فى قاعة المحكمة , وقف المدعى العام وهو يوجه اتهاماته الى المتهم ويصوره بأنه شيطانا على الأرض , بل ويكاد يلصق به كل ما حاق بالإنسان والانسانية من مصائب و كأنه كان هو السبب فى ذلك, ثم وقف من بعد ذلك الدفاع عن المتهم يصف المتهم بأنه بريئ من كل اتهام وجهه المدعى اليه ,وانه خير من خلق الله او من خير من خلق الله على وجه البسيطه منذ آدم . قدم الإدعاء ادلته, وقدم الدفاع ادلته وانتظر الجميع حكم المحكمه. وفى بعض المحاكم يكون الرأى والحكم الأخير لقاضى واحد , وفى بعض المحاكم يكون الرأى الأخير لهيئة من القضاه يتشاورون فيما بينهم , وفى بعض المحاكم يكون الرأى الأخير لهيئة من المحلفين يتشاورون ايضا ما بين انفسهم. غير انه فى جميع تلك الحالات وبدون استثناء, تدرس القضيه دراسة جيده ودقيقه من خلال الأدله المقدمه ثم يتم بعدها انخاذ القرار او اصدار الحكم. بإختصار شديد , قبل ان يصدر اى حكم يشترط ويجب ويتحتم على من سيصدر الحكم ان يدرس جميع الأدله سواء كانت (ضد) او (فى مصلحة) الموضوع الماثل امام من سيصدر الحكم والا اعتبر الحكم غير عادل.
ان النظرة الشامله لسكان هذا الكوكب الذى نعيش عليه توضح لنا ان المخلوقات التى تعيش عليه من بنى الانسان, تنقسم الى قسمين, قسم يؤمن ان هناك الها هو الذى خلق الكون بما فيه الانسان, وقسم لايؤمن بوجود اله وبأن الكون قد خلق بمحض الصدفه.
اما القسم الأكبر والذى يؤمن بأن هناك الها ( وإن اختلفت نظرتهم ومفهومهم لمعنى تلك الكلمه, اله) فينقسم الى عدد كبير من الاقسام , ويتميز كل قسم منها بأسم او هوية خاصة به تفصله عن غيره, وهو اسم الديانه التى ينتمون اليها, مثل الاسلام والمسيحيه واليهوديه والبوذيه والهندوسيه وعددا كبيرا من الاديان الأخرى. وتختلف الأعداد بين تلك الديانات , فمنهم ديانات ذات اعداد كبيرة واخرى اعدادها قد لا تبلغ المليون بأكملهم غير انهم يطلقون على انفسهم اسما دينيا وينتمون الى دين له خواصه ومقوماته وتوجيهاته وشروطه مثله فى ذلك مثل الاديان الأخرى التى تبلغ عشرات او مئات الملايين.
يتحتم على ان اوضح ايضا ان تلك الاديان تنقسم فيما بينها انقسامات صغرت او كبرت, الا ان كل جماعة منها قد اتخذت لنفسها صورة ومعنى واتجاها وتفسيرا مختلفا عن البقيه الباقيه ممن ينتمون الى نفس الدين بصفة عامة وميزت نفسها بالأسم الذى اختارته لنفسها, ومن المضحك حقا ان بعضهم يكنون عداء اشد عنفا للجماعات الأخرى التى تنتمى الى نفس الدين من عدائهم للأديان الأخرى.
فى نظرة سريعة الى هذا الكوكب الذى نشترك جميعا فى العيش على سطحه, نجد ان الاحصائيات تشير الى تجمعات دينيه كبيره فى كل من المسيحيه والاسلام اللذان يبلغ عدد المنتمين اليهما معا حوالى 54% من سكان الكرة الأرضية, اما البقيه فتنتمى الى اديان كثيرة اخرى اكبرها عددا هم الهندوس, ويبلغ عددهم حوالى 14% ثم البوذيه واديان الصين الأخرى وكل منهم حوالى 6%. كما ان هناك عددا كبيرا ممن لايعتبرون انفسهم ملحدين , غير انهم مع ايمانهم بأن هناك إله او ان هناك خالق, فهم لاينتمون الى اى من الاديان المعروفه وقد يبلغ عددهم فى العالم مايقرب من 16%, اى هم اكبر من الديانه البوذيه.
لقد فكرت كثيرا فى مسأله الدين, وفكرت لو اننى كنت قد ولدت فى اسرة غير مسلمه لكنت الآن ادين بالدين الذى ولدت عليه, شأنى فى ذلك شأن الغالبيه العظمى من سكان العالم ربما 99% منهم او اكثر, فعدد الذين يتحولون من دين مولدهم الى ديانة اخرى لايبلغ حتى جزءا صغيرا من 1% من تعداد سكان العالم.
عندما يولد الانسان فى اسرة مسلمة او مسيحية او بوذية او اى ديانه اخرى, فإن هذا الانسان سواء رضى ام لم يرضى وسواء ارد ام لم يريد وسواء اعترف بذلك ام لا, فإنه يرضع هذا الدين مند رضاعته للبن امه. وينشأ بين اسرته واقاربه خاصة فى المجتمعات ذات ديانه الأغلبيه الواحده وهو معرض بطريق مباشر وغير مباشر الى عمليه ((برمجه وغسل مخ مستمر)) لاينقطع, بأن ذلك الدين هو الدين الصحيح او الدين الحق , وسواء سمع ذلك فى دور العبادة او فى تجمعات الاهل والأقارب ام لم يسمع ذلك مباشرة فهو يدرك ان الأديان الأخرى ليست اديانا صحيحه او ان بها عيبا خطيرا او انها محرفه او ان الله لم يرسلها أوهى اديان مخترعه او مزيفه وان معتنقوها ذاهبون الى الجحيم لا جدال فى ذلك وانه هو ومن يدينون بدينه وحدهم الذين رضى عنهم الله وسيدخلهم جناته من اوسع الأبواب.............ولا تنتهى تلك الصفات السلبيه للأديان الاخرى التى ينشأ عليها ذلك الشخص فى السنوات الاولى من حياته حتى يبلغ الحلم والنضوج, وعادة حتى بعد ان يشب وينضج, لا يستطيع شيئا ان يخترق تلك التحصينات المضاده للأديان الأخرى والتى تشبه المضادات الحيويه للأمراض, اى انها مضادات حيوية للأديان الأخرى قد زرعت فى عمقه الفكرى والعقائدى. وتمرالسنوات ولاتتغير الأغلبيه ولا تحيد عن معتقادتها التى نشأت عليها وفى معظم الأحيان حتى تنتهى اعمارهم ويوارون الثرى.
قليل جدا من هؤلاء الذين يتعمقون فى دراسه ومحاولة فهم ذلك الشيئ المسمى دين, ونسبتهم فى العالم نسبة ضئيله بالقياس لمن ليس لديهم اى رغبة فى التفكير والمقارنه بين ما لديهم وما لدى غيرهم. ومن هؤلاء من لدية الجرأه الفكريه وحب الاستطلاع فى ان يتخطى الرأى الشائع والأفكار الملقنه عن الدين الأخر, ولا يخشى المفاجأت........ ماذا اعنى بالمفاجأت؟
اذا اشتريت سيارة جديده مثلا وبعد ان قمت بدراسه مكثفة لجميع السيارات من حيث المزايا والعيوب ومن حيث الثمن, ثم بعد ان اشتريتها, اكتشفت مثلا انك دفعت فيها اكثر من ضعف ثمنها او ان المزايا التى اعتقدت انها فيها, وجدت انها ليست بها, فماذا تفعل؟ البعض يفضل ان لا يكتشف ذلك وان يبقى على ما كان يظن, والبعض قد يجرى لنفسه بنفسه عمليه غسيل مخ ليقنع نفسه انه بشكل ما او بأخر, لم يخطئ فى هذا الإختيار, والبعض قد يسب ولعن سنسفيل جدود ( اى شيئ) ولكنه لن يعترف امام الجميع بأنه قد غرر به, والبعض وهم اقلاء جدا قد يعترف بأنه قد غرر به وانه قد ارتكب ذلك الخطأ ويحذر الأخرون من ارتكابه, وهناك البعض ممن قد يتصرفون تصرفاتا اخرى ليس لى معرفة بها فى الوقت الحاضر. هذا المثال هو ما اعنيه بالمفاجأت, اى ان نسبة عاليه لاتجرؤ على مناقشة وتحليل ومقارنه الدين الذى نشأوا عليه بحياديه مطلقه, خشية ان يكتشفوا انهم قد غرر بهم , او انهم كانوا قد خدعوا طوال تلك السنوات, او ان هناك عيوب فى دينهم او ان هناك الكثير من الغموض والاسئله التى لاجواب عليها, ولايود احدا منهم مواجهة الواقع.
ومن هذا المنطلق, نجد ان نسبة الذين يتحولون من دين الوراثه الى دين اخر هى نسبة ضئيلة بالقياس الى تعداد سكان العالم. ومن وجهة نظرى المتواضعة, فهؤلاء الذين كانت لديهم الجرأه على الدراسه والمقارنه ثم اتخاذ القرار بإختيار دين اخر بما يتفق مع ما قد اقتنعوا انه هو الدين الأفضل, هم فى العادة اكثر ايمانا من هؤلاء الذين ورثوا دينهم دون اختيار او دون بحث او دون اقتناع. لكى اوضح الصوره, خذ مثلا مسلما ولد على دين الاسلام, لم يفعل فى حياته التعسة شيئا يعد من ما يتطلبه الاسلام مثل الصلاة او الصيام او الزكاه او من العمل الصالح ....الخ, لكنه مسلم كما تقول بطاقته الصادرة من الدوله, او كما يدل عليه اسمه ( محمد مثلا) , ثم انسانا اخر لم يكن مسلما بالوراثه, غير انه كان من هؤلاء الذين كانت لديهم الجرأه على تقييم دينهم الموروث, ثم قرر بعد المقارنه والدراسه ان يتحول الى الاسلام, عن اقتناع بما يدعو له ذلك الدين, فأيهما تعتقد اكثر ايمانا وفهما للدين!!!
لا جدال ان هناك الكثير من الناس ايضا ممن قاموا بالمقارنه العادله ((دون تحيز ودون تأثير من عملية غسل المخ التى تعرضوا لها طوال السنوات الأولى من حياتهم بقدر ما استطاعوا)) بين دينهم ودين اخر , ولا اقول جميع الاديان الأخرى فهذا ضرب من المستحيل, ثم قرروا ان ما يدينون به هو الأصلح وهو الدين الحق ثم بقوا على دينهم وازدادوا ايمانا. ولكن هل هم اغلبية ام اقلية, انظر حولك, ثم اخبرنى ماذا وجدت.
غير انه ايضا علينا ان نكون واقعيين, فمن المستحيل ان يتسع وقت الانسان ان يقضى عمرة فى مقارنه بين دينه الموروث وجميع الاديان الأخرى, هذا امر يشبه الاستحاله ان لم تكن الاستحاله نفسها, وعندما اتحدث عن المقارنه, فأعنى المقارنه العادله الدقيقه والحياديه , مما يعنى الالمام التام بثوابت وتفاصيل الاديان الاخرى, فلن يكفى عمر الانسان ان يتعرف على كافة التفاصيل للأديان الأخرى, بل لا يكفى للتعرف على كافة التفاصيل لدين واحد اخر, بل ايضا انه من واقع الحقيقه المؤلمه ان الغالبية العظمى لاوقت لديها للإطلاع على التفاصيل الكامله للدين الذى يتدينون به ومن ثم فهم لايعرفون الكثير عن دينهم نفسه.
ومن هنا نعد الى المثال الذى بدأت به فى المقال, انه لمن اراد ان يكون عادلا فى حكمه, فعليه ان يعرف كافة التفاصيل للقضيه التى يود ان يحكم فيها, ومن الواضح جدا ان ليس لمخلوق على وجه الارض ان يستطيع ان يحكم على دين اخر, او على الاديان الاخرى, ان لم تكن قد اتيحت له الفرصة ان يعرف عادة الا قشورا عن الدين الاخر. وعلينا ان نتساءل, هل حقا ان كنت مسلما, وتؤمن تماما ان المسيحيه على خطأ فيما يتعلق بكذا وكذا وكذا, فهل غفل اكثر من 2000 مليون مسيحى عن حقيقة ما تقول, هل هناك 2000 مليون من الأغبياء المعتوهين ممن لم يخطر ببالهم تلك النقط التى تؤمن انت بأنها خطأ ايمانا تماما مثل تلك الكذا والكذا والكذا, ام ان هناك شيئا ما لم تعرفه انت عن دينهم يجعلهم يتمسكون به كما تتمسك انت بدينك , ونفس الشيئ يقال لمسيحى يعتقد ان الاسلام ليس دينا وليس هناك طريقا الى الجنه سوى عيسى ....الخ, فهل غفل اكثر من 1400 مليون مسلم عن ذلك وكيف يمكن لهذا العدد الهائل ان يكونوا بهذا الغباء, وقس على ذ لك فيما يتعلق بكافة الأديان الأخرى.
هل من الممكن ان نفترض ان الله ارادها بهذا الشكل, اذ نجد ان من المستحيل على الفرد العادى بعد ان ورث دينه من اسرته, ان يبحث بموضوعيه كامله ويقارن بين دينه وبين الاديان الأخرى , انه لم يكن له يدا مطلقا فى ان يولد على هذا الدين او على ذ لك الدين فهذا امر الله, وكما رأينا انه من المستحيل ان تسمح له حياته المحدوده وامكانياته ان يقارن دينه بجميع الاديان الاخرى او حتى بحفنه منها كى يتيقن من صحة او عدم صحة الدين دينه الموروث , او حتى بدين واحد اخر مقارنة عادله وكاملة متكامله, حتى فى هذا العصر وهو عصر توافر المعلومات, كما اننا لايجب ان ننسى موضوع رضاعة الدين الموروث والتى لا يستثنى منها احدا وتأثيرها على موضوعيه وحياديه التقييم العملى للعقيده , فما هى مسؤليه الانسان بعد ذلك تجاه الله سبحانه وتعالى , ولا اريد لأحد ان يقيس او يقيم تلك المسؤليه بمقياس او بمعادلة او بحكمه او بقول نابع من دين معين , اى كأن يقول القرآن قال كذا وكذا, او الأنجيل قال كذا او كذا او التوارة قالت .......الخ. فإنه ان يفعل ذلك فقد انحاز بطريقة مباشرة وغير مباشرة الى دين ما وعقيدة ما قبل ان تبدأ عملية التقييم نفسها.
الخلاصة هنا رغم صعوبه الموضوع, هى سهلة وبسيطه, ففى حالتى انا مثلا, لقد ولدت مسلما, وعشت نصف حياتى الاولى او اقل قليلا مسلما ممن لم يقارن ولم يخطر بباله ان يقارن بين الاسلام واى ديانه اخرى الا ما تشبع به من خلال ما فهمه من الدين نفسه ومن الأخرين فى الطور لاول من حياته , ثم بدأت اتساءل, وعشت سنوات طويله وسط ديانات وعقائد اخرى, واتيحت لى الفرصه ان احاول ان اتفهم ابعاد بعض الديانات الأخرى والعقائد الأخرى, وبالطبع لا ادعى اننى قد تبحرت فى أعماقها , غير انى وجدت نفسى قد قررت عن يقين ان الاسلام الذى ولدت عليه هو ما يناسبنى وهو ما انا مقتنعا به وما سأبقى عليه, فهل بعد ذلك ادعى, وان كان الله قد اعطانى من العمر حتى يومنا هذا أكثر من ستة وستون عاما, فهل ادعى اننى اعرف كل شيئ يجب معرفته عن الاسلام , وان لدى الإجابه على اى سؤال قد يخطر فى ذهن انسان عنه, بالطبع لا,لازالت لدى عددا من الاسئله عن الاسلام تحتاج اجابات واحاول قدر جهدى ان اجد الاجابة عليها مستعينا بقراءاتى وبتفكيرى وتوسعى فى قراءة وجهات النظر الأخرى من حولى, ولقد كانت احدى التعديلات التى طرأت على عقيدتى بناء على ذلك, هو تيقنى بعد سنين طويله من التساؤل عن صحة الاحاديث التى كانت دائما ما تثير حفيظتى وشكوكى بسبب تضاربها مع القرآن ومع المنطق وحتى مع بعضها البعض,من انها لا علاقه لها بالإسلام, او على الاقل بالإسلام الذى انتمى اليه. كذلك استخلصت من ذلك اننى لا يجب ان احكم على دين اخر مطلقا, طالما لست ملما تماما بتفاصيله, اما ما اعنيه بكلمة ( احكم) فهو ان اصفه بأى صفة من الصفات السلبيه المعروفه, او ان اصف اتباعه بأنهم كفرة او ذاهبون الى الجحيم او ماشابه ذلك من التعبيرات التى تتبادل فى المناقشات والتى عادة لاتؤدى الى شيئ سوى مزيدا من الحقد والغضب والكراهية بين الناس من مختلف الأديان. كما انه ليس من حق الأخرين من الأديان الأخرى ان يحكموا على دينى بنفس الطريقه فكلا الحكمين يعوزهما العلم والمعرفه الكامله . لأننى اؤمن تماما ان الله ارادها كذلك كما هى, ونحن لن نغير من ارادته شيئا شئنا ذلك ام لم نشأ. له فى خلقه حكما, انما علينا ان لا ننسى , ان الغالبيه العظمى من الناس لم يختاروا بأنفسهم ذلك الدين الذى يدينون به , بما فيهم انا, وانت.