مع نور الصباح يستيقظ الفتى ليستعد لرؤية حبيبته، فإذا به بعد طول إنتظار يراها، لكنه لا يرى الشوق في عينيها، وإذا بها تفتح باب لا ينغلق من اللوم والتوبيخ له، فتارة تتهمه بالتقصير في العمل، والإهمال في السعي لسد مطالبها، وتارة توبخه متهمة إياه بالفشل المادي والمعنوي، وإذا بالفتى يتلقى منها الإتهامات، وكأنما يتلقى حجارة تصيبه في كل جسده، وإذا بنار شوقه لها تنطفىء، وبعدما كان يريد إيقاف الساعة ليرتوي من رؤياها، أصبح يتعجل عقاربها.
ثم سار كلاهما بعد أن صمتت الفتاة، لكن الفتى كان ينظر أمامه ولا ينظر إليها، وبينما وهما يسيران، يميل الفتى برأسه لينظر إليها عاتباً، فإذ بها تنظر إليه أيضاً بطرف عينيها، نظرة صامتة غير ناطقة، فإذا بالفتى يعود لشعوره الذي كان قبل رؤيتها في هذا الصباح، فقد قرأ في نظرتها سطور لم تنطق هي بها، وكان من بين ما قرأ، شوق وحب وحنين منها إليه، ويقرأ أيضاً خوف منها عليه، ورغبة منها بأن تراه في أحسن حال، ويدرك الفتى أن فتاته ما قالت من لوم وتوبيخ، إلا خوفاً منها بأن يشغلهُ حبُه لها عن أشياء أخرى.
إلى أن خلا الفتى بفتاته بعد سير طويل، وإذ بها تنتظر منه أن يعاتبها على ما سبق من قول، أو أن يناقشها في كل ما قيل، إلا أنه قال لها : علمت أن حبُكِ لي يفوق عشقي لكِ، فيزيد صمت الفتاة وتتساءل، كيف له إدراك ذلك، غير مدركة أن نظرتها كانت لها كاشفة.
شادي طلعت