سدرة المنتهى في التنزيل الحكيم
-----------------------------
قال تعالى: " وَمَا كَانَ هَـٰذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٣٧﴾ " (سورة يونس)
ما هي سدرة المنتهى؟؟؟ هل هي شجرة عظيمه ذات أوراق كأذان الفيله , و ثمارها كقلال هجر في السماء السابعه عند العرش الالهي كما زعمت أحاديث المعراج. أم أن لها مدلول أخر في تفصيل الله في كتابه. لذلك السبيل الوحيد و الطريقه المثلى لقطع الشك باليقين في هذه المعضله,هو الرجوع إلى القراءن الكريم فهو كتاب محكم ,و مفصل من الله الذي يعلم السر في السماء و الأرض. قال تعالى :"الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴿١﴾" (سورة هود)
لفظة " سدر " وردت في القراءن في ثلاث مواضع هي;
قال تعالى:" قَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴿١٥﴾ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ﴿١٦﴾ ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا ۖ وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴿١٧﴾" (سورة سبإ)
قال تعالى :"فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ ﴿١٠﴾ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ ﴿١١﴾ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ ﴿١٢﴾ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ ﴿١٣﴾ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ ﴿١٤﴾ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ ﴿١٥﴾ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ ﴿١٦﴾ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ ﴿١٧﴾" (سورة النجم)
قال تعالى:" وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ﴿٢٧﴾ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ ﴿٢٨﴾ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ ﴿٢٩﴾ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ ﴿٣٠﴾ وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ ﴿٣١﴾ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ ﴿٣٢﴾ لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ ﴿٣٣﴾ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ ﴿٣٤﴾ إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً ﴿٣٥﴾ فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا ﴿٣٦﴾ عُرُبًا أَتْرَابًا ﴿٣٧﴾ لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ ﴿٣٨﴾ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ ﴿٣٩﴾ وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ ﴿٤٠﴾ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ ﴿٤١﴾ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ ﴿٤٢﴾ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ ﴿٤٣﴾ لَّا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ ﴿٤٤﴾ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُتْرَفِينَ ﴿٤٥﴾ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ ﴿٤٦﴾ وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴿٤٧﴾" (سورة الواقعة)
إذا تأملنا سورة سبأ نجد أن الله أنعم على أهلها بجنتين عن يمين و عن شمال , و هاتان الجنتان كانتا وفيرتان بالطيبات, حتى أعرض أهلها عن شكر الله على هذه النعمه, فأرسل عليهم سيل العرم جزاءا على إعراضهم, فما هو "سيل العرم"!!! لفظة "عرم" لم ترد إلا في موضع واحد في سورة سبأ .فهذه اللفظه ليس لها تفصيل في كتاب الله. ولذلك هناك إحتمالان لمعالجة هذه المعضله;
أ. أن تكون القراءه لهذه اللفظه منقوطه فتصبح " غرم" , فيصبح النص أكثر منطقيه ,و واقعيه . أي أن الله أرسل عليهم هذا السيل غرامة لهم على كفرهم بنعمته في إعطائهم جنتين مليئتين بالطيبات. كقوله تعالى:"أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ ﴿٦٣﴾ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ﴿٦٤﴾ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ﴿٦٥﴾ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ﴿٦٦﴾ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴿٦٧﴾" (سورة الواقعة). فقضية التنقيط في القراءات هي فرضيه منطقيه و واقعيه يجب أخذها في الحسبان عند التدبر في كتاب الله. و مثل ذلك أيضا في قوله تعالى: " أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿١٢﴾" (سورة يوسف). ففي قراءة ابن كتير لها هي " نرتع و يلعب" وهي قراءه أكثر منطقيه و انسجاما مع النص القراءني.
ب. أن تكون لفظة "عرم" محفوظه لسانا, ولم يحتاج الله إلى تفصيلها في كتابه. وعليه يمكننا اللجوء إلى معاجم اللغه لاستخراج معناها بما يوافق موضعها في النص القراءني; فنلاحظ أن ميزة سيل العرم أنه بدل جنتي سبأ بجنتين ذات خصائص مختلفه في الأكل عن الأولى. قال تعالى:"وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ", فهذا السيل لم يكن شديد جارف,لأنه بذلك سيؤدي إلى التصحر(Desertification) , فلو كان هذا السيل جارف لأدى ذلك إلى إقتلاع الغطاء النباتي و فقدان التربه لخصائصها لنمو النباتات فيها, و لانعدم وجود جنه من الأساس ,وهذا يخالف نص الأيه الصريح بأن السيل الذي أرسله الله قد بدل جنتي أهل سبأ بجنتين مختلفتين, أي بقيت هناك جنتان بعد السيل العرم. فبناءا على التحليل السابق يكون المعنى الأصلح لمفردة " عرم" هو الخلط(نقول عرم الشيء : خلطه/المعجم الوسيط), أي أن هذا السيل تكون من عده سيول مخلوطه من عدة جهات فجعلت الجنتين مستنقع مائي مع إبقاء الجنتين.
تأثير سيل العرم أو الغرم على جنتي سبأ
-----------------------------------
قال تعالى:" وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ". أي التأثير كان على خصائص أكل الجنتين(أي ما نستطيع أكله كبشر من جنا الجننتين), قال تعالى:" وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿٢٦٥﴾" (سورة البقرة). و قوله تعالى:" وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۚ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ۖ وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴿١٤١﴾" (سورة الأنعام).
فهنا قد أبقى الله على جنتيهم ولكنه غير خصائص أكلها فلا يستطيعون الاستفاده منه, جزاءا لهم بما كفروا , لقوله:"ذَٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ" ﴿١٧/سورة سبإ﴾. فسيل العرم أدى إلى تواجد الماء الراكد بكميات كثيفه حول نباتات الجنتين فأدى إلى إحداث ما يسمى في علم الري بظاهرة "overwatering" و هذه الظاهره ذات تأثير سلبي على النباتات ،فتواجد المياه بكثره في التربه يمنع جذورالنباتات من أخذ كفايتها من الأكسجين و المواد الغذائيه من التربه ،و تراكم البكتيريا الضاره على تلك الجذور وهذا ما يؤدي في علم النباتات إلى ظاهرة (Root Rot) ، و بالتالي يؤدي إلى تباطؤ في نمو النبات، و عدم نضوج ثمارها و تشققها و تغير طعمها . فالله تعالى ذكر أن التغير في خصائص أكل هذه الجنتين كان ضمن ثلاث نطاقات ; قيمتان سلبيتان {أكل خمط و أثل} ،و قليل من قيمه إيجابيه {شَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ}. فمفردتا {خمط و أثل} لا يوجد تفصيل لها ولا لتنقيطات قراءتيهما في كتاب الله، و عليه نستطيع إستخراج معناهما من معاجم اللغه بما يناسب السياق القرأني. فنجد أن "خمط" تعني "المر الحامض البشع/معجم الوسيط و معجم كلمات القرأن و معجم الرائد"، و نجد أن "أثل" تعني " هلك و سقط/معجم الوسيط" .
فما هي القيمه الإيجابيه في أكل الجنتين التي قللها سيل العرم؟؟؟ هي مجموعة المواد الكيميائيه التي تعطي الأكل طعمه الفريد و تسمى في العلم الحديث ب(Flavor compounds) و التي تزودنا بمعلومات عن القيمه الغذائيه المختزنه في هذا الأكل ( nutritional makeup). فكما بينت عدة دراسات عالميه فإن الانسان يعتمد على حاستي الشم و التذوق للتمييز بين مجموع القيم الغذائيه المختلفه (nutrients) في الأكل، فأنت عندما تشتهي طعاما محددا ، فهذا يعني أن جسمك يفتقر لمجموعه أو أكثر من مجموعات القيم الغذائيه و يريد إشباعها فتوجهك ذاكرتك إلى الطعام الذي يحوي هذه العناصر الغذائيه، أو تنتقي ما تريد إعتمادا على حاستي الشم و التذوق. و فيما يلي أوردت اللنكات الخاصه بهذه الدراسات:
/http://www.grassfedexchange.com/article/58
/http://www.wsj.com/articles/how-flavor-drives-nutrition-1428596326
/http://www.pccnaturalmarkets.com/sc/1511/how-flavor-drives-nutrition.html
و من الجدير بالأهتمام في المقالات أعلاه، أنه تم إجراء دراسه على مجموعه من الأطفال و الذين ترك لهم حرية أختيار طعامهم يوميا، فوجد الباحثون أن الأطفال يتوجهون نحو نوع واحدمماثل من الطعام يوميا، و يختلف بإختلاف نشاطهم في ذلك اليوم. فصدق الله العظيم في قوله " وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ۚ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۚ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ﴿١٩﴾" (سورة الكهف). فنحن نعلم أن أهل الكهف خضعوا لنفس التجربه و هي الرقود في الكهف أمدا طويلا ثم بعثهم الله من مرقدهم، فإنتقاء أحدهم للطعام كان كفيل لإرضاء رغبة الكل.
و لقد أوردت اللينك أدناه لمقال يوضح العلاقه ما بين الري الزائد (overwatering) و طعم الأكل و ما به من قيمه غذائيه ,والذي يحدده السدر الموجود في ذاك الأكل,
https://www.growveg.com/guides/how-to-water-for-better-tasting-crops/
فالري الزائد يقلل من قدر السدر في الأكل و الذي بدوره يقلل قدر الطعم ,و القيمه الغذائيه في ذاك الأكل.
فلنتأمل الأن الأيات من سورة الواقعة,فنجد عند وصف الله تعالى للنعيم المسخر لأصحاب اليمين في اليوم الأخر, فنجده يبدأ الحديث عن "السدر المخضود" فماذا تعني مفردة "مخضود" في كتاب الله؟؟؟
"مخضود" هي من الفعل "خضد" وهذه اللفظه ذكرت في موضع واحد في كتاب الله, ولا يوجد لها تفصيل, فهناك إحتمالان ;
أ. وجود قراءه منقوطه لهذه اللفظه و هي "حصد" , وعليه فالأيه قد تقرئ "سدر محصود" , و عليه فالأيه هنا تعني أن هذه المواد االكيميائيه ,التي تعطي كل ما لذ و طاب من نعيم الجنه, مذاقها الفريد و قيمتها الغذائيه المثلى هي مهيأه مسبقا لأصحاب الجنه للإستفاده منها, فلا يحتاجوا لبذل الجهد في سبيل قطفها وجنيها.
ب.اللجوء لمعاجم اللسان العربي واستخراج معناها هنالك بما يناسب السياق القرأني, فنجد أن معناها قد يكون {اللين ,الرطب, منزوع الأشواك/ معجم المعاني الجامع}, فذلك يعني أن هذا السدر,و الذي يشكل الوحده البنائيه الخام لنعيم الجنه, هو لين بحيث يسهل على أهل الجنه الاستفاده منه, و تطويعه لمرادهم, وهو خال من الاشواك ; فالشوك من أي شيء هو الجزء المؤذي و المضر منه. فالمقالات التي أوردتها أعلاه تتحدث عن مشكلة الغذاء الذي نتناوله في عصرنا الحالي , فهي توضح كيف أن الشركات المنتجه للغذاء تستخدم أصباغ صناعيه (Synthetic Flavorings) لإضفاء نكهات على أكل سلبي القيمه الغذائيه ذات تكلفه إنتاجيه قليله لتوهم المستهلك بعكس ذلك, فعندما يقبل ليتناول هذه المأكولات يتوهم أنها تحوي ما يحتاجه جسمه من قيم غذائيه, ولكن التأثير يكون سلبيا عليه لما تحويه هذه المأكولات من قيم غذائيه مؤذيه (الأشواك) فيصاب بأمراض العصر من سمنة, و سكري و أمراض القلب. ولذلك فإن السدر الإلهي هو مخضود; أي خال من أي عناصر قد تعود بالأذى و الضرر على مستهلكيها.
دليل أخر من سورة الواقعه على أن السدر هو الوحده البنائيه لكل ما في الجنه من نعيم , هو بدايه الحديث عنها في وصف نعيم أصحاب اليمين و من ثم تلاها الحديث عن الطلح المنضود ,و الظل الممدود ,و ماء مسكوب و فاكهة كثيره. و نحن نعلم مما أطلعنا الله عليه من غيبه في كتابه أن نعيم الجنه هو نعيم لا مثيل له, لقوله تعالى:"فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿١٧﴾" (سورة السجدة)
و قوله:"وَمَا هَـٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴿٦٤﴾" (سورة العنكبوت).
قال تعالى:"مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ۖ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ۖ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ۖ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ﴿١٥﴾" (سورة محمد)
قال تعالى:"إِلَّا عِبَادَ اللَّـهِ الْمُخْلَصِينَ ﴿٤٠﴾ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ ﴿٤١﴾ فَوَاكِهُ ۖ وَهُم مُّكْرَمُونَ ﴿٤٢﴾ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿٤٣﴾ عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ﴿٤٤﴾ يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ ﴿٤٥﴾ بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ ﴿٤٦﴾ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ﴿٤٧﴾ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ﴿٤٨﴾ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ"(سورة الصافات)
وحتى الثمار التي سيرزقها أهل الجنه و يقولون هذا الذي رزقناه من قبل في حياتهم الدنيا, سيؤتون به متشابها (أي له نفس الشكل الخارجي ولكن طعمه غير معلوم من قبل), وذلك لأن السدر الإلهي في الجنه هو الأمثل و الأفضل على الإطلاق. قال تعالى:"وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَـٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿٢٥﴾" (سورة البقرة)
فلنتأمل الأيات من سورة النجم, سنجد أنها تتحدث عن رؤيه الرسول محمد لجبريل رؤيه فؤاديه مع بقاء بصره كما هو (أي في المنام) عند سدرة المنتهى, و لكن سدره المنتهى كانت غير واضحة المعالم للرسول محمد لأن الله تعالى وصف لنا مظهرها في المنام بالنسبه للرسول محمد, بأنها كانت مغشيه من النظر إليها, و لكن ما عرفه الله في كتابه لنا و للرسول محمد بأن هذا المكان المغشي سيكون عنده جنة المأوى, أي هو مصدر كل السدر الذي يدخل في بناء كل نعيم جنة المأوى التي وعدها الله عباده المتقين عند المنتهى (اليوم الأخر), قال تعالى:وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ﴿٣٩﴾ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ ﴿٤٠﴾ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ ﴿٤١﴾ وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ ﴿٤٢﴾ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ ﴿٤٣﴾ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ﴿٤٤﴾" (سورة النجم).
فالجنه و النار لم تخلقا بعد, لأن في الطور الأول سيهلك الله العالم المادي الحالي بإستخدام يأجوج و مأجوج. و في الطور الثاني سيبعثنا الله في نشأه جديده (أرض و سماء جديدتين), وفيها جنة المتقين و نارالغاويين. قال تعالى:"يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴿٤٨﴾" (سورة ابراهيم)
قال تعالى:"وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴿٧٣﴾ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّـهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴿٧٤﴾" (سورة الزمر).
قال تعالى:" إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴿١﴾ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ﴿٢﴾ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ﴿٣﴾ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ﴿٤﴾ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ﴿٥﴾ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴿٦﴾ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴿٧﴾ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ ﴿٨﴾ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ﴿٩﴾ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴿١٠﴾ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ﴿١١﴾ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ﴿١٢﴾ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ﴿١٣﴾" (سورة التكوير) .
فإزلاف الجنه يكون بإتمام بناؤها من سدره المنتهى ,ثم بعد أن يننتهي الحساب تسوق الملائكه أصحاب اليمين زمرا إلى أبواب الجنه فتفتح أبوابها لهم و يخلدون فيها.
قال تعالى:"وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴿٣١﴾ هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ﴿٣٢﴾ مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَـٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ﴿٣٣﴾ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴿٣٤﴾ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴿٣٥﴾" (سورة ق)