ملك اليمين فى الغناء

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٤ - أغسطس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة

1 ـ فى عصرنا ـ المُتخم بالوان التسلية ومختلف الفنون البصرية والسمعية والعقلية ـ يتمتع المطربون بالشهرة اكثر من العلماء الذين بهم تتقدم الانسانية فى الاختراع والاكتشاف . فى العصرين الأموى والعباسى كان الغناء مع الشعر أهم أنواع التسلية والمُتع ، لم يوجد تليفزيزن ولا صحف ولا انترنت . لذا إشتهرت الجوارى القيان الحسناوات الحاذقات بالغناء وإستعمال الآلات الموسيقية . ووجدن طريقهن الى التسجيل فى كتب الأدب وكتب التاريخ أيضا . ونعطى تفصيلات عن الجوارى القينات أو القيان المغنيات .

أولا : جدل حول الغناء والقينات

1 ـ ووقف الفقهاء المتزمتون ضد هذا ، وتصدى لهم المفكرون الليبراليون كالجاحظ ، وقد  عرضنا لرسالته فى ( القيان ) ، وفيها يستشهد بأعلام التابعين الذين يقدسهم الفقهاء المتزمتون ، يقول ( وسمع يزيد بن معاوية الغناء‏.‏ واتَّخذ يزيد بن عبد الملك " حبابة " و" سلاَّمة " ، وأدخل الرجال عليهنَّ للسَّماع ، فقال الشاعر :

 إذا ما حنَّ مزهرها إليها  وحنَّتْ  دونه أُذن الكرامِ

وأصغوا نحوه الآذان حتَّى   كأنّهم وما ناموا نيامِ

وقال في سلاَّمة‏:‏

ألم ترها والله يكفيك شرَّها إذا  طرَّبتْ في صوتها كيف تصنعُ

تردُّ نظام القول حتَّى تردَّه       إلى صُلصُلٍ من حلقها يترجَّعُ .

وكان يسمع فإذا طرب شقَّ برُده ثم يقول‏:‏ أطير‏!‏ فتقول حبابة‏:‏ لا تطير فإنَّ بنا إليك حاجة‏.‏

ثم كان الوليد بن يزيد المتقدِّم في اللَّهو والغزل . والملوك بعد ذلك يسلكون على هذا المنهاج وعلى هذا السبيل الأوّل‏.‏ وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قبل أن تناله الخلافة يتغنَّى‏.‏ فممّا يعرف من غنائه‏:‏ أمَّا صاحبيَّ      نزُرْ سعادا

 لقرب مزارها  ودعا البعادا

وله‏:‏ عاود القلب سعادا   فقلا الطَّرف السُّهادا

ولا نرى بالغناء بأساً إذا كان أصله شعراً مكسوّاً نغماً‏:‏ فما كان منه صدقاً فحسنٌ وما كان منه كذباً فقبيح‏.‏ ) ‏.

2 ـ ولقد إستنكر المعارضون السياسيون للأموييين مجون بعض الخلفاء ، فأنكروا على ( يزيد بن معاوية ) كما أنكروا على ( يزيد بن عبد الملك ) تعلقه بالجاريتين المغنيتين ( حبابة وسلامة )  ، وكانت قد وصلتا إلى النهاية في الشهرة فى الحجاز ، فبعث الخليفة من اشتراهما له ، وسافرت سلامة إلى دمشق وحظيت مع حبابة لدى الخليفة الشاب ، وبينما ماتت حبابة في عهد الخليفة فإن سلامة عاشت بعده ، ويذكر المؤرخون أن الخليفة الأموي  اشترى سلامة من مولاها بعشرين ألف دينار.  وهو يجلس بين الجاريتين المشهورتين سلامة وحبابة ، وهما تغنيان له وتسقيانه الخمر ، فكان إذا غلبه السكر يقول : أريد أن أطير ، ويلقي بنفسه في بركة ماء أو حمام السباحة ، وانتشرت هذه الأخبار عن الخليفة في أرجاء الدولة الأموية ، واستغلها أعداء الدولة في الدعاية ضدها ، فكان أبو حمزة الخارجي الثائر على الأمويين يخطب في مكة ويقول عن الخليفة يزيد بن عبد الملك "أنه أجلس حبابة عن يمينه وسلامة عن يساره ، ثم قال: أريد أن أطير ، فطار إلى لعنة الله وأليم عذابه". ويذكر المؤرخون أن ابن الخليفة يزيد بن عبد الملك قد تولى الخلافة بعد عمه سليمان ، وذلك الابن الذي تولى الخلافة اسمه الوليد بن يزيد ، وكان مثل أبيه في حب المجون حتى أنهم ثاروا عليه وقتلوه ، ويذكر الطبري في تاريخه أنهم اتهموه بأنه كانت له علاقة شائنة بجواري أبيه ، ويذكر المؤرخ الصفدي أنهم اتهموه بأن له علاقة بسلامة.  

3 ـ مع هذا كان المجون بسيطا فى العصر الأموى ، لأن الخلفاء كانوا عربا حديثى عهد بالحضارة المترفة ، فلما جاء العصر العباسى بالنفوذ الفارسى والحضارة الفارسية ومعها هامش من الحضارة الرومانية تنوعت فنون الترف وتعدت المتعة الجنسية الى المتعة العقلية والفكرية . ولم يعد الجمال هو الشرط الوحيد للجارية ، بل يزيد فى قيمتها إقتران الجمال بالصوت المُطرب والمهارة فى الموسيقى وإستعمال الآلات الموسيقية ، مع الثقافة المتنوعة فى العلم بالأدب وإنشاد الشعر ، وفنّ المحادثة ( اللباقة / الأتيكيت ) بل ومعرفة علوم الحديث والفقه . وكلما زاد علمها وزادت ثقافتها وجمالها ولباقتها زاد سعرها وإرتفعت قيمتها ، ووجدت طريقها سريعا الى قصر الخليفة العباسى ..وفراشه ايضا . وابراهيم الموصلى ت 188 الذى عاصر الرشيد ونال جوائزه ، تخصص فى شراء الجوارى ثم تعليمهن ثم كان يبيعهن بأعلى سعر للخليفة وكبار القوم . وعند موته ترك أربعة وعشرين ألف ألف درهم ‏.‏  وتوارث ابنه إسحاق هذه التجارة .

ثانيا : تراجع الانكار الفقهى عن الغناء والقيان بمرور القرون

1 ـ وترتب على هذا التطور ( العباسى ) المزيد من شهرة الجوارى والمزيد من تخلف الحرائر ، كما ترتب عليه بمرور الزمن تراجع الانكار الحنبلى على الغناء وفيما يخص التعامل مع الجوارى. وقد  شهدنا رد الجاحظ على المتزمتين فى القرن الثالث ، حتى إذا جئنا للقرن السادس وجدنا الفقيه المؤرخ المحدث الحنبلى ( ابن الجوزى ت 597 ) يعتنى بالتأريخ للجوارى ، بل ويؤتى بأخبار لم يسجلها الطبرى فى القرن الثالث .

2 ـ ونقرأ فى تاريخ المنتظم فى عام سنة 73  : ( كان عبد الملك ( يعنى الخليفة عبد الملك بن مروان ـ وهو الذى أعاد إقامة الدولة الأموية وأكّد سلطانها ) يجلس في كل أسبوع يومين جلوسًا عامًا ( أى للنظر فى شكاوى الناس ) فبينا هو جالس في مستشرف له ( يعنى بلكونة ) وقد أدخلت عليه القصص ( أى الشكاوى ) إذ وقعت في يده قصة غير مترجمة ( يعنى  شكوى لم يكتب صاحبها اسمه فيها ) فيها‏:‏ " إن رأى أمير المؤمنين أن يأمرجاريته تغنينى  ثلاثة أصوات ( يعنى ثلاثة ألحان ) ثم ينفذ فىّ ما يشاء من حكمه."  فاستشاط ( عبد الملك ) من ذلك غضبًا ، وقال‏:‏ " يا رباح ( صاحب الشرطة ) عليّ  بصاحب هذه القصة."  فخرج الناس جميعًا، وأدخل عليه غلام كما أعذر ( يعنى حديث العمر ـ مراهق ) كأهنأ الصبيان وأحسنهم ، فقال له عبد الملك‏:‏ يا غلام هذه قصتك ؟ ( أى هذه شكواك ؟ ) قال‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين . قال‏:‏ وما الذي غرك مني ؟ ( أى جعلك جريئا على سلطانى ) والله لأمثلن بك ( أى لأجعلنك أمثولة يرتدع بها الاخرون ) ولأردعن بك نظرائك من أهل الجسارة، عليّ بالجارية.  فجيء بجارية كأنها فلقة قمر وبيدها عود. فطرح ( أى وضعوا  ) لها كرسي وجلست، فقال عبد الملك‏:‏ مرها يا غلام ، فقال‏:‏ غني لي يا جارية بشعر قيس بن ذريح‏:‏

لقد كنت حسب النفس لو دام أو دنا          ولكنما الدنيا متاع غرور

وكنا جميعًا قبل أن يظهر الهوى            بأنعم حالي غبطة وسرور

فما برح الواشون حتى بدت لنا             بطون الهوى مقلوبة بظهور

فغنته وأجادت ،  فخرج الغلام من جميع ما كان عليه من الثياب تخريقًا ( أى قام بتقطيع ثيابه من شدة النشوة ) ، ثم قال له عبد الملك‏:‏ مرها تغنيك الصوت الثاني ، فقال‏:‏ غني بشعر جميل‏ ( وهو جميل بن معمر بن الحارث بن ظبيان ، الذى اشتهر بحب بثينة ، وقد كان شاعرا وهب شعره فى حب بثينة ، ومات سنة 65 ):‏

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة                  بوادي القرى إني إذًا لسعيد

إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي                   من الحب قالت ثابت ويزيد

وإن قلت ردي بعض عقلي أعش به         مع الناس قالت ذاك منك بعيد

فلا أنا مردود بما جئت طالبًا                ولا حبها فيما     يبيد      يبيد

يموت الهوى منى إذا ما  لقيتها            ويحيا إذا فارقتها         فيعود

فغنته الجارية.  وسقط مغشيًا عليه ساعة ثم أفاق ،  فقال له عبد الملك‏:‏ مرها فلتغنك الصوت الثالث‏.‏

فقال‏:‏ يا جارية غني بشعر قيس بن الملوح‏:‏

وفي الجيرة الغادين من بطن وجزة              غزال غضيض المقلتين ربيب

فلا تحسبي أن الغريب الذب نأى                  ولكن من تنأين عنه غريب

فغنته الجارية، فطرح ( أى ألقى ) الغلام نفسه من المستشرف ( الشرفة / البلكونة ) فلم يصل إلى الأرض حتى تقطع‏.‏

فقال عبد الملك‏:‏ ويحه لقد عجل على نفسه ولقد كان تقديري فيه غير الذي فعل.  وأمر فأخرجت الجارية من قصره . ثم سأل عن الغلام فقالوا‏:‏ غريب لا يعرف إلا أنه منذ ثلاث ينادي في السوق ويده على رأسه‏:‏

غدًا يكثر الباكون منا ومنكم     وتزداد داري من دياركم بعدا) . إنتهى .

  3 ـ هذه القصة الرائعة فى رومانسيتها هى كاذبة ولم تحدث . لقد كان ابن الجوزى من كبار الوعاظ ومن كبار القصّاصين الذين يخترعون الحكايات. ومفردات هذه القصة من الطرب المجنون أو (الوجد ) والموت عند سماع الأغانى  و تقطيع الثياب عند الغناء لم يكن معروفا فى العصر الأموى ، ولكنه انتشر فى القصص اللاحقة فى كتب الصوفية وخصوصا احياء علوم الدين للغزالى.  وأصبح تقطيع الثياب بحجة الطرب الشديد ـ أى الوجد الصوفى ـ عادة فى أواخر العصر العباسى منذ حياة ابن الجوزى فى القرن السادس الهجرى الى أن استشرت فى العصر المملوكى فى القرن السابع وما بعده. ابن الجوزى فى كتابه ( تلبيس ابليس ) عاب على الصوفية فى عهده اختراعهم لتقطيع الثياب عند سماعهم للأغانى, أى لم يكن ذلك معروفا من قبل.المهم أنه اخترع اسنادا لهذه الحكاية الخيالية ، أى قال : حدثنى فلان عن فلان عن فلان.. وأتى بهذه القصة الخيالية التى لم يذكرها المؤرخون السابقون لابن الجوزى. لم يذكرها ابن سعد فى الطبقات الكبرى ولا  الطبرى مما يدل على أنه اخترعها ونسبها كذبا لرواة موتى ماتوا دون ان يعرفوا ما اسنده اليهم ابن الجوزى فيما بعد . وكما كان ابن الجوزى يكذب فى الأحاديث فهو يكذب فى التاريخ. ولكن مع كذب ابن الجوزى فى هذه الرواية ومع إختراعه لها فإنه كان صادقا فى التعبير عن ثقافة عصره . اصبح عصره متعلقا بالجوارى القينات ، لا يرى بأسا من أن ينتحر عاشق لهن ، ولا يرى بأسا بأن يتعاطف مع هذا الفتى الولهان خليفة حجرى الفؤاد غليظ القلب سفّاك للدماء مثل عبد الملك بن مروان . صاغ الفقيه الحنبلى ابن الجوزى هذه الحكاية الخيالية وسجلها فى تاريخه على أنه واقعة تاريخية ، وهو بذلك صادق فى التعبير عن ثقافة عصره ونظرته الى الجوارى .

4 ـ وللمزيد من رصد هذا التحول فى النظرة للقيان فإننا لن نستشهد بروايات أبى الفرج الأصفهانى فى كتابه المشهور ( الأغانى ) وهو العمدة فى موضوعه ، ونرى أنه أكثر صدقا من كثير من المصادر التاريخية ، ومنها ( المنتظم لابن الجوزى ) . سنستشهد بتاريخ المنتظم لابن الجوزى ، مع وجود الشك فى رواياته لأن رواياته تعبر بصدق هائل عن ثقافة القرن السادس الهجرى .

القيان فى عصر الرشيد :

1 ـ كانت هناك صداقة متينة بين جعفر البرمكى  وإبراهيم الموصلي وابنه اسحق. وحدث- كما يروى ابن الجوزى- أن جعفر البرمكى أدى فريضة الحج مع الخليفة هارون الرشيد,وذهب معه إبراهيم الموصلي , وكانت المدينة المنورة مشهورة في ذلك الوقت بالجواري الممتازات في العزف والغناء, وقد طلب جعفر من إبراهيم الموصلي أن يعثر له على جارية غاية في الحذق بالغناء والعزف والظرف والجمال..ونزل إبراهيم الموصلي إلى سوق الجواري فى المدينة المنورة وسأل وعرف من السماسرة أن هناك مطلبه, ولكن ليست معروضة في السوق وإنما هي في بيت صاحبها الذي يحتاج إلى بيعها بسبب ظروف فقر طارئ. ودخل إبراهيم الموصلي على الرجل في داره فرأى آثار النعمة .. وخرجت إليه الجارية فلم ير إبراهيم الموصلي أجمل منها ولا أصبح وجها, ثم أمرها سيدها فغنت من الحان إبراهيم الموصلي فرآها إبراهيم ممتازة في الغناء والعزف,ثم ساوم إبراهيم صاحبها في شرائها, فطلب منه الرجل أربعين ألف دينار, فرضى إبراهيم الموصلي على شرط أن يعطيه مهلة للتفكير, واتفقا على ذلك, ثم عاد إبراهيم إلى الوزير جعفر البرمكى وأخبره بالخبر ومدح له الجارية حتى ازداد جعفر بها شغفا, وصحبه جعفر إلى البيت مستخفيا كأنه أحد الخدم .. ومعهما المال , فأعطى إبراهيم المال لصاحب الجارية, وحين علمت الجارية بكت, فاعتذر لها سيدها بالفقر.. فانخرطت في بكاء أشد وهى تقول له إنها لو ملكت الدنيا وما فيها في نظير أن تفارقه ما تركته, وبكى الرجل,وأعلن أمام الحاضرين أنها حرة وأنه قد تزوجها وأعطاها داره صداقا ومهرا.. وضاعت الصفقة .

2 ـ  تعددت الأسباب في نكبة البرامكة في عهد الرشيد.ويقال إن من ضمن الأسباب أن الخليفة هارون الرشيد طمع في الجارية فتينة التي كانت في  ملك جعفر البرمكى, وكانت مشهورة بالجمال وحسن الصوت ولكن فوجىء الرشيد برفض جعفر التنازل عنها للخليفة فغضب، وكان ذلك من أسباب نكبة جعفر وآله من البرامكة. يؤيد هذا الرأى  أن هارون الرشيد كان مشهورا بحب امتلاك الجوارى اللاتى يملكهن غيره ، ولا يرضى حتى ينتزع الجارية من صاحبها ليستحوذ عليها الرشيد وحده!..ولقد ذكرنا فى مقال سابق كيف أن الجارية ( فتينة ) بعد قتل الرشيد لجعفر وإستيلاء الرشيد عليها أنها رفضت أن تغنى للرشيد ، وحين غنت مضطرة  قامت برثاء حبيبها جعفر تحديا للرشيد ، فقتلها الرشيد .

3 ـ كان ( زلزل ) ت 174 ، يمتلك جارية تعلمت الغناء ، وكان اسحاق بن ابراهيم الموصلى  يريدها ويستحى من زلزل ، فلما مات زلزل عام 174 عرض الورثة الجوارى للبيع ، ورآها اسحاق الموصلى فرصة فذهب ليشتريها ، يقول الموصلى ( فلما توفي زلزل بلغني أن ورثته يعرضون الجارية ، فصرت إليهم فأخرجوها ، فإذا هي جارية كاد الهزال يكويها لولا ما تم منها ونقص منه ، فقلت لها‏:‏ غنّي فغنَّت وعيناها تذرفان ،  ثم شهقت ظننت أن نفسها قد خرجت ‏.‏ فركبت من ساعتي فدخلت على أمير المؤمنين  ( الرشيد ) فأخبرته خبرها فأمر بإحضارها ، فلما دخلت عليه قال‏:‏ غنّي ‏.‏فغنَّت وجعلت تريد البكاء فتمنعها هيبة أمير المؤمنين ، فرحمها وأعجب بها.  وقال‏:‏ أتحبين أن أشتريك فقالت‏:‏ " يا سيدي أما إذ خيرتني فقد وجب نصحك عليّ والله لا يشتريني أحد بعد زلزل فينتفع بي  . " ‏.‏ فأمر بشرائها وأعتقها وأجرى عليها رزقًا ‏.‏ )   

4 ـ (  قال ابن الموصلي‏:‏ حدَّثني أبي قال‏:‏ أتيت يحيى بن خالد بن برمك فشكوت إليه ضيقة فقال‏:‏ ويحك‏!‏ ما أصنِع بك ليس عندنا في هذا الوقت شيء ولكن ها هنا أمر أدلك عليه فكن فيه رجلًا قد جاءني خليفة صاحب مصر يسألني أن أستهدي صاحبه شيئًَا وقد أبيت ذلك فألح عليّ وقد بلغني أنك أعطيت بجاريتك فلانة آلاف دنانير فهو ذا أستهديه إياها وأخبره أنها قد أعجبتني فإياك أن تنقصها من ثلاثين ألف دينار وانظر كيف يكون ‏.‏قال‏:‏ فوالله ما شعرت إلا بالرجل قد وافاني فساومني بالجارية ‏.‏فقلت‏:‏ لا أنقصها من ثلاثين ألف دينار فلم يزل يساومني حتى بذل لي عشرين ألف دينار فلما سمعتها ضعف قلبي عن ردها فبعتها وقبضت العشرين ألفًا وصرت إلى يحيى بن خالد فقال لي‏:‏ كيف صنعت في بيع جاريتك ‏.‏فأخبرته وقلت‏:‏ والله ما ملكت نفسي أن أجبت إلى العشرين ألفًا حين سمعتها ‏.‏فقال‏:‏ إنك لخسيس وهذا خليفة فارس قد جاءني في مثل هذا فخذ جاريتك فإذا ساومك بها فلا تنقصها من خمسين ألف دينار فإنه لا بد أن يشتريها منك بذلك ‏.‏قال‏:‏ فجاءني الرجل فأسمت عليه خمسين ألف دينار فلم يزل يساومني حتى أعطاني ثلاثين ألف دينار فضعف قلبي عن ردها ولم أصدق بها فأوجبتها له بها ثم صرت إلى يحيى بن خالد فقال لي‏:‏ بكم بعت الجارية ‏.‏فأخبرته فقال‏:‏ ويحك‏!‏ أما تؤدبك الأولى عن الثانية ‏.‏قلت‏:‏ والله ضعف قلبي عن رد شيء لم أطمع فيه ‏.‏فقال‏:‏ هذه جاريتك فخذها إليك ‏.‏قال‏:‏ جارية أفدت بها خمسين ألف دينار ثم أملكها أشهدك أنها حرة وأني قد تزوجتها ‏.‏ )

5 ـ عن ثقافة الجوارى نقرأ رواية الأصمعي قال‏:‏  ( أمر الرشيد بحملي إليه فحملت فأدخلني عليه الفضل بن الربيع وهو منفرد فسلمت فاستدناني وأمرني بالجلوس فجلست فقال لي‏:‏ يا عبد الملك وجهت إليك بسبب جاريتين أهديتا إليَّ وقد أخذتا طرفًا من الأدب فأحببت أن تُبَوِّر ما عندهما وأن تشير عليَ فيهما بما هو الصواب عندك ثم قال‏:‏ ليُمْضَ إلى عاتكة فيقال لها‏:‏ أحضري الجاريتين فحضرت جاريتان ما رأيت مثلهما قط فقلت لإحداهما‏:‏ ما اسمك قالت‏:‏ فلانة ‏.‏قلت‏:‏ ما عندك من العلم قالت‏:‏ ما أمر الله به في كتابه ثم ما ينظر الناس فيه من الأشعار والآداب والأخبار فسألتها عن حرف من القرآن فأجابتني كأنها تقرأ الجواب من كتاب وسألتها عن النحو والعروض والأخَبار فما قصرت فقلت‏:‏ بارك الله فيك فما قصرت في جوابي في كل فن أخذت فيه فإن كنت تقرضين شيئًا من الشعر فأنشدينا شيئًا فاندفعتَ في هذا الشعر‏:‏ يا غياث العباد في كل محل ما يريد العباد إلا رضاكا لا ومن شرف الإمام وأعلى ما أطاع الإله عبد عصاكا ومرت في الشعر إلى آخره ‏.‏فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين ما رأيت امرأة في مسك رجل مثلها وسألت الأخرى فوجدتها دونها ما تبلغ منزلتها ‏.‏إلا أنها إن وُوُظِبَ عليها لحقت ‏.‏قال‏:‏ يا عباسي فقال الفضل‏:‏ لبيك يا أمير المؤمنين فقال‏:‏ ليردا إلى عاتكة ويقال لها تصنع هذه التي وصفت بالكمال لتحمل إلي الليلة ‏.‏) وأمضى الاصمعى ليلة فى تسلية الرشيد ، وأمر الرشيد بمكافأته ، يقول ( فقال‏:‏ يا عباسي أعط عبد الملك مائة ألف درهم وردّه إلى مدينة السلام فانصرفت فإذا خادم يحمل شيئًا ومعه جارية تحمل شيئًا فقال‏:‏ أنا رسول بنتك - يعني الجارية التي وصفتها - وهذه جاريتها وهي تقرأ عليك السلام وتقول لك‏:‏ إن أمير المؤمنين أمر لي بمال وثياب وهذا نصيبك منهما ‏.‏فإذا المال ألف دينار وهي تقول‏:‏ لن نخليك من المواصلة بالبر فلم تزل تتعهدني بالبر الواسع حتى كانت فتنة محمد فانقطعت أخبارها عني ‏.‏وأمر لي الفضل ابن الربيع من ماله بعشرة آلاف درهم ‏.‏  )  

اجمالي القراءات 6953