السلام عليكم
تعددت المقالات والكتب التي تتحدث عن إعجاز القرآن وأدلته في المجالات المختلفة ومن بينها هذا البحث "من إعجاز القرآن في أعجمي القرأن"... وهذا الموضوع يتميز عن غيره في اهتمامه الأساسي بلغة القرآن وفصاحتها.
وهذا الوجه من الإعجاز القرآنى وجه قاطع بات، لا تصح فيه لجاجة، ولا تسوغ معه مخالفة، لأنه قائم على قواعد اللغة، ومستند إلى أحكام التاريخ ، وليس للهوى فيه حظ أو نصيب.
لقد قرأت عن هذا الموضوع لأول مرة في أوائل التسعينات من القرن الماضي في مجلة المصور للكاتب الراحل (الأستاذ/ رؤوف أبو سعدة) وقد عمل الكاتب لفترة طويلة في الامم المتحدة وأجاد عدة لغات من بينها العبرية ودرس أيضاً بعض اللغات القديمة المنقرضة مثل الآرامية واليونانية القديمة خصيصاً من أجل إعداد هذا البحث الذي أنهاه وقد تجاوز الستين من عمره. وقد تم تجميع هذه المجموعة في كتاب صادر عن دار الهلال. وعلى قدر ما قرأت في أمور الدين والدنيا فللأسف لم أجد صدى كافي لما قرأته في هذا البحث... وعلى هذا قررت أن أقوم بمحاولة شخصية لتلخيص هذا الموضوع وعرضه على الإنترنت لما فيه من فائدة عظيمة للجميع.
مع تحياتي
أستاذ/ ولاء الشاذلي
من إعجاز القرآن في أعجمي القرآن
العلم الأعجمى فى القرآن مفسراً القرآن
المؤلف/رؤوف أبو سعدة
******
المقدمة
-----
يأتى كتابنا هذا فى (علم إعجاز القرآن) للكاتب الراحل الأستاذ "رؤوف أبو سعدة" نمطاً وحده، فقد أداره مؤلفه على وجه من إعجاز القرآن جديد، لم يسبقه إليه سابق، ولم يفطن إليه باحث؛ فقد يفتح الله على الآواخر بما لم يفتح به على الأوائل، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وهذا أيضاً وجه من وجوه إعجاز القرآن، وأنت ترى هذا من نفسك، فقد تتلو الآية أو السورة فى صلاتك، أو فى مغداك ومراحك، وعند أخذ مضجعك، وتمر عليها مرا، ثم تتلوها نفسها فى ساعة أخرى من ساعاتك، وفى حالة مباينة من حالاتك، أو تسمعها من قارى غيرك، فإذا هى تهزك هزاً وإذا هى تملاً كل ما حولك بهجة وضياء، ثم تفجر أمامك ينابيع من الحكمة والهدى لم يكن لك بهما عهد ، وتعجب كيف غيب عنك كل هذا الخير فيما سلف لك من أيام؛ وكل الكلام يٌمل إلا كلام ربنا عز وجل.
وعنوان الكتاب كما ترى (من إعجاز القرآن فى أعجمي القرآن) -العلم الأعجمى فى القرآن مفسراً بالقرآن- وهو عنوان دال على موضوعه صراحة، مُتجةً إليه مباشرة، ومنهج الوضوح دائر فى هذا الكتاب كله، فالمؤلف يمضى إلى قضاياه ويعالجها دون ثرثرة أو تلكؤ أو فضول. يقرر المؤلف أن القرآن يفسر فى ثنايا الأيات المعنى الدقيق لكل اسم أعجمى علم ورد فى القرآن، أياً كانت اللغة المشتق منها هذا الاسم الأعجمى العلم، وإن كانت لغة منقرضة يجهلها الخلق أجمعون عصر نزوله. وأسلوب القرآن فى ذلك – كما يقول المؤلف- (المجانسة على الاسم العلم بما يفسر معناه أبين تفسير). ومثال ذلك ما ذكره فى تفسير اسم (زكريا) عليه السلام : يقول ربنا عز وجل: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} (2) سورة مريم، ويقول المؤلف: زكريا فى اللسان العبرانى معناه حرفياً (ذاكر الله ) ثم يدعوك المؤلف إلى أن تتأمل المجانسة بين قوله تعالى: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} (وبين (ذاكر الله)، وكأنه عز وجل يقول -وهو أعلم بما يريد- "ذكر الله ذاكر الله"، أو: "ذكر الله فذكره الله"، أو : "ذكر الله فذكرته رحمة الله" .
وقد يأتى تفسير العلم العجمى فى القرآن بذكر المرادف العربى لمعناه بغير العربى: ومن ذلك أن معنى (جبريل) فى العبرية: الشديد القوى، وجاء التعبير عنه فى القرآن بذلك ، قال تعالى : {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى، ذو مرة فاستوى} سورة النجم(5،6) والمِرة بكسر الميم وتشديد الراء، بمعنى القوة أيضا. وكذلك قوله تعالى عن جبريل عليه السلام: { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ .ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ}(19) (20) سورة التكوير.
ومثل ذلك ما انتهى إليه المؤلف فى أمر (نوح) عليه السلام، فقد رده بعض مفسرى القرآن إلى (النواح) فقالوا: هو من ناح ينوح، وجاء المؤلف فطبق عليه منهجه فرده - اعتماداً على قواعد اللغة العبرية – إلى معنى التلبث والإقامة ، ثم فسره بالسياق القرآنى الكاشف، فى قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا } (14) سورة العنكبوت، وقوله عز وجل :{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ } (71) سورة يونس، وقوله تباركت أسماؤه: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ} (77) سورة الصافات.
وثالثة: يذكر المؤلف أن (إسماعيل) ينطق فى العبرية "يشمعيل" ومعناه: "سمع الله" أو"سميع الله"، ثم التمس هذا المعنى فى سياق القرآن الكريم، فوجده فى قوله عز وجل على لسان إبراهيم عليه السلام: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء} (39) سورة إبراهيم، وفى قوله عز وجل على لسان الخليل أيضا وابنه إسماعيل عليهما السلام: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (127) سورة البقرة.
وهكذا يمضى المؤلف بهذا المنهج فى تفسير أسماء الأعلام الأعجمية وما يشبهها من أسماء الأجناس والمواضع، وقد أحصى فى ذلك واحداً وستين علماً أعجميا أو مختلفاً فى عُجمته فى القرآن، فسرها من القرآن نفسه، تعالى مُنزِله. ثم ذكر أن القرآن لا يفعل هذا فقط ، ولكنه يصحح أيضاً لعلماء العبرية وعلماء التوراة، وقت نزوله وإلى يوم الناس هذا، تفسيراتهم اللغوية لمعنى هذا العلم العبرانى أو ذلك ، من مثل أسماء ينى إسرائيل الواردة فى القرآن وغيرها من أسماء المواقع، مثل(مدين) فيخطئ أصحاب اللغة ويصيب القرآن.
***
فهذا هو عمود صورة الكتاب، كما أقامه مؤلفه، وكما أراد له أن يكون، ولكنه من وراء ذلك ومن قدامه قد استطرد إلى قضايا كثيرة، عقيدية ولغوية وتاريخية. ومن أنفس ما فى هذا الكتاب- وكله نفيس إن شاء الله- ما ذكره المؤلف حول تاريخ كتابة التوارة والإنجيل، وان نص التوراة مستنسخ من الذاكرة بعد نحو ثمانية قرون من وفاة موسى عليه السلام، وكذلك الأناجيل الأربعة المتداولة لم يخطها عيسى عليه السلام بيده، ولم يملها على حوارييه، وبهذا تكون سلسلة السند فى التوراة والإنجيل منقطعة ، وليس كذلك القرآن. ومما يتصل بالتوراة: ما سجله المؤلف من قصورها وتقصيرها فى ذكر الأنبياء الذين هم من قبل إبراهيم عليه السلام، فتكون بذلك (توراة بنى إسرائيل) ليس غير.وقد أفضى ذلك بالمؤلف إلى أن طعن كثيراً فى (سفر التكوين) الذى بين أيدينا الآن. وكذلك شنع على كاتب التوراة، وكشف تدليسه وكذبه فى أكثر من موضع، بل إنه نبه على تناقضه مع نحو اللغة العبرية ومعجمها.
أما بنوة عيسى لأدم عليهما السلام، وعبوديته لله عز وجل فقد عالجها المؤلف فى غير مكانٍ من الكتاب.ثم تكلم عن خصائص اللسان العربى وعبقرية العربية وقدمها،وأوجه التقابل والتغاير بينها وبين العبرية، ليجيب بعد ذلك: لماذا كانت العربية هى أم الساميات جميعاً؟وأشار إلى لغات العالم المعروفى وقت نزول القرآن ، ثم أورد كلاماً عزيزاً عن القرآن، وأورد اجتهادات فى لغة آدم عليه السلام، التى تكلم بها على الأرض مهبطه من الجنة، وتحدث عن استعارة معانى الأفعال، وحدود الأخذ والاستعارة من اللغات الأخرى.ولهذا المؤلف اجتهادات جيدة فى الاشتقاق، وتأصيل عربية بعض ما يظنه الناس أعجمياً، مثل (جهنم) وتخطئة بعض اللغويين العرب فى أصل (إبليس) واشتقاقه.
***
وهناك أمر لا يزال المؤلف يعتاده ويلم به كثيراً، وهو الرد على المستشرقين ومن إليهم من متحذلقة الأساتيذ فى هذا القرن، الذين أدركتهم عجمة العلم واللسان.. أو كما قال. وقد رد على المستشرقين فى طعنهم على القرآن، وأنه وحى من الله يوحى على خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم.وكان أكثر المستشرقين حظا من الرد والتعقيب المستشرق الألمانى جوزيف هورفيتس، المولود سنة 1874م، والمتوفى سنة 1931 م
***
ولعل أغنى بحث فيما وقع لى من أصول هذا الكتاب: هو الكلام على اسم أبى إبراهيم عليه السلام، وهو (آزر) فى القرآن، و (تارح) فى التوارة ، وقد تختلف مع المؤلف فى بعض ما انتهى إليه من الربط بين ( آزر). و(تارح)، ولكنك تكبر فيه صدق الجهد وقوة الحجة.
***
وبعد :
فهذا بحث جيد جداً، احتشد له مؤلفه احتشاداً، وأحكم بناءه إحكاماً، ولم يبق إلا أن أخلى بينك وبينه، لا أجاذبك الحكم عليه أو الرضا عنه، فهذا لك ، أما أنا فإنى أرفعه وأمدحه، وهذا لى، لكنى من باب النصح للمسلمين والبر بهم : أوصيك أيها القارئ العزيز بتأمل هذا الكتاب ومدراسته، فخل له سربك، وشد عليه يد الضنانة، ثم أغر به من حولك. جعلك الله لكل خير سببا، وأذاقك حلاوة الإنصاف، وثبت نعمه لديك، وأوزعك شكرها. وجزى الله مؤلف الكتاب خير ما يجزى به مسلم يوقر كتابه ورحمه الله وأسكنه فسيح جناته، والحمد لله فى الأولى والآخرة،،،،
http://e3gaz1.blogspot.com