الانفاق
الانفاق في سبيل الله جل و علا له اوجه عدة , و من تلك الاوجه الانفاق من خلال بذل و منح الطعام للآخرين و المحتاجين , و هذا السبيل من الانفاق لا يقل اهمية عن الانفاق المالي .
و يعلمنا المولى جل و علا ان هذا الانفاق واجب علينا اتجاه الفقراء و المساكين و دون تحديد شروط متعلقة بالجهة التي يجب الانفاق عليها من الناحية الدينية او العرقية , يقول سبحانه (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) 47 يس ,هؤلاء الكافرون ليسوا بالضرورة من كان قد كفر باطنيا بل هذا الكافر من كافر سلوكيا و ظاهريا بفعله بعدم اطعام المحتاجين المساكين فكم ممن نراهم يسارعون بالعبادات ظاهريا و لكنهم يبخلون بما آتاهم الله من فضله , و كذلك الامر للذين آمنوا فليسوا بالضرورة من كان قد آمن منهم باطنيا بل هذا الايمان لمن آمن سلوكيا و ظاهرين ببذل الطعام للمساكين و الفقراء , و كم ممن نراهم لا ينتمون للدين بشيء و لكن نراهم حريصين على البذل و رعاية الفقراء و المحتاجين .
و يأمرنا الله جل وعلا بالانفاق بما هو طيب و جيد كالذي تحب ان تأكل منه و ينهانا عن الانفاق مما لا يصلح و اعتبر ذلك خبيثا و ان ذلك الانفاق هو لله جل و علا , فعلى المنفق ان يعلم بأن الله غني عن ذلك فليحرص بالانفاق بافضل مما لديه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) 267 البقرة , فليحذر المنفقون من انفاق ما تبقي من طعام من على موائدهم و تلك ظاهرة بشعه دنيئة ارها متفشيه الان , لا تنم الا عن جشع و حقارة نفس و يظن فاعلها انه يعمل خيرا , و ينسى تحذير المولى جل و علا له من الانفاق بالشيء الخبيث و ينسى ان الله سبحانه هو الرزاق و هو الغني الحميد .
و يبين المولى جل و علا ان هذا الانفاق هو طريق الاحسان الذي به يستمر المجتمع و يبقى قائما متلاحما , و بدون هذا الانفاق و بالامتناع عنه فذلك يؤدي حتما الى هلاك المجتمع و تفككه و انتشار الظلم و فتح باب الحقد و كل هذا يدفع نحو الهلاك ( وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) 195 البقرة .
كما ان لهذا الانفاق الاثر في اغلاق ابواب الشر و منع المحتاج من الاعتداء و نهج سبيل السرقه , فان سبيل الانفاق و هو سبيل الاحسان كما قلنا فهو يدفع تلك السيئات و يقي المجتمع منها , بالاضافة لكونه طلبا لمرضاة الخالق جل و علا و لفاعله الاجر و الثواب في الدنيا و الآخرة ( وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ) 22 الرعد , فهذا الانفاق يعتبر علاجا لبعض امراض المجتمع التي تسري به و يقيه من تلك الظواهر السيئه .
و لكي نصل لمجتمع مفلح علينا ان نحمي و نقي انفسنا من هلاك تلك الامراض التي ستتفشى بالمجتمع حين البخل و الطمع و الامتناع عن الانفاق و كلن حسب قدرته و طاقته , فمردود هذا الفعل يعود ليس فقط على فاعله بل على المجتمع ككل , فيكون خيرا لنا جميعا فقال سبحانه عز و جل ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) 16 التغابن .
فالانفاق ليس مقصورا في شهر رمضان فقط دون الاشهر الأخرى , بل هو واجب طيلة ايام السنة , فعلى الذين يطمعون لتحصيل البر و هو مجموعة افعال من افعال الخير و الاحسان , كان الانفاق من ضمنها , و بدونه لن يكتمل هذا الشرف لنكون من الابرار يوم القيامه فقال سبحانه ( لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) 92 آل عمران , اللهم اجعلنا ممن ينفقون في سبيلك , و اكتبنا من الابرار .
سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا
سبحانك اني كنت من الظالمين