بادئ ذي بدء فالقوات المسلحة السعودية عددها ما بين 300: 400 ألف ، والإيرانية ما بين 500: 600 ألف، لكن عند الاحتياط ترتفع في الجانب الإيراني إلى 2 مليون، وعند السعودي إلى 600 ألف، لكن وبعد استدعاء قوات الدفاع الوطني الإيراني المعروفة هناك .."بالباسيج"..سيصبح عديد الجيش الإيراني أكثر من 40 مليون، وهو يعطي الزخم العسكري البري لإيران على حساب المملكة، مما يهدد بتكرار تجربة حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران بعد تجنيد الخوميني لملايين الإيرانيين لصد هجوم العراق..
كذلك فمستقبل الحرب البرية غامض لأن كلا البلدين يمتلك نظم دفاع جوي على أعلى مستوى، مما يعني تحييد سلاح الطيران عن الحرب البرية، وبالتالي سيكون (الجندي) والجندي فقط هو عامل الحسم..
كذلك سلاح المدرعات شأنه كشأن الطيران بعد امتلاك البلدين صواريخ ضد المدرعات على أعلى مستوى، فالسعودية تمتلك صواريخ (تاو) الأمريكية، وإيران تمتلك صواريخ (كورنيت ) الروسية و(طوفان) الإيرانية، هذا يعني أن دخول سلاح المدرعات والعربات للحرب سيكون بمثابة انتحار، ويؤكد على ما قلناه في البداية أن مستقبل الحرب (البرية) بين السعودية وإيران غامض جدا، وأن معظم الأسلحة ستكون مُحيّدة وخارج الخدمة، وفي العرف العسكري أن المواجهة بين قوتين متكافئتين تخرج أغلب الأسلحة من الخدمة ويبقى الاعتماد على الجندي..لذلك هذه القوى تتحاشى الحرب مع نظرائها في القوة قدر الإمكان..ولدينا نموذج روسيا وأمريكا ماثل للعيان..
أما من الناحية الجيوسياسية فالكفة تميل لصالح السعودية بوصفها (الأكثر حلفاء) فلديها قاعدة خلفية (سنية) تتمثل في مجلس تعاون خليجي على الأقل سيدعمها معنويا، ونظامين مصري وسوداني يعداها بالمساعدة، لكن في الجزء الأول من المباراة رجحنا سير العمليات وأنه لا فرصة لتدخل مصر أو السودان.
كذلك من الناحية الجيوسياسية تشبه هذه الحرب معركة الخليج الأولى بين إيران والعراق، مع اختلافات لصالح وضع إيران الآن:
ففي حرب الخليج الأولى كانت كل الدول العربية مع العراق ضد إيران باستثناء سوريا وليبيا أخذوا موقف الحياد، وكانت العراق تدعمها معظم القوى الدولية بمن فيها أمريكا والاتحاد الأوروبي، كما أن الاتحاد السوفيتي أخذ موقع (المحايد السلبي) باعتبار أن النظام الإسلامي في إيران لا يحقق طموحات السوفييت، ولم تتحقق أدنى مصلحة بعد صعود الخوميني..
الآن الوضع تغير، فإيران لديها حلفاء (مباشرين) في اليمن وفي العراق وسوريا ولبنان والبحرين، وغير مباشرين في (قطر وقطاع غزة) وأطراف محايدة في (عُمان والكويت ودول المغرب العربي) إَضافة لروسيا التي من المتوقع أن تأخذ صفة (المحايد الإيجابي) باعتبار مصالحها الأكبر مع طهران، أي أن وضع إيران الآن تحسن من الناحية الجيوسياسية عن الثمانينات، وقد ظهر ذلك في اجتماعات الجامعة العربية بشأن حلفاء إيران في لبنان، وكذلك في عجز الجامعة عن اتخاذ موقف واضح من سوريا..بعد تدخل مصر لصالح الجيش السوري..
كذلك من الناحية الجيوسياسية ما فرصة تأثير إيران على شيعة المملكة وإشعالهم للمنطقة الشرقية، في المقابل ما فرصة السعودية في التأثير على سنة إيران ؟..الجواب في تقديري أن هذا الجانب سيخضع لعوامل مذهبية وأيدلوجية، فشيعة السعودية أغلبهم متعاطفين مع إيران بوصفها أولا: وحدة المذهب، ثانيا: من تدافع عن حقوقهم المسلوبة، لكن لا يعني ذلك أن هم قادرين على إشعال الموقف، وفي تقديري أن شيعة السعودية هم (ورقة سلبية) في المعركة سيتم استخدامها إعلامياً فقط لقرينة كبرى، أن لو كان هؤلاء يشكلون خطرا على النظام السعودي لأحدثوه بعد إعدام شيخهم الأكبر.." نمر النمر".. في فبراير من العام الجاري..ويبدو أن قادتهم يفضلون عدم المواجهة مع النظام السعودي خصوصا الآن..
في المقابل فرصة تأثير السعودية على سنة إيران ليست فقط ضعيفة..بل معدومة، والسبب أن سنة إيران أكثرهم على المذهب الشافعي والحنفي..وجميعهم متصوفة، أي لديهم خلاف مع الوهابية مذهب الدولة الرسمي في المملكة، وقنوات إيران الرسمية تنقل يوميا فتاوى شيوخ السعودية السلفيين بتكفير الصوفيين بوصفهم .."قبوريين"..على حد زعمهم، كذلك فسنة إيران متأثرين جدا بالخطاب المعادي للسعودي في إيران، ومظاهر العداء مع السعودية لا يخلو منها الشارع السني الإيراني..
كذلك فعرب إيران 90% منهم شيعة معادين للسعودية، ويعيشون في محافظة.."خوزستان"..على الضفة الشرقية للخليج، وأكبر مدنهم الأهواز.
النتيجة أن حرب الأقليات (صفر) فلا السعودية قادرة على التأثير في نسيج المجتمع الإيراني، ولا إيران قادرة على التأثير في نسيج المجتمع السعودي، اللهم إلا لو تهوّر السلفيين في المملكة باستهداف شيعة المنطقة الشرقية ردا على ضحايا الهجمات الصاروخية..وقتها يمكن تطور الموقف بمواجهات مباشرة بين الشيعة وحكومة الرياض..
التحليل الجيوسياسي الأخير لن يكون في صالح المملكة باعتبار تعدد (أذرع إيران) في تهديدها، علاوة على ضعف جبهة المملكة العسكرية والتي لم تخدمها حتى الآن في اليمن، فلا السيسي أرسل جيشه المصري لحماية المملكة في اليمن، ولا السودان صدت الغزو الحوثي للجنوب، ولا قوات التحالف العربي فعلت نفس الشئ، حتى في الحرب الصاروخية الماضية لم تهب القاهرة لنجدة الرياض..واكتفت بتصريحات سياسية وتهديدات غير مباشرة، مع العلم أن بقاء الحرب الصاروخية مدة أطول ستتكلف البلدان خسائر بشرية ومادية هائلة، ولأن كفة الصواريخ تميل لإيران فالخسائر في جهة المملكة ستكون أكبر..
كذلك من ناحية الخبرات فإيران لديها خبرات قتالية أكبر فيما لو حدثت أي حرب برية، لأن آخر حرب برية خاضها الجيش الإيراني منذ 28 عاماً فقط، أي يوجد قطاع كبير في الجيش الإيراني لديه تلك الخبرات، وقد نقلوها لحلفائهم في سوريا والعراق مؤخرا، أما السعودية فلم يسجل لها أي حرب برية بعد حروب التأسيس في عشرينات القرن الماضي، أي آخر حرب خاضتها السعودية كانت منذ ما يقرب من 100عام، وكانت بطبيعة مختلفة عن ما يحدث الآن، وكذلك الوضع تغير والخصوم والأسلحة والمعتقدات كذلك تغيرت..
جانب الخبرات هذا مهم جدا لإحداث الفارق، وقد قيل أن سبب التفوق الجوي لإسرائيل على مصر في حرب الأيام الستة أن العديد من طياري إسرائيل كانوا ضمن مقاتلي الحرب العالمية الثانية، ولكن في صفوف بلدانهم الأصلية، أي كانت إسرائيل تمتلك خبرات أكثر من مصر هي التي أحدثت الفارق..رغم أن مصر في الميزان العسكري كانت أقوى عددا وعُدّة عام 1967..وهو ما أغرى عبدالناصر ربما، كذلك في اليمن الآن ظهر أن الجندي اليمني لديه خبرات أكثر من الجندي السعودي، وقصة نقل المعركة لأراضي السعودية باعتراف وزير خارجيتها عادل الجبير..تعني في العُرف العسكري (تفوّق نوعي) وإلا لنقلت المملكة هذه الحرب البرية لأراضي اليمن..
أخيراً: البعض يسأل لماذا اتخذت مصر هذا الموقف من الحرب الصاروخية؟..والجواب: أن مصر ليست لديها صواريخ بالستية متوسطة أو بعيدة المدى يمكنها أن تصل لإيران، وأي برنامج للصواريخ مصري سيواجه على الفور بمعارضة إسرائيلية، وهي سنة متبعة بوقف التسلح بعد اتفاقية كامب ديفيد..كذلك لو امتلكت مصر هذه الصواريخ واستعملتها ضد إيران..ما الضامن أن لا ترسل إيران صواريخ انتقامية على القاهرة؟..ولو حدث كيف سيتصرف السيسي في ظل معارضة مصرية قوية له في الشارع تنتقد التدخل المصري في هذه الحرب التي يسموها (عبثية)؟..وماذا لو كانت أرقام الضحايا كبيرة هل سيتحملها السيسي شخصيا بوصفه صاحب قرار الحرب..أم الجيش المصري برمته وتنهار شعبيته في الشارع؟
أسئلة كثيرة وملامح سياسية وجغرافية وعسكرية أحببت الخوض فيها قبل استكمال الجزء الثالث من المباراة...وإلى اللقاء