المرأة كاملة عقل و دين
المرأة كاملة عقل و دين

ياسين ديناربوس في الثلاثاء ١٠ - يناير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

من يقلب صفحات التاريخ لن يسع عمق البحر حزنه علي ما عانته المرأة من ويلات و من حيف و ظلم علي مر العصور…

 

فقد كانت الشعوب القديمة تتخذ موقفاً عدائيا مستبدا تجاه المرأة.. و لطالما بحث و ناقش كهنة الديانات الغابرة تساؤلات من قبيل: هل المرأة إنسان؟ وهل حباها الله روحا؟..

 

أما في مجتمع روما فلم يكن هناك مجال للتساؤل؛ بل كان قد تقرر أن المرأة كائن لا نفس له و أنها لا ترث الحياة الأخروية و أنها رجس لا يجب أن تأكل اللحم ولا يجوز لها الضحك أو الكلام...

 

و هو نفس التوجه الذي اتخذته الديانة الهندوسية التي أغلقت أبواب التعليم في وجه المرأة و الديانة النصرانية و اليهودية حيث اعتبرت المرأة مصدر الإثم و مرجعه..

 

و خوفاً من العار، كانت المرأة تدفن حية في الجاهلية و هي مازالت طفلة أو رضيعة.. و إلي غاية عهد قريب – إن لم يكن إلي يومنا هذا – لا زال القول بنجاسة المرأة ساري المفعول في جزيرة العرب.. حتي أن هناك من يعقب ذكر المرأة في كلامه بعبارة (أعزك الله) لأنها تعتبر نجسة في نظره.. و هو سلوك يتطابق تماماً مع ما نجده في الموروث الفقهي الإسلامي – الذي ما أنزل الله به من سلطان – حيث لا تحترم المرأة و لا تصافح و لا يجوز الإقتراب منها لأنها تنقض الوضوء كالبول و الدم و الكلب و الخنزير...

 

و تبقي الرواية المنسوبة كذباً و زوراً للرسول الكريم والتي تصف النساء بأنهن ناقصات عقل و دين، الأشهر بين المسلمين و رجال الدين الذين يروجون لهذا الحديث الذي يناسب عقليتهم الذكورية المتعصبة.. حتي صار حديث (ناقصات عقل و دين) أداتهم الفعالة و الناجعة لتكريس دونية المرأة و انحطاط مكانتها في المجتمع.. فأصبح الإعتقاد بنقصان عقل المرأة و دينها من ثوابت الدين، و باتت النساء المتعلمات قبل غيرهن أول من يدافع عن قولة (النساء ناقصات عقل و دين) و بذلك أصبحت المرأة عدوة لنفسها و عدوة للنساء جميعا من حيث لا تدري.. فضاع حقها لأنه لم يجد وراؤه طالب...

 

مثلها كمثل الطائر الذي ولد في قفص فاعتقد أن الطيران جريمة...

 

حديث (ناقصات عقل و دين) يوجد و في ست من كتب الأحاديث التسع المعتمدة في المذهب السني، مع بعض الإختلافات الطفيفة في المتن و السند هنا و هناك؛  إذ نجده في “صحيح مسلم” و “سنن الترمذي” و “سنن ابن ماجة” و “سنن أبي داود” و “مسند أحمد”،  كما نجده بروايتين في “صحيح البخاري” – الأولي في كتاب الحيض و الثانية في كتاب الزكاة – بينما لا نجد لهذا الحديث أثراً في باقي كتب الأحاديث: النسائي و الدارمي و الموطأ...

 

نص رواية البخاري بكتاب الحيض في باب ترك الحائض الصوم هو كالتالي:

 

[ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ فَقُلْنَ وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ قُلْنَ وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا ]

 

إن المتأمل العاقل لا يمكن يتغاضي عن عدة تناقضات و إشكاليات صارخة تطرح نفسها أمامه عند قرائته لهذا الحديث !

 

هل يعقل أن يطلق الرسول الكريم – و هو منبع الحكمة في هذا الوجود – حكماً عاماً علي جميع النساء بنقصان العقل و الدين؟ النساء اللاتي تشكلن نصف أمته أو ربما أكثر.. !!!؟؟

 

و هل ستغير صدقاتهن من حتمية كون أغلبهن في النار حسب الرواية؟ أم أن هذه النسبة قابلة للتغيير فيصير خبر الرسول كاذبا؟ – حاشاه من الكذب عليه الصلاة والسلام – 

 

كيف يري النبي أغلب النساء في النار و لم تقم للقيامة قائمة بعد؟ أو إن شئنا الدقة كيف يكون ذلك و هن لم يحاسبن بعد؟

 

و بما أن كمال العقل لازم مستلزم للتكليف الإلهي العادل، فلماذا يحاسب الله مخلوقات ذوات عقول ناقصة؟ أليس نقصان عقلهن برخصة تعفيهن من عذاب النار؟

 

ثم إن وصف النساء بنقصان العقل لا يستقيم مع قدرتهن العبقرية التي تذهب بلب الرجل ذي العقل الكامل حسب ما جاء في الرواية...

 

كما أن المنطق الذي لا يقبل أن يتفوق ناقص العقل علي كامله، هو نفس المنطق الذي لا يقبل أن يؤخذ الدين من راو مشوش الذاكرة ؛ روي قصة لا يعرف متي حدثت بالظبط و غير متأكد إن كان ذلك قد حصل في عيد الفطر أو الأضحى.. خصوصاً إذا علمنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحضر عيد الأضحى إلي مرة واحدة فقط في حياته.. فكيف لا يميز الراوي هذا الأمر؟؟!

 

و بالحديث عن الراوي ربما تجدر الإشارة – خصوصاً لمن يقيمون وزناً لرأي البشر في البشر – إلى كون علماء الحديث يعتبرون [ زيد بن أسلم ] راوي حديث مجروح (أي لا تصح عندهم رواياته).. هذا الأخير يوجد في أسانيد حديث (ناقصات عقل و دين) في رواية مسلم و روايتي البخاري.. فتأملوا...

 

إن حديث (ناقصات عقل و دين) من أشهر الأحاديث رواجاً بين المسلمين إن لم يكن أشهرها علي الإطلاق.. و هو حديث ذائع الصيت في الخطاب الفقهي الإسلامي الذكوري النزعة، علي عكس حديث صحيح مسلم الذي جاء فيه ما يلي:

 

[ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ قَالُوا حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ فَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ فَإِذَا صَلَّى صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ قَامَ فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي مُصَلَّاهُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ بِبَعْثٍ ذَكَرَهُ لِلنَّاسِ أَوْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَمَرَهُمْ بِهَا وَكَانَ يَقُولُ تَصَدَّقُوا تَصَدَّقُوا تَصَدَّقُوا وَكَانَ أَكْثَرَ مَنْ يَتَصَدَّقُ النِّسَاءُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ ]

 

هنا نجد صورة حقيقية للرسول الكريم تطابق عظمة خلقه كما جاء في كتاب الله ؛ ففي هذه الرواية لا يصف رسول الله النساء بنقصان العقل و الدين بل علي العكس تماما يعترف النبي بكرم النساء و يمدحهن لأنهن أكثر تصدقا من الرجال.. 

 

هذا الحديث مغمور جداً و غير متداول علي الإطلاق علي منابر الخطباء و رجال الدين.. و لا عجب في ذلك فهو حديث لا يخدم مصالح الكهنة و لا يساعدهم في إقصاء المرأة و إذلالها...

 

جاء القول بنقصان عقل المرأة في الحديث مبررا بكون شهادتها تعتبر نصف شهادة الرجل في إشارة واضحة لقوله عز و جل:

 

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗوَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗوَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ البقرة: 282 ]

 

ولأنه تبيان لكل شيء فقد علل كتاب الله مسألة شهادة رجل مقابل شهادة امرأتين و بين سبب ذلك في قوله تعالى {… أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى… } ؛ و هو تعليل نفهم منه أن اشتراط امرأتين جاء كإجراء احترازي و احتياطي مخافة أن تضل الأولي فتذكرها الثانية ! و بقليل من الإنصاف نلاحظ أن مسألة تصويب شهادة المرأة إن ضلت هي مهمة أنيطت بامرأة أخري مثلها و هذا يدل على أن النقص ليس في المرأة نفسها و إلا فكيف تذكر ناقصة العقل من ضلت في شهادتها؟!

 

هذه النتيجة تجرنا لتساؤل آخر و هو:… أين يكمن الخلل إذن؟؟؟

 

جواب هذا السؤال في فهم دلالة كلمة [ تضل ] واستقراء معناها في الآية 282 من سورة البقرة !

 

إن معني الضلال هنا لا يمكن أن يكون النسيان ؛ لأن الواقع المعاش يؤكد أن النسيان صفة تكوينية عند الرجال والنساء علي حد سواء و ليس خاصا بالمرأة وحدها، فلولا نعمة النسيان لمات البشر من القهر و الحزن علي ما يواجهونه في حياتهم من مآسي و كوارث فاطرة للقلوب...

 

لقد تزاوجت الكلمتان في قوله تعالى الخالي من الترادف: 

 

{ قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ ۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى } [ طه: 52 ]

 

مما يؤكد ما ذهبنا إليه في كون كلمة [ ضل ] ليست مرادفا لكلمة [ نسي ].. و لو كان الأمر كذلك لذكر النسيان صراحة في الآية الكريمة بصيغة: [ أن تنسى إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ]…

 

الضلال اصطلاحا هو العدول عن الطريق المستقيم أو سلوك طريق لا يوصل إلي الهدف المنشود .. و من يضل الطريق في الصحراء هو كل غريب عنها و كل من تنقصه الخبرة ليصل إلي ضالته أو إلي المكان المطلوب.. و المطلوب هنا هو معلومات مظبوطة و صحيحة تتحقق بها شهادة المرأة علي أكمل وجه ؛ و عليه فنحن نفهم أن كلمة [ ضل ] في سياق الآية الكريمة تعني نقصاً في الخبرة و المعلومات عند المرأة – و ليس نسيانها – مما قد يجعلها تستعين بمكمل للمعطيات اللازمة للشهادة.. و هو ما لا يمكن اعتباره في أي حال من الأحوال نقصاً في العقل !

 

هذا النقص في المعلومات و المعطيات اللازمة للشهادة نراه ناتجا عن مكانة ووظيفة المرأة في الجاهلية، حيث كانت بعيدة كل البعد عن كتابة الديون و المعاملات التجارية آنذاك، و هذه ليست صفة خلقية في المرأة بل اكتسابية ناتجة عن طبيعة المجتمع الذي نشأت فيه ؛ و من هنا نقول أنه لو اكتسبت المرأة الكفاءة اللازمة في كتابة الديون التجارية و إثباتها لكانت شهادة امرأة واحدة كافية، و هذا ما ذهب إليه الإمام أحمد بن حنبل عندما قال: [ أن شهادة الرجل تعدل شهادة امرأتين فيما هو أكثر خبرة فيه و شهادة المرأة تعدل شهادة رجلين فيما هي أكثر خبرة فيه ]

 

و هذا عين المنطق، لأن شهادة ممرضة حضرت عملية جراحية طبية ستكون أكثر موضوعية و أقرب للصواب من شهادات عشر رجال فلاحين بخصوص نفس الواقعة !.. و هو أمر طبيعي لا ينقص من قيمة الفلاحين لأن الطب و التمريض لم يكن من اختصاصهم و كفائاتهم و لا يدخل ضمن دائرة اهتماماتهم و لهذا فمن المجحف أن نصفهم بنقصان العقل كما نسب زورا و كذباً عليً الرسول الأعظم في حق المرأة من أجل تهميش دورها في المجتمع و التقليل من قدراتها العقلية، مع أن الواقع المعاش أثبت أن الدماغ لا جنس له و أن ميكانيزمات الجهاز الإدراكي عند الإنسان سواء كان ذكرا أم أنثي تخضع لنفس القانون و هو التفاعل مع الإطار المرجعي الذي تشكله البيئة و المجتمع و الذي يؤثر سلباً و إيجاباً علي مستوي  المخزون الثقافي و القدرات الإدراكية العقلية عند المرأة كما عند رجل.. وهذا يفسر – مثلا – مسألة تفوق عالمة الفيزياء و الكيمياء “ماري كوري” علي ملايين الرجال و حصولها علي جائزتي نوبل تقديراً لما أسداه عقلها من خدمات جليلة للبشرية...

 

لقد وردت مسألة شهادة امرأتين مقابل شهادة رجل مرة واحدة في التنزيل الحكيم و اختصت بكتابة الدين في المعاملات التجارية فقط لا غير.. و عليه فإن إطلاق الحكم بكون شهادة المرأة تعادل نصف نظيرتها عن الرجل يعد كذبا و تدليسا، بل تقولا علي الله ! 

 

فمن يدرس و يتدبر كتاب الله لن يجد أفضلية مطلقة لشهادة الرجل علي شهادة المرأة في التنزيل الحكيم ؛ ففي باقي الشهادات تتساوي النساء مع الرجال تماماً !

 

في شهادة اثبات الفاحشة، قال عز و جل:

 

{ وَالَّلاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ.. }

 

هنا لا يوجد اي ذكر لكون الشهود الأربعة رجال ام نساء، أي أن شهادة أربع نساء تساوي شهادة أربع رجال !

 

و يتكرر الأمر نفسه في قوله تعالى:

 

{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }

 

ففي قذف المحصنات، السرقة و القتل الى غيرها من الجرائم لم يحدد الشارع جنس الشهود.. و هذا يعني أن شهادة الرجل والمرأة متساويان عند الله في هذه الحالات.

 

أما في شهادة الوصية فنجد أن شهادة امرأتين تعادل شهادة رجلين !

 

يقول رب العالمين:

 

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِۚ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۙ وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الْآثِمِينَ } [ المائدة: 106 ]

 

وهنا إشارة إلي أن الرجل يمكن أن يكون كاذبا فاقدا لأهلية الشهادة فيتم تعويضه بشهود عدول من ملل أخري..

 

بل أكثر من ذلك، فهناك آيات في سورة النور تعلو فيها شهادة المرأة علي شهادة الرجل ! و ذلك عندما تعارض شهادة المرأة شهادة زوجها إذا أقر أنه شاهدها تخونه:

 

{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ } [ النور: 6، 7، 8، 9 ]

 

إن الآية 282 من سورة البقرة تخاطب صاحب الدين، الذي يريد أن يستوثق لدينه الخاص و لا تخاطب الحاكم  أو القاضي الذي له أن يحكم بالدليل و البرهان القاطع بصرف النظر عن جنس الشاهد وعدد الشهود الذين تقوم بهم البينة.. فالشهادة ليست مطلوبة بحدّ ذاتها، بل هي فعل لإثبات الحقوق أو الواجبات، و هي توثيق وإثبات لحصول أمر مُعيَّن فإنْ وُجِدَت وسيلة مجدية يتمّ بها  توثيق الأمور يكون المقصد للشارع من الشهادة قد حصل.. و هذا ما نجده في كتاب [الطرق الحكمية في السياسة الشرعية] للشيخ تقي الدين أحمد ابن تيمية حيث يقول:

 

[… وأن ما جاء عن شهادة المرأة في آية سورة البقرة، ليس حصرًا لطرق الشهادة “وطرق الحكم التي يحكم بها الحاكم، وإنما ذكر لنوعين من البينات في الطرق التي يحفظ بها الإنسان حقه.. فالآية نصيحة لهم وتعليم وإرشاد لما يحفظون به حقوقهم، وما تحفظ به الحقوق شيء وما يحكم به الحاكم شيء، فإن طرق الحكم أوسع من الشاهدين والمرأتين... ]

 

و هذا يحيلنا علي القاعدة التي تقول بسقوط الحكم لإنتفاء العلة..

 

و هي – فيما يبدو لي – قاعدة فقهية منطقية جداً !

 

و بما أن التطور العلمي و الحضاري اليوم أصبح يتيح للمتداينين إمكانية تسجيل الديون قانونيا فإن ما عرضناه من نص الأية بالكامل سقط حكمه بإنتفاء علته.

 

نأتي الآن إلي ادعاء نقصان دين النساء في الحديث المنسوب لرسول الله، و سببه عدم قدرة الحائض علي الصلاة و الصيام حسبما زعم صناع الحديث...

 

لقد شرف الله عز و جل المرأة بأن أناط بها مهمة الحمل و الولادة، و علي أساس هذه المهمة النبيلة يقوم استمرار الجنس البشري، و قد استوجبت سنة الله في الخلق أن يتم الحمل بتلقيح بويضة في رحم المرأة أو تخرج هذه الأخير علي شكل دورة شهرية إذا لم يتم التلقيح.. و عليه، فإن هذه الحالة الإعتيادية من خروج دم الحيض ليست بيد المرأة و لا بإرادتها ؛ فالمرأة تحيض لأن الله خلقها تحيض و فطرها علي ذلك، فهل خلقها الباريء عز و جل لتكون ناقصة دين؟

 

إنه لمن غير المعقول أت تحاسب المرأة علي حيضها و الله عز وجل – من مقتضي كمال عدالته الإلهية – لا يحاسب أحدا علي طوله أو وزنه ولا علي أي شيء خارج عن إرادة الإنسان الواعية الحرة، و ذلك مصداقا لقوله تعالى:

 

{ لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا } [ الفتح: 17 ]

 

فمن رحمة رب العالمين أن أسقط العبادات عن كل ذي عذر (كالطفل والمريض والمجنون) و لم يعتبر عدم أداء الشعائر في هذه الحالات  من نقصان الدين..

 

وانظرو كيف أن الفقهاء ورجال الدين يعيرون المرأة بحيضها و يصفونها بنقصان الدين بينما يعتبرون الرجل المريض – العاجز عن أداء الشعائر – كامل دين !!! 

 

إن ترك المرأة للصلاة في فترة الحيض هو عين كمال الدين ؛ فهي بذلك تمتثل لطاعة الله عز و جل وتلتزم بشرط الطهارة البدنية للصلاة كما جاء في قوله تعالي:

 

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ المائدة: 6 ]

 

و بذلك يتضح أن مقولة ناقصات عقل ودين يستحيل أن تصدر عن رسول الله، فهو صلى الله عليه وسلم أفقه و أعدل من أن يصف المرأة المسلمة الملتزمة بتعاليم الدين و المنفذه لشروط الشعائر بأنها ناقصة دين...

 

و لنفرض جدلا أن امرأة تصلي و هي حائض.. 

 

هل تصبح بذلك كاملة دين؟ أم مخالفة للدين؟؟؟

 

أما بخصوص الحكم الفقهي المتهافت الذي يمنع الحائض من الصيام فهو حكم لا يقيم وزناً لكتاب الله..

 

لأن النص القرآني في هذا الصدد جاء واضحا و موجهاً للرجال والنساء علي حد سواء، حيث قال تعالى:

 

{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚفَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون }َ [ البقرة: 185]

 

الآية الكريمة واضحة و صريحة في تحديد رخصتي الإفطار في حالتين اثنتين فقط، هما: السفر و المرض !

 

فهل يعتبر الحيض مرضا؟؟؟ 

 

الجواب في قوله تعالى:

 

{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } [ البقرة: 222 ]

 

نستنتج إذن أن [ المحيض ] ليس [ مرض ] بل هو [ أذي ]..

 

و بالحفاظ علي قاعدة عدم الترادف في كتاب الله و التي تقول بأن لكل لفظ في التنزيل الحكيم معناه المتفرد المحدد و المظبوط بدقة، يتبين لنا الفرق بين [ المرض ] و [ الأذي ] في قوله عز و جل:

 

{ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ… } [ البقرة: 196 ]

 

فقوله تعالى: { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى } يقتضي أن يكون المرض شيئا و الأذي شيئاً مختلفاً عنه، خصوصاً بعد أن جاء التنويع بينهما في الآية الكريمة بلفظ [ أو ]…

 

والخلاصة إذن هي أن الحيض ليس مرضا ! 

 

و بالتالي فالحائض لا رخصة لها بإفطار رمضان ! اللهم إذا استثنينا بعض الحالات الخاصة و التي قد تصاب فيها المرأة باضطراب مرضي في فترة الحيض فيؤثر ذلك علي قدرتها علي الصيام فتصبح حينئذٍ بحكم المريض و تأخذ رخصتته في الإفطار.

 

هناك من يدعي أن منع الحائض من الصيام مرده عدم قدرتها علي الصلاة و هذا كلام مردود لأن الصيام فريضة مستقلة بذاتها عن الصلاة و لكل منهما شروطه الموضوعية الخاصة و المختلفة علي غرار باقي الشعائر..

 

و خذ عندك من هذه الإختلافات أن الشارع كلف من أفطر رمضان بعذر أن يقضي ذلك في أيام أخر، بينما بينما لم يطلب أداء الصلوات المتروكة برخصة..

 

زد على ذلك أن الجنابة تستوجب الغسل قبل الصلاة بينما الأمر ليس كذلك بالنسبة للصوم لأنه عبادة مستقلة تستوعب اليوم كله، لا سيما أن طبيعة الإنسان الفيزيولوجية قد تمنعه من البقاء علي طهارة طول ساعات اليوم.. 

 

وجدير بالذكر أن معظم الفقهاء يقولون بأن الجنابة لا تبطل الصيام. 

 

وللإشارة فهناك بعض الشعائر الأخرى غير الصيام لم يشترط الشارع فيها طهارة محددة، كالوقوف بعرفة و أداء الزكاة وغيرها... 

 

ونحن نوجه تساؤلا لمن لا يستسيغون ما لم يجدوا عليه آبائهم و من لا يقبلون ما جاء في كتاب الله و يجابهونه بما جاء في كتب الفقهاء و الشيوخ:

 

إذا كانت الطهارة لازمة للصيام..

 

كيف ستصوم المرأة شهرين [متتابعين] و هي تحيض شهريا؟!

 

كيف ستطبق الأمر الإلهي الموجه للذكور و الإناث في قوله تعالى:

 

{.. فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } [ النساء: 92 ]

 

ألا يقطع الحيض التتابع عند السادة الفقهاء؟!

 

أرأيتم كيف أن التنزيل الحكيم خال من التناقض بخلاف توجهات الشيوخ التي تؤدي لمفاهيم تعارض كتاب الله؟!

 

لم يتوقف ازدراء الخطاب الكهنوتي للمرأة و تقزيمه لماهيتها عند حدود حديث (ناقصات عقل ودين)، بل تمادى الشيوخ في حملة إقصائهم و تمييزهم العنصري ضد النساء بأن اعتبروا المرأة الحائض أو النفساء: [ نجسة ] !

 

وهذا وصف لا يصح في حق المرأة الحائض الموحدة المؤمنة بالله عز و جل !.. لأن الإنسان النجس هو المشرك الذي يدعو مع الله إلهاً آخر !.. ولذلك قال تعالى:

 

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا…. } [ التوبة: 28 ]

 

واعتمادا علي هذا الخطأ الفادح حرم الفقهاء علي النساء لمس المصحف إبان فترة الحيض و النفاس.. و هو ما لم يقل به الله و رسوله !

 

ولم يعتمد رجال الدين هذه المرة علي أحد الأحاديث المنسوبة زوراً لرسول الله من أجل منع الحائض من لمس المصحف، بل تقولوا علي الله الكذب عن طريق لي عنق الآية الكريمة:

 

{ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } [ الواقعة: 79 ]

 

ولكي نفهم مكمن خطأ هذا القول، يجب أن نتدبر الآية في سياقها ضمن ما سبقها و ما تلاها من الآيات ؛ كما جاء في قوله عز من قائل:

 

{ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } [ الواقعة: 75، 76، 77، 78، 79، 80 ]

 

القرآن المقصود هنا هو القرآن الموجود في [ الكتاب المكنون ] ؛ و المكنون هو كل مستور بعيد عن الﻹعين.. فكيف يكون قابلاً للمس إذا كان مخبأ؟؟

 

سورة الواقعة من السور التي نزلت في بداية استمرار الدعوة في مكة، حيث لم يكن هناك مصحف في ذلك الوقت بل لم تكن آنذاك آية واحدة مكتوبة، و معلوم أن الرسول الأعظم لم يحمل معه صحفا عندما هاجر و لم يكتب القرآن إلي في المدينة..

 

ولأن الآية كانت تخاطب قريش فالقرآن الذي تتحدث عنه لا يمكن أن يكون هو المصحف المخطوط علي الورق الذي بين أيدينا حالياً ! بل هو نسخة مكنونة مخباة !

 

أما [ المطهرون ] فهم الملائكة الكرام و ليس البشر ؛ لأن صفة الطهارة عند الملائكة كونية بينما هي عند البشر مكتسبة..

 

و بهذا يتضح معني { لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } ؛ فالآية الكريمة تتحدث عن المس كناية عن تعامل الملائكة (المطهرون) مع نسخة الوحي الأصلية (المخبأة في كتاب مكنون) !

 

ليس عن لمس البشر (المتطهرون) للمصحف (الغير مكنون و القابل للمس) الذي لم يكن موجوداً أصلاً حين نزلت سورة الواقعة.

 

ويؤكد هذا الفهم أن كلمة [ لا ] جائت نافية في قوله تعالى { لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } و ليست ناهية، لأن الفعل المضارع بعدها جاء مرفوعا و بالتالي فالآية هنا آية خبرية و ليست أية أمر و نهي..

 

فإذا قلنا [ لا يشرب زيد إلا الماء ] و شاهدناه بعد ذلك يشرب عصيرا، يصبح الخبر كذباً !

 

فهل رأيتم كيف أن الآية تفقد مصداقيتها عند من يفهم أن المطهرون هم أيا من الناس تقيا أم فاجرا؟

 

فنحن ليس في وسعنا أن نمنع وصول المصحف إلي غير المسلم.. كما أن دور النشر في غير ديار الإسلام قد تتولي طباعة القرآن الكريم و لا يمكن أن يتم ذلك دون مس المصحف.. 

 

يقول رب العالمين: 

 

{ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَـٰبًا فِى قِرْ‌طَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُ‌وٓا۟ إِنْ هَـٰذَآ إِلَّا سِحْرٌ‌ۭ مُّبِينٌ } [ الأنعام: 7 ]

 

لا نجد في هذه الآية أن الله حرم لمس المصحف على الكافرين.. 

 

و هذا يتفق تماماً مع ما سبق و أشرنا إليه من كون الهاء في [ لا يمسه ] لا تعود علي المصاحف التي بين أيدي البشر و ذلك من مقتدى مصداقية الخبر القرآني علي أرض الواقع.

 

القرآن الكريم كتاب هداية لكل الناس و خطابه التشريعي موجه عموماً للرجل و المرأة حيث لم يفرق بينهما أبداً بل أخذ بعين الإعتبار الوظائف المميزة لطبيعة كل من الذكور و الإناث..

 

مساواة الله عز وجل بين الرجال والنساء واضحة بجلاء في قوله عز وجل:

 

{ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [ الأحزاب: 35 ]

 

كما أن الإسلام اعتبر المرأة كاملة الأهلية عندما ساوي بينها و بين الرجل في الحدود و القصاص و سائر العقوبات و لم يسقط عنها أي تكليف و لم يعفها من أي فريضة بحجة أنوثتها.. فكان لها نفس ثواب الرجل مصداقا لقوله تعالى:

 

{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [  النحل: 97 ]

 

لقد ضرب الله عز و جل أمثالا للمؤمنين من الذكور و الإناث قصة زوجة إبراهيم و زوجة زكريا.. كما جعل السيدة مريم رمزاً من رموز تشريف المرأة في التنزيل الحكيم.. و هو ما نستشعره في قوله عز وجل:

 

{ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ } [ آل عمران: 42 ]

 

فهل يصطفي الله ناقصة العقل و الدين؟؟!

 

وهذه ملكة سبأ ! يشير القرآن الكريم إلي قمة الحكمة عندها في قوله تعالى: 

 

{ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } [ النمل: 32 ]

 

في مقابل – الرجل – فرعون، رمز التعالي و الغرور كما تجلي في قوله تعالى:

 

{ ۚ قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ } [ غافر: 29]

 

و إذا كان فرعون مثالاً للكفر و الغرور و  التعالي فقد كانت امرأته عكس ذلك في قوله تعالى:

 

{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [ التحريم: 11 ]

 

فهل كل هؤلاء النسوة ناقصات عقل ودين؟؟؟

 

إن تعارض رواية (ناقصات عقل ودين) مع المنطق و العقل و القرآن يجعلنا علي قناعة تامة و مطمئنة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا القول في حق نساء أمته...

 

لقد كانت أول شهيدة في الإسلام هي الصحابية (سمية بنت خياط) !

 

فهل يصفها الرسول الكريم بنقصان العقل و الدين؟!

 

كما كانت السيدة (رفيدة الأسلمية) أول ممرضة تسعف الجرحي و المصابين في الحروب بعد أن نصب لها الرسول خيمة خاصة بها في ناحية من المسجد النبوي الشريف...

 

إنه لمن المستحيل أن يحط أشرف الخلق من مكانة المرأة و ينقص من القدرها بالشكل الذي تم رسخه رجال الدين في المعتقد الفقهي..

 

من سولت له نفسه أن يشوه صورة الرسول الأعظم فهو حر في اتباع شيطانه، و من هان عليه أن يصف من حملته وهنا علي وهن بنقصان العقل و الدين، فليفعل ابتغاء مرضاة الكهنوت !

 

عن نفسي أربأ بنبيي عن هذا القول !

 

المرأة هي الأم والزوجة والأخت والبنت والمعلمة والطبيبة ورائدة الفضاء… حاشها من نقصان العقل و الدين !!! 

 

المرأة إن آمنت و عملت صالحا فهي كاملة عقل و دين...

 

{ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ } [ المؤمنون: 14 ]

 

{ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } [ السجدة: 7 ]

 

إن أصبت فمن الله سبحانه وتعالى وإن أُخطأت فمن نفسي.

 

هذه وجهة نظري وليس ملزوم بها كل من قرأ مقالي.

 

#مقالات_ياسين_ديناربوس

اجمالي القراءات 18462