الرد على سؤال من مثقف مسيحى

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٠ - أغسطس - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :

جاءتنى هذه الرسالة، أنشرها مع تحفظى على بعض ألفاظها ، ثم أرد عليها  وبالتفصيل  للتوضيح :

يقول : ( فضيلةالدكتور أحمد صبحي منصور . تاريخك الثوري شجعني على طرح سؤال بقى لي أكثر من سنتين أطرحه على صفحات الفيسبوك لكبار الشيوخ ولم أتلقى ردا موضوعيا ولا منطقيا عليه... سؤالي بوضوح هو: لماذا يقول إله القرآن لـ (الرسول) في القرآن "هو الله" حوالي 7 مرات ولا يقول مرة واحدة "أنا الله"؟؟؟؟ ولماذا لا نصدقه أنه ليس "الله"؟ لماذا نلجأ لمصادر أخرى من خارج القرآن لنثبت أن إله القرآن هو "الله"؟؟؟ أليس موقـّع الرسالة هو الذي يعلن عن نفسه.... (خاصة وأن فضيلتك شككت في الأحاديث كلها)... لماذا لا نجد أي آية مثل "يا محمد "أنا الله" وهذا قرآني" أو "يا مسلمين "أنا الله" وهذه شريعتي"؟؟؟ ألم يقدم "الله" نفسه للنبي موسى قائلا "أنا الله" وقدم شريعته الأساسية مكتوبة على الحجر حتى في القرآن. بالمناسبة قالها "أنا الله" و"أنا الرب" حسب التوراة لكثيرين مثل إبراهيم واسحاق ويعقوب وموسى وشعب اليهود وغيرهم.. فلو إله الإسلام ليس "الله" كما هو واضح بالقراءة المباشرة فسنحل كثير من المعضلات القرآنية والسنة النبوية.. وتطور الموضوع لدرجة أنني قمت بعمل فيديو مقروء يشمل هذا السؤال والردود على الإجابات الغير موضوعية والغير منطقية التي تلقيتها... ورابطه https://www.youtube.com/watch?v=rn72kVp7iD8 وتحول الموضوع إلى معضلة فكرية لي حيث أن المسلم يقرأ "هو الله" في القرآن آلاف المرات ولا يسأل نفسه لماذا إله القرىن لا يقول "أنا الله"... أرجو التكرم بلإجابة على سؤالي باختصار جدا لأنني من كثرة مناقشاتي سأفهم ردك مباشرة. تحياتي  ) .

وأقول راجيا التوفيق من رب العزة جل وعلا :

أولا :

الاجابة على هذا السؤال تتداخل فى موضوع إستعمال الضمائر فى ( اللسان القرآنى ) و ( اللسان العربى ). نقول ( اللسان ) لأن مصطلح ( اللغة ) ليس دقيقا ، والأصح إستعمال ( اللسان العربى ) بدلا من ( اللغة العربية )، ولنا بحث فى مقالين أو اكثر ـ لا أتذكر ـ عن موضوع اللغة واللسان . أما ( اللسان القرآنى ) فأعنى به المصطلحات الخاصة بالقرآن الكريم ، وكررنا كثيرا جدا أن للقرآن الكريم مفاهيمه الخاصة ومصطلحاته الخاصة التى يمكن فهما ومعرفتها بسهولة من خلال السياق القرآنى نفسه ، وان للمسلمين فى أديانهم الأرضية ( السنة والتشيع والتصوف )مصطلحات خاصة تختلف عن بعضها ، وكلها تختلف عن مصطلحات القرآن ، وأن الباحث لكى يتأهل للبحث فى الاسلام وفى المسلمين لا بد أن يتعرف جيدا على هذه المصطلحات ، وإلا كان هجّاصا ( من الهجص ). وشيوخ الأديان الأرضية المحمديون كلهم جاهلون وهجاصون .

ثانيا :

 نبدأ بقضية الضمائر :

1 ـ فى اللسان العرب تتقسم الضمائر تقسيمات متنوعة . منها ضمير المتكلم ( أنا ، نحن ) وضمير المخاطب ( أنت ، انتما ، أنتم ) وضمير الغائب ( هو ، هى ، هما ، هم ، هن ) . وهناك تقسيمات داخلية ( ضمير بارز ) فى الأمثلة السابقة ، وضمير مستتر  ( وجوبا أو جوازا ) ، والضمير البارز منه المتصل ومنه المنفصل ، وكل الضمائر فيها الإفراد ( المفرد ) والتتثنية والجمع ، وفيها المذكر والمؤنث . وهذا كله شرحه يطول ,

2 ـ يهمنا هنا أن رب العزة فى كتابه العزيز ( القرآن الكريم ) يستعمل ( الضمائر ) فى التعبير عن ذاته العلية المقدسة بطريقة خاصة تتفق وجلاله وعظمته وتفرده عن المخلوقات .

بالنسبة لنا ضمير الغائب هو (عن ) الشخص الغائب . ( هو للمفرد ، هى للمفردة ، هما للمثنى ، هم للجمع المذكر هنّ للجمع المؤنث ) . هذا هو حال البشر . ولكن لا يجوز هذا على رب العزة الحى القيوم الذى لا يغفل ولا ينام ولا يغيب . لذا فإن مصطلح ( هو ) بالنسبة لرب العزة لا يعنى الغياب بل يعنى الحضور والرقابة فمن أسمائه جل وعلا ( الرقيب ) :  (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (52) الاحزاب ) ، ومن أسمائه جل وعلا ( الشهيد ) أى الذى يشهد على كل شىء : (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (55) الاحزاب  ). ويوم القيامة سيسأل رب العزة رسوله المسيح عليه السلام  عن أولئك الذين إتخذوه وأمخ  إلاهين ، هل قال لهم هذا ، ويرد عيسى عليه السلام متبرئا ممن إتخذه إلاها وإتخذ أمه إلهة : (  وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)  المائدة ) يهمنا قول عيس عليه السلام بأن رب العزة هو الرقيب عليهم والشاهد عليهم . ونفس الحال مع خاتم النبيين سيتبرأ يوم القيامة ممن إتخذ القرآن مهجورا (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) الفرقان ) يصف بعدها رب العزة المحمديين أرباب أديان السنة والتشيع والتصوف بأنهم أعداء النبى وأنهم مجرمون ، يقول جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31)  الفرقان) .

3 ـ يهمنا أن الله جل وعلا هو الشاهد على كل شىء وهو الرقيب على كل شىء ، وبالتالى فيمكن أن تستخفى من الناس ترتكب جريمة لكن لا يمكن أن تستخفى من رب العزة جل وعلا . وقدفعلها بعض الصحابة الذين تآمروا فى الخفاء فقال جل وعلا عنهم : ( يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108) النساء  ) . لاحظ قوله جل وعلا ( وهو معهم ) . هنا ( هو ) تفيد الحضور وليس الغيبة . وقال جل وعلا عن بعض العُصاة : (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)  العلق  ).

4 ـ لذا فإن المؤمن المتقى هو الذى يخشى ربه جل وعلا فى الخفاء قبل العلن ، أو بالتعبير القرآنى  عن المتقين : ( الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ  ) (49) الانبياء )، أى يخشون الله جل وعلا فى الخلوة لأنهم يؤمنون أنه جل وعلا يراهم وهو جل وعلا محيط علما بهم وبكل شىء .

ثالثا : نتوقف  بالتفصيل مع مصطلح (هو) فى القرآن الكريم :  

 1 ـ  ( هو) من ألفاظ القرآن الكريم، وتأتي نادرا في الحديث عن البشر مثل قوله تعالي (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي) ( 18  : 17) وقوله تعالي يحكي اتهام المشركين لرسولهم: (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ) (23/38، 25").

2 ـ الأغلب أن تأتي كلمة (هو)  في الحديث عن رب العزة: ( قل هو الله أحد) ، (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) ( 2 / 255 )( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ( 59 / 22 ـ )(وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ   ).( 6 / 98 )

3 ـ واستعمال كلمة (هو ) بمعنى الغياب لا ينطبق على الله  سبحانه وتعالي لأنه هو الحي القيوم القائم على كل شىء الحاضر الشاهد على كل شىء(اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) ( 2 / 255 ) والله تعالى هو الذى يعلم الغيب و الشهادة أى الشهيد ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) (59 / 22 ) وهو الذي لا يغيب: (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ ) (:7/7") (وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ ) ( 23/17.)

4 ـ وحين تأتي كلمة ( هو)  في القرآن عن رب العزة جل وعلا فإنما يكون ذلك في تأكيد قيومية الله تعالي وتمام تحكمه وعظيم سيطرته ونفاذ علمه إلي كل شيء، أي تأتي كلمة (هو) عن الله تعالى لتثبت عكس مدلولها عند البشر .وتأمل قوله تعالي: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)  ( 57/1: 4 ). وفي هذه الآيات الكريمة التي تكررت فيها كلمة ( هو ) نجدها تؤكد اختلافه تعالي عن البشر فهو الأول والآخر والظاهر والباطن، ونجدها تأتي لتأكيد تمام علمه تعالي بكل شيء في السماوات والأرض ، بل انها تأتي في مكان لفظ الجلالة ففي الآية " وهو بكل شيء عليم " وفي الآية التالية و " الله بما تعملون بصير ".. ويكفي أن الله تعالي يقول ( وهو معكم أينما كنتم ) فإذا كان تعالي معنا أينما نكون فكيف يكون غائبا.

رابعا : بقية الضمائر والصفات :

1 ـ نفس الحال مع الضمائر الأخرى مثل ضمير الملكية . فمثلا أنت تقول (كتابي )، و(الياء)  في الكلمة تفيد الملكية، ملكيتك للكتاب،فهل ينطبق ذلك عندما تقول: ( سبحان ربي العظيم ؟)..بالطبع لا.. لأنك حينئذ تقر وتعترف بأنك ملك لله تعالي، أي يكون المعني بالعكس تماما. وموسي حين قال لقومه: (فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي) (20/86 )  فإن الياء في كلمة "( موعدي )" تفيد الملكية ، ولكنك حين تقول : (لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا  ) (18  /38)" فإن الياء في كلمة " ربي " تفيد انك أنت ملك لله تعالي.. !!2

( الروح ) فى المصطلح القرآنى ليس النفس ـ بل هو ( جبريل ) عليه السلام ، وهو الذى جاء الى العذراء مريم فى خلوتها يحمل الأمر الالهى (كُن ) بأن تحمل العذراء وتلد المسيح فحملته وولدته سريعا ، وهذا ما جاء فى قوله جل وعلا : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيّاً (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً (21)   ) . يهمنا هنا ( روحنا ) ب ( نا ) التى تفيد الملكية بالجمع ، كقوله جل وعلا : (  وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91) الانبياء  )، أى جبريل الذى نملكه ، وهناك أيضا (روحى ) بياء الملكية تفيد ملكية الرحمن لجبريل كما فى قوله جل وعلا عن خلق آدم : (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) الحجر   ) أى جبريل الذى أملكه .

2 ـ نفس الحال فى أسماء رب العزة جل وعلا وصفاته  ، ونعطى أمثلة :

2 / 1 : وصف ( الحى ) يأتى للمخلوقات (  يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ ) (19) الروم ) ، ولكن عندما يأتى ( الحى ) إسما لرب العزة جل وعلا فهو يفيد الحى الذى لايموت : (  وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً (58) الفرقان ) والحى القيوم على كل شىء والذى لا ينام : ( اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) البقرة ).

 2 / 2 : وصف ( أحد ) ياتى ل ( أحد البشر ) أى أى فرد منهم . ولكنه حين يأتى إسما لرب العزة جل وعلا فإنه يؤكد العكس ، أى تفرده بالألوهية وأنه الاله الواحد الذى لا ثانى له ، والذى لا تناسخ منه من إبن وولد . وقد إجتمع فى سورة ( الاخلاص ) كلمة ( أحد ) بالمعنين المتناقضين ، أحدهما لرب العزة جل وعلا بمعنى الصمد الذى يحتاج اليه ما عداه ومن عداه وهو لايحتاج الى أحد  ولم يلد ولم يولد . و( أحد ) الأخرى فى نهاية السورة عكس ذلك  تماما . تأمل قول رب العزة جل وعلا وصفا لذاته مقرونا بكلمة ( هو ) : : (  قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (4) )

3 ـ نفس الحال فى (فعل الأمر ) . قد تأمر شخصا فتقول له :( إفعل كذا )، والأغلب أن فعل ( الأمر) يأتى من الأعلى لمن هو دونه ، ومنه إشتق وصف ( الأمير ) أى الذى (يأمر ) ، ومنه أوامر الله جل وعلا لنا ووصاياه العشر . ( الأنعام 151 : 153 ) . ولكن (فعل الأمر ) ينقلب الى العكس وهو الرجاء والتضرع والتذلل حين تدعو رب العزة جل وعلا . أنت هنا لا تأمر ..حاش لله رب العالمين ، بل تدعو متضرعا متذللا .

4 ــ المستفاد مما سبق أن إستعمال ( هو ) بالنسبة لرب العزة جل وعلا يفيد الحضور والقيومية وليس الغياب ، وأن اسماء الله جل وعلا الحسنى ـ وإن تشابهت مع بعض صفات البشر من حيث اللفظ ـ إلا إنها تختلف تماما فى تعبيرها عن رب العزة . وألأساس هنا ـ كما سبق توضيحه فى بحث ( التأويل ) أن لسان البشر  يعجز  عن الاتيان بكلمة تعبر عن جلال رب العزة وعظمته وقيوميته وذاته ،كما أن مدركات البشر ـ والتى تنطق بها ألسنتهم ـ تعجز عن تصور رب العزة ، لذا فإن التعبير عن الذات الالهية وسائر غيوب الآخرة تأتى بطريقة يفهمها البشر أو بأسلوب المجاز الذى يقرّب المعنى للتصور العقلى البشرى ، ومع إستعمال نفس البيان البشرى واللسان البشرى .

خامسا :

قضية الوحى الالهى للأنبياء والرسل :

1 ـ إختلفت طرق الوحى الالهى للأنبياء والرُّسُل . يقول جل وعلا : ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) الشورى ) . هنا الوحى المباشر كلاما من رب العزة للرسول ، ثم هناك الوحى غير المباشر من وراء حجاب ، أو عن طريق جبريل  ( الروح ) الذى كان ينزل بالوحى : (   يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (2) النحل ) (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِي (15) غافر )

2 ـ ليس لدينا علم بهذا الوحى ، فقد كان للنُّخبة المُختارة المُصطفاة من البشر وهم أنبياء الله جل وعلا ورسله الكرام . وحتى لا نعلم عددهم .

وهنا نتوقف مع قول رب العزة جل وعلا : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً (163) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً (164) النساء ) . ونفهم منها الآتى :

2 / 1 : إن الوحى الذى نزل على خاتم النبيين محمد ( عليهم جميعا السلام ) كان بنفس الطريقة التى نزل بها الوحى على أنبياء سابقين ، منهم من ورد ذكره فى القرآن ومنهم من لم يأت قصصهم فى القرآن .

2 / 2 : إن موسى عليه السلام تميز بأن رب العزة كلّمه تكليما (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً  ). ، أى تكلم رب العزة مع موسى مرات عديدة ، بطريقة لا نعرفها ، كان فيها الحديث متبادلا بين رب العزة ونبيه موسى ، الى درجة أن موسى بسبب هذا الوحى الكلامى المباشر طمع فى أن يرى رب العزة حين جاء لميقات ربه فوق جبل الطور فى سيناء ، يقول جل وعلا : (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ (144) الاعراف  )

 3 ـ  فى هذا الوحى المياشر كان رب العزة جل وعلا يستعمل ( ضمير المتكلم ) : ( أنا / إننى ) . كان هذا فى أول وحى تلقاه موسى وهو عائد بزوجه من مدين الى مصر ، وهو عند جبل الطور ، يقول جل وعلا : (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (11) طه  ) . فى هذا النداء الالهى الذى لا يمكننا تخيله كان كلام الرحمن جل وعلا مع موسى بضمير المتكلم  :   ( إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (14)  طه ). وإستمر الحديث بينهما :  (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) طه ).

وتكرر هذا فى سورة النمل ( 7 ــ ) و سورة القصص ( 30 ــ ) هذا عن أول وحى مباشر ( كلامى ). وهناك وحى مثله حين تأثر موسى بألاعيب السحرة :   ( قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) طه ). وآخر عندما أنبأه رب العزة بأن قومه قد أضلهم السامرى فعبدوا العجل : (  وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمْ السَّامِرِيُّ (85)  طه )

أخيرا :

1 ـ أنزل الله جل وعلا الكتب السماوية وجعل الناس أحرارا فى الايمان بها وطاعتها أو فى الكفر بها والعبث بها تحريفا وتخريفا . لذا فالقرآن الكريم فيه شفاء لمن يريد الهدى ، وأما الذى يريد الضلال فيمكنه أن يتلاعب بالقرآن كيف شاء فيزداد بالقرآن خسارا ، يقول جل وعلا : (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً (82) الاسراء  ). وقع فى الإضلال بالقرآن أئمة ( المسلمين ) سائرين على سُنّة من سبقهم  . والله جل وعلا يتوعد من يرتكب هذا ، فهو جل وعلا لا يخفى عليه من يُلحد فى قُرآنه ، وسيكون مصيرهم الخلود فى النار ، لذا يقول جل وعلا لهم ( إعملوا ماشئتم ) : (  إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) فصلت )

أحسن الحديث :

1 ـ قال جل وعلا بعد الآية الكريمة السابقة :

 ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)  فصلت  )

2 ـ ودائما : صدق الله العظيم .!!

اجمالي القراءات 11053