كتاب : نشأة أديان المسلمين الأرضية
الباب الأول : الأرضية التاريخية لنشأة الأديان الأرضية للمحمديين
الفصل الأول : ماهية الاسلام وتاريخه وتطبيقه حتى عهد النبى محمد
ماهية الاسلام
مفهوم الاسلام والايمان.
أ ـ ان الايمان في اللغة العربية وفي مصطلحات القرآن له استعمالان :
"آمن بـ"أي اعتقد في ، و"آمن لـ"أي وثق و اطمئن:
1ـ آمن ب" أي اعتقد ،مثل قوله تعالي (آمن الرسول بما انزل اليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين احد من رسله( 2 /285) وآمن بـ بمعني اعتقد بالإيمان القلبي الباطني.
وفي العقيدة أو التعامل مع الله تعالي يختلف الناس حتي في داخل المذهب الواحد والدين الواحد. والقرآن يؤكد علي تأجيل الحكم علي الناس في اختلافاتهم العقيدية الي يوم القيامة والي الله تعالي وحده (2/ 113)(3/ 55) (10/ 93،) (16 / 124) (5/ 48 ) (39/ 3،7،46).
2- :( آمن لـ) هو الاستعمال الاخر فى التعامل مع الناس ، أي وثق واطمأن واصبح مأمون الجانب يطمئن له الناس ويثقون فيه ،وتكرر هذا المعني في القرآن خصوصا في القصص القرآني ،ففي قصة نوح قال له المستكبرون (انؤمن لك واتبعك الارذلون ) (ا26 / 111)أي كيف نثق فيك ونطمئن لك وقد اتبعك الرعاع، وتكرر ذلك المعني عن (آمن لـ )في قصة ابراهيم (29 / 26)وقصة يوسف (1712 /)وقصة موسي (44 / 21) (23 / 47)وفي حديث القرآن عن احوال النبي محمد في المدينة ( 3 /73 )( 2 / 75 )ومواضع اخرى كثيرة .
والايمان بمعني الأمن والامان والثقة والاطمئان هو بالطبع حسب السلوك أو التعامل مع الظاهر ،فكل من تأمنه وتثق فيه ويكون مأمون الجانب هو انسان مؤمن في مصطلحات القرآن ،اما عقيدته ـ ان كانت بوذية او مسيحية او يهودية او اسلامية ـ فهذا شـأنه الخاص بعلاقته مع ربه .والله تعالي هو الذي سيحكم عليك وعليه وعلي الجميع يوم القيامة .
والقرآن يؤكد علي تأجيل الحكم علي الناس في اختلافاتهم العقيدية الي يوم القيامة والي الله تعالي وحده (2/ 113)(3/ 55) (10/ 93،) (16 / 124) (5/ 48 ) (39/ 3،7،46).
(3) وقد جاء الاستعمالان معا لكلمة الايمان في قوله تعالي عن النبي محمد (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين :9 / 61)أي يؤمن بالله اى يعتقد فيه وحده الاها ،ويؤمن للمؤمنين أي يثق فيهم ويطمئن لهم .
والخلاصة ان الايمان في القرآن الكريم هو الامن في السلوك البشرى وفى التعامل مع الناس ،وكل انسان يامنه الناس ويثقون فيه يكون مؤمنا .ومعناه العقيدى أى في التعامل مع الله تعالي هو الايمان به وحده الاها لا شريك له , هو وحده الشفيع والولى والنصير والوكيل والمستحق وحده بالعبادة والتقديس ،والحكم علي هذا الاعتقاد الذي يختلف فيه الناس- مرجعه لله تعالي وحده يوم القيامة -والمهم ان يتعامل الناس فيما بينهم بالثقة والامن والامان …والسلام ..أي ان الايمان في الاسلام هو قرين السلام في التعامل مع الناس .
ب- مفهوم الاسلام يشبه مفهوم الايمان في القرآن.
الاسلام هو السلام بالمعني السلوكى أو الظاهري في التعامل مع الناس.
والاسلام هو الاستسلام لله تعالى بطاعة أوامره بالمعني الاعتقادي في التعامل مع الله تعالى .
1-الاسلام في معناه القلبي الاعتقادي هو التسليم والانقياد لله تعالي وحده . والاسلام بهذ المعني نزل في كل الرسالات السماوية علي جميع الانبياء وبكل اللغات القديمة ،الي ان نزل اخيرا باللغة العربية ،وصار ينطق بكلمة "الاسلام"التي تعني الاعتقاد والتسليم والانقياد والطاعة المطلقة لله تعالى وحده (الانعام 161:163)فالاسلام في الاعتقاد هو الخضوع لله تعالي بكل اللغات وفي كل زمان ومكان وفي كل الرسالات السماوية , الا انه عندنا وللاسف قد تحول الى وصف باللغة العربية لقوم معينين في عصور معينة .
وليس لأحد من البشر ان يحكم علي انسان بشأن عقيدته ،والا كان مدعيا للالوهية.
والقرآن يؤكد علي تأجيل الحكم علي الناس في اختلافاتهم العقيدية الي يوم القيامة والي الله تعالي وحده (2/ 113)(3/ 55) (10/ 93،) (16 / 124) (5/ 48 ) (39/ 3،7،46).
هذا هو معني الاسلام الباطني القلبي الاعتقادي ، هو فى التعامل مع اللة تعالي استسلام وخضوع له بلغة القلوب ،وهي لغة عالمية يتفق فيها البشر جميعا، وعلي اساسها سيكون حسابهم جميعا امام الله تعالي يوم القيامة.
(2) اما الاسلام في التعامل الظاهري فهو السلم والسلام بين البشر مهما اختلفت عقائدهم يقول تعالي (يا ايها الذين أمنوا ادخلوا في السلم كافة )البقرة 208 .أي يأمرهم الله تعالي بايثار السلم .
ونتذكر هنا تحية الاسلام الا وهي السلام وان السلام من اسماء الله تعالي، كل ذلك مما يعبر عن تأكيد الاسلام علي وجهه السلمي ويؤكد المعني السابق للايمان بمعني الامن والامان .
(3) والانسان الذي يحقق الايمان السلوكى في تعامله مع الناس فيكون مأمون الجانب لا يعتدي علي احد ويحقق الايمان العقيدى في تعامله مع الله تعالى فلا يؤمن في قلبه الا بالله تعالي وحده الاها، هذا الانسان سيكون مستحقا للامن عند الله يوم القيامة .
ونفس الحال فى الانسان الذي يحقق الاسلام السلوكى في تعامله مع الناس فيكون مسالما لا يعتدي علي احد ،ويحقق الاسلام العقيدى في تعامله مع الله تعالى فيسلم قلبه وجوارحه لله تعالي وحده ،هذا الانسان يكون مستحقا للسلام عند الله تعالي يوم القيامة ،وفي ذلك يقرر الله تعالى إن المؤمنين الذين لا يظلمون أحدا من الناس جزاؤهم الأمن (6 / 82)أي ان الذين آمنوا بالله في عقيدتهم وآمن الناس لهم واطمئنوا اليهم لأنهم لم يظلموا احدا ،لهم الامن في الاخرة لأن الجزاء من جنس العمل .
لذلك فان الله تعالي يعدهم بالسلام و الامن فى الجنة (15 / 46) والجنة هى دار السلام (6 / 127) والسلام هو تحية أهل الجنة ( 13 / 24 ) ( 10 /10 ) ( 36 / 58 ) وحين يكون الناس فى فزع يوم القيامة فإن المؤمنين فقط سيتمتعون بالأمن ( 21 / 103 ) ( 27 / 89 ، 87 )
أي ان السلام والامان في التعامل مع البشر +الاستسلام لله والايمان بالله وحده وطاعته وحده =السلام والامان في الجنة . وفى المقابل فإن الاعتداء والظلم لله تعالي والناس = الجحيم.
مفهوم الكفر والشرك فى القرآن الكريم
1 ـ الكفر و الشرك سواء, هما قرينان فى مصطلح القرآن لذلك يأتيان مترادفين فى النسق القرآنى. ( 9 / 1 ، 2 ، 17 ) ( 40 /42 )
2 ـ الكفر فى الغة العربية يعنى التغطية, أى كفر بمعنى غطى , ومثلها أيضا " غفر" ومنه المغفر الذى يغطى الوجه فى الحرب. وكلمة "كفر" أى غطى انتقلت الى لغات أخرى منها الأنجليزية : [Cover]. الا ان الله تعالى وصف المزارعين بالكفار, فالزارع كان يطلق عليه فى اللغة العربية "كافر" لأنه " يكفر الزرع " اى يغطيه بالتراب والماء لينمو. وجاء هذا المعنى فى القرآن الكريم ( 57 / 20 ).
لقد خلق الله تعالى البشر بفطرة نقية لا تعرف تقديسا الا لله تعالى ولا تعرف غيره جل وعلا ربا والاها و معبودا ووليا وشفيعا ونصيرا ( 30 / 30 ). ثم تأتى البيئة الأجتماعية وموروثاتها الدينية فتغطى تلك الفطرة النقية بالاعتقاد فى آلهة وأولياء و شفعاء ينسبونهم الى الله تعالى زورا , ويزعمون أنها تقربهم الى الله تعالي زلفا أو أنها واسطة تشفع لديه. ذلك الغطاء او تلك التغطية هى الكفر بالمعنى الدينى . و فى نفس الوقت فان ذلك هو أيضا شرك لأنه حول الألوهية الى شركة وجعل لله تعالى شركاء فى ملكه ودينه.
وفى الواقع فان فى داخل الكفر والشرك بعض الأيمان حيث يؤِِِمنون بالله ايمانا ناقصا اذ يجعلون معه شركاء فى التقديس , أو يأخذون من مساحة التقديس ـ التى ينبغى أن تكون لله تعالى خالصة ـ ويعطونها لمن لا يستحقها من البشر و الحجر. وبهذا يجتمع ذلك الايمان ـ الناقص ـ بالله تعالى مع الايمان بغيره أي بتأليه البشر و الحجر , ووصف الله تعالى أن أكثرية البشر لا تؤمن بالله إلا أذا آمنت معه بغيره ، وهذا هو حال المشركين ، ( 12 / 106 )
أى أن الشرك يعنى وجود إيمان بالله لكنه إيمان ناقص حيث يؤمن بالله تعالى ويؤمن أيضا بوجود آلهة أخرى معه. وهذا الايمان الناقص فى عقيدة الشرك سيؤدى بأصحابه الى النار يوم القيامة ، وسيقال لهم وقتها أنهم كانوا إذا قيل لهم فى الدنيا آمنوا بالله وحده رفضوا ولم يؤمنوا بالله إلا إذا جعلوا معه شريكا وحولوا الالوهية الى شركة بين الله تعالى وغيره ( 40 / 12 )
والله تعالى لا يأبه بذلك الايمان القليل لأنه " كفر" أى غطى الفطرة بتقديس غير الله . والفطرة كما جاء فى القرآن الكريم تجعل الالوهية لله وحده . وقد لعن الله تعالى الكافرين بسبب إيمانهم القليل بالله ( 4 / 46.) وأكد أن أيمان الكافرين القليل لن ينفعهم يوم القيامة ( 32 /29 ).
وبعضهم يرى أن الكفر هو الالحاد أى الانكار التام لوجود الخالق جل و علا , وان الشرك هو الاعتقاد فى آلهة واولياء مع الله, فالشرك عندهم يختلف عن الكفر .
و نقول بالاضافة لما سبق ان الله تعالى ذكر فرعون نموذجا لاكثر البشر كفرا والحادا؛ بلغ به الحاده الى ادعاء واعلان الربوبية العليا، ووصل به تحديه لله تعالى أن يتساءل ساخرا عن الله تعالى منكرا وجوده لأنه ما علم الاها للمصريين سواه ـ يقصد نفسه.( 79/ :23 : 24) ( 28 /38) (40 / 36 ـ37).
هذا الملحد الأكبر كان فى داخله يؤمن بآلهته الفرعونية , بل و يؤِِمن بأن لله تعالى ملائكة (43/ 53) (7 / 127)" ولكنه انخدع بالملك والسلطان والتراث الدينى الذى يزكى طغيانه والكهنة والجند يؤازرونه فازداد طغيانا وتحدى رب العزة جل وعلا. وحين زال عنه سلطانه وجنده وكهنته وكهنوته و أدركه الغرق انكشف غطاء الوهم ورجع سريعا الى فطرته التى غطتها موروثات الشرك ,واعلن اسلامه فى الوقت الضائع حيث لا يجدى الندم ولا التوبة( 10 / 90 ـ ) و أصبح مثلا فى القرآن الكريم لكل مستبد يصل به استبداده الى الالحاد والتأله. ومع ذلك قل من يعتبر من أغلبية المسلمين من الراعى والرعية والرعاع.
ان اعتى الملحدين فى عصرنا لا يستطيع الغاء الفطرة فى داخله, ومهما اعلن انكاره لله جل وعلا فانه عندما يتعرض للمرض أو الغرق أو المصائب يرجع ذليلا لربه جل و علا. وقد يعود الى عتوه بعد زوال المحنة ( 10 / 22 ـ 9) ( 39 / 8 ، 49 ) ( 17 / 67 ـ ) . و قد يظل في غيه الى لحظة الاحتضار . وهنا يصبح اسيرا بين يدى خالقه يصرخ حيث لا يسمعه البشر من حوله وحيث لا ينفع الندم ولا تجدى التوبة. وحديث القرآن عن هذا الغيب وغيره يطول ـ وما أروعه ـ ولكن ليس هنا محله.
3 ـ وفى كل الأحوال فان الشرك والكفر يعنيان معا الظلم والاعتداء.
وقد وصف الله تعالى الشرك بالله بأنه ظلم عظيم (13 / 31) فأعظم الظلم أن تظلم الخالق جل وعلا وتتخذ الاها معه ، وهو خالقك ورازقك . وهذا طبعا فى العقيدة والتعامل مع الله.
أما فى التعامل مع البشر فإذا تطرف أحدهم فى ظلم الناس بالقتل والقهر والاستبداد ومصادرة الحقوق الأساسية للانسان فى المعتقد والفكر ، أصبح هذا الظالم مشركا كافرا بسلوكه،وتصرفه وتعامله الظالم مع الناس ، ولا شأن لنا بما فى قلبه أو بعقيدته التى يتمسح بها أو يعلنها. نحن هنا نحكم فقط على جرائمه الظاهرة من قتل للابرياء واعتداء على الآمنين وقهر للمظلومين . أما عقيدته وعقائدنا فمرجع الحكم فيها فالى الله تعالى يوم القيامة.
والقرآن يؤكد علي تأجيل الحكم علي الناس في اختلافاتهم العقيدية الي يوم القيامة والي الله تعالي وحده (2/ 113)(3/ 55) (10/ 93،) (16 / 124) (5/ 48 ) (39/ 3،7،46).
4 ـ وعليه فكما للاسلام والايمان معنيان (الايمان بالله وحده الاها والانقياد والاستسلام لله وحده) حسب العقيدة القلبية فىالتعامل مع الله، و( الأمن والثقة والسلام )فى التعامل مع كل الناس ، فان النقيض لهما وهما الشرك والكفر يعنيان معا الظلم والاعتداء. الظلم لله تعالى والاعتداء على ذاته بالاعتقاد فى آلهة أخرى معه ، وتقديس غيره ( فيما يخص العقيدة ) والظلم والاعتداء على البشر بالقتل للابرياء وسلب حقوقهم وقهرهم.
وبينما يكون لله تعالى وحده الحكم على اختلافات البشر فى أمور العقيدة ـ من اعتقاد فيه وحده أوبالعكس مثل إتخاذ أولياء وآلهة معه أو نسبة الابن والزوجة له ـ فإنه يظل من حق البشر الحكم على سلوكيات الأفراد وتصرفاتهم ، إن خيرا وإن شرا. إن كانت سلاما وأمنا فهو مؤمن مسلم ، وإن كانت ظلما وبغيا فهو مشرك كافر بسلوكه فقط. هنا يكون سهلا تحديدنا المسلم بأنه الذى سلم الناس من أذاه ، والمشرك الكافر هو المجرم الارهابى والمستبد الظالم الذى يقهر شعبه ، او الطاغية ، من الطغيان ، وهو أفظع الظلم ، والبغى وهو الظلم الذى يجاوز الحد ويعتدى على الآخرين ظلما وعدوانا.
5 ـ لقد ارتبط الكفر والشرك فى القرآن الكريم بوصف الظلم. وتكرر وصف الظلم فى القرآن الكريم نحو مأتى مرة ، منها على سيبيل المثال:
(2:254) (31:13) (2: 165) (4: 75 & 168) (6: 45) (10:13 &52) (11: 37& 67& &94& 102 & 116) (14: 44 & 45) (21:13) (29: 49);
كما ربط الله تعالى بين الكفر والشرك ومصطلح الاعتداء فى مواضع كثيرة ، منها :(9:10) (50: 25) (68: 12) (83: 12)
4:154) (7:163) (2:229) (4: 14) (65:1) (5: 94& 87) (23: 7)).
وقد حرّم الله تعالى البغى ( 7 / 33 ) ( 16 / 90 ) ووصف كبار المشركين بالبغى والطغيان ( 28 / 76 ) ( 20 / 24 ) ( 53 / 52 ).
6 ـ الطاغوت أعتى الكفر والشرك والظلم
يمكن للقارىء أن يتأكد من هذا إذا راجع كلمة الطاغوت وسياقها القرآنى فى ( 2 / 256 ـ ) ( 4 / 51 ، 60 ، 76 ) ( 5 / 60 ) ( 16 / 36 ) ( 39 / 17 ).
هناك مجرم عادى يقتل الأبرياء كل يوم دون مبرر دينى، وهناك مستبد علمانى يقهر شعبه تحت شعار الوطنية أو القومية دون أن يتمسح بالدين أو أن يحمل إسم الله تعالى. هذا القاتل الظالم وذلك المستبد العلمانى يوصفان بالكفر والشرك حسب إجرامهما السلوكى.
ولكن بعضهم يبرر ويسوغ ظلمه للبشر واعتداءه عليهم بتفسيرات دينية وأقاويل ينسبها لله تعالى ورسوله ، ويجعل ذلك سفك الدماء وغزو المسالمين جهادا وفريضة دينية ، كما فعل المسلمون فيما يسمى بالفتوحات الاسلامية وكما يفعل حاليا الارهابيون الذين يزعمون أن إجرامهم الارهابى جهادا . هنا يكون ظلمهم لله تعالى وللناس مضاعفا. هنا يمتد طغيانهم ليشمل الله تعالى ودينه ووحيه و الناس أيضا. هذه الحالة من الطغيان المركب والمضاعف يسميه القرآن الكريم : ( الطاغوت ) اى الافك والتزييف المسىء المنسوب ظلما وعدوانا لله تعالى والذى يتمسح بدينه بالكذب والبهتان.
وفى مصطلح القرآن فإن الطاغوت هو إمام المشركين الظالمين وهو الذى اليه يرجعون وبه يتمسكون. وإذا تدبرنا السياق القرآنى الذى وردت فيه كلمة الطاغوت فى القرآن وجدناها تنطبق فى عصرنا على ما يسمى بالأحاديث المنسوبة للنبى محمد ، والتى تعرف بالسنة النبوية ،وعلى الفقه والفتاوى التى تجعل القتل جهادا والتى تقنع الشباب بالانتحار ليقتل المدنيين عشوائيا. هذا هو التشريع الدينى الذى يحول أبشع الظلم الى عبادة ، ويجعل القتل العشوائى للمدنيين والأطفال والنساء والشيوخ جهادا أمر الله تعالى به. لا يوجد طغيان وبغى أفظع من هذا. ولأنه أفظع ظلم يقع على الله تعالى ودينه ورسوله وكتابه فقد إستعمل القرآن له وصف المبالغة فى الطغيان فجعله طاغوتا.
وبهذا الطاغوت كانت تحكم الدول الدينية المذهبية باسم الاسلام وياسم المسيحية فى العصور الوسطى فى الشرق المسلم والغرب الأوربى المسيحى ، وتحت عباءة الطاغوت دارت الحروب الدينية والفتوحات باسم الاسلام وباسم المسيحية ، ودارت محاكم التفتيش والاضطهادات الدينية والمذهبية ، وجرى استرقاق الملايين وهتك أعراضهم بمقولة السبى ، وابيدت أمم فى أطراف العالم باسم دين الله تعالى .ثم تحررت منه أوربا ، وكان المسلمون على وشك التحرر منه فكريا وثقافيا بانتهاء الدولة العثمانية وسقوط خلافتها الطاغوتية لولا أن السعودية الوهابية أعادت نشر نفس الكهنوت ، وأسهم البترول والظروف السياسية فى القرن العشرين فى نشر هذا الطاغوت الوهابى ليسيطرعلى أفئدة المسلمين متقمصا زى الاسلام ، وهو أعدى أعداء الاسلام.
7 ـ والمحصلة النهائية لما سبق
أن كل إنسان مسالم فهو مسلم حسب الظاهر من سلوكه بغض النظر عن دينه ومعتقده ، سواء كان مؤمنا بالقرآن أو مسيحيا أو من بنى اسرائيل أو بوذيا أو ملحدا. وحسب سلوكه المسالم نتعامل معه بنفس السلم ونزوجه نساءنا ونتزوج من نسائه ، ويتمتع الأولاد بحريتهم فى إختيار ما يشاءون من عقيدة أو ملة. وطبقا لتشريعات القرآن فلكل بيوت العبادة حصانة سواء كانت كنائس أو أديرة أو بيوت عبادة لأصحاب التوراة أو أى بيت يذكر الناس فيه إسم الله كثيرا أو مساجد. ومن أجل الدفاع عن كل بيوت العبادة شرع الله تعالى الجهاد ( 22 / 40 )
2 ـ إن كل قاتل ظالم وكل مستبد يقهر شعبه فهو كافر مشرك ظالم باغ طاغ بغض النظر عن دينه الرسمى. فإذا سوغ قتله وظلمه بتفسيرات دينية نسبها لدين الله تعالى فقد أصبح طاغوتا ، يرتكب أفظع ظلم لله تعالى والبشر. وهذا ما كان يرتكبه قادة الكنائس الأوربية والمتحالفون معهم من الحكام ، وما كان يرتكبه الخلفاء فى الامبراطوريات العربية والاسلامية فى العصور الوسطى ، وما يفعله الآن حكام الدول الدينية فى السعودية وايران ، وما يرتكبه الثائرون عليهم من جماعات الارهاب مثل ابن لادن والظواهرى والزرقاوى . وهؤلاء يحرم الزواج منهم ويحرم تزويجهم .
وهذه قاعدة عامة تسرى على كل البشر، لأن الاسلام بهذا المعنى هو دين الله تعالى لكل البشر.
الإسلام هو دين الله لكل البشر
الجنة لكل مؤمن صالح من البشر
هناك آيتانفى القرآن : (2 /62) (5 / 69) تجعلان دخول الجنة متاحاً لكل إنسان إذا آمن بالله تعالى واليوم الآخر وعمل صالحاً سواء كان من الذين آمنوا بالقرآنأو من الذين هادوا والنصارى أى أتباع التوراة والانجيل أو من الصابئين أى الذين صبأوا أى خرجوا عن دين الأسلاف والمتوارث. والمعنى يشمل كل البشر من أصحاب الرسالات السماوية وغيرها، فالذى يؤمن بالله تعالى وباليوم الآخر ويعمل صالحاً من جميع البشر فهو من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
إن الله تعالي لا يهتم بما يطلقه البشر علي انفسهم من القاب وتقسيمات ، فالمهم هو الايمان الصحيح والعمل الصالح الناتج عنه. أي ان من يؤمن بالله واليوم الاخر ويعمل صالحا فهو عند الله قد ارتضي الاسلام أو الانقياد لله عز وجل، سواء كان من المسلمين او غيرهم في كل زمان او مكان او بكل لسان.إن الله تعالى ليس منحازاً إلى جنس من البشر أو إلى مذهب أو جيل أو عصر أو طائفة. ولكن أديان البشر الأرضية تجعل كل طائفة تستأثر بالله تعالى وتستأثر بالجنة من دون العالمين, ومن هنا يظلمون الله تعالى وينسبون له التحيز،وما الله تعالى بظلام للعبيد (3 /182) ( 8 /51 ) (22 /10,) (41 / 46) ( 50/29)
كل الرسالات السماوية تقول شيئاً واحداً
كل الرسالات السماوية من آدم إلى محمد عليهم السلام اختلفت لغاتها, وكانت كل رسالة تنطق بلغة القوم ولهجتهم, (14 / 4) ولكن مع اختلاف اللغات فى كل الرسالات إلا أن المضمون واحد هو التأكيد على الإيمان بالله تعالى وحده لا شريك له والإيمان باليوم الآخر والعمل الصالح. وبهذا نطق كل نبى باللغة التى يتفاهم بها مع قومه إلى أن نزلت الرسالة الخاتمة على النبى محمد خاتم النبيين تنطق باللغة العربية وتكرر فى القرآن العربى نفس ما قيل قبل ذلك فى الرسالات السماوية باللغات البشرية المختلفة, (41 / 43))39 / 65-66 ). والقرآن الكريم نقل آيات من الوحي الذي نزل على إبراهيم وموسى في الأمر بالصلاة وإيثار الآخرة ( 87 /14 -)" وتكرر ذلك في سورة النجم ( 53 / 36 –). وأكد الله تعالى أن الوحى واحد وأساسيات التشريع واحدة فى كل الرسالات السماوية (4 / 163) (42 / 13).
وليس المؤمنون هم أتباع القرآن الكريم فحسب بل المؤمنين هم أتباع كل رسالة سماوية وأتباع كل نبي، لأن الحساب يوم القيامة يوم عام لجميع الناس ولكل الأمم( 11 /103)".
وفي نفس الوقت فذلك الحساب العام حساب موحد بشرع واحد في أساسياته، أنزله الإله الواحد. ومهما اختلف اللغات التي يصلى بها البشر لله تعالى فالعبرة بالتقوى ، فلن يدخل الجنة الا المتقون ( 19 / 63 ) ، وهم الذين يخشون الله تعالى وحده فلا يؤمنون باله غيره ، ولا يظلمون أحدا من البشر ، ولا يدخرون وسعا فى المبادرة بالعمل الصالح النافع للمجتمع مع التمسك بالخلق السامي والسلوك القويم في التعامل مع الناس، وتلك أمور قلبية وسلوكية تسرى على كل مجتمع و على كل إنسان.
إن الدين عند الله الإسلام:
وهذا الوحى الواحد فى الرسالات السماوية المختلفة اللغات كان ينزل بجوهر الإسلام الذى هو الإيمان بالله تعالى الواحد واليوم الآخر والعمل الصالح, وكل نبى كان ينطق بهذا المعنى عن الإسلام باللغة التى يتحدث بها مع قومه, قالها نوح لقومه أن دينه هو الاسلام (10 /72) لم ينطق كلمة الاسلام باللغة العربية لأنها لم تكن قد وجدت بعد, وإنما نطقها بلغة قومه.وكذلك قالها إبراهيمبلغته التى كان يتحدث بها حين أعلن إسلامه لرب العالمين ، وحين أوصى بنيه وهو على فراش الموت بالتمسك بالاسلام ، ووبنفس الوصية وصى النبى يعقوب أبناءه وهو يحتضرقائلا لهم إن الله تعالى إختار لهم الاسلام دينا فلا بد أن يحافظوا على اسلامهم الى آخر لحظة فى حياتهم (2 / 131, 132) وموسى تكلم باللغة المصرية القديمة، وبها أوصى قومه من بنى اسرائيل الخائفين من بطش فرعون ان يتوكلوا على الله إن كانوا فعلا مسلمين ( 10 /84) وفرعون الذى إضطهد بنى اسرائيل وطاردهم حين أدركه الغرق أعلن إسلامه و إيمانه بدين موسى وقال ذلك ليس باللغة العربية ولكنباللغة المصرية القديمة (10 /90)
ونوح عليه السلام حين ركب السفينة نطق باسم الله الغفور الرحيم ( 11 / 41 ) لم يقلها نوح باللغة العربية التي لم تكن موجودة وقتها، قالها بلغة قومه التي اندثرت ولا نعرف شيئا عنها ، والنبى سليمان بعث برسالة إلى ملكة سبأ وشعبها يدعوهم إلى الإسلام ، وقبلها كتب فى رسالته فاتحة القرآن ﴿بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَـَنِ الرّحِيمِ﴾ ، ولم يكن ذلك باللغة العربية, وفيما بعد أعلنت ملكة سبأ إسلامها متبعة دين سليمان (27 /31، 30،44).والحواريون مع عيسى أعلنوا إسلامهم أو طاعتهم وانقيادهم لله تعالى (3 /52).
وهكذا نطق الرسل الأنبياء السابقون كلهم بالإسلام, كل حسب لغته ، ولكن المضمون واحد هو الإيمان الصحيح بالله تعالى لا اله غيره والايمان باليوم الآخر، وان ينعكس هذا الايمان عملا صالحا نافعا للناس ، إلى أن نزل القرآن الرسالة السماوية الخاتمة بالإسلام ينطق باللغة العربية
على خاتم النبيين محمد عليهم جميعاً السلام. وإذن فليس الإسلام الذى جاء به محمد عليه السلام بدعاً أو مختلفاً عن الرسالات السماوية السابقة, كما أن خاتم النبيين ليس مبتدعاً لشئ جديد أو بدعاً من الرسل (46 /9)