خطبتي جمعة
المولد النبوي

عبدالوهاب سنان النواري في الإثنين ٠٩ - يناير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الخطبة الأولی:

 

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا

هو الذي ينزل على عبده ءايات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم

هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير

هو الذي أرسل رسوله بالهدی ودين الحق ليظهره علی الدين كله.

قرآنا عربيا لعلكم تعقلون.

كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.

آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين.

 

أما بعد أيها الإخوة المؤمنون، فإننا نعيش وإياكم هذه الأيام ذكرى ما يسمى: بالمولد النبوي، والذي تعارف عليه الناس بأنه يصادف الثاني عشر من شهر ربيع الأول، على أشهر الأقوال. وهو نفس اليوم الذي مات فيه خاتم النبيين كما يزعمون، وبهذا لا ندري هل نسميه: يوم المولد النبوي. أم نسميه: يوم الموت النبوي!

نحن معشر المؤرخين نعتمد تاريخ الوفاة لأنه أكثر دقة من تاريخ الولادة، فنقول: فلان بن فلان، المتوفي سنة كذا؛ لأن المرئ يولد طفلا عاديا لا يكترث أحد بأمره، فإذا ما أصبح نجما أو بطلا أو علما من الأعلام، فإنه يصبح محط إهتمام الكثيرين، فيصبح لديه الكثير من الأتباع والمعجبين والتلاميذ والأعداء والمنافسين، هنا يصبح موته حدثا هاما وكبيرا وخطيرا ومعلوما يقينا، كما أننا ننسبه للبلد الذي توفي ودفن فيه وليس إلى بلد الولادة.

والحقيقة أنه لا يصح أن نسمي يوم مولد محمد: بالمولد النبوي. لأن محمد ولد طفلا عاديا، وعاش حوالي ثلثي عمره رجلا عاديا، ولم يولد نبيا من اللحظة الأولى، كما هو حال نبي الله عيسى ابن مريم عليهما وعلى جميع رسل الله السلام. كما أنه لا يصح أن نسمي يوم موته: بالموت النبوي. لأن نبوته إنتهت بختم الرسالة القرآنية قبل موت. وٱذن فالصحيح أن نقول: يوم مولد محمد، ويوم وفاة محمد.

طبعا هناك الكثير من الأساطير والخرافات التي ترتبط بيوم مولد محمد، ولا توجد خرافات معاكسة ترتبط بيوم وفاته، وهناك قوم يزعمون أنهم أبناء محمد، وهم أكثر الناس تحمسا لإحياء مناسبة مولده، كتظاهرة سياسية ليس إلا، ومن باب إحياء مولد جدُنا، وليقولوا للناس: نحنُ هُنا. طبعا كل تلك الخرافات والأساطير والمزاعم نضعها تحت أقدامنا، ونرجع إلى كتاب الله وحده لا شريك له، لنتلمس الحقائق القرآنية في هذا الصدد.

ذُكر محمد (عليه السلام) بالاسم في أربعة مواضع قرآنية فقط، وهي:

١- محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم .. (الفتح ٢٩) .

٢- ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما (الأحزاب ٤٠) .

٣- والذين ءامنوا وعملوا الصالحات وءامنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم .. (محمد ٢) .

٤- وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين (آل عمران ١٤٤) .

إذن فالقرآن الكريم يقول: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم. ولم يقل: محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن قصي بن كلاب رسول الله وعلي بن أبي طالب وأبي بكر الصديق ومعاوية بن أبي سفيان .. الخ، أشداء على الكفار رحماء بينهم. وهذا يعني لنا الكثير: يعني أن الله جل وعلا، لم يذكر نسب خاتم النبيين لأن نسبه غير مهم وليس جزء من الدين، ولو كان كذلك لذكره رب العزة في كتابه الحكيم. ويعني أيضا: أن القرآن العظيم عندما يذكر الذين معه، فإنه يتحدث عن صفات وليس عن أسماء، وبهذا يدخل كل من يتحلى بهذه الصفات في كل زمان ومكان، تحت قوله تعالى: والذين معه.

وقوله تعالى: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما. يقطع الطريق على كل أفاك يزعم أنه ابن محمد أو أنه نبي جديد، وقوله تعالى: وكان الله بكل شيء عليما. يدل على أن رب العزة، أورد هذه الآية ليس ليعالج قضية (زيد) فحسب، ولكن ليرد بها سلفا ومسبقا مزاعم أولئك الدجالين الذين يدعون وصلا بخاتم النبيين، وأولئك الدجالين الذين يدعون أنهم أنبياء جدد، فيا كل أولئك .. أتعبتم أنفسكم فيما فيه خسرانُ.

وقوله تعالى في سورة محمد: والذين ءامنوا وعملوا الصالحات وءامنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم. يعني أن القضية ليست محمد كشخص، وأن الإيمان ليس بمحمد كشخص، وإنما يكون الإيمان بما نزل على محمد، أي الإيمان بالقرآن الكريم، أي الإيمان بمحمد من خلال ما أنزل إليه، أي الإيمان بمحمد من خلال القرآن الكريم. فالقرآن الكريم هو القضية الأساسية، فلولا القرآن الكريم لما سمع أحد بمحمد، ولولا القرآن الكريم لما كان محمد شيئا مذكورا.

وهذا ما يؤكده أيضا، قوله تعالى: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين. ولنا مع هذه الآية الكريمة وقفة، ولكن في الخطبة الثانية بإذن الله جل وعلا.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، إنه تعالی ملك بر رؤوف رحيم.

قلت ما سمعتم، واستغفر الله العلي العظيم لي ولكم، ولوالدي ووالديكم، ولسائر المؤمنين والمؤمنات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية:

جاء قوله تعالى: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين. في سياق التأكيد على بشرية محمد، وأنه مجرد رسول شأنه شأن غيره من رسل الله السابقين، وأنه ينبغي أن لا يؤثر موته سلبا على إيمان الناس، فمحمد مات ودين الله باق لم يمت، ودين الله جل وعلا، هو القرآن الكريم، المعجزة الوحيدة والخالدة التي بعث بها محمد، والشاكرين هم من يتمسكون ويكتفون بالقرآن الكريم.

وقوله تعالى: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل. يقطع الطريق أمام كل من يغالي في خاتم النبيين، فإذا ما وجدت جاهلا يقول لك: أن محمد هو الرسول الأعظم، وأنه خير وسيد الخلق والمرسلين، وأنه وأنه وأنه .. الخ، فقل له: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل. وهذا هو نفس الأسلوب الذي رد به الحق تبارك وتعالى، على مزاعم وغلو النصارى في عيسى ابن مريم، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل (المائدة ٧٥) .

وقد أمر الحق تبارك وتعالى خاتم أنبياءه بأن يبلغ حقيقة أنه ليس متميزا على غيره من الرسل، وأنه واحد منهم لا أقل ولا أكثر، وأنه لا يعلم الغيب، وأنه فقط متبع لما يوحى إليه من قرآن، وذلك في قوله تعالى: قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين (الأحقاف ٩) .

وحينما ذكر الحق تبارك وتعالى صفات المؤمنين، جعل من أهم وأبرز صفاتهم: أنهم يؤمنون بجميع رسل الله جل وعلا، وأنهم لا يفرقون بين أحد من رسله، أي أنهم لا يفضلون أبن جلدتهم على غيره من الرسل، ولا يرفعون قدره فوق قدرهم، ولا يعظمونه أكثر من غيره، فجميع رسل الله تعالى، في نفس المؤمن في نفس المكانة والقدر، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: ءامن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل ءامن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله (البقرة ٢٨٥) .

بل ويجعل الحق تبارك وتعالى، التفريق بينه وبين رسله، والتفريق بين الرسل، من علامات الكفر البارزة، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا ، أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ، والذين ءامنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما (النساء ١٥٠-١٥٢) .

وهكذا فقد خالف أوامر الله جل وعلا، وخرج من دائرة الإيمان، ودخل في دوامة الكفر، كل من يحتفل بمحمد، ويعظمه ويرفعه فوق مستوى غيره من الرسل.

 

ختاما: يقول الحق تبارك وتعالی: يا أيها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا ، وسبحوه بكرة وأصيلا ، هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلی النور وكان بالمؤمنين رحيما (الأحزاب 41-43) .

وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين (غافر 60) .

ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ، ربنا وآتنا ما وعدتنا علی رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد.

ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته علی الذين من قبلنا ، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ، واعف عنا ، واغفر لنا وارحمنا ، أنت مولانا فانصرنا علی القوم الكافرين.

قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله

اجمالي القراءات 7143