وردت كلمة داخر في القرآن أربع مرات جميعها بلفظ اسم الفاعل (داخر ) واسم الفاعل كما نعلم هو اسم مشتق (أي مأخوذ من الفعل) يدل على من قام بالفعل ،و هو هنا يدل على وضع معين ،أو هيئة ولذلك جاء التعبير عنها بهيئة الحال .. جاء في موضعين على شكل جملة اسمية مكونة من مبتدأ وخبره المبتدأ جاء مرة ضمير هم في (هم داخرون ) ومرة أخرى : أنتم في 0(وأنتم داخرون ) / أو على هذا الشكل المفرد(داخرين ) : (وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ)، و أيضا :(سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) .. معا نحاول قراءة ما يحمله سياقها من معان ، مع التأكيد أن ما سيقال، مجرد قراءة تحمل وجهة نظر خاصة، تشوبها القصور بالطبع ..
1ـ وأول آية وردت فيها (داخر ) هي( النحل48 ) وهي آية تتحدث عن سجود كل المخلوقات بلا استثناء ، ويبدو ذلك واضحا من الظلال عن اليمين والشمائل (وهم داخرون ) ملاحظتي هنا أن السجود، هو سجود له طابع خاص تشترك فيه كل المخلوقات لرب العزة ،ولذا كان التنويه عن أن هذا السجود سجود إجباري، لا اختيار فيه ،فليس في وسع أحدنا ان يتحكم في ظله ،بل رغما عنه يسجد الظل للخالق ! مهما كانت نفس هذا الظل مستكبرة ! الأمر الذي يدعو لمقارنة المخلوقات بأرقى أنواعها وهم الملائكة
إذ أنهم لا يستكبرون عن عبادة الخالق :( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) ،فكان سجود الظل دلالة على اعتراف إجباري بعبوديةالمخلوقات للخالق سبحانه .. نقرأ معا :
النحل - الآية 48 (أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَىْءٍۢ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلَٰلُهُۥ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِّلَّهِ وَهُمْ دَٰخِرُونَ )
2ـ والآية الثانية ،تتحدث عن النفح في الصور،وفزع من السماوات ومن الأرض.. ملاحظاتي في هذه الآية أن الفزع استخدم معه اسم الموصول (من ) للدلالة على أن هذا الفزع خاص بمن له عقل، وهو المكلف الذي أخذ فترة الحياة الدنيا ليتم اختباره ، والملاحظة الثانية أن هناك نسبة من هؤلاءالمكلفين لم يصيبهم الفزع ،لحكمة يعلمها الخالق ، ولكن (كل آتوه داخرين) من فُزع ومن لم يفزع مشتركين معا ، يقول تعالى :
النمل - الآية 87 (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ ۚ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ )
3ـ والآية الثالثة، تتحدث عن نفس الحدث وهي تخاطب منكري البعث مؤكدة لهم بعثهم وبصورة لا اختيار لهم فيها وهذه الآية من الآيات التي يرد فيها الرسول الكريم عن سؤال وُجه إليه وانتظر الإجابة فيه عن طريق الوحي ، لتأتي قوية موجزة مفحمة لكي من ينكر البعث هكذا :
الصافات - الآية 18 (قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ)
4ـ أما الآية الرابعة ، فتأتي في سورة غافرتسجل أمرا إلاهيا بضرورة دعاء الله سبحانه ،وهذا الأمر بالدعاء هو اعتراف بالوحدانية للخالق العزيز الحكيم وهو علاج جراحي سريع لمرض الاستكبارالذي يرويه الشيطان بوسوسته ،ولأن المستكبرين عن الدعاء سيدخلون جهنم بهيئة ليس فيها أي استكباروتستخدم الآيات لفظ اسم الفاعل كما سبق أن ذكرنا ، الذي يدل على القيام بالفعل بهيئة حالية : (داخرين ) !!
غافر - الآية 60 (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)
وبعد هذه قراءة سريعة لهذه الآيات الأربع تحاول الغوص في سياق الآيات بإيجاز، حتى لا يضيع منا القارئ ،وينسى موضوعنا الأساس .. والذي هو تدبر لفظ داخر ..
وأرجو المعذرة إن قصرت ، أو أخطأت.. (سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم).