القاموس القرآنى : ( الحُكم ) ( بضم الحاء ) و ( فتح الحاء )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٦ - نوفمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :

1 ـ  من تحريفهم لمصطلح ( حكم ) بفتح الحاء وضمها يبنون أحلامهم ويطبقونها فى الوصول للحكم أو الاحتفاظ به باسم الاسلام . وبدأت  الحرب الأهلية بين الصحابة برفع بعضهم شعار ( لا حُكم إلا لله ) ، وبه أصبجوا ( خوارج ) وبهذا الشعار كانوا يقتلون الناس عشوائيا ، وصار مصطلح ( حكّم ) بتشديد الكاف يعنى فى العصرين الأموى والعباسى (الأول ) أنه أعلن الثورة على دين الخوارج . ثم اصبحت ( الحاكمية ) فى دين الوهابية فى العصر الحديث والمعاصر تعنى الثورة على الحاكم الذى ( يحكم بغير مأ أنزل الله ) ليصلوا هم الى الحكم ويحكموا بما قاله فقهاؤهم ، وهو عندهم حكم الله .

2 ـ   ولم يأت مصطلح ( حكم ) فى القرآن بالمعنى السياسى المتداول ، إلا فى موضع واحد ، يدل على فساد الحكم ، فى قول رب العزة جل وعلا : ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) البقرة ). عدا هذه الآية الكريمة جاءت مدلولات هذا المصطلح كالآتى :

أولا : ( حُكم ) : إسم للقرآن الكريم :

للقرآنالكريم أسماء وصفات كثيرة ، منها الكتاب ومنها الفرقان ، ومنها ( الحُكم ) .

1 ـ ( الحُكم ) بضم الميم صفة من صفات القرآن الكريم  الذى أنزله رب العزة ( مُحكما ) قد ( أحكمت آياته ) من لدن الحكيم العليم ، يقول جل وعلا : (  الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) هود ). ومنه نفهم قوله جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) الحج ). ( يُحكم ) هنا تعنى أن يكون القرآن فى آياته مُحكما لا عوج فيه ولا إختلاف .

2 ــ ومن صفات القرآن أيضا المتصلة بالاحكام أنه ( الحكمة ). وتأتى ( الحكمة ) مرادفة للكتاب معطوفة عليه  ، يقول جل وعلا : ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) الاحزاب ) (  وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ ) (231)  البقرة  ) ، ويقول جل وعلا عن القرآن  فقط (  ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنْ الْحِكْمَةِ )  (39)  الاسراء ) والتفاصيل عن معنى ( الحكمة ) فى كتابنا : ( القرآن وكفى .. )

3 ــ ونزل القرآن أو ( الحُكم ) باللسان العربى ، قال جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ (37) الرعد ) . ونلاحظ  فى الآية الكريمة  إرتباطا بين صفتين من صفات القرآن وهما ( العلم والحُكم )  فى : ( وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً  ) و (بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ ).

ثانيا : الحُكم والعلم وصفا للقرآن والكتب السماوية

1 ــ ويأتى ( العلم ) صفة من صفات القرآن. يقول جل وعلا للنبى محمد عن أهل الكتاب : ( وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنْ الظَّالِمِينَ (145) ) البقرة ) (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ  ..) (61)آل عمران )

2 ـ  ويأتى ( العلم)  و ( الحُكم ) صفتين للرسالات السماوية السابقة ، ابراهيم عليه السلام إهتدى بنفسه ودعا الله جل وعلا أن يهبه ( حُكما ) اى النبوة والرسالة ، فقال : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) ) الشعراء ) ، وقال لأبيه : ( يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ  ) (43) مريم )، و يقول جل وعلا  عن رسالة يوسف عليه السلام : ( وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ) (22) يوسف ) وعن رسالة لوط عليه السلام (  وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً )(74) الأنبياء )، وعن رسالتى سليمان وداود عليهما السلام : ( وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً ) (79) الأنبياء ) وموسى عليه السلام قال عنه رب العزة : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً )(14)القصص ) وقال جل وعلا عن داود :( وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء ) 251 ) البقرة ).

ثالثا : الحُكم القضائى :

1 ـ  ويأتى (حُكْم ) بمعنى ( الحُكم القضائى بين الناس ) ونلاحظ هنا أن التعبير يأتى فعلا لازما ، أى بحرف جر ( يحكم ب ) أو بكلمة ( يحكم بين ) بما يفيد الحكم بين شخصين ، أى الحكم القضائى . وهذا يختلف عندما تستعمل ( حكم ) فعلا متعديا كأن تقول ( حكم فلان شعبه ) ، هنا يكون الاستعمال السياسى لكلمة ( حكم / يحكم ). ولم يأت فى القرآن الكريم هذا الاستعمال لكلمة (حكم ).    .

2 ـ والحكم بين الناس يحتاج الى قانون او شريعة . وبالتالى فهناك شريعة الجاهلية أو حُكم الجاهلية وهناك حُكم الله أى شرع الله، يقول جل وعلا : (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) المائدة ).

ومن مكائد الشيطان أن الكهنوت يضفى على شريعته الجاهلية التى يبتدعها وحيا ويجعلها بالتزوير شريعة إلاهية وحُكما إلاهيا ، ولا يخجلون من الاستشهاد بقول الرحمن جل وعلا : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ (44) ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (45)  ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (47) المائدة.)  يجعلون  هجص فقهائهم  شريعة إلاهية ، ويتهمون من لا يحكم بها بأنه كافر ظالم فاسق ، وهم الأشد كفرا وفسقا وظلما .

3 ـ والكهنوت الدينى الكافر يرفض الاحتكام الى رب العزة فى كتابه الكريم . وعانينا الاضطهاد بسبب دعوتنا الى الاحتكام الى كتاب الله . ولا زلنا نستشهد بقول رب العزة جل وعلا : ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً  ) (114)  ) الانعام ) وقوله جل وعلا : ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ) 10 ) الشورى ). ولا يزالون يرفضون .!!

ومبكرا ، فى عهد النبى محمد عليه السلام رفض المنافقون الاحتكام الى القرآن الكريم ، قال جل وعلا عنهم : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا   ) 60 : 62 ) النساء )، ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) النساء) ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65 النساء ) ( وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمْ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)  ( النور)

وقال جل وعلا عن بعض أهل الكتاب : ( أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23 آل عمران ). وبعضهم كان يحتكم للرسول خداعا ، قال عنهم رب العزة جل وعلا : ( وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمْ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) المائدة  )

4 ـ وقام بعض الأنبياء بالحكم القضائي . كانوا يحكمون بما أنزل الله جل وعلا ، وبالعدل . قال جل وعلا عن سليمان وداود : ( وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) الانبياء ). وذكر رب العزة جل وعلا قصة داود وحكمه بين الخصمين : (إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ ) وقال جل وعلا له :( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ) 22 : 26 ص )

 

وخاتم النبيين عليهم جميعا السلام كان يحكم بين الناس بما أنزل الله ، حتى بين أهل الكتاب ، قال له ربه جل وعلا : (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ  فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ) ( وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ) ( 48 : 49 ) المائدة  ). وتعرض النبى للخداع فأخطأ فى حُكم قضائى فقال له ربه جل وعلا : ( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا  ) 105 ) النساء )..( وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) 113 النساء )

5 ـ ونزل فى القرآن الكريم إشارات لبعض الأحكام قام بها بعض البشر من غير الانبياء ، ففى قصة يوسف قام رجل بالتحقيق فى مزاعم إمرأة العزيز ضد يوسف وأنه راودها عن نفسها (25 : 28 يوسف  ). ويحتاج التقاضى أحيانا الى خبير ، وعن حكم الخبير فى القضاء يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (95 المائدة)( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا  حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً (35) النساء ). وفى كل الأحوال فإن الحكم بالعدل أمر إلاهى للمؤمنين يقول جل وعلا : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ )58 ) النساء ).  

6 ـ والحكم لله جل وعلا يعنى الحكم بما شرع الله جل وعلا . وقد نزلت تشريعات القرآن الكريم ، وفى بعضها وصفها بالحكم الالهى اى الشرع الالهى مثل قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ  ) 1 ) المائدة   )

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) الممتحنة ).

وأشار جل وعلا الى بعض شرائع الجاهلية ووصفها بالسوء: (سَاء مَا يَحْكُمُونَ ). قال جل وعلا عن شريعتهم فى النذر للأولياء : ( وَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ) 136 ) الانعام )، وقال جل وعلا عن وأدهم البنات : ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ  ) (58 ) النحل )

أخيرا : الحكم المطلق لرب العزة يوم الحساب :

1 ـ على أن الحُكم المطلق سيكون لرب العزة جل وعلا يوم القيامة . وتكررت آيات القرآن الكريم تؤكد أنه لا معقب لحكمه : ( وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) الرعد ) . وجاء هذا باسلوب القصر مثل : ( إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ )(57) الانعام )( أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62) الانعام )، وجاء مرادفا لألوهية الرحمن وحده : ( إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ  ) (40) يوسف )( إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) يوسف )(  وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70 القصص )( وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (88) القصص ).( مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ) 27 الكهف  )

2 ـ ويتجلى هذا فى الحكم بين البشر يوم القيامة ، حيث يكون له جل وعلا وحده الملك : ( الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57) الحج )، يقول جل وعلا للنبى محمد عن خصومه : ( وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69 الحج).

3 ــ ليس فى دين الله جل وعلا محاكمات دينية فى الدنيا ، بل للبشر مطلق الحرية فى الدين ، إن شاءوا الكفر أو الايمان ، الطاعة أو العصيان . لأن الحكم على إختلافاتهم الدينية مؤجلة الى يوم الدين . والاختلافات الدينية متشعبة بين الملل والنحل وداخل كل ملة ونحلة . والحكم فى كل ذلك مؤجل الى يوم الحساب .

عن الاختلافات بين اليهود والنصارى وتأجيل الحكم بينهم الى يوم الدين يقول جل وعلا : ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) 113 ) البقرة ).

وعن الاختلافات بين بنى اسرائيل يقول جل وعلا : (  إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) )  124 النحل ) ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ  )  76 : 78 ) النمل ).

وعن الاختلافات بين النصارى يقول جل وعلا : ( ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) 55 )آل عمران ). وعن الاختلافات بين المؤمنين والمنافقين يقول جل وعلا : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللَّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) 141) النساء ).

وعن الاختلافات بين عموم البشر يقول جل وعلا :( قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ  ) 46 الزمر ) .

4 ــ ومفهوم أن الاختلافات بين المحمديين مرجعها الى يوم الدين . ولكن الكهنوت فى بلاد المحمديين يكفر بهذا ، ويؤمن بأكذوبة ( حد الردة )، ويقيم كهنوت الأزهر محاكمات تفتيش دفاعا عن جنون البقر المتفشى بين مواشى الأزهر .!!

اجمالي القراءات 7193