هل يمكن أن أكون محايداً
حقيقة التعصب

عامر سعد في السبت ١٧ - سبتمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

 
لا يستطيع أن يقهر رغبة التعصب في نفسه إلا إنسان لا يتبع هواه، ووجود هذا الصنف نادر جدا خصوصا في بيئة يغلب عليها الجهل، فكلما زاد الجهل زاد التعصب، لأن الجهلاء هم فريسة الباطل دوما، يستطيع أن يسيطر بسهولة علي قنوات إدراكهم المحدودة، أما الإنسان المطلع فقنوات المعرفة لديه متعدده، وعلي قدر تعددها يعجز الباطل أن يسيطر عليها جميعا فيظل قادرا علي إدراك الحقائق، فيري الخير والشر في كل الكيانات بدرجاتهما المتفاوتة ويعلم أنّ الكيانات البشرية فردا كانت أو جماعة لا يمكن أن تكون علي الحق المطلق أو الشر المطلق، ولذلك فهو لا يتعصب لها تعصب الجاهل الذي يظن بقلة علمه قدسية كيانات في مقابل شيطانية كيانات أخري، وبما أن الحقيقة الكاملة لا يعلمها إلا الله وحده، إذاً لا يوجد في الكون إنسان محايد تماما ولكنها درجات.
 
 لننتقل إذا إلي السؤال الأسهل، هل يمكن أن أبدو للمتعصبين محايدا؟ 
وبطريقة أخري، هل يمكن أن يقتنع أولئك المتعصبين أنني بالفعل محايد في تفكيري ولو إلي درجة ما ؟
لنفترض أن لدينا معسكرين س وص ولكل منهما جانبين أحدهما خير والآخر شر أو أحدهما حق والآخر باطل بدرجات متفاوته كأي طبيعة بشرية، وأن لكل منهما مؤيدين، وأنا أحاول أن أقف علي حقيقة الخير والشر في كل منهما، لو افترضنا أنني طرحت أفكاري وما أراه من جوانب الشر في كل من س وص أمام متعصب لــ س، ذلك الطرح في العادة لا يترجم لدي هذا المتعصب إلاّ أنني أنتمي إلي ص  ما دمت لا أفترض قدسية ما افترضه هو في س، وبالرغم ما يراه من انتقادي للشر في ص أيضا، وفي هذا المناخ الذي يغلب عليه الجهل يندر المحايدون ولا يجدون لهم نصيرا، بل ويصيرون هم الفريق الأكثر عداوة من كل المعسكرات.
 
المأساة الكبري، أن هوي النفس لا يطيق صبرا حتي يتبين من الحقيقة فهو متحيز أبدا، ولا يحكم ذلك التحيز في العادة حقيقة منطقية بل تحكمه ظروف النشأة والمصالح الخاصة وما وجد عليه الآباء والأجداد، فيكون للتعصب جزور راسخة في النفس، تتشكل بشكلها قناعاتها وعلاقاتها وتصرفاتها، فإن عرضت علي منافذ المعرفة عند المتعصب حقيقة علي عكس ما ارتاح إليه هواه فإنه يقابل تلك الحقيقة بأسلحة مضادة، تلك الأسلحة هي في الحقيقة أدوات الشر في الكون كله، يقابل المتعصب الحقيقة التي ليست علي هواه بالإعراض عن معرفتها من الأصل في البداية ثم إنكارها والتشكيك فيها، ثم مقاومة الشك الذي انتابه في مقدسه بإضافة قدسية أكبر ومقاما أعلي وفي هذا قول سيدنا نوح عليه السلام عن قومه (( وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا )) نوح 7، ولا يوجد متعصب إلا كان معتقدا اعتقادا يملأ عليه نفسه أنه علي الحق مهما علم من الحقيقة.
 
لماذا لا يقبل المتعصب بالحقيقة إذاً بل ولا يسعي لمعرفتها ما دامت مخالفة لقناعته بالرغم أن البشر كلهم يؤمنون أن اتباع الحق فيه الخير والنجاة ؟، التعصب يحكمه الهوي والتعلق وراحة النفس للمتعصَب له، كما يحمل عداوة وكرها ومحاربة للمتعصب عليه، وإدراك الحقيقة ثم اتباعها يصحبه جهد نفسي عصيب، فعندما يقتنع المتعصب بحقيقة الجانب السيئ لمقدسه يستلزم ذلك ضرورة الكف عن التعلق به وتفضيله عمّا سواه، وإذا أدرك أن الشر غالب علي الخير في مقدسه فذلك يلزم نفسه عكس الحالة التي كانت عليها تماما، وتلزمها إقرارها بالجهالة والحماقة وتصحبها حالة من الشعور بالفراغ العقائدي وضرورة بناء قناعات جديدة كما يصحبها عادة انحراف عن العقيدة العامة للآباء والأجداد والعشيرة وربما تفتح عليها أبوابا للعداوة والحروب، فالحياد والشك  والبحث الدائم عن الحق هو حالة مستحيلة علي الجهلاء ومرضي القلوب ومتبعي الهوي.
اجمالي القراءات 7504