استوقفنى رد الاخ الفاضل الدكتور حسن احمد عمر فى احدى مقالاتى عما رأيته فى رحلتى الى الوطن ، والذى سالنى فيه الدواء بعدما حددت الداء. ولكن ما قلته لم يكن الداء كله ، وهذا مراده انه يجب وضع اليد على الداء مع وجوب معرفة مصدر الداء ، فان سعينا للقضاء على الداء دون نبذ المصدر والقضاء عليه سيعود الداء ، وسيعود اقوى عما كان عليه مجهز بمناعة ضد الدواء ، فتصير الامور معقدة ، خاصة واننا فى امة برعت فى التآلف مع الداء لقرون وقلما يبحثون عن الدواء ، فنحن امة من السهل ابتلاعها والضرب ع&aacacute;ى ظهورها غير انه من الصعب ان تقاوم تلك الامة وتقف امام المصائب ، نحن امة يسهل يسهل تخديرها وتغييب عقلها ، ومن الصعب عليها ان تفيق وتتفكر .
لقد اسلمت تلك الامة ارجلها كى تجذب "بضم التاء" من خلاف وتنزلق الى زحام على عيونها واذانها وفروجها ، هذا الزحام يريد السيطرة على عقولها التى باتت فاترة وعلى آذانها التى امست صماء لا تسمع الا لكل من سفه . تلك الامة التى وارت جهلها خلف افكار عقيمة وسقيمة ، وظلت تتناحر بهذا الجهل على جبهات متمثلة فى حكومة ومعارضة واخوان وصحف هوجاء تقرع الطبول "فى الزفة" وقنوات فضائية اصبحت مساحة واسعة وخصبة لدعاة العصر حتى اصبح لكل مواطن عربى عشرون داعية ،و اصبحت "الصياعة" هى منبع الثراء الفكرى لتلك المجتمعات حتى اصبحت هناك عبارات تلازمنا فى حياتنا واصبحت جزءا من الواقع الذى نعيشه خاصة "بالصياعة" ، وبين يديك اخى الفاضل بعض العبارات التى اكاد اجزم انك الفتها كما يالفها الاخرون وكما االفها انا قبل الاخرون والتى تؤكد مبدا التقدم عن طريق الصياعة "انت هتصيع علية" "ده راجل صايع وماحدش يعرف يصيع عليه" "الصياعة ادب مش .... " . ومن باب استغلال "الصياعة" الاستغلال الامثل اصبحنا تحت رحمة دعاة "صيع" وحكومة "صايعة" واخوان "اصيع من الصياعة" ومعارضات "تصيع وماتقولش لأ" ، والكل يتكلم ولا احد يستمع ، فالمكلمة اصبحت فن من فنون الحياة فى امتنا ، والرذيلة اصبحت شئ سامى ولها مروجوها ، فلا بات مؤمن يؤرق مضجعه من الذنب ولا بقى من الكرامة شيئا يكفى للبكاءعليه ، وفى الوقت الذى كان من المفترض فيه ان تسمو اخلاق قوم كثر فيهم الدعاة اصبحت الاخلاق على الجانب الاخر اخباث وارذال ، وباتت خفة الدم والااستظراف وقلة العقل من صغير الامة الى كبيرها هى سمة ، تجعل من يفكر فى الدواء ناقم على نعمة العقل ، فالراحة فيها هى ان تكون مثلهم بلا عقل يفكر كى لا تكره ما بقى فى حياتك من وقت . داء الامة يستطرد داخلها جزءا اخر ، فنذهب الى شباب عنده استطاعة ان يتناحر من اجل الساقطة والغانية او يقتل صاحبه على سيجارة محشوة ولكنه لا يستطيع ان يقول لا عندما يصح قولها ان جارت على كرامته ، فهم شباب المستقبل المجهزون للاستعباد ومسلحون بالجهل والرذيلة وتقبل الضرب على "القفا" ولا يتألمون ... تاخذهم العزة بالاثم ... الكل بات ناصحا ولا يقبل ان يكون منتصحا فهو فهيم "وصايع" ... والكل يعظ ويرفض الاتعاظ والكل يدبر ولا يتدبر ، مش كله عند العرب صابون؟
ان ما نحن فيه يا اخى الفاضل لهو سجن يحفه التخلف من كل جانب ويتهافت فيه منافقوا الامة على الاضواء كى يصبحوا دعاة وفنانون ومقنعون بما تشتهيه انفسهم ، والدواء يا صاحب السجن صعب فى امة اصبحت تهزأ بكل من يصنع الفلك باعينهم ، فنحن امة برعت فى التباكى على ما فات وفى نفس الوقت الاستهزاء و"الصياعة" ومبدأ العنجهية .. واذا استرسلت فى كلامى يا صاحب السجن وقلت لك انظر حولك فى محيط البيت العربى الذى نسكنه وبشرط ان تنظر وتتدبر بصدق والا تحاول ان ترقع عيوب الامة لان كلها رقع ، ستجد ان قاطنوا البيت ماهم الا محصلة نهائية لمجتمع مهلهل ومنحط فاسد الاركان والجنبات ينعق بما لا يسمع ولا يبصر ... مجتمع يرتضى ان يعيش ذليلا يتباكى على ما فات ، فكل فرد فى امتنا اصبح يتلذذ بالسفاهة والاستظراف "والتقفيش" على خلق الله والرذيلة المقننة ، حتى باتت لكل فرد شخصية صالحة للاستعمال الحكومى ... تفعل بها حكومتها ما شائت من ضرب على البطون والارجل والقفا دون ان يتالموا او ينبسوا ببنت شفاه ... فقد اعتدنا على الالم حتى اصبحنا لا نتألم ، ولقد اعتدنا على الفساد حتى اصبحنا لا نعى ما معنى الاصلاح ولا كنيته ولا من اى جهة يأتى .. ولقد اعتدنا الكذب والفسق والضلال حتى بات الحق كالراية الملوثة المنكسة فى ضمائرنا ... ولقد اعتدنا ان نستمع الى من يريد اثبات بطلان الاخر مصفقين مكائين متفننون فى التصدية ... فلقد اعتدنا السمع لهذا يبطل مبدأ ذلك دون ان ننيظر منه ان يثبت صحة مبدأه ...
الحقد اصبح فى امتنا شيئا اصيلا ان لم نجده لاخترعناه .. فالكل يتكاتف على الاختلاف والمخالفة والتغريد خارج السرب حتى اصبح سربنا سرابا ... وانا وانت يا صاحب السجن وكل فرد من افرادها كلنا متهمون بقتل تلك الامة فى مقتل ... وانا لا اخفى عليك انى لا استطيع فى بعض الوقت ان اضحك بشدة وعيناى دامعتان فى نفس الوقت من الحزن - متناقض حالى كحال كل فرد فى امتى - عندما نتابع بشغف كل قمة عربية راجين ان يلتفوا ويتحدوا ... اتعرف لماذا يا صاحبى؟ لاننا نفس الامة التى "تلعن سلسفين اللى جابوا" زعمائنا ونشتكى طوب الارض من ظلمهم وديكتاتوريتهم لنا ... كحال دستور "الوساخة" فى مصر .. والذى ظهر كل منا يبكى ويتباكى ويشتكى "ويشد فى شعره" انه لم يذهب للدستور لانه يرفض الدستور او انه ذهب وقال لا ... واجد هذا مدعاة للضحك والبكاء على شعب لا يريد من يحكمه وفى نفس الوقت يلفى بالرأى على دستور استخرعه نفس الحاكم ... وتقول لى الدواء ؟؟؟ اى دواء هذا الذى يستطيع ان يشفى امراض الدنيا والاخرة التى استوطنت فى عقولنا وضمائرنا وانفسنا واجسادنا واعيننا وآذاننا وفروجنا ... انظر الى العقول وقد اصابها الجهل والتغييب والسفاهة ... وانظر الى ضمائرنا وقد اصابها العطب واصبحت مؤهلة الى ان تكون "صفيحة زبالة" نشطة تستطيع ان تلقى فيها من نفايات الحياة ما تستطيع ... وانظر الى انفسنا وقد بات فجورها قوام على تقواها ففشلنا فى تزكيتها وفلن فى تدنيسها وتدسيها ... وانظر الى اجسادنا واصبحت "ببلاش" فى السجون والمعتقلات والمنفى والخمارات والكباريهات "وابو بلاش كتر منه" .... وانظر الى اعيننا التى باتت لا ترى الا كل قبيح لتجمله وكل مهلهل لتباركه ... وانظر الى اذاننا التى الفت للاستماع الى ما لا يحب ولا يرضى "بضم الياء فى الفعلين" ... وانظر الى فروجنا كلها وسادعك تتخيل ما تشاء ليتناسب وحجمها .
يا صاحب السجن عندما ذهبت الى وطنى وهو جزء من امتى وجدت شعبا كان يوما طيب الاعراق وقد سال دمه بين كل من لم يرحم حتى جهله وحاله الذى يرثى له ... واصبحت الجبهات كلها التى تتناحر على هذا الشعب الذى استكان للظلم وقبل "الضرب على القفا" وقد استبيح دمه وتفرق بينهم ... ولم تدهشنى المفاجأة قدر ما ادهشنى وادهسنى ما اكتشفته ... وهو ان ايدينا نحن الباكين على حال الوطن مشتركة فى نفس الجريمة وفى اثم الدم ... وكلنا مطالبون بالثأر للدم ولكننا توارينا وراء البرقع الذى ياليته برقع للحياء ... انما هو برقع الجبن والذى اشار لكل رعديد فينا وعرى ما بقى من الفضيحة ... فماتت الامة وافتقرت الى من يتقبل التعازى فيها ، وان وجد وهم قليلون من يتقبل التعازى فيها .. فلا يوجد من يقبل منهم التعازى ... فدمائها قد تفرقت بين كل الجبهات والملل المتناحرة ... تفرقت بين العدو والذى كان يوما صديقا ... تفرقت بين حاكم اهوج ومحكوم سفيه ...
لا يا صديقى لا استطيع ان احدد لك الدواء ... فان دائها عويص على اعتى الاطباء وانا لست بطبيبا ... فقد فرغت يداى من الكرامة وقد فرطت فيها وتركتها مثلى كمثل اى مهاجر سواء ان كان شرعيا او غير شرعى يلوذ بجلده كالجبان يستبيح على نفسه ان يموت كالفأر فى البحار دون ان يموت فى سبيل تلك الامة وان يخلصها من عارها وان يزيل ما اتاه هو بنفسه بسكوته عن الحق وتسليم "قفاه" الا ما لا يحبه ولا يرضاه الى ان احبه وارضاه بعد مرور الوقت ... لقد مات نوح يا صديقى ولم يعد هناك اى نوح يقوى على المشى فى سكة الندامة ... لم يعد هناك مكان لنوح فى امة بات الكاذب فيها عالى الصوت وبات الجبان فيها هو تابلوه الامة وصورتها المشرفة ... لا مكان لنوح فى امة علا فيها صوت الغربان كما قال احد كتاب هذا الزمان الباكون على حال امة و الذين تجاهلتهم الاعين لان الاعين ليس لها الان الا النظر الى كل ماهو مقيت ...
وان صادفك الحظ ووجدت نوحا فى تلك الامة فخذ بيدى معك او اذكرنى عنده او حتى دلنى عليه ان كنت تخاف على رغيف العيش والعيال ... وانا ساذهب اليه بدلا من بكاءى ومكاءى ...فانا قد رميت طوبة رغيف العيش منذ ان اكتشفت ان بحثى عنه لم يدع لى ذنبا الى وقد قلب على ضميرى المواجع فى اننى جبان من جبناء تلك الامة ... فانا كتب على ان اكون ملعونا صاحب عقل يفكر فى حال الامة ... فى زمن اصبح فيه من بلا عقل فى راحة!!