هل معظم المسلمون جاهلون أم غافلون؟
مقدمة:
أعتقد والله أعلم أن الإجابة على هذا السؤال لمن يتبع القرءآن وكفى سيجد الإجابة حاضرة ولا يحتاج إلى مشقة وتعب لأنه يؤمن بالله الواحد الأحد ويؤمن بأن كتابه ايضا واحد لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأن هذا الكتاب لا يتجزأ وهو تبيانا لكل شيئ ومحكم فى آياته وفُصِّل من لدن حكيم خبير.
ولكن لمن فى قلبه ذرة من الشك أو تلاعب به المتلاعبون بعقله وافسدوا عليه سبيله وأقنعوه بأن هناك سُبل وعليك أن تختار ما يحلو لك مع العلم بأن الله سبحانه حدد لنا السبيل وأكد أنه سبيل واحد مثل سبحانه واحد وكذلك كتابه " سبيله " واحد . ولنقرأ فى ذلك ما جاء فى سورة الفرقان:
{ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33) (سورة الفرقان 25 - 33)
وبالرغم من هذا الوضوح والتفصيل إذا ذكرت لأحدهم قول الله تعالى:
{ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ "(سورة الأَعراف 3"
يكون الرد جاهز وبدون تفكير : " وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (سورة البقرة 170
لذلك يجب أن نرجع إلى سبيل الله سبحانه أى قرءآنه لنرى الإجابة من خلال آياته الكريمة وأترك الإجابة للقارئ الكريم.
جاهلون أم غافلون؟
سوف أبدا بكلمة غافلون ومعنى الغفلة من القرءآن الكريم حصريا ثم تأتى بعدها فى السياق لفظة جاهلون أو الجاهلية .
الغفلة لغة: مصدر غَفَل يغفل غفولاً وغفلةً: تركه وسهى عنه، وأغفلتَ الشيء: تركته غَفَلاً وأنت له ذاكراً، والتغافل والتغفّل: تعمُّد الغفلة.
الغفلة: سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ، والغفلة عن الشيء: هي أن لا يخطر ذلك بباله.وأيضا غيبة الشيء عن بال الإنسان وعدم تذكره له، وقد استعمل فيمن تركه إهمالاً وإعراضاً كما قال تعالى:
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) (سورة الأنبياء 1 -2"
هذا من حيث اللغة فلنرى معنى الغفلة من القرءآن الكريم والذى يختلف بعض الشيئ.
وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ {13} يوسف...."
غافلون : منشغلون ولاهون عن اخيهم بما هو ادنى قيمةً كاللعب والتسابق ورعْي الغنم.
يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ {7} الروم
غافلون: منشغلون ولاهون، كما ينشغل الناس بالحياة الدنيا وينسون الآخِرة وهي خير منها بكثير.
فالغفلة: هي نسيان او تناسي ما هو خيرٌ اشتغالاً بما هو ادنى.
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ{172} الاعراف
ما هو سبب الغفلة ؟
إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ {7} أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ {8} يونس
1- لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا
2- وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا
3- وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا
وفى النهاية هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ... لذلك مأواهم النار.
أسباب الغلفة قرءانيا تتلخص فى سببين :
* الغفلة عن آياته سبحانه تكذيباً بها غروراً بأنفسهم متلهّين بمواقع دنيوية .
* والغفلةُ عن آيات الله اتِّباعا لأموات الآباء واكتفاءً بما وجدوهم عليه من الأحاديث والأكاذيبعلى الله ورسوله.
فلننظر ماذا يقول الله سبحانه وتعالى:
سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ {146} الاعراف
عِقابُ المُكذبين اللاحقينالغافِلين...
فقد شَغَلهم تكبُّرهم بما عندهم من مال ومكاسب او دراسات وشهادات حصلوا عليها بغير الحق الذي هو كتاب الله ... فشغلهم هذا عن الرجوع الى ايات الله حين ذُكِّروا بها وكذَّبوا بها مكتفين بما عندهم من عِلْمٍ بالمرويات التراثية الخرافية ظنوه خيراً منها:
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ " (سورة المائدة 104
" فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ (83) غافر ..والله يقول لهم ولغيرهم ممن كذبوا وغفلوا:" وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا"(سورة الإسراء 85)
فعاقبهم الله سبحانه بصرْفهم عن فهْم آياته وزعموا انها طلاسم ، وانها حمّالة اوجه لا تصلح للاستدلال بها ، مكتفين بقراءتها على الأموات.
والتكذيب بآيات الله أو الإعراض عنها كلاهما يؤديان الى الغفلة ، والإنشغالِ بغيرها مما هو أدنى منها بكثير ، فعاقبتهما واحدة." وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ (22) السجدة 21-22
فقد شغلتهم أحاديثُ وأساطير ءابائهم الأولين . وهي افتراءات واكاذيب على الله حين افتروها على رسوله وربطوها بمصالحهم وأرزاقهم في الحياة الدنيا:
" إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْـدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَـئِكَ الَّذِيـنَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَـارِهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلـُونَ(108)لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِـرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ(109) النحل107-109
السلف صالح أم طالح؟
فرعونُ وقومه الذينجعلهم الله سلفاً ومثَلاً سيئاً لِمن بعدهم – وهم كثيرون – حين كانوا عن آيات الله غافلين:
فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَاوَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ {136}الأعراف
فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ {54} فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ {55} فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ{56} الزخرف
بهذا المفهوم ، فقد كان مشركو قريش والعرب جاهلين...وليس غافلين...لماذا؟
وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ {44} سبأ .
لهذا خاطبهم الرسول الكريم قائلا:
قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ {64} الزمر ..... ولم يصفهم بالغافلون
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُـونَ{50} المائدة
سُميت الفترة قبل نزول القرءان بالجاهلية....
أما بعد إكمال نزول القرءان فليس هناك جاهلية لدى اهل اللسان العربي الذين يُفترض فيهم ان يؤمنوا بالقرءان ويفهموه ويعملوا به ويحملوه للعالَمين ... بل هناك غفلة عن ايات الله وكتابه ... والغفلة اشدُّ من الجهل .
ان المناعةَ من الغفلة لا سبيل اليها الّا بالرجوع الى هذا الذَكر والكتاب الحكيمهو الذي يجهله كل البشر عنه غافلون، ولا عُذر لهم . فقد سماه الله سبحانه( الذِّكْر) وجعله ميَسَّرا بلسان عربي مُبين ، وتعهد بحفظه حتى لا يكون لغافل عن ءاياته حُجَّةٌ :
رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (سورة النساء 165
والسؤال مازال قائما : هل معظم المسلمون جاهلون أم غافلون؟
صدق الله العظيم ...