العلم ... الجزء الثالث
موضوع العلم كبير ،ومهما حاولنا الإلمام به في محموعة مقالات فسنظل عاجزين عن الإحاطة بالموضوع كاملا ، وقد تحدثنا في الجزء الأول عن أنواع العلم وقمنا بتقسيم العلم من حيث القائدة ، وفي الجزء الثاني تعرضنا لإشكالية قوله تعالى "" قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أ&oacutَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ" النمل 40 ، وقمنا بشرح الآية أظن والله أعلم أنه غير مسبوق لم نأخذ فيه بالمرويات التي وقع في مستنقعها معظم مفسري السلف ،والتي توصلوا فيها لإسم ذلك الذي عنده علم من الكتاب وصفاته وماذا فعل ، على خلاف الظاهر من نص الآية ، بل على خلاف مقصود رب العالمين في كتابه الذي يعطينا القصص للعبر دون ذكر تفاصيل القصص مثل أسماء الاشخاص وأماكن الأحداث قال تعالى" نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القران وان كنت من قبله لمن الغافلين " يوسف 3 ، وسبحان الله الذي قال أحسن القصص وهو القصص المأخوذ منه العبرة والحكم ، والمعروف منه مقصود رب العالمين لماذا قص هذا القصص؟ ، ولو قال نحن نقص عليك قصصا لضاعت العبر في تفاصيل الأسماء والأماكن ، لذلك أرى عند التصدي لتفسير كلام الله التحرر من قيود المرويات والأقاصيص ، وتجريد النص القرآني مما علق به من روايات القصاصين التي تتوه فيها العبرة والحكمة من الرواية ، وعلى سبيل المثال العبرة الأساسية في هذه القصة في قوله تعالى " لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ" وهي تتمثل في الأمر بشكر النعمة ، والشكر عبادة قال عنها رب العالمين " وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون(56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) " الذاريات
ونأتي اليوم للتفرقة بين علم الله وعلم النبي ، والتي سنصل فيها للإجابة على سؤال هام: وهو لماذا القرآن وحده مصدرا للتشريع؟
الله سبحانه وتعالى هو الأول قبل كل شيء وهو الآخر بعد كل شيء وهو الظاهر فوق كل شيء وهو الباطن في كل شيء وهو بكل شيءٍ عليم قال تعالى " هو الاول والاخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم " الحديد 3 أما رسول الله محمد فهو بشر ، أرسله رب العالمين كما أرسل من قبله الرسل قال تعالى" وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " آل عمران 144.
الله سبحانه وتعالى يقول وقوله الحق ولا مبدل لكلماته كما أنه لا يبدل القول لديه قال تعالى " وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم " الأنعام 115 كما قال تعالى " ما يبدل القول لدي وما انا بظلام للعبيد " ق 29 ، ولكن النبي عليه السلام يختار ببشريته ثم يعود في اختياره أو يطالبه القرآن بتغيير ما أختار وأسمع قوله تعالى" ما كان للنبي والذين امنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى من بعد ما تبين لهم انهم اصحاب الجحيم " التوبة 113 ، وقال تعالى وهو خير من قائل " يا ايها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين ان الله كان عليما حكيما" الأحزاب 1 ، النبي قد يستحي وهو في حرج ويؤذيه فعل بعض أصحابه ولكن الله لا يستحي من الحق قال تعالى" ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق" الأحزاب 53 ، وقال تعالى " يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضات ازواجك والله غفور رحيم" التحريم 1
ثم نأتي للتفرقة بين علم الله وعلم النبي ، الله سبحانه وتعالى عالم الغيب والشهادة ويعلم السر وأخفى ، والبعض قد يتسائل السر هو ما أسره الانسان في نفسه ولم يطلع عليه أحد فما هو أخفى من السر؟ هو الذي لم يسر بعد ولنتدبر قوله تعالى"عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال " الرعد 9 ، وكذلك في تسع مواضع أخرى من القرآن في سورة (الأنعام 73 ، التوبة 94 / 105 ، المؤمنون 92 ، السجده 6 ، الزمر 46 ، الحشر 22 ، الجمعه 8 ، التغابن 18 ) ، هذا عن علم رب العالمين للغيب فماذا عن علم النبي للغيب ، قال تعالى " قل لا اقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا اقول لكم اني ملك ان اتبع الا ما يوحى الي قل هل يستوي الاعمى والبصير افلا تتفكرو" الأنعام 50 ، وقال تعالى" قل لا املك لنفسي نفعا ولا ضرا الا ما شاء الله ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ان انا الا نذير وبشير لقوم يؤمنون " الأعراف 188 ، وقال تعالى" ولا اقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا اقول اني ملك ولا اقول للذين تزدري اعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله اعلم بما في انفسهم اني اذا لمن الظالمين" هود 31 ، كل هذه أوامر صريحة للرسول أن يعترف للناس ويؤكد لهم أنه لا يعلم الغيب وأن الغيب بيد الله وحده في قوله تعالى" ويقولون لولا انزل عليه اية من ربه فقل انما الغيب لله فانتظروا اني معكم من المنتظرين" ، سيقول بعض الذين يحاجون في الله بغير علم الرسول يعلم الغيب أسمع لقوله تعالى" ما كان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فامنوا بالله ورسله وان تؤمنوا وتتقوا فلكم اجر عظيم" آل عمران 179 ، وقال تعالى" عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)" الجن ، وقالوا إن الله استثنى في علم الغيب الذي عنده من ارتضى من رسول ، لذلك قال البوصيري في بردته في مدح الرسول (لانقول فيك ما قالت النصارى في ابن مريم ، ونقول ما دون ذلك فمن علمك اللوح والقلم) تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا أما الغيب الذي أطلع الله سبحانه وتعالى عليه رسوله هو غيب جزئي لبعض الحوادث التي تمت في الماضي أو لبعض الحوادث التي ستتم في المستقبل ولنتدبر قوله تعالى" ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم اذ يلقون اقلامهم ايهم يكفل مريم وما كنت لديهم اذ يختصمون" آل عمران 44 ، وقوله تعالى" تلك من انباء الغيب نوحيها اليك ما كنت تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا فاصبر ان العاقبة للمتقين" هود 49 ، وقوله تعالى" ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم اذ اجمعوا امرهم وهم يمكرون " يوسف 102 ، ذلك عن غيب الماضي ، أما عن غيب المستقبل فتدبر قوله تعالى" غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)" الروم ، وفي هذه الآيات الكريمات يطلع الله رسوله على غيب المستقبل بأن الروم التي غلبت سوف تغلب في بضع سنين ، إذا فعلم الرسول صلى الله عليه وسلم بأحداث الغيب هو علم جزئي مرتبط بما يخبره الله به.
والأهم أن علم الله هو علم إحاطة قال تعالى" ولله ما في السماوات وما في الارض وكان الله بكل شيء محيطا" النساء 126 ، وعلم إدراك قال تعالى" وما تكون في شان وما تتلو منه من قران ولا تعملون من عمل الا كنا عليكم شهودا اذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين" يونس 61 ، وعلم قدرة قال تعالى " يا بني انها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة او في السماوات او في الارض يات بها الله ان الله لطيف خبير" لقمان 16
الموضوع كبير ويحتاج لبحوث ومجلدات ، وهذه المقالة لا تعدوا كونها قطرة ماء في بحر القرآن ، وبعد أن عقدنا مقارنة سريعة بين علم الله وعلم الرسول نأتي لقوله تعالى" ان الدين عند الله الاسلام وما اختلف الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بايات الله فان الله سريع الحساب " آل عمران 19 وقوله تعالى" ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين" آل عمران 85 وقوله تعالى " اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا" المائدة 3 ، وقوله تعالى " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا(46)" الأحزاب
وكل هذه الآيات الكريمة وغيرها كثير تؤكد على صلاحية دين الله الاسلام لكل زمان ومكان ، والسؤال الذي يفرض نفسه هل النبي عليه السلام بعلمه المرتبط بمكانه في الجزيرة العربية والمرتبط بزمانه منذ نحو خمسة عشر قرنا ، تكون أوامره ونواهية صالحة لكل زمان ومكان؟ والإجابة قطعا لا. أعرف أن البعض سيقرأ هذا الكلام ويستغفر الله ، والبعض سيقرأه ويرميني بالكفر والزندقة ولكن لنعود مرة أخرى لنناقش الموضوع بهدوء.
الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن على عبده محمد عليه الصلاة والسلام ، وجعل القرآن صالح لكل زمان ومكان ، وهذا حق ويتفق مع المنطق ويقبله العقل فهو سبحانه عالم الغيب والشهادة وعلمه سبحانه علم إحاطة وإدراك وقدرة وتصرف إذا هو يعلم ونحن لا نعلم قال تعالى " والله يعلم وانتم لا تعلمون" (البقرة 216 / 232 ، آل عمران 66 ، النحل 74 ، النور 19) ، سيتسائل بعضكم ، كيف يقول وأنتم لاتعلمون ، ويقول في موضع آخر سبحانه وتعالى "علم الانسان مالم يعلم" العلق 5 نعم سبحانه وتعالى علم الانسان علم إدراك وإرادة ولكن الانسان لا يعلم علم إحاطة وقدرة وتصرف فهو علم الله وحده ولنتدبر قوله تعالى في سورة النحل " فلا تضربوا لله الامثال ان الله يعلم وانتم لا تعلمون " أنظر عظمة الخالق سبحانه وتعالى ، لا تضربوا لله الأمثال بأن تجعلوا لله أشباه وأندادا وألهة تعبدونهم من دون الله أو تطيعونهم من دون الله فالطاعة لله وحده فقط لاغير لاطاعة لمخلوق مهما كان حتى ولو كان الرسول لماذا؟ لأن الله يعلم وأنتم بما فيكم النبي لا تعلمون ، لاتعلمون علم الله بقدرنه وإحاطته وتصريفه للأسياء والأحداث ، إذا فالاسلام الذي جعله الله الدين الخاتم لكل زمان ومكان هو القرآن ولا شيء غير القرآن.
وهنا نعرف السبب في (نهي رسول الله أن يكتب عنه غير القرآن ، وقوله من كتب شيئا فليمحه) لأن الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وهو المكلف بتبليغ القرآن عرف من أوامر الله فيه أنه لا يجوز أن يكون تشريع مع الله ، خاصة وهو لايعرف الغيب ،فكيف تتحكم أوامره في الغيب؟ زماننا والأزمان التي تلت عصر الرسول هي غيب بالنسبة له بصريح نص القرآن على النحو الذي فصلناه والأماكن التي لم يزورها الرسول صلى الله عليه وسلم هي أيضا غيب بالنسبة له ، فكيف يحكم بكلامه أحداث الغيب الذي لا يعرفه؟ لذلك نهى عن كتابة أحاديثه ومحو ما قد كتب مكتفيا بالقرآن فقط لأنه هو الوحيد الصالح لكل زمان ومكان ، وقد استمر على ذلك النهي الخلفاء الراشدين حتى جاء عصر التدوين في زمن غير الراشدين ، فكان لزاما على كل صاحب كتاب حديث عندما يصله خبر نهي النبي عن كتابة الحديث أن يتوقف وأمر النبي بالمحو أن يحرق ما قد جمعه.
إذا رغم أن الغالبية العظمى من الأحاديث مكذوب على رسول الله ، فبفرض وجود حديث صحيح فنحن غير مطالبن بالاخذ به.
إذا فالفرق بين علم الله وعلم النبي أدى بنا إلي نتيجة حتمية وهي الأخذ بالقرآن فقط دون الحديث.
مازلنا نحتاج لحل الاشكالية في قوله تعالى" يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تاويلا" النساء 59 ، فذكر أمر الطاعة قبل لفظ الجلالة لوجوبها إستقلالا لله سبحانه وتعالى ، وذكر الأمر بالطاعة قبل لفظ الرسول لوجوبها إستقلالا للرسول ، أما أولي الأمر فإن طاعتهم مستمدةً من طاعة الله وطاعة الرسول ، وبقليل من النظر نجد أن طاعة الله هي في إتباع كتابه القرآن حيث أن الله لم يكلمنا أو يأمرنا إلا بالقرآن ، فكيف تكون طاعة الرسول؟ لو قلنا أن الرسول هو الرسالة ، تكون الجملة الثانية في قوله واطيعوا الرسول توكيد لطاعة الله في الجملة الأولى ولكن ينسف هذه الفرضية وجود الجملة الثالثة في وأولي الأمر بدون ذكر لفظ الطاعة إستقلالا لهم بما يعني أن هنا طاعتان.
كما أن الأمر بطاعة الله وطاعة الرسول إستقلالا جائت في خمسة مواضع من القرآن وهي بخلاف الآية في سورة النساء ( المائدة92 ، النور54 ، محمد33 ، التغابن12 ) ولو قلنا طاعة الرسول في الرسالة ففيما تكون طاعة الله أفي غير الرسالة؟
ولقد تدبرت كتاب الله كثيرا وبحثت في الأمر وخرجت بنتيجة أعرضها عليكم ونقول بتوفيق الله تعالى أن حل هذه الإشكالية على وجهين
الوجه الأول:
المتفق عليه أن لله سبحانه وتعالى دين واحد هو الإسلام ، قال تعالى" إن الدين عند الله الإسلام ، ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" والإسلام بإعتباره دين الله الذي إرتضاه للعالمين ولن يقبل غيره منهم هو التوحيد قال تعالى" قال امنت انه لا اله الا الذي امنت به بنو اسرائيل وانا من المسلمين" يونس 90 ، فتكون طاعة الله المذكوة في الآيات السابقة هي عمل القلوب بالإيمان بالله وحده وتوحيده بكلمة الإخلاص (لاإله إلا الله)، أما طاعة الرسول هي عمل الجوارح والأركان من أداء العبادات والشرائع التي جائت في رسالته التي تلقاها (محمد رسول الله) من رب العالمين وهي القرآن ، ويعزز هذا الوجه ما جاء في الآية من ترتيب الكلام بعد الأمر في قوله (فان تنازعتم في شيء فردوه إلي الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) ، فلو حاولنا إعادة ترتيب الكلام لتقريب المعنى فنقول (فردوه إلي الله ... ان كنتم تؤمنون بالله) وهو التوحيد (والرسول...ذلك خير) في إتباع شريعته ومنهاجه.
الوجه الثاني:
من المعروف أن ما يطلق عليه لفظ سنة عند الفقهاء هو قسمين ما يؤخذ من أحكام فيما يعرف بالسنة القولية وهي ما نسبوه للرسول من حديث - وهذا مرفوض عندنا على النحو الذي فصلناه - والآخر هو أشكال بعض العبادات أخذت من فعل الرسول وهو ما يعرف بالسنة الفعلية (العملية) والتي منها كيفية الصلاة مثلا فقد أداها الرسول عليه الصلاة والسلام وتبعه في أدائها الصحابة برهم وفاجرهم ، مؤمنهم ومنافقهم ولم يشذ أحدا ثم تواتر العمل بها في عصر التابعين ثم تابعوا التابعين حتى وصلتنا بالكيفية التي هي عليها حتى الآن دون تحريف أو تبديل وجائت إلينا بذات التواتر الذي جاء به القرآن وهو تواتر الفعل ، فالقرآن جاء بتواتر فعل الكتابة دون إنقطاع منذ نزول الوحي وحتى يومنا هذا ، والصلاة جائت متواترة بفعل الأداء دون إنقطاع منذ عصر الرسول وحتى يومنا هذا ، فيكون ذكر أمر الطاعة للرسول إستقلالا شاملا السنة العملية التي أداها حال حياته الشريفة عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وتبعه أصحابة والمسلمين حتى يوم الدين ، ويؤكد هذا الوجه قوله تعالى" يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول ولا تبطلوا اعمالكم" محمد 33 والآية لا تحتاج لشرح فهي تؤكد المعنى المذكور على هذا الوجه ، والله تعالى أعلم
ولي كلمة أخيرة ، أشكركم جميعا أخواني وأخواتي على هذا الموقع وكل من يقرأ لقد حاولت في هذه الدراسة السريعة تبسيط وتلخيص موضوعات بسيطة في باب العلم الممتد ، والذي مازال فيه الكثير ليقال ، أسأل الله أن يعلمنا ما جهلنا وينفعنا بعلمنا ويزيدنا علما ، وأسألم السماح على التقصير والنصح والارشاد في الغواية والنقص والهوى ، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم / شيف هادي