نشيد الإستقبال في يثرب مختلق، وأدخل على أحداث التهجير في العصر العباسي
اللطائف القرآنية (66) المحور السادس : هوامش على دفتر الهجرة - الاستقبال في يثرب

محمد خليفة في الجمعة ٠٧ - أكتوبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

اللطائف القرآنية  (66)

المحور السادس  :   هوامش على  دفتر الهجرة - الاستقبال في يثرب

نشيد الإستقبال في يثرب مختلق، وأدخل على أحداث التهجير في العصر العباسي

 

تواترت الأقاصيص تحوي كثيرا من الخلط ، والعديد من الخيالات ، وأكثر منها الحبكات التي تدغدغ مشاعر العامة وترفع آهات الإعجاب إلى شفاههم، بل قد تصل بالبعض منهم إلى مرحلة قشعريرة الإعجاب، وذرف دموع التأثر من معاناة النبي وصاحبه في رحلة محفوفة بالكثير من المخاطر، والسير في الطرق الصخرية الوعرة ، ثم في النهاية الوصول بسلامة الله وحفظة إلى مشارف يثرب، حيث يرتفع تيار الشجن بترديد نشيد ترحاب مشجون، حفظناه صغارا ورددناه كبارا

طلــع البـــــــدر علينا         من ثنيـــَّــات الوداع

وجب الشـــــكر علينا          ما دعــــــــا لله داع

أيها المبــــــعوث فينا          جئت بالأمر المطاع

جئت شـرفت المدينة           مرحــبا يا خير داع

ولا أريد أن أصدم مشاعر طيبو المسلمين والبسطاء منهم، بالجهر بأن هذا النشيد لا مكان له من الصحة، ولم يقل به أهل حضر ولا مضر.

هذه الكلمات المرحبة، لم تكن، ولم تخرج من أفواه المستقبلين للرسول على مشارف يثرب لأسباب ثلاثة

 

السبب الأول :أن البلدة المذكورة في هذا النشيد جاءت على الصورة " جئت شـرفت المدينة "  وهي ترمي إلى المدينة المنورة  مدينة الرسول ، والحقيقة أنها كانت تدعى ذاك الحين " يثرب "  ولم تسمى بالمدينة إلا مؤخرا ودليلنا القرآني في ذلك أن سورة الأحزاب وهي السورة التي جاءت لتصف وقائع موقعة الأحزاب، وهي تلك التي أطلق عليها موقعة الخندق في إشارة إلى الحدث الفصل غير المتوقع في تحديد نتيجة هذه الواقعة ألا وهو حفر خندق حول المدينة في مفاجئة غير معروفة ولا معتادة في  حروب العرب، والمعروف أن هذه الموقعة وقعت في العام الخامس الهجري، وطبقا لما تناولته في شبه إجماع كامل كل كتب السيرة النبوية.


والآن إلى آيات سورة الأحزاب والتي تصف هذه الموقعة

{  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا (11) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إَِّلا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) } سورة الأحزاب


 ورد في هذه السورة وفي الآية (13) منها  أَهْلَ يَثْرِبَ أي أنه وحتى العام الذي وقعت فيه هذه الموقعـــــــــة - الخامس الهجري  - كانت البلدة تدعى  " يثرب "  فمن أين جاء المستقبلون بلفظة المدينة المذكورة في النشيد المزعوم ؟

وقد يقول قائل في دفاعه عن صحة النشيد، أن كلمة " المدينة " الواردة في النشيد هي صفة للبلد وليست اسما لها وهذا حقيق به أن يؤخذ في الاعتبار، لولا أن حاضرة شبه الجزيرة العربية  والتي تحتوي بيت الله الحرام ألا وهيمكة  وهي البلدة الأضخم، والحاضرة الأقدم، وعاصمة البلاد ومقصد الحجيج ، لم يشار إليها ولو لمرة واحدة بصفتها مدينة وإنما وردت جميعها بصفة البلد.

 

 ملحوظة :

1 -  ذكرت مكة مرة واحدة في الآية  (24) من سورة الفتح ،
{  وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِمَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ  أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ    وَكَانَ

اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ  بَصِيرًا (24) }  الفتح

 2 -  وذكرت بكة أيضا مرة واحدة في الآية  (96 ) من سورة آل عمران

{ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِيبِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ   (96) } آل عمران

  3 -  وردت لفظة "بلد" في القرآن ثمانية مرات ، أربع منها جاءت كصفة

         للبلد الله الحرام مكة

        أ ) { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ

              الْأَصْنَامَ (35) } إبراهيم

        ب) { لَا أُقْسِمُ بِهَذَاالْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2)  } البلد

                ( وردت البلد في السورة مرتان )

        ج) { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) } التين


 ووردت " بلدا " مرة واحدة وكانت تشير إلى البلد الحرام ودعاء خليل الله لها بجعلها بلدا آمنا

 { وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) } سورة البقرة

 

ووردت " بلدة " خمس مرات واحدة منها فقط هي التي أشارت إلى البلد الحرام
{ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) } سورة النمل


كذلك ورد لمكة صفة أخرى بأنها " أم القرى " مرتان

{ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92) } سورة الأنعام

{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) } سورة الشورى

وورد وصفها بأنها احدي القريتين في الآية

{ وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَالْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) } سورة الزخرف


وهكذا نرى أنه لم تأت صفة لحاضرة الجزيرة ( مكة ) على أنها مدينة في أيِّ من آي القرآن الكريم.

 

أما صفة المدينة فقد وردت في القرآن أربعة عشرة مرة ، ثلاثة منها أشارت إلى البلدة " يثرب " بصفتها مدينة وأيضا لكونها اسما للبلد، وذلك بعد أن تحول اسمها من يثرب إلى المدينة المنورة.

 

1 – { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ  مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) } سورة التوبة

2 – {  مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا  الأزمة الخانقة فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) } سورة التوبة

3 – {  لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا  قَلِيلًا (60) سورة الأحزاب

 

وهكذا نلمح أن الآيتين (101) ، (120) من سورة التوبة تشيران إلى اسم البلدة على أنها " المدينة " وهي سورة مدنية قد تنزلت بين نهاية العام الثامن الهجري وأول العام التاسع الهجري، أي أن اسم المدينة لم يطفو إلى السطح إلا في هذه الحقبة، أي على الأقل في العام الثامن الهجري.

أما عن ورودها في سورة الأحزاب وفي الآية (60) منها فإنما وردت بصفتها صفة للبلدة، وحتى وإن اختلف الأمر في كونها وردت في سورة الأحزاب كصفة أو كإسم ، فإنما سبقتها الآية (13) التي تجزم بأن البلدة كان اسمها " يثرب " حتى ذاك الحين وحتى العام الخامس الهجري، مما ينتفي معها كل احتمال لظهور لفظة " المدينة " كإسم للبلدة في النشيد المزعوم والمفروض فيه أنه قيل في اليوم الأول ولحظة دخوله عليه أفضل الصلوات وله أتم التسليم البلدة " يثرب" ولأول مرة .

 

أما السبب الثاني:

هو أن القالب الأدبي للصياغة التي جاءت عليها كلمات النشيد ، لم تكن أصلا من كلام العرب..!! ، فالعرب حين يتكلمون ، إنما يتكلمون بواحد من صياغتين ولا ثالث لهما،

إما القالب الشعريوقد احتفى العرب بالشعر لدرجة أنهم عقدوا له أسواقا وعلقوا معلقات من مميز القصائد على جدر الكعبة.

وإما القالب النثريفقد تبارى فصحاء العرب في أسواق عكاظ  وذي المجنة  ومربد، وفي أسواق العرب الأخرى ، مستعرضين كافة فنون الصياغة، وحسن البيان.

فكان والأمر كذلك أن برع  العرب في النـَظمين نظم الشعر ، وسحر بيان النثر، لكن هذا النشيد لو نظرنا إلى قالبه لوجدناه لا يصنف  في جانب الشعر، وأيضا لا يتصف بكونه نثرا.

فكيف نصنف نـَظم هذا النشيد ؟

 

واقع الأمر أن القالب الأدبي والذي جاء عليه هذا النشيد هو من صنف الأهازيج أو الزجل في مفهومنا الشعبي، وهذا الصنف من القوالب الأدبية لم يكن موجودا بالمرة وقت قدوم الرسول إلى المدينة، فكيف تسنى للمستقبلين  من أهل يثرب أن يتناولوا مثل هذه الكلمات ويضعوها في مثل هذا القالب الذي لم يكن معروفا حتى ذاك الحين ؟

السر في ذلك يعود حقيقة.. إلى توقيت ظهور هذا النوع من القوالب الأدبية..!!

 

واقع الأمر أن هذه الصياغة ظهرت في أواخر عصر أمير المؤمنين العباسي هارون الرشيد، وذلك إثر التصفية الجسدية لفصيل فارسي كان شديد القرب من الحاكم، وحين توسم فيهم الغدر قضى عليهم بضربة واحدة فيما أطلق عليه المؤرخون مذبحة البرامكة، وبلغ من شدة حنقه عليهم أن حرَّم رثائهم نثرا

أو شعرا ..!!  ، فما كان من مواليهم ومما ملكت أيمانهم من العبيد والإماء ، إلا أن ابتدعوا نوعا وسطا فلا هو بالشعر كما أنه ليس بالنثر حتى لا يقعوا تحت طائل أمر المنع، وحتى يتقوا غضبة أمير المؤمنين،

وخـُصص هذا القالب المبتـَدع في رثاء السادة فتجده دائما مملوء بالشجن ميالا إلى النغم المحزون، مما حدا بمصنفيه إلى إلصاقه بالموالى حيث أطلقوا عليه اسم الموَال،وصارت هذه الصفة لصيقة به إلى يومنا هذا بل وثبتت به وثبتت عليه.

 

السبب الثالث :

بديهية ثالثة ينتفي معها إمكانية استقبال الرسول بمثل هذا النشيد ذلك لأن العرب كانت تستقبل أضيافهم بالترحاب وليس بالغناء والأناشيد، كما أن مثل هذه الاستقبالات الجماعية لكبير كانت ولابد أن تعد لها بروفات وتدريبات، حتى يتسنى التغني بها عند وصول الوافد الكريم،

فمتى تمت إذن ... مثل هذه التدريبات؟  ، خاصة لو علمنا أن عدد الأنصار في بيعة العقبة الثانية تعدوا السبعين رجلا بقليل ، وعدد المقاتلين في موقعة بدر والتي وقعت في العام الهجري الثاني وكما أشارت كتب السيرة وصل عددهم إلى الأربعة عشر وثلاثمائة، مما يعني أن مستقبلو الرسول عند إهلاله على يثرب لم يتعدى المائة رجل وامرأة، فكيف تم جمعهم وتدريبهم على إلقاء النشيد منغما محفوظا ؟

 

وهكذا ولما سبق أن بينا من الأسباب، فإنه لا يمكن عقلا ولا منطقا أن يكون مثل هذا النشيد ، قد قيل كواحد من مراسم استقبال رسول الله وصاحبه على مشارف  يثرب آن وصولهم إليها، وكل الذي يمكن أن يقال في هذا الصدد، أن هذا النشيد قد تمت صياغته وابتداعه في العصر العباسي وبعدها أقحم  في وصف لحدث الهجرة على التاريخ حيث ضـُم لمثل ما ملأت به كتب التراث من حشو هازل لا يسمن ولا يغني من جوع، لا يقام به فقه ولا يراد به شرع، وما وضعه الوضـَّاعون من مغرضو اليهود متأسلمة الفرس ، إلا لشغل المسلمين بالتافه من الأمور، وتجعل المسلمين في خلاف وشقاق وشرّذمة وتفرق إلى مذهبية بغيضة إلى أن تقوم الساعة، فتذهب ريحهم وتنكسر شوكتهم وتذهب كل جماعة إلى ما تعتقد صحته .

{ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) }    سورة الأنفال

{ فَتَقَطَّعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) } الأنبياء

{ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) } سورة الروم

أما آن لنا أن نتسمع قول الله تعالى في الآية 51 من سورة العنكبوت

{ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } .

 

{ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ*وَيْلٌ لِّكُلِّأَفَّاكٍ أَثِيمٍ *يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ*وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ*مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ*هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مَّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ } .الآيات من : (6-11) من سورة الجاثية .

 

ودائما وبغير انقطاع صد قالله العظيم القائل فى كتابه الكريم:

{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا }آية رقم: (82) من سورة النساء .

{ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }.آية رقم: (24) محمد.

{ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ }.آية رقم: (29) من ص.

وصدق الله العظيم القائل :

{  وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا } .آية رقم: (30) من سورة الفرقان .

ولقد هـَجـَرنا كتاب الله، وهجـْرنا له  يزيد...   فلله الأمر من قبل ومن بعد.

نعم قد آن لنا أن نسمع ونتسمع ونستمع  إلى أقوال الله في كتابه، ولا يعني ما ذكرناه آنفا أننا نمس مفهوم الدين، وسقوط هذه الروايات، لا يعني نقص في الدين أو نكوص في الإيمان، فما هي إلا أقاصيص تروى وحكايات تقص، لا يقام بها دليل ، ولا يثبت بها إيمان ، ولا يزداد بها هدى، فما هي إلا مدسوسات من مدعي الإسلام من اليهود، أو كتابات من متأسلمة الفرس، وكلاهما مشكوك في إيمانه ، مـَخشيُّ منإدعاءه ، مُرتاب في توجهاته، ونسأل الله أن يبعث في هذه الأمة من يأخذ على عاتقه بمهمة تنقية التراث مما علق به من شوائب، ومما شابه من تشويه، محطما بذلك أوثانا فكرية عشنا في كنفها دهورا ودهور، ورفعنا من قدرها إلى مراتب التقديس، حتى صرنا نحاذي بها كتاب الله ، وطار الإدعاء بصحة هذه الكتب إلى أن اقترنت بصحة كتاب الله..!!

ألا من حفيد لخليل الله إبراهيم يمسك بفأس من العلم محطما هذه الأصنام.

 

م / محمد ع. ع. خليفة

الأحد 2 أكتوبر  2016

       1 المحرم  1438 هـ

اجمالي القراءات 7542