ي السنوات الأخيرة، استخدم مصطلح الفتوى على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم العربي، ولم تعد الفتوى صادرة عن شيوخ الدين، والتي تتعلق بقضية محددة، بناء على طلب الفرد أو قاضي لحل مشكلة في الفقه الإسلامي، وأصبح شيوخ التيار الإسلامي في العالم العربي يفتون بدون إذن أو تصريح، معتمدين على رؤيتهم ومعرفتهم بقواعد الدين، ضاربين بعرض الحائط أن المفتي يجب أن يستوفي معايير معينة في الاجتهاد والفقة الإسلامي، حتى أصبح الجميع يتحدث عما هو مسموح (حلال)، وما هو ممنوع (حرام).
هناك أربعة مصادر يعتمد عليها العلماء في إصدار الفتوى، أولاً: القرآن الكريم، وهو الكتاب المقدس للإسلام، المصدر الثاني وهو السنة النبوية، أما المصدر الثالث فهو إجماع أهل العلم، وأخيراً الاجتهاد، وهذا يعني استخدام المنطق من أجل التوصل إلى أفضل إجابة.
سيول الفتاوى
خلال الثلاث أعوام الماضية شهدت الدول الإسلامية والعربية سيلا من الفتاوى الغريبة والشاذة، ولم يتمسك هؤلاء الشيوخ بالمصادر المعترف عليها قبل إصدار الفتوى، واعتمدوا على حدسهم، فكان الانتقاد حليفهم، كما تعددت الفتاوى الغريبة من ترك الزوجة لمغتصبها، ومضاجعة الزوجة الميتة، وجواز شرب الخمر للزوجة الحامل، ومعاشرة الدمى الأنثوية، وجواز تطليق الزوجة الإخوانية.. وغيرها من الفتاوى التي أحدثت جدلاً في الشارع العربي.
حرام على المرأة شراء الموز والخيار!
ومن أبرز الفتاوى، ما تفوه به الشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، حيث أجاز للزوج ترك زوجته لمغتصبها، إذا خشي على نفسه من الموت، وعقب نجاح ثورة 30 يونيو أفتى الشيخ مظهر شاهين بجواز تطليق الزوجة المنتمية إلى جماعة الإخوان المسلمين، لأنها "قنبلة موقوتة داخل الأسرة"، كما انتشر فيديو لأحد الدعاة المصريين المقيمين في أوروبا، يفتي بحرمة شراء المرأة في الدول العربية الموز والخيار أو أكلهما، حتى لا تستثار جنسياً.
ومن بين الفتاوى الغربية على المجتمعات العربية أيضاً، ما أفتى به الشيخ عزت عطية رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، حيث سمح بجواز إرضاع المرأة لزميلها في العمل، درءاً للوقوع في الزنا أو تبادل النظرات الشهوانية بينهما.
كما أفتى الشيخ عبد المنعم الشحات، القيادي السلفي، بحرمة ممارسة أي لعبة رياضية لم يقرها الإسلام، باستثناء، رمي الرمح، والسباحة، وركوب الخيل، وفقاً لحديث الرسول عليه السلام "علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل"، كما أفتى بحرمة ممارسة كرة القدم لأنها تمنع المسلمين من ممارسة شعائرهم الدينية.
كما أفتى أحد شيوخ السلفية الجهادية ويُدعى مرجان الجوهري، بتدمير الأهرامات وأبو الهول والمعابد الأثرية، لأنها أصنام من زمن الجاهلية، وتسمح بعودة عصر عبدة الأوثان، – حسب رأيه – ولم تقتصر الفتاوى الغريبة على المجتمع المصري فقط، بل امتدت لتشمل تونس، حيث أفتى الشيخ بشير بن حسين، بحرمة الإضرابات العامة والتظاهرات الفئوية في البلاد، لأنها تعيق التنمية والنمو الاقتصادي في البلاد، كما أفتى بحرمة الاحتفال بالمولد النبوي.
وتونس هي أول من أصدرت فتوى جهاد النكاح، حيث خرج شيوخها المتأسلفين يفتون بضرورة إرسال تونسيات إلى سوريا لمساندة الجهاديين التراب السوري لممارسة جهاد النكاح اعتماداً على فتوى نسبت إلى الداعية السعودي محمد العريفي، الذي كذّب أن يكون أفتى بذلك.
كما أفتى الشيخ التونسي أحمد الغربي، بعدم جواز سجود لاعبي كرة القدم بعد تسجيل الأهداف، ويرى أن السجود لله يكون بعد إزالة هم كبير أو جلب منفعة لم يكن ينتظرها الشخص، وخلاف ذلك مرفوض وفقاً للإسلام.
"معاشرة الوداع"
وفي المغرب، أفتى الشيخ عبد الباري الزمزمي، رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث، بجواز ممارسة العلاقة الحميمية بين الأزواج بأي طريقة، وفي حال غاب أحد الطرفين فترة من الزمن يجوز التمتع بالدمى ومعاشرتها جنسياً.
كما أفتى الزمزمي بجواز معاشرة الزوج لزوجته المتوفية، أو ما يعرف حسب وصفه بـ"معاشرة الوداع"، كما سمح الرجل بجواز شرب الخمر للمرأة الحامل وتحديداً في شهور "الوحم"، خوفاً على المولود من التشوهات.
وفي اليمن، أفتى أحد شيوخها بحرمة جلوس المرأة على الكرسي أو الطاولات، لأنهن يتعرضن لنكاح الجن، وطالب بأن يكون جلوس المرأة على الأرض صيانة لشرفها ولعرضها من الانتهاك من العالم السفلي.
وفي السعودية، أصدر أحد شيوخها فتوى تحرم على المرأة ممارسة رياضة اليوغا، لأنها تساعد على إثارة المرأة جنسياً. كما أصدر شيخ جزائري فتوى تبيح للزوجة أن تطلب الطلاق إذا تضررت من تدخين زوجها للسجائر!.
مصيبة و"هبال" بعينه
ودأب شيوخ وفقهاء على إثخان إيمان المسلمين بفتاوى تسبح ضد تيار العقل والمنطق، إذ بقدر ما تثير موجات من الضحك والاستغراب، فإنها تثير بين الفقهاء أنفسهم جدلاً مثيراً بين الفقهاء، بل إنها تصبح ظهرا للسخرية يركبها المتفكهون في مختلف مناطق العالم، لأنها فعلا نافذة على تاريخ طويل وعريض من التخلف الشائن.
ولعل آخر فتوى تجعلنا نضع أيادينا على قلوبنا هي التي وردت، قبل أيام، في «منتدى أصول السنة»، والتي تبيح توسيع دبر المجاهد من طرف زملائه المجاهدين لوضع كبسولات متفجرة، وجاءت الفتوى من طرف شيخ بعد أن لجأ إليه شاب طلب فتوى حول العمليات الجهادية، فقال «سألت الشيخ حمد أبو الدماء القصاب، وقال لي إننا ابتكرنا طريقة جديدة وهو أن توضع في دبره كبسولات تفجير، ولكي تتدرب على هذه الطريقة الجهادية لا بد أن ترضى أن ينال بك فترة حتى يتسع دبرك. وتكون مؤخرتك قادرة على تحمل عبوة التفجير».
المصيبة أن السائل واصل البحث وهو يقول: هل يجوز أن أبيح دبري لأحد الإخوة المجاهدين، إذا كانت النية صالحة والهدف هو الجهاد لكي يقوم بتوسيع دبري.
فقال الشيخ حمد الله «الأصل هو أن اللواط لا يجوز، الجهاد أولى، فهو سنم الإسلام. وإذا كان سنم الإسلام لا يتحقق الا باللواط فلا بأس فيه!! لأن القاعدة الفقهية تقول إن الضرورات تبيح المحظورات. وما لا يتحقق الواجب إلا به فهو واجب!! وعليك، بعد أن يناط بك أن تكثر من الاستغفار لله وتأكد يا بني أن الله يبعث المجاهدين يوم القيامة حسب نياتهم ونيتك نصرة الإسلام..».
نكاح الجن!
ومن الفتاوى المضحكة تلك التي أصدرها داعية يمني يحرم فيها جلوس النساء على الكرسي والكنبات لتعرضهن لنكاح الجن! في الوقت الذي أفتى داعية مصري، محمد الزغبي، بأكل لحوم الجن، إن تمكن الناس من ذلك، مشيرا في فتواه إلى أن الجن يظهرون في صورة الإبل والماشية.
وفي السعودية أصدر عضو هيئة تدريس بجامعة الملك خالد فتوى تحرم على النساء والفتيات الجلوس أمام جهاز كومبيوتر مزود بخدمة الأنترنيت بدون محرم خشية أن تتم غوايتها في الدردشة.
وتبقى فتاوى الشيخ الزمزمي نارا على جبل، إذ كلما أفتى كلما تلقى طوفانا من ردود الفعل الغاضبة والمستهجبة، مثلما وقع له حين أفتى بجواز استمناء المرأة بالجزر والخيار ويد المهراز والوناس.. إلخ، مما خلف موجة من السخط الضاحك والتنكيت الصاخب، بل سبق له أن أصدر فتوى متعلقة بإباحته للرجل معاشرة جثة زوجته حين وفاتها باعتبارها ملكا له سواء في حياتها أو مماتها. كما سبق له أن أجاز معاشرة الرجل للدمية، وطالب بتوفير الأجهزة البلاستيكية الإباحية للنساء العازبات، وللرجال أيضا حتى لا يقعوا في الحرام.
وفي الصومال أفتى"الشباب المجاهدين" بتحريم إحدى الأكلات الشعبية بدعوى أنها تحتوي على أضلاع مسيحية تشبه أضلاع الثالوث المقدس المسيحي.
ما لم يفعله قوم لوط..
وفي أنجلترا أيضا قال إمام في مصلى قرب ساحة فيكتوريا بمدينة ليدز أن معاشرة المرأة للمرأة ليست حراما بدليل أن الله ذكر أفعال قوم لوط، ولم يذكر أفعال النساء مع بعضهن، وطالب بتطبيق القرآن بحذافيره، وهو ما أثار المسلمين في انجلترا قبل غيرها، وحاول هذا الإمام أن يدافع عن نفسه بالقول بأنه سُئل عن القضية، فقال أنه لا يوجد نص في القرآن في ذلك، ولكن كلامه تم تحريفه إلى ما يريده الغرب من إساءة للمسلمين.
وأفتى الشيخ البوطي بعدم تحريم سجود مساجين الشباب السوري لصورة بشار الأسد. كما أفتى أمين عام الفتوى بدار الإفتاء المصرية الشيخ الراحل عماد عفت بتحريم التصويت لفلول الحزب الوطني المصري، بل أضفى نائب رئيس حزب النور السلفي محمد عبدالهادي نفحة إيمانية على تقدم حزبه في الانتخابات البرلمانية، مشيراً إلى أن ذلك ورد في آية من القرآن الكريم.
بل إن رئيس لجنة الدعوة الإسلامية بالأزهر الشيخ عمرو سطوحي أفتى بعدم جواز تزويج أي مصري ابنته من أعضاء الحزب الوطني "الفاسدين"، بحسب قوله.
وفي مصر دائما، أفتى مجدي حسين بتحريم البورصة، وأنها ربا فاحش ونوع من المقامرة. وأقرت د. سعاد صالح أستاذة الفقه بجامعة الأزهر والعميد السابق لكلية الدراسات الإسلامية بالأزهر فتوى إسلامية اعتبرت أن «قراءة الزوجة للرسائل القصيرة التي ترد إلى هاتف زوجها المحمول دون علمه حرام شرعا».
حل أزمة العنوسة؟!
وفي الكويت دعت الناشطة الكويتية سلوى المطيري إلى سن قانون يمكِن غير المتزوجة أو المطلَّقة من شراء عبدٍ لتتزوجه، شريطة أن يدفع لها مهرًا، معتبرةً أن ذلك الأمر سيحل أزمة العنوسة في المنطقة العربية. كما طالبت سلوى المطيري بسَنّ قانون للجواري في بلدها؛ لحماية الرجال من الفساد والزنا، واقترحت أن يتم "استقدام الجواري من سبايا الروس لدى الشيشان أو من روسيا ودول أخرى غيرهما.
ومن الفتاوى التي صاحبتها ضجة كبيرة في المغرب فتوى الشيخ محمد المغراوى التي أجازت للأبوين تزويج بناتهن القاصرات معللا ذلك بان السيدة عائشة تزوجت في سن التاسعة، مما دفع جمعيات حقوق الانسان إلى اتهامه بتشجيع «البيدوفيليا» وخرق حقوق الإنسان بشكل عام والطفل بصفة خاصة.
الماكياج للرجال يجوز!
وفي الإمارات تضمنت فتوى أحمد عبد العزيز الحداد، كبير المفتيين في دائرة الشئون الإسلامية والعمل الخيري في إمارة دبي، أن استخدام الماكياج للرجال يجوز بشكل عام، سواء كانت الوظيفة تتطلب ذلك، أو لإخفاء بثور في الوجه، أو حتى للتجمّل، لأن الله جميل يحب الجمال»، مما أثار نقاشاً كبيرا داخل الأزهر الشريف حول مدى أهمية الفتوى والضوابط المتعلقة بها.
حتى البوكيمون لم يسلم
إنها فعلا فتاوى غباء وغرابة كما سماها البعض لمضامينها السخيفة التي تحتقر العقل.. فتاوى تدفقت طيلة السنوات الأخيرة، وكأنها تصب من منبع واحد، حيث أبطل رأينا كيف جاءت فتوى ببطلان زواج من يخلعان ملابسهما كاملة أثناء ممارسة العلاقة الزوجية الحميمة، وفتوى ثانية أجازت رضاعة الكبير المبيح للخلوة خمسة رضاعات، وثالثة تمنع ألعاب البوكيمون لأنها تشجع الأطفال على القمار المحرم في الإسلام (انضم شيوخ الامارات إلى هذا الرأي لأن "البوكيمون" يروج لنظرية النشوء والتطور التي تتعارض مع الشريعة الاسلامية، ثم انتقلت الفتوى إلى الكنيسة الكاثوليكية في المكسيك التي اعتبرت "البوكيمون" من عمل الشيطان)، ورابعة فتوى لبعض شيوخ القرى في باكستان تحرم تطعيمات شلل الأطفال بدعوى أنها مؤامرة من الغرب لنشر العقم بين المسلمين، ثم فتوى جلد الصحفيين لشيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي، وفتوى التبرك ببول النبي لمفتي مصر علي جمعة- وقد وردت الفتوى في كتابه "الدين والحياة.. الفتاوى العصرية اليومية"، وأثارت جدلا شديدا أيضا بعد أن تسربت إلى الصحافة، وفيها يرد على سؤال حول مدى ثبوت تبرك أحد الصحابة ببول الرسول صلى الله عليه وسلم، فأجاب: نعم أم أيمن شربت بول الرسول، وقال لها "هذه بطن لا تجرجر في النار".
وأفتى الشيخ سلمان العودة بتحريم تهنئة الكفار بعيد الكريسماس أو غيره من أعيادهم الدينية. فـ«هو حرام بالاتفاق.. مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن تهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه».