نظام عدد السنين – البروج
في البحث عن الإسلام - نظام عدد السنين – البروج – الجزء الرابع

غالب غنيم في الخميس ١٥ - سبتمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

في البحث عن الإسلام - نظام عدد السنين – البروج – الجزء الرابع

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين

(
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر – 36

( ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ) الأنعام – 2

وأكرر ما قاله تعالى – يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

وبعد،

______________

عدّة الشهور :

الله تعالى، أحصى الشهور حين خلق السماوات والأرض وثبّت عدتها وهي 12 شهرا :

( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) التوبة - 36

والمشركون كانوا يتحايلون على ما أحصاه الله تعالى وعلِمه من عدد الشهور الحرم التي أحصى عدّتها وهي 4 متتابعة متتالية كما بينا في الأبحاث السابقة :

( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) التوبة - 37

والعدّة للوقت يتم إحصاوها عددا تفصيليا، كما في آيات كثيرة ربطت بين إحصاء العدّة ولن أتطرق هنا للتفصيل وسأطرح خلاصة ما فهمته وهو أن العدّة هي ما عُلِمَ من الوقت المُحصى عددا، بغض النظر عن طبيعة الوقت كان أياما أو شهورا أو سنينا.

فعدّة الشهور عند الله هي وقت من أشهر عددها اثني عشر فقط لا غير منذ خلق السموات والأرض، وعدّة الأشهر الحرم عند الله هي أربعة من الإثني عشر شهرا، فلا يجب ان نزيد ولا ننقص على عددها لنواطيء عدّة الله لها فهو من خلقها وأحصاها وثبتها.

______________

مفردة الشهر ومفردة شَهِدَ :

كثيرون من طرحوا افكارهم عن مفردة الشهر، وأعتقد ان كثيرين أصابوا حين ربطوا مدلول مفردة الشهر بالشُّهرةِ والاشتهار، وأخطأ التراث حين ربطها بالأهلّة، فمفردة الأهلّة لا علاقة لها بالهلال أبدا لا من قريب ولا من بعيد، فالأهلّة هي مواقيت للناس والحج، أي بالنجم يهتدون اليها، وهي ثابتة غير متحركة لكونها ارتبطت بمفردة الميقات التي فصلناها في أبحاث الصلوة، ولا يمكن للميقات أن يتغيّر وقته ومكانه، فهو علامة زمكانيّة ثابتة، ترتبط بالزمان والمكان، وهكذا مواقيت الناس والحج يجب أن تكون، مرتبطة بزمان ثابت غير متحرك مع زمان ثابت لا يدور سنصل اليه في البحث القادم باذن الله.

والآية التي تجعلنا نتفكّر في مفردة الشهر ربطت الشهر بأن نشهده، وهنا التراث تلاعب كثيرا ولغى حول المفردات تبديلا وتغييرا لكي يربطها بالقمر! حيث يقول تعالى :
( شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا۟ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا۟ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) البقرة – 185

فكيف نفقه من القرءان ونفهم معنى (
فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) ؟
لكي نصل الى الفهم السليم نبحث في القرءان ذاته عن تفسير مفردة " شهد " وسنصل الى أنها ارتبطت بالعلم والخبرة والمعرفة وليس بالرؤية والنظر، وهذا واضح تماما في قوله تعالى :
(
شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلْمَلَٰٓئِكَةُ وَأُو۟لُوا۟ ٱلْعِلْمِ قَآئِمًۢا بِٱلْقِسْطِ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ) ال عمران – 18
وفي قوله تعالى (
قَالَ هِىَ رَٰوَدَتْنِى عَن نَّفْسِى وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ إِن كَانَ قَمِيصُهُۥ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ ٱلْكَٰذِبِينَ) يوسف – 26

فمن الآيتين أعلاه لن يختلف اثنين أن الشهادة تتطلب الخبرة والعلم بالشيء وليس شرطا الرؤية أبدا له، فأولوا العلم يشهدون أنه لا إله الا الله قائم بالقسط، بحكم علمهم الذي اكتسبوه في حياتهم وفكرهم وتفكّرهم في خلق السموات والأرض وغيره، كذلك الذي شهد على يوسف لم ير الحدث أبدا، بل هو رجل ذو خبرة وحكمة وعلم في الحياة، فعلم أن قميصه قد قُدَّ ، فقال لهم رأيه في الأمر بحكم خبرته وحكمته وعلمه !
أما الشهيد فهو من يرى الحدث ويحضره، ولكن التراث خلط بين الشاهد والشهيد!

والذي يشهد الشهر، هو من يعلم ببدئه وقدومه بحكم علمه وخبرته! ولا علاقة لقمرٍ لا يمكن أن نراه أبدا في بدئه – سبحان الله كيف تعلقوا بكل ما هو محاق !

ومن هنا يصبح هنالك علاقة وثيقة بين الشهر والشهرة، أي أن مفردة الشهر تصف فترة زمنية تم احصاء أيامها وعدّها بدقة متناهية وإلا فيكون ما قاله تعالى عن عدّة الشهور الحرم حشوا سبحانه وتعالى عما يصفون !
 

______________

السماء ذات البروج :

  أول ما فكّرت فيه هو سبب تسمية الله تعالى للسماء بذات البروج؟!
لماذا لم يقل ذات المصابيح أو النجوم أو الكواكب أو غير ذلك ؟ فالذات لها مدلول مهم وكبير جدا في القرءان الكريم، تدل على الملكية التامة للشيء، فالسماء هنا اتصفت بامتلاكها لشيء مميّز اغفلناه طويلا وتلاعب فيه شياطين الإنس كما وضحت سابقا، حتى أننا نمرّ عليها مرور الكرام، ناهيك عن أنها قسم من الله تعالى بها!
(
وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ * وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) البروج – 1:3
وهذا الأمر تكرر ذكره في أكثر من موقع في القرءان الكريم للدلالة على أهميته، الذي لم نعطه حقه أبدا كما يبدو، ولننظر لم تم ذكر الشاهد والمشهود هنا؟ ولنتذكر أعلاه (
وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ)  فأين هو المشهود هنا إن لم يكن البروج ذاتها التي قال عنها أيضا تعالى :
(
تَبَارَكَ ٱلَّذِى جَعَلَ فِى ٱلسَّمَآءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَٰجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا)   الفرقان – 61
مادحا مباركا ذاته سبحانه على أنه جعل وليس خلق فقط، بل جعل من النجوم والكواكب معا، بروجا وفصل عنها الشمس والقمر !
أي تم تخصيص البروج بدءا ثم الشمس وأخيرا القمر، والتخصيص في البروج لأهميتها، والجعل هو تغيير وظيفيّ للشيء المخلوق، ومنه البروج كانت نتيجة توظيف النجوم والكواكب معا في تكوينها، وهذا أمر غاية في الأهميّة كما سنرى أدناه، وكما يشدد الله تعالى على من ينظر للسماء وليس مهطع رأسه ولا يبحث كما فعل ابراهيم كما شرحت سابقا، حين قال سبحانه :
(
وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِى ٱلسَّمَآءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّٰهَا لِلنَّٰظِرِينَ) الحجر – 16
وزينّاها لمن؟ للناظرين الذين هم الآن ومنذ زمان طويل لم يعودوا ينظرون اليها أبدا !

والبروج من مفردة برج، وهو الشيء الظاهر جدا والمشهود بسهولة ويسر، كما في قوله تعالى :
( أَيْنَمَا تَكُونُوا۟ يُدْرِككُّمُ ٱلْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِى بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا۟ هَٰذِهِۦ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا۟ هَٰذِهِۦ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ فَمَالِ هَٰٓؤُلَآءِ ٱلْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا) النساء – 78
فهي هنا بروج مشيّدة للدلالة على ان البرج يتم بناؤه لهدف ما وهو الحفظ للشيء كما في النساء هنا، ليحفظهم من وصول الموت اليهم، وكما تبرّج النساء بزينة ليظهرن محاسنهن ( النور – 60 ).

كل هذه الآيات تتحدث عن البروج التي جعلها الله في السماء بل وزينها بزينة الكواكب كذلك، فهل كل هذا الخلق والجعل والتزيين من عبث ؟؟؟
سبحانه عن العبث واللهو واللعب من قال (
وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَٰعِبِينَ) الدخان – 38

فهو لم يخلق كل هذا ويجعله ويزينه لعبا ولهوا كما جعلونا نظن بإبعادهم نظرنا عن السماء، وبتحريفهم لما خلق الله وجعل، بأن أصبح كما شرحت سابقا علم توقعات في الشخصيات وغيره ! بدلا من علم الفلك الذي اهملناه!

______________

مكونات البروج :

 نعود الى الإمام الأول لنا، إبراهيم حيث قال تعالى عنه ( فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى ٱلنُّجُومِ) الصافات – 88 ، لنتذكر أعلاه ( وَزَيَّنَّٰهَا لِلنَّٰظِرِينَ) ، الذي أولهم إبراهيم، فهو نظر للنجوم التي تزيّن البروج وتعب كما قلنا حين لم يفقه سبب الترتيب هذا والجعل الدقيق لما في السماء، ثم حين وصل إلى الخالق فهم أنه لا شيء عبثيّ هنا بل كل هذا مسخّر لنا فطره الله تعالى ليكون كذلك !

(
إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِى ٱلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُۥ حَثِيثًا وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَٰتٍۭ بِأَمْرِهِۦٓ أَلَا لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلْأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَٰلَمِينَ) الأعراف- 54
(
وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومُ مُسَخَّرَٰتٌۢ بِأَمْرِهِۦٓ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) النحل – 12

 (
وَعَلَٰمَٰتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) النحل – 16

(
وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُوا۟ بِهَا فِى ظُلُمَٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) الأنعام – 97

وكثير من الآيات غيرها التي لا نتفكر فيها ولا نتدبرها بل نمر عليها مرور الكرام، والتي هي أصل الوصول للخالق !
فكل هذه البروج مكونة من كواكب ونجوم تم جعلها تسخيرا لنا لنهتدي بها وأهلّة لنا وهذا ما علمه السابقون عنا وثبتوه على الأرض كما شرحت سابقا عن الهرم ورجم الهيري وغيره من الآثار التي تركوها لنا لنعلم كم هي مهمة هذه البروج !

وأخيرا، وليس آخرا، كي لا أطيل هذا البحث، في البحث القادم سنسقط السماء على الأرض قبتين كما تم خلقهما يوم بديء الخلق لنصل الى النظام الإلهي لعدد السنين والحساب.

إنتهى.

والله المستعان

ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة.

مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرآن الكريم

اجمالي القراءات 8653