السيد المسيح في ذمة الله تعالى
المرحوم/ عيسی ابن مريم

عبدالوهاب سنان النواري في الثلاثاء ٠٦ - سبتمبر - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

يحدثنا القرآن العظيم بأن عيسی ابن مريم، بشر مثله عند الله جل وعلا كمثل آدم عليه السلام، خلقه من تراب ثم قال له كن فكان، جاء هذا في قوله تعالی: إن مثل عيسی عندالله كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون (آل عمران 59) .

ومعنی هذا أن عيسی (ع) رجل مثلنا يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، وينام، ويمرض، ويدخل الخلاء، وأنه مر مثلنا بمرحلة الطفولة والشباب والكهولة، ثم في الأخير توفاه رب العزة ومات مثله مثل بني آدم.

عن مراحل النمو التي يمر بها أبن آدم والتي مر بها عيسی بكل تأكيد، يحدثنا القرآن الكريم أن والدته حملت في بطنها، وأنه جاءها المخاض حين ولادته، وأنه أصبح طفلا وكهلا، ثم توفاه الموت مثل غيره.

عن حمل والدته به، وولادتها له، يقول الحق تبارك وتعالی: فحملته فانتبذت به مكانا قصيا ، فأجاءها المخاض إلی جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا (مريم 22-23) .

ويحدثنا القرآن الكريم عن مهده وصباه علی لسان قومه، جاء ذلك في قوله تعالی: قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا (مريم 29) .

وعن مهده وكهولته، يقول الحق تبارك وتعالی: إذ قال الله يا عيسی ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلی والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا (المائدة 110) .

وطالما أن عيسی نفس بشرية مثل آدم، فقد حق عليه قوله تعالی: كل نفس ذائقة الموت (آل عمران 185) . وقد قال رسول الله عيسی عن ولادته وموته وبعثه وهو لا يزال في المهد: والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا (مريم 33) .

وقد عانی عيسی من بني إسرائيل وذاق علی أيديهم الأمرين، فإتهموا والدته بالزنی، وكذبوه وكفروا به وعذبوه، حتی وصل الكرب إلی منتهاه، فقال له رب العرة أنه سيتوفاه ويريحه من كل آلامه بالموت.

جاءت كل هذه المعاني في قوله تعالی: وبكفرهم وقولهم علی مريم بهتانا عظيما ، وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسی بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا , بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما ، وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا (النساء 156-159) .

هذه الآيات تحدثنا أيضا عن حادثة التعذيب والصلب المشهورة في تاريخ المسيح، وهي تقول لنا: أنهم لم يقتلوه ولم يصلبوه يقينا وإنما شبه لهم، وأن الله تدخل ورفعه إليه، أي توفاه بالموت، وأن من أهل الكتاب من آمن بموته في وقتها، وأن عيسی سيكون عليهم شهيدا.

وقد أشتبه علی الناس معنی قوله تعالی: بل رفعه الله إليه. وهي عبارة يسهل فهمها لكل من تخلص من درن التراث، ورجس الأحاديث، فهي بكل بساطة تعني: بل توفاه الله جل وعلا بالموت، أو انتقل إلى رحمة الله تعالى.

فبعد أن أشتد الكرب علی عيسی طمئنه رب العزة بأنه سيريحه من كل آلامه بالموت كما أسلفنا، نفهم ذلك من قوله تعالی أيضا: فلما أحس عيسی منهم الكفر قال من أنصاري إلی الله ... ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ، إذ قال الله يا عيسی إني "متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا (آل عمران 52-55) .

والحوار الذي سيدور بين الله جل وعلا وبين عيسی يوم القيامة دليل كاف علی ما نذهب إليه، ففيه يقول عيسی أنه كان شهيدا علی قومه طيلة بقائه فيهم (فترة حياته) لا غير, وأنه بعد أن توفاه رب العزة لا يعلم شيء عما صنع قومه من بعده، وهو تأليهه هو ووالدته، ولم يحدث أن ألههما أحد قبل موته.

جاءت كل هذه المعاني في قوله تعالی: وإذ قال الله يا عيسی ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق .. ما قلت لهم إلا ما أمرتني .. وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم (المائدة 116-117) .

والقائلين بأن عيسی لم يمت إنما هم أفاقين مكذبين لآيات الله البينات، وطبعا لا ينسی هؤلاء الفاسقون أن ينسبوا شركهم وإفتراءتهم لخاتم النبيين عبر أحاديث وروايات ساقطة وسخيفة.

ولسوء حظهم أن القرآن الذي ينتقصونه يفضح كذبهم وجهلهم، فالروايات التي تتحدث عن عودة المسيح، وأنه حي لم يمت بعد، معناها أن عيسی مخلد، والقرآن يقول لمن يفترون باسمه: وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون (الأنبياء 34) .

وهذه الروايات تتحدث عن غيبيات، والله جل وعلا يقول لم يكذبون علی لسانه: قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب (الأنعام 50) .

وكل الروايات المرتبطة بنزول عيسی، كامهدي والدجال وغيرها، هي روايات تطلعنا علی الغيب، وهذا تكذيب لقوله تعالی: وما كان الله ليطلعكم علی الغيب (آل عمران 179) .

 

ختاما:

رحم الله جل وعلا السيد المسيح ابن مريم وأسكنه فسيح جناته

اجمالي القراءات 9057