عشرات ومئات الجيوش والفرق، وهو فشل يعود إلى عجز هؤلاء الثقافي وجهلهم بالمنتوج الفكري للوهابية، فهو منتوج يقوم على الإقصاء والرفض والكراهية ولا يجيد صناعة الأصدقاء أكثر من الأعداء..وفي تقديري أنهم لو توحدوا ضمن جناح واحد لفازوا بتشكيل جيش قوي مسيطر على مساحات شاسعة ولأجبر الأسد على الانصياع.

تاسع عشر: عدم وجود برنامج للثورة يضمن بقاء سوريا موحدة أو يضمن حتى ممتلكات وحياة المخالفين، فهذا البرنامج هو الضامن لنقاء الخط الثوري وعدم انحرافه لأهواء شخصية أو حزبية، وفي تقديري أن عدم وجود البرنامج ظهر جليا بقرار عسكرة الثورة ، فلم يكن لإنسان مفكر أن يسلك سلوك العنف إلا فراغه النفسي وقصوره الإدراكي عن أي نتائج..

عشرون وأخيرا: لم يعتبر الثوار من التجارب الثورية المجاورة خصوصا في ليبيا، فالنموذج الليبي كان سريع الوضوح واتضحت معالمه بانقسام الدولة ووقوعها فريسة لأهواء المشايخ وأمراء الحرب، علاوة على النموذج العراقي وكيفية تصور صراع مذهبي على أرضية واقعية وليست خيالية مُفعمة بحواديت التراث..

اجمالي القراءات 15890