عدة الأمة
تباين العِدد، ووحدة التربص للمتوفي عنها زوجها

الشيخ احمد درامى في الأحد ٢٣ - أكتوبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

تباين العِدد، ووحدة التربص للمتوفي عنها زوجها

بقلم الشيخ أحمد درامي  22/10/2016

المرأة، سواء أكانت حرة أو أمة، يجب لها الصداق وجميع الحقوق الزوجية، بمجرد تمتع الرجل بها بعد الخِطبة. (...فما استمتعتم به منهن، فآتوهن أجورهن فريضة.)

أما العدة،  فهي حق للزوج المطلق ، وتحرير للمطلقة. لقوله تعالى: (....فما لكم عليهن من عدة تعتدونها....) والآية هي: (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا.) [الأحزاب: 49].  فالعدة إذن للاستبراء فقط. بمعنى، إذا كان لا الداعية بالتأكيد للاستبراء، (بسبب التقدم في السن، 60 سنة مثلا، أو لعدم الدخول)؛ فلا يكون هناك موجبا لعدة تعتد.

 

معنى أن العدة حق للزوج.

1-   العدة هي حق للزوج، حتى لا يضيع نسله بذهاب المطلقة بحمل منه، فينسب إلى رجل آخر.

بهذا المفهوم فاللواتي جاوزن سن التكاثر (60 سنة مثلا)، فلا عدة عليهن. إلا إذا ارتبنا. أي إذا شككنا في بلوغهن ذلك المدى أم لا. لقوله تعالى: (...إن ارتبتم...)  وعند الارتياب، فعدتهن ثلاثة أشهر.

قال جل وعلا: (واللائي يئسن من المحيض من نسائكم ، إن ارتبتم ، فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن...) بعدُ، للصغر في السن.

والعدة بهذا المفهوم ملك للزوج. وعلتها الاستبراء. وعليه، يمكن إبدالها (عن تراض منهما)؛ بفحص طبي، (بتصوير الرحم: échographie). لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم.) فاستطاعتنا لمعرفة خلو الرحم جاوزت تربص ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر. بل نستطيع (بفضل ما جاد الله به علينا من العلم) أن نعرفها في الساعة.

(فاتقوا الله ما استطعتم.).ف(ما استطعتم) يعني أن نمضي إلى أقصى ما في استطاعتنا من تحري التقوى والطاعة. وأقصى ما في استطاعتنا الآن وصل إلى الفحص الطبي "(échographie). نستطيع بها معرفة المطلوب في الساعة. بفضل الله، سبحانه تعالى!

 

2-   معنى أن العدة تحرير المطلقة،

لأن في تشريع العدة وضع حد للعضل، أي منع المطلقات من الزواج. فحدد الله سبحانه وتعالى فترة الانتظار وقال: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء.) فقط! لا أكثر. وبعد كمالها يتحررن ويتزوجن من شئن. وليس للزوج الأول أن يعضلهن عن الزواج، كما كان له ذلك في الجاهلية، في بعض الحالات.

 

3-   خصيصة "كتاب التربص" أو قل: "فريضة التربص" للمتوفي عنها زوجها

أما "كتاب التربص" أو "فريضة التربص" للمتوفي عنها زوجها فهو فريضة (أربعة أشهر وعشرا) لا مفر منها: للحرة ، والأمة ، والحامل ، والحائض ، واليائسة من المحيض ، ومن لم يحض بعد ، أو حتى من لم يدخل بها بعد. فينتظرن جميعهن (حتى يبلغ الكتاب أجله !). وهذا الكتاب وليس حقا للزوج، ولا للاستبراء، كما هو الحال في العدة؛ بل هو فرضمن الله س. ت. على المتوفي عنها وزجها. لا اجتهاد فيه. ولا يؤثر في مدتها حمل الحامل ولا وضع حملها على الإطلاق. وذلك هو الخطأ الذي وقع فيه كثير من الفقهاء في كتبهم.

 

4-   فبالنسبة لعدة الأمة

فالأمة كالحرة في العدة و"كتاب التربص". لأن مدة حمل الأمة تساوي مدة حمل الحرة؛ لا الفرق بينهما. وما يكفي من الزمن لاستبراء رحم الحرة، هو نفس ما يكفي لاستبراء رحم الأمة.

لقد أساء بعض المفسرين الفهم قوله تعالى: (فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب.) فظنوا أن ذلك تقليل في شؤون الإيماء، أواختلاف طبيعتها بطبيعة الحرة. وليس الأمر كذلك. وإنما هو تخفيف عنهن العذاب، عطفا عليهن لاختلاف سيرتهن بسيرة الحرة. وذلك لكثرة، وقسوة ما قد عانين به سابقا من الإكراه على البغاء حتى أدمنه بعضهن!

هن قد أجبرن على معاشرة شركاء متشاكسون غصبا عنهن(بالاغتصاب) حتى أدى بهن الأمر أن أدمن بعضهن على البغاء، ( و"العادة طبع ثاني" ، كما يقولون. و" من شب على شيء ثاب عليه")؛ إذن فإدانتهن في الفحشاء لا تكون كإدانة المحصنات اللواتي تربين في حصن آبائهن وحضن أمهاتهن.

ذلك لأن صعوبات التحفظ عند من كانت عرضة للضياع حقبا من الزمن، يغاير صعوبات التحفظ للاتي تربين في الأمن والأمان، تحت رعاية الاباء.

فبالحق أُنزلت شريعتنا وبالحق نزلت، فربنا يحكم بالعدل. والحمد لله!

فالعدل ليس مرادفا للتسوية؛ وإنما العدل مراعاة ظروف كل على الحدة؛ وإيتاء كل ذي حق حقه. فالسارق الجائع "المضطر"، مثلا، لا يعاقب معاقبة السارق المجرم غير ذي عسر. وهي نظرية "الظروف المشددة للعقوبة" عند القانونيين، مقابل "الظروف المخففة لها".

 وهو أيضا الدرس الذي تعلمناه في تحريم أكل مال اليتيم. قال جل وعلا: (...ومن كان غنيا فليستعفف! ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف!) [النساء: 6]. باعتبار الظروف الاقتصادية لمتكفلي الأيتام....؛ فربنا حكيم عليم! سبحانه وتعالى.

 تدبروا آيات العدل والإنصاف التالية:

(...وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا.) " [ الإسراء: 17]He understands

(ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون.) [القصص: 59]

(ولكل درجات مما عملوا. وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون.). [الأحقاف: 19] 

(وما ربك بظلام للعبيد.)

(ولا تزر وازرة وزر أخرى. وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) [الإسراء: 15]

(...إنه كان بعباده خبيرا بصيرا.)

فتلك الفتيات، من بعد إدمانهن على البغاء، في حاجة إلى فترة لإعادة تربيتهن على التعفف والتحفظ.

وفي قوله تعالى:(فإذا أحصن، فإن آتين بفاحشة...) فالفاء الثاني للتعقيب والموالاة. أي في الفترة التي تلي إحصانهن، ومن قبل أن تتعوّضن التحفّظ والتعفّف، فإن آتين بفاحشة (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب.)، نظرا لما قد عشن فيها من قبل من العرضة والضياع، وما أدمن عليه ، غصبا عنهن ، من الفحش والجنس الإباحي. ! حيث أن "أسيادهن" كانوا يكرمون بهن ضيوفهم ليلة أو لياليا.فتعسا للقوم الظالمين!  والله أعلم.

وربنا ذو رحمة واسعة. وهو لطيف بالعباد. رضينا به ربا، ولا نشرك به أحدا،  سبحانه وتعالى.

 

اجمالي القراءات 8739