التأويل فى الفقة السنىفى لمحة سريعة
ßÊÇÈ التأويل
رابعا

في الخميس ٢١ - نوفمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

رابعا التأويل فى الفقة السنىفى لمحة سريعة موجزة

 

أ – تأويل مصطلح اهل السنة

1 – كلمة السنة من مصطلحات القرآن الكريم ، وتعنى الشرع الالهى الذى ينزل على الانبياء ، والذى يطبقه الانبياء على انفسهم ، والذى يطبقه المؤمنون ، كما تعنى ايضا المنهاج الالهى فى التعامل مع المشركين .

ومصطلح السنه بمعنى الشرع جاء فى قوله تعالى ( ما كان على النبى من حرج فيما فرض الله له سنة الله فى الذين خلوا من قبل ، وكان امر الله قدرا مقدورا : الاحزاب 38) فجاءت فى الاية ثلاثة مصطلحات بمعنى واحد ومنسوبة لله تعالى وهى "فرض الله " "وسنة الله " ، " امر الله " وكلها تعنى شرع الله ، فبالنسبة لهذا المعنى تنسب لله تعالى  لانه صاحب الامر والشرع      

والنبى هو اول الناس تطبيقا لهذا الشرع ، وهو القدوة الحسنة فى التطبيق ، ولذلك يقول تعالى ( لقد كان لكم فى رسول الله اسوة حسنة  : الاحزاب 21) فلم يقل سنة حسنة لان السنة لا تنسب الا لله تعالى صاحب الشرع ، وانما قال اسوة حسنة اى قدوة حسنة فى تطبيق سنة الله او شرع الله .

ومن المفيد ان نذكر ان مصطلح السنة فى القرآن هو نفس المصطلح فى اللغة العربية ، فنحن نقول "سن قانونا "اى اصدر تشريعا . والتشريع حين يسن أو يصدر فالواجب طاعته ، وهكذا فالشرع الالهى هو السنة الالهية .

ومن المفيد ايضا ان نذكر ان مصطلح السنة بهذا المفهوم يعترف به اهل السنة جزئيا حين يقولون عن الصلاة ، والزكاة والحج وسائر الفرائض انها سنة عملية ، ولكن ليس مقبولا ان يقولوا السنةالقولية عن احاديث مفتراه نسبوها زورا الى النبى ، وهذه النسبة للنبى هى التى حولت الفكر الدينى لاهل السنة  الى دين كامل اضفى التقديس على ائمة هذا الفكر مثل البخارى والشافعى وابن تيمية وابن القيم ، واصبح الاعتراض على اولئك الائمة واسفارهم  {المقدسة } خروجا على الدين الذى ليس هو دين الاسلام بالطبع الذى نزل قبل اولئك الائمة ، ولكن الدين الجديد الذى ابتكره اولئك الائمة واصبحت له قدسية بالتأويل. وهنا ندخل على مظاهر التأويل لدى الفكر السنى .

 

بــ ) - التأويل فى مدار التشريعات الاسلامية :

 

1 –تدور التشريعات فى القرآن الكريم حول ثلاث درجات : الفرض المكتوب او الاوامر ، ثم النواهى أو المحرمات ، ثم ما بينهما وهو المباح ، ومنهج القرآن فى التشريعات فى هذه الدرجات ان يحدد الفروض والمحرمات ثم يترك المباح مفتوحا ، واذا كان هناك تشريع سابق يحرم شيئا وجاء القرآن بتحليله مجددا يأتى ذلك فى القرآن فى سياق الحلال الجديد كقوله تعالى ( احل لكم ليلة الصيام الرفث الى نسائكم : البقرة 187) .

وجاء الفقة السنى بتأويل وتعديل للمدار التشريعى ، اذ اضاف اليه درجتين فى التشريع انتزعهما من المباح الحلال هما المكروه والمندوب او المسنون . فالمكروه هومباح ينبغى تركه أو درجة اقل من الحرام, والمندوب او المسنون هو مباح ينبغى فعله وان لم يكن واجبا لأنه اقل من الفرض الواجب .

2 – وترتب على هذا التأويل والتعديل للمدار التشريعى الاسلامى القرآنى نتيجتان

* الاولى:-

 اضافة مصطلحات جديدة تخالف القرآن وهى المكروه والمندوب ، وعلى سبيل المثال فإن المكروه فى مصطلحات القرآن ليس مباحا اقل درجة من الحرام كما يقولون بل هو اشد انواع الحرام تجريما قال تعالى (وكره اليكم الكفر والفسوق والعصيان : الحجرات 7) وبعد ان جاء تحريم السرقة والقتل والكفر وسائر الكبائر فى سورة الاسراء قال تعالى عنها ( كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروها : الاسراء 38 )

* الثانية :-

هى التضييق من دائرة الحلال المباح وتحويل المباح الحلال الى مكروه لا ينبغى العمل به ، وهذا يعنى التدخل فى تشريع الله تعالى من حيث الدرجة ومن حيث التفصيلات.

 

جــ) التأويل فى قواعد التشريع الجامعة المانعة والمؤكدة :

 

1 – هناك قواعد تشريعية جامعه مانعه ، اى تجمع المحرمات داخل سور محدد وتمنع اخراج احد منه او اضافة احد اليه ، مثل المحرمات فى الزواج ، وقد ذكرها القرآن بالتفصيل ثم بعدها قال ( واحل لكم ما وراء ذالكم ان تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين : النساء 24 ) اى فالنساء داخل ذلك السور الجامع المانع كلهن محرمات ، والنساء خارج هذا السور الجامع المانع كلهن حلال للزواج ، وجاء التأويل السنى ليخرق هذا السور  بأن اضاف اليه بالقياس قاعدتين فقهيتين  جعلهما احاديث منسوبة للنبى وهى ( يحرم من الرضاع ما يحرم بالنسب ) ، ( لا تنكح المرأة على عمتها او خالتها ) ، وعلى ذلك فإذا اراد رجل ان يتزوج خالته من الرضاعة فإن ذلك حلال فى تشريع القرآن الكريم وحرام فى تشريع أهل السنة ، ونفس الحال اذا اراد ان يتزوج  على امرأته عمتها او خالتها يقول تعالى ذلك حلال ويقول الفقهاء من اهل السنة ذلك حرام .

وهناك مثال اخر هو المحرمات فى الطعام التى تكررت كثيرا فى القرآن الكريم " البقرة 173" ، " المائدة 3" ، " الانعام 145" ، " النمل 115" وهى الميتة والدم ولحم الخنزير وما يقدم للأوثان . وبرغم تحذير القرآن الكريم من اضافة اى محرمات جديدة للطعام ( المائدة 87، يونس 59:60 ، النحل 116: 117، التحريم 1) الا ان اهل السنة اضافوا تحريم الكثير من الحلال ، وتمتلىء بذلك كتب الفقة .

 

2 – وهناك قواعد تشريعية قرآنية مؤكدة باسلوب القصر والحصر مثل قوله تعالى ( ولا تقتلوا النفس التى حرم الله الا بالحق ( الاسراء 33، الانعام 151 ) (والذين لا يدعون مع الله الها اخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله الا بالحق الفرقان 68) اى فلا يجوز القتل فى الاسلام الا بالتشريع القرآنى الحق وهو طبقا للنصوص القرآنية يأتى فى صورة القصاص ، سواء كان ذلك فى الجرائم ( البقرة 178) او فى الحروب ( البقرة 194) وجاء الفكر السنى فألغى هذه القاعدة التشريعية المحكمة الملزمة فأضاف قتل المرتد والزنديق وتارك الصلاة ورجم الزانى ، ثم توسع فى القتل ليجعل من حق الامام ان يقتل ثلث الرعية فى سبيل اصلاح الثلثين ..!!

 

3 – وهناك قواعد تشريعية قرآنية جاء تأكيدها فى القرآن الكريم بكل اساليب التأكيد مثل الامر بالوصية للوارث وغير الوارث فى قوله تعالى ( كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين : البقرة 180 ) فالتأكيد فى الوصية جاء بصيغ مختلفة شديدة الدلالة مثل "كتب عليكم " ، " إن ترك خيرا " ، " بالمعروف" ، " حقا "،" على المتقين" ، ثم جاءت الايات بعد ذلك تضع قواعد الوصية. وفى سورة النساء نزل الامر بالوصية ليطبق قبل توقيع الميراث (من بعد وصية يوصى بها او دين : النساء 11، 12) ومع ان الوالدين لهما حق فى الميراث وحق ايضا فى الوصية ، ومع ان قواعدالميراث والوصية هى حدود الله التى يحرم التعدى عليها ( النساء 13:14) الا ان الفقة السنى الغى الوصية للوارث طبقا لقاعدة فقهية جعلها حديثا نبويا يقول ( لا وصية لوارث ) وافتروا أن هذه الكذبة المخالفة للقرآن قد " نسخت الآيات المخالفة لها..

ان تشريع الوصية والحث عليها جاء تحقيقا للعدالة الاسلامية. فأنصبة الميراث محددة بالنصف والربع والسدس والثلث والثمن ولا يجوز تعديلها. وتطبيقها وحدها قد يحمل ظلما بين الورثة. قد يكون فيهم من يستحق الزيادة فى حصته لظروف خاصة به تستوجب ذلك، هنا تأتنى الوصية لتعالج الأمر تحت عين المجتمع ورقابته ووفقا لمسئولية المتوفى أمام الله تعالى فى توزيع الوصية حسبما جاء فى آيات الوصية ، بالوصية مثلا يمكن لك أن تعطى ابنتك نصيبا مساويا لابنك طالما كانت تستحق ويطمئن ضميرك والمجتمع لذلك.

 

4- وترتب على هذا التأويل السنى لتشريعات القرآن الكريم المحكمة والملزمة نتيجتان متلازمتان :-

* الاولى :-

 اضافة معانى مخالفة لمصطلحات القرآن الكريم فالنسخ فى القرآن الكريم وفى اللغة العربية يعنى الاثبات والكتابة والتدوين ، ولكنهم جعلوا النسخ عندهم يعنى الحذف والالغاء والتبديل .

*الثانية :-

جعلوا فتاويهم الفقهية واحاديثهم المنسوبة زورا الى النبى تلغى قواعد القرآن الكريم التشريعية وتبطلها ، وبالتالى جعلوها فوق القرآن الكريم الذى هو كلام رب العالمين.

 

د: اهمال قواعد التشريع ومقاصده العظمى:

 

عموما فالاحكام في التشريعات القرآنية هي اوامر تدور في اطار قواعد تشريعية ،وهذه القواعد التشريعية لها مقاصد او اهداف ،او غايات عامة .

يبدأ التشريع القرآنى بالأوامر مقترنة بقواعدها ، وقد تأتى المقاصد فى خلال الآية نفسها أو فى خلال السياق أو تأتى منفصلة. ولسنا فى مجال التفصيل لذلك حتى لايفلت منا موضوع التأويل. ولكن اعطاء امثلة يعين على الفهم:-

نبدأ بمقاصد التشريع القرآنى وهى نوعان : النوع الأول ويتمثل فى مصطلح التقوى أى خشية الله تعالى أو بتعبيرنا المعاصر الضمير الحى الذى لا يكتفى بالتأنيب على الخطأ والعزم على عدم العودة اليه ، ولكن قبل ذلك يمنع الانسان من الوقوع فى الخطأ " الأعراف 201 " آل عمران133-136 ". والتقوى تجمع فى ثناياها الايمان الصحيح بالله تعالى واليوم الآخر مع المداومة على عمل الصالحات أى العبادات والمعاملات.ولذلك لا يدخل الجنة الا المتقون. فالايمان وحده لايكفى ، والعمل الصالح وحده لايكفى. هذه هى التقوى كقيمة عليا فى الاسلام ومنهجه الخلقى والعقيدى والتشريعى .

فى المجال التشريعى تأتى التقوى فى سياق التشريعات نفسها وتاتى أحيانا منفصلة عنها باعتبارها قيما عليا فى حد ذاتها، فالأمر بالتقوى تكرر للنبى نفسه والمؤمنين وكان أحيانا يأتى فى مطلع السور"النساءـ الأحزاب ـ الحج ". وتأتىالتقوى فى سياق التشريع لتؤكد على ضرورة ربط التطبيق البشرى للتشريع الالهى باحياء الضمير والسمو بالنفس وتزكيتها وحسن العلاقة المباشرة بيى الانسان وربه الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، واذا كان يعلم ان الله تعالى يراه فلا بد له من أن يخشى الله تعالى ويسعى فى مرضاته جل وعلا. حتى لو كان بمأمن من السلطة البشرية والمراقبة البوليسية. من أجل هذا الدور السامى للتقوى فى التشريع القرآنى تجد الأمر بالتقوى يرصع آيات التشريع فيها جميعا. ونعطى مثالا واحدا: يقول تعالى فى تشريع الطلاق مؤكدا على حفظ حقوق المرأة" واذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أوسرحوهن بمعروف ، ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا. ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ، ولا تتخذوا آيات الله هزوا، واذكروا نعمة الله عليكم وما انزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شىء عليم "البقرة 231 " . الآية هنا انقست الى قسمين : الأول فى الأمر التشريعى وهو تخيير الزوج ـ الذى طلق زوجته وبلغت العدة وهى فى بيته ـ بين أن يحتفظ بالزوجة ويمسكها بشرط معاملتها بالمعروف ، وبين أن يتحول الطلاق ـ وهو فى التشريع القرآنى مجرد مهلة للمراجعة وليس انفصالا نهائيا ـ الى انفصال نهائى بأن يطلق سراحها ولكن أيضا بالمعروف ودون اضرار. وحتى لا يضمر الزوج ان يعيدها الى عصمته بقصد اذلالها يحذر التشريع القرآنى من ذلك ويجعله اعتداءا. وبعد مجىء التشريع بالأمر والنهى جاء القسم الثانى من الآية بالمقصد التشريعى مباشرة يشمل الانذار والوعظ والتحذير والتنبيه ومراعاة التقوى. نلمح هنا بسرعة الى التناقض بين تشريع الطلاق فى القرآن وتشريعه فى الفقه السنى ، وقد كتبنا فى ذلك من قبل. ونلمح أيضا الى أن فحوى الآية السابقة قد جاء مفصلا أيضا فى افتتاحية سورة الطلاق حفظا لحقوق المرأة ولكن التأويل السلفى أضاع تشريع القرآن وحقوق المرأة وحقوق الانسان.

وبعد التقوى المقصد التشريع الأعظم تأتى المقاصد التشريعية الأخرى من حفظ تماسك الأسرة ورعايتها، والتخفيف ورفع الحرج والتسهيل ، والعفة الجنسية.

كل تشريعات الأسرة فى القرآن تهدف الى حفظها وتماسكها كمقصد اسمى لتلك التشريعات ، ولكم العادة السيئة للفقه السلفى أن يركز على الأوامر ويترك القواعد والمقاصد. ففى موضوع الأسرة مثلا تأتى القاعدة التشريعية تؤكد على " وعاشروهن بالمعروف ، فان كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا.""النساء19" وتحت هذه القاعدة ياتى التعامل مع الزوجة التى تريد النشوز أى هدم بيتها مع تمتعها بكل الحقوق وقيام الزوج بالقوامة عليها ـ ومصطلح القوامة فى القرآن يعنى الرعاية والحفظ وتحمل مسئولية الزوجة والقيام بمتطلباتها بالمعروف ـ هنا يكون من وسائل حفظ البيت والأسرة تأديب الزوجة الناشز بالوعظ ثم بالهجر ثم بالضرب. وياتى التحذير من اساءة التطبيق فى هذا التشريع بظلم الزوجة المطيعة " النساء34"

وأيضا لسنا فى مجال التفصيل هنا وهو يحتاج الى بحث مستقل متكامل، ولكن حتى لا يفلت منا موضوع التأويل نقرر أن الفقه السلفى قد تجاهل القاعدة والمقصد التشريعى فى هذا الخصوص وركز فقط على "ضرب الزوجة".

فى موضوع العفة والاحصان الخلقى جاءت "الأوامر " التشريعية بغض النظر المحرم للرجال والنساء معا وعدم الأقتراب من مقدمات الزنا والحشمة فى زى النساء " النور30 -31 الاسراء 32". ركز الفقه السلفى على هذه الأوامر الى درجة التطرف فتحول الخمار الذى يغطى الصدر دون الوجه والشعر الى نقاب يعبىء المراة ويعلبها فى غلاف اسود كئيب ، وهو مزايدة محرمة على حق الله تعالى فى التشريع، وتضييع لشهادة المرأة ودورها فى المجتمع المسلم وتحريم لكشف وجهها وهو حلال فى الاسلام، وأيضا ليس هذا مجاله ولكن نؤكد هنا ان هذا التطرف بفرض النقاب أضاع المقصد الأسمى من أوامر العفة والاحصان. فالمعروف أن النقاب من اهم عوامل انتشار الانحلال الخلقى حيث تتخفى فيه المرأة وتفعل ما تشاء دون أن يتعرف عليها احد.  واسألوا أهل الفكر السلفى ان كنتم لا تعلمون.

المقصد التشريعى بالتيسير ورفع الحرج اضاعه الفقه السلفى الحنبلى بتشدده وتزمته .

حتى العبادات : هى مجرد أوامرواجب علينا اداءها لبلوغ الهدف الأسمى وهو التقوى" البقرة  - 183 -196 -197 ـ21"أو هى مجرد وسائل للتقوى نستطيع بها الابتعاد عن الفحشاء والمنكر" العنكبوت45" وهذا هو المعنى الحقيقى لاقامة الصلاة وايتاء الزكاة أى التزكى والسمو الخلقى بالتقوى. كل ذلك أضاعه التأويل السلفى حين جعل الصلاة والزكاة والحج أهدافا بذاتها، فاذا أديت الصلاة فلا عليك ان عصيت وستقوم صلاتك بمسح ذنوبك " ودى نقرة ودى نقرة " كما يقول المثل الشعبى المصرى، واذا تبرعت لبناء مسجد ولو كمفحص قطاة تمتعت بقصر فى الجنة. واذا أديت الحج رجعت منه عاريا.. آسف ... رجعت منع كيوم ولدتك الست ماما يابابا..وأكثر من ذلك ستدخل الجنة ـ غصب عنك  ـ لأنك من امة محمد مهما فعلت. يكفيك أن تقول الشهادتين ثم تعيث فى الأرض فسادا. المهم أن التأويل السلفى حول العبادات الى تدين سطحى وحول الأخلاق الى مستنقع من النفاق والكذب والتدجيل. ونحن مشهورون بين الأمم بكل ما يشين بسبب ذلك .

 

أما علاقتنا بالآخرين فقد حولها الفقه السلفى من السلام الى العنف والارهاب والعدوان لنه ركز على الأمر وأهمل القاعدة والمقصد التشريعى.

فالامر بالقتال "قاتلوا " "جاهدوا " "انفروا "له قاعدة تشريعية وهوان يكون للدفاع عن النفس ورد الاعتداء بمثله او بتعبير القرآن (في سبيل الله )،ثم يكون الهدف النهائي للقتال هو تقرير الحرية الدينية ومنع الاضطهاد في الدين ،كي يختار كل انسان ما يشاء من عقيدة وهو يعيش في سلام وامان حتي يكون مسئولاعن اختياره الحر يوم القيامة بدون اكراه فى الدين حتى لا تكون لأى بشر حجة امام الله تعالى يوم الدين.

ونعطى امثلة سريعة:-                                                                                   

يقول تعالي (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين :البقرة195) فالامر هنا (قاتلوا)والقاعدة التشريعية هي (في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين )وتتكرر القاعدة التشريعية في قوله تعالي (فمن اعتدي عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم :البقرة 194)اما المقصد او الغاية التشريعية فهي في قوله تعالي (وقاتلوهم حتي لا تكون فتنة ويكون الدين  لله :البقرة 193)أي ان منع الفتنة هي الهدف الاساسي من التشريع بالقتال . والفتنة في المصطلح القرآني هي الاكراه في الدين أوالاضطهاد في الدين ،وهذا ماكان يفعله المشركون في مكة ضد المسلمين يقول تعالي (والفتنة اكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتي يردوكم عن دينكم ان  استطاعوا :البقرة 217).                                                        وبتقرير الحرية الدينية ومنع الفتنة او الاضطهاد الديني يكون الدين كله لله تعالي يحكم فيه وحده يوم القيامة دون ان يغتصب احدهم سلطة الله في محاكم التفتيش واضطهاد المخالفين في الرأي،   وذلك معني قوله تعالي (وقاتلوهم حتي لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله : الانفال 39 ).                  

 الذى حدث ان فقهاء السنة ركزوا فقط على الأمر بالجهاد والقتال" قاتلوا" واهملوا القاعدة التشريعية للقتال او المسوغ الوحيد لاباحته وهو ان يكون القتال دفاعيا فقط . وترتب على هذا أن أصبح القتال ليس فى سبيل الله تعالى لاقرار الحرية الدينية ومنع الاكراه فى الدين ، وليس لمجرد الدفاع الشرعى عن النفس ، بل أصبح لتشريع العدوان على الغير وجعله ليس فقط مباحا بل واجبا شرعيا باعتباره جهادا اسلاميا.

 ومن الانصاف للفقهاء السلفيين ان نذكر بقية الصورة : لقد عاشوا فى العصورالوسطى التى كانت تتفاخر بالأحتلال والهجوم على الغير وتلك ملامح العصور الوسطى والعالم الى عهد قريب، ولم يكن العرب فى جاهليتهم بمعزل عن هذه الثقافة بل كانت لهم غاراتهم التى لاتنقطع وحيث كان تشريع السلب والنهب والبغى هو التدين الثابت. ولأن الاسلام فى معناه السلمى وقيمه العليا تأبى ذلك فانه كان منتظرا أن يكون جملة اعتراضية فى تلك العصور وكان لا بد أن يعود العرب الى ما ألفوه ولكن مع تغيير هائل وشائن ، هو استخدام اسم الاسلام ذاته فى الاعتداء على الغير الذى لم يعتد عليهم. وهذا ما فعلته قريش بعد موت النبى محمد فى اعتداءاتها التى حملت تعبير الفتوحات الاسلامية زورا وبهتانا. ثم قام المؤرخون بتسجيل سيرة النبى بعد موته بقرون – وبأثر رجعى - ووضعوا فيها كل ملامح عصرهم من قتال هجومى واغتيال سياسى وارهابى وانحراف خلقى. ثم قامت الأحاديث بنسبة تللك الصورة عبر الاسناد المزيف للنبى ثم جعلوه دينا سموه السنة وزعموا انها جاءت وحيا من الله تعالى. واصبح على الفقهاءـ  وهم انفسهم فى الأغلب علماء حديث أيضا ـ ان ينشئوا تشريعا جديدا يخالف القرآن ويتصالح مع ثوابت العصر ، فقاموا بهذه المهمة ليس تحت لافتة التأويل وانما تحت مسميات ومصطلحات أخرى منها " الفقه" و"النسخ" و"السنة" الخ.

ولأن هذا ينافى التقوى وهى لب الاسلام والمقصد الأعظم لتشريعاته فانه جرى أيضا اهمال الاشارة الى التقوى او الخشية من الله تعالى .

وقد أشرنا الى ارتباط التشريعات القرآنية الدائم بالتقوى حيث يكون المسلم رقيبا على نفسه قبل أن يكون المجتمع او السلطة أو الضبطية القضائية رقيبا عليه. ومع هذا الاقتران بين التشريعات القرآنية والتقوى الاسلامية الا اننا لا نجد اشارة لها فى الفقه السلفى فى عصر الازدهار الفكرى، لا فى فقه العبادات أو المعاملات. وبحذف هذا الجانب الباطنى - او الروحى بالتعبير السائد – ركز الفقه السلفى فى ازدهاره الفكرى على التدين السطحى المظهرى وتجميع كل تفصيلاته الممكنة والمتصورة وفق المنهج الصورى السريانى فى الاستقصاء للحكم الفقهى. ثم انحدر الفقه السلفى فى عصوره المتأخرة والمتخلفة  الىالدخول على التصورات السخيفة المستحيلة الحدوث والتى امتلأت بها كتب الفقه فى العصر العثمانى: مثل " ما حكم من حمل على ظهره قربة فساء ، هل ينقض وضوؤه أم لا؟... من جاع فى الصحراء ولم يجد الا جسد نبى من الأنبياء ، هل يجوز له الأكل منه؟ ...ماحكم من زنى بأمه فى نهار رمضان فى جوف الكعبة ؟ وماذا عليه من الأثم ؟؟ ....وما حكم من كان لقضيبه فرعان وزنى بامراة فى قبلها ودبرها فهل يقع عليه حد واحد أم حدان؟؟

 كل ذلك لا زلت اتذكره من الفقه التراثى الذى كان مقررا علينا فى الأزهر الشرف جدا جدا وكان يخدش حياءنا حينئذ، ثم ظل مقررا على الجيل الذى اتى بعدنا بعد توسع الأزهرفى كل القرى المصرية دون اصلاح لمناهجه وفكره. ودخل فى الأزهر افواج من المراهقين فى تعليمه الآعدادى منهن فتيات قاصرات فى براءة الطفولة وحياء العذارى ونقاء الفطرة كان عليهن دراسة هذا الفقه القذر المتخلف, ولم يتم حذف سطوره الا بعد مقالات لى كوفئت عليها بالتكفير فى اوائل التسعينيات. ونمسك القلم عن المزيد حتى لا نخرج عن موضوعنا.

 

 – على ان المحصلة النهائية لتأويل القواعد التشريعية القرآنية امتدت لتشمل : -

* عدم الاكتفاء بالقرآن الكريم مصدرا وحيدا للتشريع الاسلامى ، فأضافوا اليه مصادر اخرى له ابتدعوها مثل الاحاديث والاجماع والقياس والمصالح المرسلة وبعضها كان ستارا للتأويل او الغاء النص القرآنى مثل سد الذرائع الذى استطاعوا به تحريم وجوه

 كثيرة من الحلال .

 ** كثرة وسهولة انتاج الكثير من المصطلحات الفقهية ، وبعضها كان من مصطلحات القرآن ولكن حرفوا معناها مثل الحدود التى تعنى فى القرآن الكريم الشرع والحق فجعلوها تعنى العقوبة, وقاموا بتحوير بعض المصطلحات القرآنية لتكون نقيض معناها القرآنى ، مثل النسخ ـ وقد أشرنا اليه ـ والتعزير الذى يعنى فى القرآن التقديس والمؤازرة والتأييد فجعلوه فى الفقة يعنى الاهانة والعقوبة.

*** كثرة وسهولة الوضع فى الاحاديث ، وكثرة وسهولة استعمال كلمة( يسن) فى تشريع الفقهاء ، هذا عند الفقهاء من مدرسة الاحاديث .

 ويقابلها لدى الفقهاء من مدرسة الرأى من الاحناف اختراع فقة الحيل اى اخترعوا حيلا شرعية يمكن بها تجاوز التشريعات القرآنية ، فإذا اقسم رجل على ان ينام بزوجته فى نهار رمضان قالو له ( سافر بها ) فإذا سافر بها اصبح يجوز له ان يفطر ومن ثم يحق له ان ينام معها فى نهار رمضان ، وتخصصت كتب كثيرة فى فقة الحيل وافانينه .

كل ذلك تأويل وتعطيل لشرع الله تعالى ، وبدأهذا بالأساسيات  وانتهى الى التفصيلات ، وعن طريق ذلك التأويل قام الفقهاء السنيون بتطويع النصوص القرآنية لتوافق هواهم.  لم يستعملوا لافتة التأويل وإنما قاموا بالتأويل الفعلى والتحريف لتشريع القرآن الكريم تحت مصطلحات اخرى .