الجريمة المقدسة
ختان الذكور جريمة .. الإسلام بريء منها

ياسين ديناربوس في الجمعة ١٣ - يناير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

حري بكل مسلم أن ينظر في أمور دينه نظرة الباحث المتدبر لا نظرة التابع المسلِّم، و يخص بالتدبر المسائل التي تناقض العقل و التفكير السليم المنطقي، فلا تعارض بين ما هو صحيح من الدين و بين العلم التجريبي المتبث. تجد البعض يرفضون حتى اﻹستماع أو الحوار فيما يظنون أنه من ثوابت الدين و يفرون من الحق فرارهم من اﻷسد. فالحق يخرجهم من منطقة الراحة و الركود إلى مضمار البحث الدائم عن الحقيقة و التطور ..
 
و هو ما لا يحسنونه و لا يستسيغونه ﻷنهم بكل بساطة ركنوا عقولهم و ضمائرهم لغيرهم حتى يفكروا لهم و عنهم. على أي مقالي هذا غير موجه لهؤلاء و ردودهم عليه غير مرحب بها .. إنما كتبت هذه السطور لمن يُُعملون ملكة العقل التي كرم بها الله سبحانه وتعالى بني آدم .. في دعوة صريحة للتأمل في النصوص القطعية الدلالة و التبوث.
 
موضوع هذا المقال هو ختان الذكور، هذه العادة التي أكاد أجزم قطعاً أن جميع المسلمين – على اختلاف مذاهبهم – يمارسونها قوي أو ضعف التزامهم.
 
فبعد قراءتي لبعض الكتب و متابعتي لبعض الدراسات حول هذه الممارسة ووقوفي على مدى الضرر و اﻷثر السلبي العضوي و النفسي لها، وجدت نفسي مضطرا للخروج عما هو سائد و شائع للبحث بمزيد من النظر في هذه المسألة، ﻷكتشف – مصدوما – بأن الختان ممارسة لا يوجد شيء يساندها أو يؤيدها في كتاب الله عز و جل و لا فيما صح مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل وجدت عكس ذلك تماماً.
 
هناك عدة محاور لمناقشة موضوع الختان ( دينيا، طبيا و نفسياً، اجتماعياً و ثقافياً ).
 
على اﻹنسان الواعي أن يتأمل و يفكر في هذه الجوانب كلها قبل أن يتخذ قراره بختان أبناءه، ﻷن ما ستتم إزالته لا يمكن استرجاعه و لا استدراك آثاره السلبية .. فهو قرار له تبعات و آثار مستمرة مدى الحياة.
 
من منظور ديني، القرآن الكريم يمنع بشكل قاطع و صريح كل تبديل لخلق الله; فالختان ممارسة تناقض (فلسفة) القرآن الكريم.
 
قال عز و جل :
 
{ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين}
 
فإذا كان الله سبحانه وتعالى يصف نفسه أنه أحسن الخالقين فهل يعقل أن يأتي شخص ليبدل هذا الخلق الحسن بواسطة مشرط جراح ؟ و هل يعقل بعد أن كسى العظم لحما، أن نقوم بقطع و بتر هذا اللحم و إزالته بحجة أنه سيصبح أحسن مما خلقه الله ؟ ( و هو عز وجل المنزه عن ذلك ).
 
و قال سبحانه :
 
{ لقد خلقنا اﻹنسان في أحسن تقويم }
 
خلق اﻹنسان يصفه الله عز وجل ب “أحسن” على وزن “أفعل” و هو في علم اللغة ما يسمى بصيغة المبالغة، و لا مبالغة في القرآن الكريم، بل قوله الحق سبحانه يقر بأن هذه أفضل و أحسن صورة يخلق عليها اﻹنسان، و يأتي الختان أو مقطع البظور مدعيا أنه سيجعل هذه الصورة أحسن من صنع الله اﻷصلي ( حاش لله ). ثم إن اﻵية تخبرنا أن الله عز و جل خلق اﻹنسان – بصفة عامة – في أحسن تقويم و ليس فقط المسلم أو المختون .. فاﻹنسان من حيث أنه إنسان هو في أحسن تقويم .. فهل نستطيع أن نقول أن الذي لم يختن ليس في أحسن تقويم إلى أن يختن ؟ في هذه الحالة تظل اﻵية معلقة إلى غاية حدوث الختان !!
 
و يتواتر هذا المعنى في القرآن الكريم في قوله تعالى :
 
{ الذي أحسن خلق كل شيء خلقه و بدأ خلق اﻹنسان من طين }
 
في تصريح واضح و صريح على إتقان الخالق لصنع خلقه. و تتعاضد اﻵيات حول معنى حسن الخلق و التصوير :
 
{ الله الذي جعل لكم اﻷرض قرارا و السماء بناء و صوركم فأحسن صوركم }
 
ثم يتكرر المعنى في آية التغابن :
 
{ خلق السماوات و اﻷرض بالحق و صوركم فأحسن صوركم و إليه المصير }
 
و لننتبه لكلمة حق في اﻵية الكريمة ! فهل خلق القلفة التي يتم بترها بالختان حق أم باطل ؟
 
قد يقول محتج : ” ولكن هناك من يولد و فيه إعاقات و تشوهات و هذا لا يستقيم مع خلق اﻹنسان في أحسن تقويم !؟ “
 
فأقول : إن القاعدة اﻷساسية التي خلق الله عز و جل اﻹنسان عليها أنه مقوم تقويما حسنا .. و تأتي أمور خارجة عن النظام الطبيعي مثل التدخين و شرب الخمور و اﻷدوية و اﻷشعة المضرة ( .. إلخ) لتضر و تؤثر في الجنين فيحدث تشوه خلقي. و هذه ظاهرة شادة تخرج عن القاعدة .. فيها حكمة ربانية حيث ينتبه اﻹنسان إلى جمال خلق الله و بديع صنعه فيتذكر نعمته عليه عند رؤية التشوهات التي لا تعدو أن تكون حالات خاصة .. فعلى عموم الحال هناك تقويم حسن !
 
في ظل عدم وجود أي أمر إلهي في القرآن الكريم بوجوب الختان .. قد يستدل البعض على شرعية الختان بأنه مما ورثناه عن اليهود والنصارى و لا غضاضة في متابعتهم فيما جاؤا به و لﻷسف فبعض المفسرين قد أخذوا الثرات اليهودي بمنطق التصديق و تراهم يعيشون في تناقض عجيب؛ فإذا أرادو أن يبرهنوا شيئا لا دليل لهم عليه قالو بأن اليهود أو النصارى يفعلونه مثلما هو الحال في الختان، في حين أنه كثيرا ما تسمعهم يكررون أحاديث مخالفة اليهود و النصارى و المشركين ( حديث إعفاء اللحية مثلاً ).
 
كيف نترك النور الذي أنزل مع رسول الله لنستشهد بظلام العادات و التقاليد ؟
 
إتضح لي جليا أن لا أساس البتة لمشروعية الختان في القرآن الكريم و أن هناك العديد من اﻵيات التي تمنع ممارسة هذه الجريمة !
 
ما تم إيراده فيما سبق من أعتبره كافيا من وجهة نظري و غنية للباحثين عن الحق ..
 
لقد جرت العادة أن يورد الفقهاء اﻷحاديث في مسألة معينة كدليل على صحتها أو تحريمها و هذا عندي ليس بحجة بل هو منهج غير صائب، فالله عز و جل لم يترك دينه غير مكتمل حتى يأتي علماء الحديث بعد مئات السنين ليكملوه؛ لا يكفي الحديث وحده للتشريع إذا لم يجد ما يؤيده من كتاب الله.
 
و قد يسأل سائل لماذا لم ينه الرسول صلى الله عليه وسلم عن الختان في اﻷحاديث التي رويت عنه بشكل صريح و مباشر ما دام أنه غي غير جائز.
 
فأقول : و ما أدرانا أنه لم ينه هل تكفل الله بحفظ حديث نبيه ؟ فربما قد نهى عن الختان و لكن لسبب ما اختفت و طمست اﻷحاديث أو أنها لم تجمع.
 
و بالرغم من أن عادة الختان ورد فيها أحاديث إلا أن على هذه اﻷحاديث نقاش طويل في صحتها و في دلالتها.
 
و كما هو معلوم فإن ختان اﻹناث ليس شائعا عند المسلمين و يكاد يكون مهدوما في جزيرة العرب .. فهذا يثير اﻹستغراب فبالرغم من وجود اﻷحاديث إلا أنه لم يكن هناك اهتمام بعمل مكركة و إكرام اﻹناث بها مقارنة بختان الذكور. و هذا يرجعنا إلى فكرة أن اليهود لا يختنون إناثهم فلذلك لم تنتشر عادة الختان عند العرب. و مع ذلك نجد ختان اﻹناث منتشرا في مصر و السودان و إفريقيا ﻷنه تبث تاريخيا أن أصل فكرة الختان فرعونية و ليست إسلامية فالفراعنة كانو يختنون عبيدهم و جواريهم .. و مثل هذه العادات الوثنية الجاهلية من بتر اﻷعضاء و تغييرها موجودة عند كثير من الشعوب ( مثل ثقب اﻷذن و اﻷنف و الوشم و بتر اﻷعضاء للسحر و التعاويذ و مط الشفاه و خرم اللسان ووضع الحلقات و اﻷقراط في الجسم ..) و قد جاء الرسول صلى الله عليه مصدقا لمن قبله من الرسل و مبيناً و كاشفاً ﻷكاذيب مغلوطة و ما تم تبديلها ليردها ل جادة الصواب.
 
من واقع حياة النبي صلى الله عليه وسلم لا يوجد نص واحد يثبت أنه ختن بناته رضوان الله عليهن أو أن زوجاته اختتن. و هناك عدة خلافات في اﻷحاديث مثل : اﻹختلاف في موعد الختان و في مقداره و في علته و الدافع له و اﻹختلاف في هل ولد النبي مختونا أم لا و اﻹختلاف في الوجوب و اﻹستحباب. و إذا أردنا أن نطبق السنة النبوية و نهتدي بهديه صلى الله عليه وسلم في الختان، نجد فراغاً تشريعيا كبيرا، فأغلب الروايات ضعيفة و عليها إشكالات. فلا يوجد أي توضيح في أي عمر يكون الختان و لا مقدار القطع ( بشكل واضح ) و لا ندري ما اﻷجر على ممارسة عملية الختان و هل هناك عقوبة على تركها و لا ندري هل هناك دعاء اﻹتمام هذه العملية كما هي اﻷدعية الكثيرة الخاصة بمناسبة معينة ( الزواج، الرزق بمولود، الوضوء ..).
 
 
 
من الجانب العلمي أو الطبي .. لكي نفهم أضرار الختان يجب أن نتحدث عن الغلفة ( الجزء المبتور جراء الختان ) و عن وظيفتها التشريحية.
 
أغلب الناس تظن أنه يتم إزالة قطعة صغيرة من الجلد، و لكن فعليا في عملية الختان تتم إزالة أكثر من 51% من الجلد المحيط بالعضو خصوصا أن هذا الجلد يتم بالنمو مع اﻹنسان.
 
و حتى نفهم وظيغة الغلفة يجب أن نفهم بداية وظيفة العضو الذكري. فالعضو الذكري له وظيفتان أساسيتان : أولاً التبول و ثانيا اﻹتصال الجنسي و لا يتم اﻹتصال الجنسي إلا إذا كان العضو منتصبا و عند اﻹنتصاب فإن طول العضو يزيد بما لا يقل عن 50% .. من أين الجلد الكافي لﻹنتصاب ؟ إنه يأتي من الغلفة التي يكون فيها متسع للتمدد و التي تكون مطوية حيث تنفرد المنطقة الداخلية الغلفة و التي تكون مطوية في حالة الخمول و عدم اﻹنتصاب فتنفرد لتساهم في زيادة المساحة للعضو .. هذا الجزء المنزوع و خصوصاً البطانة الداخلية للغلفة هو عبارة عن آﻻف الخلايا المليئة بالنهايات العصبية الحسية ( هذه الخلايا الحسية تفقد لﻷبد بعد عملية الختان ).
 
باﻹضافة إلى ذلك الغلفة تحمي رأس العضو من اﻹحتكاك المستمر بالملابس الداخلية مما يحافظ على حساسيته فلا تزداد خشونتة؛ فعند المختون يظطر الجسم لتكوين طبقة جلدية رفيعة لحماية رأس العضو مما يقلل حساسيته الجنسية. الغلفة تفرز مادة Smegma التي تسهل عملية الجماع و لها خصائص مضادة للبكتيريا.
 
لا توجد أي مؤسسة طبية رسمية في العالم توصي بعمل الختان، بل إن التوجه الحالي هو إصدار قوانين تمنع الختان بعد زيادة القناعة الطبية إلى عدم الحاجة له بل بعد التأكد من أضراره، ناهيك عن الأخطاء الطبية التي تتسبب ببتر جزء من العضو .. و قد أصدرت إحدى المحاكم اﻷلمانية بالفعل حكما بمنع ختان الذكور. و بخلاف ما يوهم البعض أنفسهم أن غلفة العضو الذكري سبب في عدة مشاكل صحية، نلاحظ أن عدد المختونين عبر العالم أقل بكثير من غير المختونين. و على سبيل المثال المختونون في أوربا لا يتجاوزون 1% فقط، و هم يعيشون حياة طبيعية خاليةمن أي مشاكل.
 
أضرار الختان لا تتوقف عند الضرر الجسدي بل تمتد إلى اﻵثار النفسية، فحتى مع التخذير و حتى مع نعمة النسيان إلا أن الطفل يكون قد خزن في عقله الباطن هذه التجربة اﻷليمة و لا نعلم بالظبط ما هي انعكاساتها النفسية المستقبلية على شخصية اﻹنسان ..
 
و قد تم رصد العديد من الحالات صرح فيها اﻵباء بأن أبنائهم تأثروا بعملية الختان أثراً بالغ السلبية.
 
سواء كن ناحية حدوث تغيير في الشخصية و فقد للثقة بالنفس مباشرة بعد الختان أو حدوث تلعثم غي الكلام.
 
و شخصيا عايشت تجربة أليمة لطفل كان يتكلم بصورة طبيعية و أصبح يتلعثم و يتمتم في الكلام بشكل مزمن و ذلك مباشرة بهد عملية الختان.
 
لماذا نتسبب نحن المسلمين في اﻹرباك الحادث حول مشروعية الختان ؟
 
في حين أن اﻷمر واضح وضوح الشمس في كتاب الله تعالى الذي لم يفرط فيه من شيء و قد منعنا من أن نلقي بأنفسنا للتهلكة، فمنع كل الممارسات المشوهة للجسم البشري لما يترتب عليها من أضرار.
 
تغيير المألوف و العادات من أصعب اﻷمور و مجابهة المجتمع بتقليد شب و شاب عليه لا يجلب المحمدة للناس بل النقد و النقد اللاذع الذي قد يصل إلى حد التفسيق و اﻹتهام بالزندقة. موضوع الختان أكبر من أن يحاط به في هذه السطور .. ربما يحتاج اﻷمر كتبا و مجلدات .. إلا أنني على يقين أن البراهين ستتظافر و اﻷصوات ستتعالى ﻹيقاف هذه الجريمة.
 
إن أصبت فمن الله سبحانه وتعالى وإن أُخطأت فمن نفسي  .
 
هذه وجهة نظري وليس ملزوم بها كل من قرأ مقالي.
اجمالي القراءات 35977