أولا : الوصية :
العنوان مفزع بلا شك . ولكنه جاد ، بل فى منتهى الجدية . وسيقرأ هذا الموضوع لأول مرة أبنائى ، وهى وصيتى لهم أكتبها لهم علنا : ( بعد موتى : أوصيكم بحرق جثتى ، ثم خذوا رماد جثتى فى قارورة وانثروه فى مكان فى فناء بيتنا فى سبرنج / فيرجينيا ، وازرعوا شجرة تحمل إسمى . ).
ثانيا : لماذا ؟
1 ـ إن الله جل وعلا كرّم بنى آدم ، ومن تكريمه دفن جثته ، أو المسماة ( سوأة ) أى يسوء منظرها ، وتسوء رائحتها . ومهما كان صاحب الجثة محبوبا فإن أقرب الناس اليه لا يتحمل البقاء بجانب جثته ، ولا يستطيع أن يبقى الى جانبها وهى تنتفخ وتنفجر وتتعفن وبرائحة نتنة لا يمكن تحملها . دفن ( الجثة / الجيفة / السوأة ) إكرام هائل لصاحبها الذى غادرت نفسه هذه ال( الجثة / الجيفة / السوأة ) الى البرزخ الذى أتت منه تعود اليه تحمل عملها .
الدفن فى التراب هو الشائع ، سواء كان فى تابوت مدفون فى قبر ، أو فى قبر توضع فيه ( الجثة / الجيفة / السوأة ) وقد كساها أهل الميت كفنا وغسلوها وزينوها لتكون طعاما للدود ، وهم يعلمون أنها ستكون طعاما للدود .!!. فى الدفن فى التراب تأخذ ( الجثة / الجيفة / السوأة ) وقتا طويلا حتى تنتهى الى تراب .
2 ـ قالوا عن تحلل ( الجثة / الجيفة / السوأة ) : ( مرحلة ما قبل الدفن تنخفض درجة حرارة الجسم نتيجة لتوقف العمليات الطبيعية والأيضية داخل الجسم. شحوب لون الوجه وميلانه إلى اللون الأصفر. يكون لجسم الميت رائحة مميزة لا يدركها الإنسان العادي، وتجذب الحشرات وخصوصاً الذباب فتبدأ بوضع بيوضها بكميات كبيرة في فتحات الجسم وطيات الجلد. تتصفى دماء الجسم في الجزء الأسفل منه نتيجةً لتوقف القلب وعدم دورانها في الأوردة والشرايين ممّا يؤدّي إلى تحول الجسم إلى اللون الأزرق. تتشنج أطراف الجسد الميت وتتيبس ويصبح من الصعب تحريكها كأنّها قطعة خشب صلبة. انخافض رطوبة العينين أو يما يعرف بتغيرات الرطوبة الزجاجية. تبدأ عملية الهضم الذاتي للجسم، نتيجة لقيام البكتيريا الموجودة داخل الجسم بعمليات الهضم والتآكل لخلايا الجسم الميتة. مرحلة ما بعد الدفن تتحوّل منطقة البطن والصدر إلى اللون الأخضر نتيجةَ قيامِ البكتيريا الموجودة في أسفل جسم الجسد بالتحلل والتأكل. تتعتم قرنية العين وتسيل مقلةَ العين من مكانها، مع بروزٍ لشراين الجسم وأوردته من خلال الجلد. يبدأ الجسم بالإنتفاخ وخصوصاً في منطقة البطن والصدر نتيجة قيام البكتيريا الموجودة في الجسم بأكل الخلايا الميتة والقيام بعمليات التحلل مما ينتج عنه غازات تتجمع داخل الجسم لعدم وجود منفذٍ لها. نتيجة لعمليات التحلل الداخلية والغازات المجتمعة يكون الجسم ذو رائحةٍ كريهةٍ جداً. تبرز العينان والوجنتان وتختفي ملامح الوجه كاملة. بعد فترة من الزمن تبدأ الأظافر بالتساقط بالإضافة إلى سقوط الشعر في كافة أنحاء الجسم. تظهر اليرقات الدودية في كافة أنحاء الجسم وخصوصاً في مناطق الفتحات مثل الفم والأنف والعينين كما ذكرنا في المرحلة الأولى قبل الدفن، وتبدأ في أكل الجسم، ونتيجةً لذلك يبدأ جلد الإنسان بالتساقط. نتيجةً لعمليات الأكل من قبل اليرقات والديدان، تبدأ عضلات الجسم بالسقوط عن الهيكل العظمي وتتحلّل حتى تختفي تماماً. لا يبقى من عمليات التحلل الذاتية والتحلل نتيجة اليرقات إلا الهيكل العظمي فقط. بعد فترةٍ من الزمن تبدأ اليرقات والديدان بالإختفاء نتيجة أكل بعضها البعض لعدم وجود طعام، ومن يبقى أخيراً يموتُ نتيجة النقص في الغذاء. تأخذ العظام فتراتٍ طويلةً حتى تتحلل إلى التراب. ) .!!
وقالوا : ( في اليوم الأول للمتوفى يبدأ التعفن على مستوى البطن والفرج، وأجسادنا باختلاف ألوانها ستتحول إلى لون مائل للخضرة، كل الجسد سيصبح أخضرا قبل التحلل!. في اليوم الثاني، تبدأ الأعضاء تتعفن “الطحال والكبد والرئة والأمعاء”، وفي اليوم الثالث في القبر تخرج روائح التعفن من الجسد . تلك المراحل السابقة جميعها تحدث مع بقاء الجسد سليما لم يصبه فتحات أو خروج أية أعضاء، وبعد أسبوع من تعفن الجسد يبدأ ظهور انتفاخ على مستوى الوجه، أي العينين واللسان والخدود.بعد عشرة أيام، سيطرأ الانتفاخ لكن على مستوى الأعضاء الباقية “البطن والمعدة والطحال”، وعقب اكتمال الأسبوعين يتساقط جميع الشعر.في اليوم التالي لتساقط الشعر، يشتم الذباب الأزرق رائحة التعفن من على بعد 5 كيلو مترات، ويبدأ الدود يغطي الجسم كله، ويأكل كل ما فيه، ويظل هكذا لشهور متتالية حتى تنتهي كل قطعة مرنة في جسد الإنسان، وبعد ستة أشهر، لن تجد شيئا متبقيا سوى هيكل عظمي فقط. بعد 25 سنة، سيتحول هذا الهيكل الى تراب . ).!!
وقالوا : ( بعد مضي 24-36 ساعة علي الوفاة تظهر بقع خضراء في جدار البطن، مقابل الأعور، أو حول السرة . كما یظهركثیر من الأوعیة الدمویة المتشعبة في جلد البطن والصدر، وتسیل مقلة العین، وتتعتم القرنیة.- بعد یومین إلى خمسة أیام یظهر الزبد المدمى من الفم والأنف،وینتفخ البطن والصفن، وینتشر اللون الأخضر في كل جلد البطن والصدر . وتظهرالنفطات الغازیة، تحت الجلد. وینتفخ الوجه والجسم كله بالغازات المتجمعةتحت الجلد، وتبرز العینان، واللسان، وتختفي ملامح الوجه ، وتنبعث من الجثةرائحة كریهة، من الغازات المتصاعدة -بعد خمسة أیام إلى عشرة تسیل مقلة العین، ویتساقط الجلد الأخضر الهش ، كما تتساقط الأظافر ، والشعر، وتظهر الیرقات الدودیة المتعددة ، وبخاصة حول الفم والأنف، وأعضاء التناسل، ثم بعد ذلك تنحل الأنسجة، وتسیل في التراب تدریجیاً، حتى تبقى العظام وحدها، بعد حوالي ستةأشهر إلى سنة.والهیكل العظمي یتلاشى بدوره، ویعود إلى مكوناته الأساسیة. ).!!
3 ـ حرق ( الجثة / الجيفة / السوأة )يختصر كل هذا ( القرف ) ويحولها سريعا الى تراب ، أكثر من هذا يمكن الاحتفاظ بهذا التراب والاستفادة منه فى إستزراع نبات ينفع الناس . لهذا كتبت وصيتى بحرق جثتى .!
ثالثا : عبادة ( الجثة / الجيفة / السوأة ):
1 ـ هناك عبادة صريحة لهذه ( الجثة / الجيفة / السوأة )، تراها فى ( الأضرحة / القبور المقدسة ) حيث يحج اليها المهابيل يوميا ، ويقيمون عليها موالد وإحتفالات ، ويقدمون لها النذور والقرابين . معظم البشر يفعلون هذا فى خصومة شديدة مع العقل .
2 ـ هناك عبادة خفية لهذه ( الجثة / الجيفة / السوأة ): الأغلبية الساحقة من الناس لا ترى فى الانسان إلا جسده ، وحين يموت يتعاملون مع جسده الذى فارقه الانسان على أنه هو الشخص ، ينسون أن هذا الجسد هو ( جثة / جيفة / سوأة ). وينسون أكثر أنه هذا الجسد هو أيضا ( سوأة ) ، ولكن سوأة حية ـ الى حين .
3 ـ الأغلبية الساحقة من البشر يتفنّنون فى تجميل هذا الجسد ، وتقوم على هذا التجميل صناعات ومؤسسات ، ولكن قلما يلتفتون الى تجميل النفس بتهذيبها بالأخلاق السامية .
4 ـ محاولات تجميل الجسد ( السوأة ) أكبر دليل على أنه ( سوأة ) . لو تركته بلا نظافة أصبح نتنا قذرا بذاته وبما يخرج منه من عرق وبول وغائط وما بينهما . لو إستيقظت من النوم دون أن تغسل وجهك لأصبح منظرك كريها . أنت محتاج الى تنظيف مستمر لهذه السواة التى تسكن فيها نفسك ، وإن لم تنظفها ـ وتنظف الفتحات أو الثقوب المخلوقة فيها ـ لأصبحت أشد نتنا من الحيوان ، ولركبتك الأمراض .
5 ـ ومن عجب أن اساس العفن فى السوأة الحية ( الجسد ) ــ وهو البطن والأحشاء والأعضاء التناسلية ـــ هى اساس التعفن والتحلل فى السوأة الميتة .
ومن عجب أننا نأكل الطعام ذا الرائحة الطيبة ، ولا يلبث أن يخرج منها برازا وريحا وضراطا نتنا ، هو لا يختلف كثيرا عن مصير الجسد السوأة نفسه بعد الموت وتركنا هذا الجسد السوأة .
ومن عجب أنه كلما كان الطعام لذيذا كانت فضلاته أكثر نتنا . حين تأكل خضروات وأطعمة نباتية بسيطة ، لا يكون البراز الناتج عنها فى مثل سوء ونتانة الطعام المكون من حلوى وجاتوهات ولحوم واسماك .
ومن عجب أننا لا نتذكر نشأتنا الأولى ، فى الشهور الأولى للطفل ، حيث الجلد اللين الملمس والرائحة الطيبة ونفس نغمة البكاء المحببة . هو جسد سوأة أيضا ، ولكنها سوأة طازجة . ثم تبدأ التحولات ، يموت ذلك الجسد الطفولى ويتحول الى جسد شباب قوى ، ثم يصيبه الوهن فيتحول الى جسد واهن ، وكلما إزداد فى الشيخوخة إقتربت ملامح وجهه من ملامح الميت ... الى أن يموت ..
من عجب أننا ندرك كل هذا ..ومن عجب أننا ننسى كل هذا ..
6 ـ أنظر الى صورتى الشخصية الآن ، وأتأمل ملامح وجهى ، وأتخيل نفس الملامح وجهى الميت وهو يتحلل شيئا فشيئا . حيث : انتفاخ على مستوى الوجه، أي العينين واللسان والخدود ــ وتسیل مقلة العین، وتظهر اليرقات الدودية فى الفم والأنف والعينين وتتعتم القرنیة.یظهر الزبد المدمى من الفم والأنف، وتختفي ملامح الوجه ليصبح جمجمة بشعة .!.
انظر الى صورتك الشخصية وتأمل ماذا سيحدث لك . أنظر الى صور أجمل النساء ، وتخيل ماذا سيحدث لهذا الجمال بعد أن أنفقن على وجوههن الآلاف والملايين .
أخيرا : لا تهتم .. بل إهتم :
1 ـ لا تهتم إن كنت وسيما أو دميما ، فملامح وجهك ( السوأة ) ستتساقط لتترك جمجمة بشعة المنظر . لا تهتم إن كنت أسود اللون أو أشقر، فكل الجثث سيكون لها لون واحد ، هو اللون المائل للخضرة ..لا تهتم إن كنت قصيرا أو طويلا ، فلا يهم طول الهيكل العظمى ، والذى سيتحول فى النهاية الى تراب .
2 ـ بل إهتم بما ستحمله نفسك بعد موتها والذى ستلقى به ربها جل وعلا : الايمان الخالص برب العزة جل وعلا وحده إلاها لا شريك له ، وعمل صالح تبتغى به وجه الله جل وعلا .
أحسن الحديث :
سيقول رب العزة جل وعلا للخاسرين يوم القيامة : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ (94) ) الانعام )
ودائما : صدق الله العظيم .