الدين الأرضى قرين الجهل

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٨ - يناير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الدين الأرضى قرين الجهل     .

مقدمة :

ـ سبق نشر مقال عن الكافرين المشركين الذين يتقولون على الله جل وعلا ( ما لا يعلمون ) . و نتابع هنا الموضوع فى أن الذين يقولون على الله ما لا يعلمون هم جاهلون ، وهم يقولون فى الدين بلا علم . ونعطى بعض التفصيلات :

أولا: الدين والعلم :

 1 ـ هناك نوعان من العلم : العلم بالدين ( ما وراء الطبيعة :    Metaphysics) ، والعلم بآلاء الله جل وعلا فى مخلوقاته ، أو ( العلم فى الطبيعيات :  Physics)  .

2 ـ ( العلم فى الطبيعيات :  Physics)  هو فى المصطلح القرآنى هو العلم الظاهرى : بعض البشر وصلوا اليه حتى فى الأمم السابقة ، وأسسوا حضارات شاهقة ، وكانوا مشركين فاسدين فأهلكهم الله جل وعلا ، وذكر بعض قصصهم ، ودعانا رب العزة الى السير فى الأرض لننظر الى ما تبقى من حضارة أولئك الذين كانوا اشد من العرب قوة والذين كانوا يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ولكن كانوا جاهلين بالدين الحق . قال جل وعلا  عن أكثرية البشر : ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) الروم ) ثم قال جل وعلا : ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9) الروم ).

3 ــ تلك الأمم السابقة الباغية كان لديهم العلم ( الظاهرى ) الذى شيدوا به حضارتهم ، وقد إغتروا بهذا العلم وفرحوا به وإستهزأوا بالعلم الالهى أى الدين الحق فحاق بهم ما كانوا به يستهزئون . وآثارهم لا تزال باقية ، يدعونا رب العزة للسير فى الأرض لمشاهدتها ، قال جل وعلا :  (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (83)  غافر ) 

ثانيا  : الدين والتعامل مع ( ما وراء الطبيعة :  Metaphysics) ومع الطبيعة : (Physics)

1 ـ الدين ينقسم الى نوعين فقط  : ( دين الحق الالهى ) و( دين الباطل الأرضى ). ( دين الاهى حق ) نزلت به الرسالة السماوية بالتقديس للخالق جل وعلا وحده ،  و ( دين أرضى ) مصنوع بالهوى والزيف يقدس البشر والحجر. وعليه فالرسالة السماوية بالدين الالهى الحق هى ( العلم ) بالدين من لدن الله  جل وعلا العليم الحكيم ، وأن الدين الأرضى الذى يصنعه الكهنوت البشرى يعكس جهل البشر ، أى هو : (الجهل )  فى الدين .

2 ـ فى الدين بنوعيه  يوجد الايمان بالغيب ( عالم الغيب ( Unseen) ) أو ( ما وراء الطبيعة :Metaphysics)  والتعامل مع عالم الشهادة (Physics) ، ولكن مع إختلاف بينهما  فى المنهج .

3 ـ منهج الدين الالهى الحق  فى التعامل مع العلوم الطبيعية( Physics): هو السير فى الأرض بحثا تجريبيا علميا لتحقيق غرضين :

3 / 1 : للبحث  التجريبى فى العلوم الطبيعية فى آلاء الله جل وعلا فى الخلق من الذرة الى الخلية والمجرّة . قال جل وعلا : ( أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ  ) العنكبوت ) لنؤمن بعظمته وقدرته ، وبهذا الايمان بعظمة الخالق والمبنى على رؤية إبداعه فيما خلق يتأتى الايمان باليوم الآخر والبعث ، قال جل وعلا بعدها : ( ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)  العنكبوت )

3 / 2 : للتنقيب البحثى  عن آثار الأمم السابقة لنتعظ  ، قال جل وعلا : ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِوَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً (44)  ) فاطر )( أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22) غافر ).

4 ـ منهج الدين الالهى الحق  فى التعامل مع الغيب هو الايمان بما جاء عنه فى القرآن الكريم فقط .  هذا الغيب  يخص الله جل وعلا وما ذكره فى كتابه السماوى من قصص وغيبيات اليوم الآخر . هذه الغيب يجب الإيمان به وفق ما ذكره القرآن الكريم بلا زيادة أو نقصان ، ومن صفات المتقين أنهم يؤمنون بالغيب (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ )(3) البقرة). ورب العزة حظر التقول فى الغيبيات فقال جل وعلا : (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (51)) الكهف ) فلسنا شهودا على خلق السماوات والأرض ولا حتى على خلق أنفسنا .

5 ـ  منهج الدين الأرضى هو الاجتراء على الغيب الالهى بصناعة إله يتناقض مع رب العزة جل وعلا ، وصناعة آلهة أخرى معه ينسبونها لرب العزة . ويفترون لها تشريعات وأقاصيص خرافية . ولأنهم لا يعلمون الغيب فإن مجرد إبحارهم فى محيط الغيب هو دخول فى الخرافة والجهل والكذب .

6 ــ وإذا سيطر الدين الأرضى على مجتمع لم يقتصر على إقتحامه الغيب ( Metaphysics  )  بل يقتحم أيضا بخرافاته وأباطيله وجهله (عالم الشهادة ) أو العلوم الطبيعية  (Physics)  فيفتى فيها بغير علم وتكون فتاويه مقدسة ، ومن يناقشها يكون كافرا زنديقا مهرطقا ، كما حدث مع الكنيسة الأوربية فى العصور الوسطى ، وكما جاء فى البخارى وغيره من خرافات فى الطب وغيره وكما يحدث فى فتاوى شيوخ الوهابية اليوم.  لاحظ الفرق الهائل بين إهتمامات الغرب العلمية وإهتمامات فقهاء الوهابية . !. وهنا يرتبط التقدم العلمى بالخروج من نفق هذا الدين الأرضى كما حدث من أوربا وإرتباط تقدمها بالثورة على دينها الأرضى الكنسى والسير فى الأرض فاكتشفت العالم الجديد ، واخترعت البخار وما بعده ، وفرض حظر التجول على الكنيسة بحيث لا تشارك فى السياسة ولا فى العلم ، بما أوجد عندهم قطيعة تامة بين ( ما وراء الطبيعة :  Metaphysics) و العلوم الطبيعية  (Physics) .

7 ـ هنا يكون لدينا نوعان من العلم : ( العلم ) و ( العلم الباغى ). أو ( العلم ) و ( الجهل )

ثالثا : دين الله هو ( العلم ) والدين الأرضى هو ( الجهل ) أو العلم البغى :

1 ــ ويأتى ( العلم ) صفة من صفات القرآن. يقول جل وعلا للنبى محمد عن أهل الكتاب : ( وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ (145) ) البقرة ) (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ .) (61)آل عمران )

2 ـ  ويأتى ( العلم)  و ( الحُكم ) صفتين للرسالات السماوية السابقة ، ابراهيم عليه السلام إهتدى بنفسه ودعا الله جل وعلا أن يهبه ( حُكما ) اى النبوة والرسالة ، فقال : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) ) الشعراء ) ، وقال لأبيه : ( يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ  ) (43) مريم )، و يقول جل وعلا  عن رسالة يوسف عليه السلام : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ) (22) يوسف ) وعن رسالة لوط عليه السلام (  وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً )(74) الأنبياء )، وعن رسالتى سليمان وداود عليهما السلام : ( وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً ) (79) الأنبياء ) وموسى عليه السلام قال عنه رب العزة : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً )(14)القصص ) وقال جل وعلا عن داود :( وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء ) 251 ) البقرة ).  

3 ـ العلم الباغى هو الذى يتعدى ويعتدى على الدين الحق بإفتراءاته وأضاليله فيسبب تفرق الناس .

كل الرسالات السماوية نزلت بكل الألسنة بأنه لا إله إلا الله ، أى بالاسلام ، ثم حدث الاختلاف بين الناس بهذا العلم البغى ، قال جل وعلا ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ  )(19) آل عمران ) . وعن أُسُس التشريع التى نزلت بها كل الرسالات السماوية قال جل وعلا ( شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)  الشورى ) قال جل وعلا بعدها عن تفرق الأمم بسبب هذا العلم البغى : ( وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ  )(14) الشورى )، وهو ما حدث مع بنى اسرائيل ، جاءهم العلم الالهى بالرسالات السماية فهدموه بالعلم البغى وتفرقوا من بعد ما جاءتهم البينات، قال جل وعلا :( وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنْ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) الجاثية ) قال بعدها رب العزة لخاتم النبيين عن كتابه الكريم: ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) الجاثية).

4 ـ هؤلاء (الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) هم المشركون الجاهلون .

رابعا : المشركون الكافرون هم الجاهلون :

1 ـ جاء وصف المشركين بالجهل.   أمر الله جل وعلا  خاتم النبيين  أن يقول للمشركين الكافرين : ( قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ  ) الزمر 64 ) ، وقالها موسى لقومه (إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) حين طلبوا منه أن يجعل لهم إلاها مع الله جل وعلا :  (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) الاعراف 138 )

2 ـ وهناك ترادف الجهل والشرك  فى القرآن الكريم : فى الأمر بالاعراض عن الجاهلين المشركي الكافرين ، يقول جل وعلا عن المشركين  الكافرين : ( اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ   ) 106 الانعام )( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ   ) 94 ) الحجر ) ( قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ  ) 29 : 30 ) السجدة ) ، وهو نفس الأمر بالإعراض عنهم بوصفهم الجاهلين فى قوله جل وعلا عنهم : ( وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ  ) الاعراف 198 : 199 ).

خامسا : هؤلاء المشركون الكافرون الجاهلون ليس لديهم علم :

1 ـ بما لديهم من جهل ينسبون لرب العزة جل وعلا أنه إـّخذ ولدا . ردّ عليهم جل وعلا بأنهم يقولون على الله جل وعلا ( ما لا يعلمون ) :  (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (68) يونس )  ، وما ليس لهم به علم  : ( وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا ) 4: 5 ) الكهف )

2 ـ ويتكلمون عن الملائكة وهم لا علم لهم بالملائكة ولم يشهدوا خلقهم . قال جل وعلا :(  وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ) 19 : 20 ) الزخرف ). ( إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنثَى وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ ) 27 : 30 ) النجم ) .

3 ـ وفى كل الأحوال هم يخلقون بإفتراءاتهم وجهلهم آلهة من الخرافات  ، آلهة موتى مقبورون تحولوا الى تراب ، ولكن أقاموا لها قبورا مقدسة خلقوها وخلقوا لها خرافات تجعلها تتحكم زورا فى ملكوت الرحمن . قال جل وعلا عنهم وعن آلهتهم : ( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) النحل ) . ينطبق هذا على كل القبور المقدسة لدى المحمديين بدءا من القبر الرجسى المنسوب زورا ويهتانا للنبى محمد ، وغيره من قبور مقدسة للآلهة والأولياء والقديسين فى زعمهم . يقول جل وعلا عنهم جميعا : (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ  ) 71 : الحج ) هو مجرد إتّباع للهوى بلا علم ، قال جل وعلا : (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ) 29 ) الروم ). وقال مؤمن آل فرعون لقومه : ( تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ) 42 ) غافر ). كان صادقا مع نفسه ، فليس له علم بتلك الألهة المُفتراة .

4 ـ الذى يحدث أن الناس تعتاد أن تعبد ما وجدت عليه آباءها ، أى أن يكونوا (سلفيين ) يقدسون الثوابت التى وجدوا عليها آباءهم ، ويحافظون عليها ويحفظونها من النقاش لأن النقاش كفيل بفضح كذبها . والوالدان الضالّان يحاولان تنشئة الأولاد على هذا الضلال . ولذا أوجب الرحمن الاحسان للوالدين ومعاملتهما بالمعروف مع عدم طاعتهما إذا طلبا من أولادهما عبادة آلهة وأولياء مع الله جل وعلا ، قال جل وعلا :  ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) 8 ) العنكبوت ) ( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ  ) 15 ) لقمان ). تكرر هنا  وصفا لدين الشرك : ( مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ). فليس هناك (علم ) فى الشرك .

5 ـ لذا فأئمة الشرك هم أجهل البشر .

سادسا :  أئمة الشرك هم أجهل البشر :  

1 ـ الكهنوت هم أجهل البشر ، ولكن يحافظون على مكانتهم وجاههم وثرواتهم بقيامهم بتعليم الجهل ( المقدس ) .

هناك تعليم للعلم النافع ( العلم الدينى القرآنى و العلم الطبيعى المُشار اليه سابقا ) . وهناك أيضا تعليم للجهل ( المقدس ) يقوم به الأزهر ــ مثلا ـ  فى كليات ( اصول الدين والشريعة والدعوة ) يتخرج الطالب فى هذه الكليات وقد أصبح مؤهلا لنشر الجهل المقدس بين الناس فى المساجد والمعاهد والمدارس وأجهزة الاعلام .

جهلهم المقدس هو ما يسميه رب االعزة ب ( لهو الحديث ) يعنى أكاذيب جاهلة مُجهّلة تقال للناس على أنها أحاديث نبوية وشريعة إلاهية  لتلهى الناس عن الحق القرآنى ، وبها  تكون بضاعتهم وتجارتهم ، يشترون ( لهو الحديث ) ليضلوا الناس عن ( أحسن الحديث ) : (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)  ) الزمر ) . بنشر ( لهو الحديث ) بين الناس يقومون بإضلال الناس عن سبيل الله جل وعلا ( بغير علم ). قال جل وعلا عنهم فى عصرنا وما قبله ما بعده وفى كل مجتمع فيه (ناس ) :  ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌمُّهِينٌ ) 6 ) لقمان )

2 ـ وهم فى أجهزة الاعلام التى يملكونها أو يسيطرون عليها لا يدّخرون وسعا فى الجدال فى رب العزة بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير . وحيث يوجد ( ناس ) فمنهم هذا الصنف الحقير ، قال جل وعلا :( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ  ) 3 الحج )(  وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ) 8 الحج ) ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ) 20 : 21 ) لقمان ).  

3 ـ وسيأتون يوم القيامة وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم وأوزار الذين أضلّوهم ( بغير علم ) قال جل وعلا : ( لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ  ) 25 ) النحل ) 

اجمالي القراءات 8443